• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : متى كان لداعش دين أو إنسانية؟ .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

متى كان لداعش دين أو إنسانية؟

عندما تسلك حركة عقائدية مسلحة أسلوب التقتيل والإرهاب، وسيلة لبلوغ هدفها من بسط نفوذها، وسيطرتها على مجتمعاتها، فأصحابها بالتأكيد مختلّون فكرا وعقيدة، ويجب علينا اعتبارها حركة فاشية متطرفة، بعيدة ليس عن الدين وحده، وإنّما أيضا عن الإنسانية أيضا، فليس أوحش من أن تتبنى حركة (جهادية)، مشروع استعادة الدين لنفوذه بالقوّة والإكراه، في زمن انتهى فيه الغزو وفرض المنطق السلطوي بعنوان الدين، من دون الأخذ بعين الإعتبار لرأي المجتمع المتديّن بالأصالة، هذا وقوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (1) هو حكم باتّ في كون الدين محلّ اختيار الشخص برضاه، وبالتالي اعتبار رأي المجتمع نافذا، في قبول أو رفض الدين منهج حياة له.

ليس جديدا ظهور نزعة الإرهاب والتطرف على الأرض، فقد ابتليت أجيال قديمة بهذا الدّاء القاتل للحياة والنازع للأمن في المجتمعات، فعندما نستعرض بعجالة، ما كان يرتكبه الأمويون والعباسيون من جرائم، بحق معارضيهم باسم الدين، وإخضاع الناس لطاعتهم، على أساس أنهم أولي أمرهم، وواجب الخضوع لهم من تفاصيل الدين، ما داموا يقيمون الصلاة ولو كانت تظاهرا، ويقترفون الموبقات والجرائم في قصورهم، ولا يتورّعون في اظهار بأسهم وبطشهم، عندما يرون في ذلك ضرورة لزيادة إرهاب المعارضين لهم.

ما يستدعي ذكره هنا ما حصل لميثم بن يحي التمّار(2) صاحب علي بن ابي طالب عندما بلغ ابن زياد أنّه يدعو إلى حقّ ولاية المولى المنصوص عليه من طرف النبي(ص) فدعاه لأن يتبرأ من عليّ فرفض، فمثّل به ابن زياد بان قطع يداه ورجلاه وصلب على جذع نخلة بالكوفة، فلم يسكت ميثم وجعل يحدّث بفضائل علي وأهل بيته، ويجتمع حوله أهل الكوفة يسمعون كلامه، فأمر بقطع لسانه حتى يُسكته(3)

هذا منطق الإرهاب، سُلطاتٍ وحركاتٍ دعيّة للإسلام، إخافة الناس واجبارهم على اتباع سلطانهم، والخضوع لسطواتهم، وهو ما يدعونا للتساؤل هنا: هل توجد علاقة بين هؤلاء واليهودية الصهيونية - وحسب اعتقادي - فإنّ الصهيونية ليست بدعة جديدة اكتفت بالظهور في زماننا هذا فقط، وإنّما هي قديمة قدم تطرّف بني إسرائيل، وتاريخهم المليء بحركات التطرّف والإرهاب والفساد في الأرض، منذ أن وجدوا إلى أن تُستأصل شأفتهم من العالم، فتستريح الإنسانية من شرورهم.  

قد تتنوع مسمّيات الإرهاب والتطرف في مجتمعاتنا الإسلامية، لكنّ منطقها واحد وهدفها واحد ليس من الدين في شيء، فهي حسب ما عرفناه لم تتقيد يوما بأحكام الإسلام، وإنّما تجاوزته عمدا إلى انفاذ أحكام قادة تلك الجماعات المتطرّفة، ذات الفكر الوهابي الواحد، ومرجعيته شيوخهم من ابن تيمية الى ابن القيم الى ابن عبد الوهاب الى شيوخ هذا العصر الذين لا يتورّعون عن تكفير كل من خالفهم شخصيات كانوا أم أنظمة، كالنظام الإسلامي في إيران، أم أحزابا كحزب الله اللبناني، وكل من اعتمد في محاربة الكيان الصهيوني منهجا لتحرير فلسطين، كأنصار الله وحماس والجهاد الإسلامي.

حركات التطرف والإرهاب الوهابي لم تطلق عناصرها رصاصة واحدة ضد قوات الاحتلال الصهيوني وهي في ذلك الوقت مسيطرة على جنوب سوريا، بل وتعاونت معه في امداها بالمؤونة وايواء جرحاها، ولا اخذت في اعتبارها أن تدرج يوما ما في أجندتها، محاربة هذا الكيان الغاصب لأرض الإسلام ومقدّساته، ومن أجل سدّ هذا الخلل السلوكي ذهبت الى اطلاق دعايات معادية لمحور المقاومة واعتباره مظهرا غير حقيقي - مسرحية كما يدّعون – لكنّه بمرور الوقت تبيّن أن عمل هذا المحور المجاهد حقيقة، لا يمكن لأيّ دعاية أن تشوّهه، ولو اتحدت جبهتا معاداته الأمريكية الغربية والحركات الوهابية المتطرفة المشوّهة لحقيقة الإسلام.

