• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : موعد مع الحزن .
                          • الكاتب : نادية مداني .

موعد مع الحزن

في سجن رطب بارد، يقاسم الوحدة مع قضبان من حديد ألفت حكايته ولانت من كثرة آهاته ، يسحب أرجله ببطء يدسهما تحت غطائه،يتوسد أحزانه المتعبة كما يتوسد تلك الوسادة التي صنعها بملابسه الصيفية ولفها بقماش بعد خياطتها ، لأنه ليس لديه الحق في امتلاك وسادة ، وربما ليس لديه الحق في النوم والحلم.... يخرج من حقيبته أجندة وتلك الأجندة هدية أعطاها له ابن قاضي كان يدرسه الرياضيات ،لم يعلم الطفل البريء أن تلك الأجندة ستكتب عليها كلمات ولدت من رحم الظلم، بسبب أنثى جعلت منها الأقدار قاضية، فحكمت عليه بعقوبة طويلة،دون دليل ولا شهود ،عندما تقرأ الجرائد تجد فيها تهم متشابهة لكن الأحكام تختلف، ،فمثلا حضرت جلسة ذات مرة بحكم بحث قمت به في الجامعة لأتحصل على أكبر معدل في القانون العام –عشرين نقطة- لكني تحصلت على خمسة عشر ومنذ ذلك الوقت وعقدة العشرين تلاحقني .
-كان القاضي ينظر للمتهم بنظرة ملتهبة امتزجت بطيف أخيه المقتول غدرا من طرف الإرهاب ،ليصدر حكما ضده بأقصى العقوبة.
تحضرني حكاية حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كان قاضي البلاد فوقف أمامه متهم بنسبة تسعة وتسعين بالمائة لكن بقي أمل واحد بالمائة في برائته ، فمنحه رسول الله البراءة لعدم كفاية الأدلة، عندما يشاء القدر فإن المستحيل ممكن والجائز مستحيل في زمن تتشابه فيه الأسماء، وتتعقد المصطلحات؟ فبسبب أنثى ولد وبسبب أنثى ضاع وبسبب أنثى سجن.
يرضى بقدره ، يسحب نفسا عميقا يحرق سيجارة ويحرق معها كل ذكرياته،بالأمس كان رجل المستحيل ، بطل في طفولته ،بمغامراته الساذجة فالكل أصدقائه حتى الحيوانات أحبته ، شهم في رجولته ، كريم إلى حد التبذير
يملك قلبا بحجم البحر، إذا أؤتمن على سر صان ،له لسان صدق لكن الأيام خانته وكذبت بأحلامها المزهوة ،فركض ورائها، فهل هذا هو قدر الطيبين من يثملون السذاجة إلى حد الضياع، هل يستطيع أن يكون هؤلاء مجرمون وأول ضحية لهم أنفسهم 
صاحب النسيان.. ،لينسى مكر أنثى فهلكه وأدخله عالم أنثى أخرى تحترف الجريمة فأعجبها ، لتحرك غيرة أقرانها في الجريمة فخططوا ليبعدوه فنجحوا في ذلك ، لا أدري لماذا يوفق الأشرار في تخطيطاتهم ،هل يباركها الشيطان؟
ينام "جورج "على ظهره كعادته ، يرسل بنظراته إلى سقف السجن يلاعب طيف أولاده الذين تركهم لقدرهم الأحمق، لفقرهم ، لضياعهم في وسط مجتمع لا يرحم، يصارعون الحياة بأيادي طرية لم تروض بعد على العمل
في غياب سلطة الأب مع أم لا تفقه شيء في الحياة لأنها تركت الدراسة باكرا ومكثت في البيت لا تملك حرفة مع يتم محتم
قاسية هي الأيام والقوانين ... يعاوده من حين لآخر ضجيج المحكمة ، لحظات انتظاره إصدار الحكم ، حرقة أعصابه ، توتره ، نظرا ته التي تسلقت كل جبال الحزن لتصل إلى القاضي تترجاه بنبرة طفل حزين ، يطلب منك نقود أو قطعة خبز تسكت صراخ أمعائه الجائعة ، تنتقل إلى وكيل النيابة تستعطفه تصرخ بصوت مرتفع أنا أب لأولاد سيضيعون من بعدي فإذا إستئصلتموني من المجتمع فأنتم بذلك تزرعونهم عوض عني ، ينطق وكيل النيابة بحكمه الذي يحفظه عن ظهر قانون ، يغرق بذلك كل سفن ذلك البحار لكنه يحترف السباحة كما يحترف لعبة الأمل ، ينتقل بنظراته إلى القاضية التي كان يراها أم أو أخت قد تحن أو ترحم فإذا بها تعيد حكم وكيل النيابة كتلميذ نجيب يحفظ دروس معلمه عن ظهر ببغاء، وبذلك تثبت قوتها وتعكس نظرية أن الأنثى أرحم...
ينزل الحكم على المتهم كصاعقة ليحدث انفجارا في قلبه ، يعرقل سير الدم في عروقه مع ارتفاع في ضغطه السكري ، يرجع إلى زنزانته يشرب أوجاعه يقتات من فتات إكتئابه فتتحول إلى مرض خبيث ينهش جسده في صمت ،لقد حفر قبره في سجن مظلم وهو يتمتم دون ملل أنا مظلوم ، فهو بريء حتى تثبت إدانته فهذه لغة القانون وليست لغته.
تنتظر عائلته عودته إليهم ، واثقة من براءته ، لأن ملف القضية مدروس بعمق وينبئ بالبراءة، يرن الهاتف ترقص على رناته قلوب حائرة يأتي صوت من بعيد يفاجئهم ويضرب لهم موعد مع الحزن .مقتطف من المجموعة القصصية "حقد انثى" 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19458
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18