وقد شاهدنا بكل أسف كيف انتهجت داعش أسلوب القتل العشوائي للمسلمين في كل مكان أمكنها أن تنفذّ فيها جرائمها، فقد اكتوى بهمجيّتها الشعب العراقي والإيراني والسوري واللبناني والافغاني والباكستاني ولم يسلم منها أهل الكويت، وأخيرا ارتكبت عناصره جريمة مروعة، في مسجد بمنطقة الوادي الكبير بولاية مطرح سلطنة عُمان، أسفرت عن استشهاد وجرح ما لا يقل عن 20 شخصا من الجالية الباكستانية(4) المسلمة الشيعية، الذين كانوا يحيون ذكرى استشهاد أبي الأحرار الامام الحسين بن علي في كربلاء ويم عاشوراء سنة 61 هجرية، مودّة ومواساة لأهل بيت النبي (ص)، فكافأهم الإرهاب الوهابي التكفيري، بإطلاق النار عليهم عشوائيا في باحة المسجد المذكور، فيا لإسلام داعش التي تبنّت العملية الإرهابية(5).

بهذا المنطق الإرهابي تتحالف التنظيمات التكفيرية، مع قوى الغرب واستخباراته، زعزعة أمن واستقرار المنطقة المستهدفة، وبث مشاعر العداوة بين المسلمين، بقتل الأبرياء من شعوبها أينما كانوا، لا يهمّ داعش جنسياتهم ولا مذاهبهم الفقيه، وهي لعَمْري خدمة لا تُقَدّر بثمن عند أجهزة الاستخبارات الغربية والصهيونية، وهذا ما يدعونا إلى اعتبار هذه الحركات الإرهابية بمسمياتها الدينية ( داعش والنصرة وغيرها من العناوين الكاذبة)، شريكة في تحالف بغيض يستهدف أمن شعوبنا العربية والإسلامية خدمة للمشروع الغربي الصهيوني في فلسطين للسيطرة على كامل المنطقة، هذه الحركات صنيعة الاستكبار العالمي الذي لم يخفي أنّه من أسسها ودعمها ولا يزال يقدّم لها ما يجعلها تستمر في اجرامها.

لو كان لدى هؤلاء التكفيريين دين أو مبدأ يعملون لأجله، فلينخرطوا في محاربة التغول الغربي الصهيوني، في محق جميع حقوق الشعب الفلسطيني ووأد قضيته، بالتأكيد لن يفعلوا ذلك، لأنّه لا علاقة لهم بقضايا الأمّة المصيرية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، ولن تتغيّر أساليبهم في تنفيذ جرائمهم البشعة، طالما أن مرجعيّتهم متفقة مع من أوجدهم بين شعوبنا ودورهم الوحيد الفساد في الأرض وتشويه صورة الإسلام، ليظهر على أنّه بؤرة إرهاب، مخيف للشعوب بتلك النزعة الخطيرة، وما الإسلام سوى قِيَمٍ إنسانية عالية، جاء خاتم الأنبياء ليغرس شجرتها وتزهر وتثمر، لتستبدل الجاهلية التي كان يعيشها العرب غارقين في الاثم والعدوان، بمكارم الأخلاق والتسامح بين الناس.

تبني الفكر الوهابي الذي يعتبر أساس الفكر الداعشي، يتطلب منّا أن نحذر من كل من يظهر به في مجتمعاتنا، فهو بنظري ذئب من الذّئاب المنفردة، وقنبلة موقوتة مستعدة للإنفجار، لو أتيحت له فرصة القيام بذلك العمل، والنتيجة لا تهمّه بقدر حلمه بمعانقة حور العين، في فهم منحرف عن أساس الدين وقِيَمِه.   

المراجع

1 – سورة البقرة الآية 256

2 – ميثم التمّار https://ar.wikishia.net/view

3 – من هو ميثم التمار https://www.islam4u.com/ar/almojib

4 – 20 شهيدا وجريحا على الأقل بهجوم إرهابي استهدف حسينية في مسقط

https://www.bernama.com/ar/news.php?id=2318118

5 – داعش يعلن مسؤوليته عن هجوم المسجد في سلطنة عمان

https://arabic.rt.com/middle_east/1583259-




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=195128
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 07 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2