• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كتاب ليلة عاشوراء للشيخ الحسن والقرآن الكريم (ح 4) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

كتاب ليلة عاشوراء للشيخ الحسن والقرآن الكريم (ح 4)


جاء في کتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب للشيخ عبد الله الحسن: عن الإستبشار بالشهادة : ليس من المُعتاد أن يفرح الإنسان ويبتهج وهو يعلم بدنو أجله وانقطاع حبل حياته من الدنيا، فتراه إذا ما علم بدنو أجله، اعتراه الخوف والوجل والاضطراب، ولربما مات بسبب خوفه من الموت، إذ أن كل إنسان يحب الحياة والبقاءَ ويتشاءم من الموت. ولعلك تعجب إذا ما سمعت بأن أصحاب هذه الليلة باتوا ليلتهم وهم أشدُ الناس فرحاً، وأبهجهم حالةً، وأربطهم جأشاً، مستبشرين بما أقدموا عليه وبما يصيرون إليه وقد أخذ يداعبُ بعضهم بعضاً، مع علمهم بدنو آجالهم، وأن أجسادهم سوف تصبح عن قريب طعمةً للسيوف ونهبةً للأسنة. ومرمىً للسهام. ولعله لم تمر عليهم ليلةٌ بأسعد منها، حتى بدت علىٰ وجوههم الطلاقة والإشراق والطمأنينة لا يستشعرون بخوف ولا وجل، وذلك أنهم وجدوا أنفسهم يؤدون وظائفهم الشرعية تجاه سبط الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله، إذ سوف يحوزون علىٰ أعظم وأقدس شهادة عرفها تاريخ البشرية، ثم ذلك النعيمُ الدائم الذي لا اضمحلال فيه، فأصبحوا مصداقاً لقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأحقاف 13-14). وقوله تعالىٰ: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت 30). والجدير بالذكر انه جاء في زيارة على بن الحسين عليهما‌السلام: أشهد أنّك من ال‌ "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (آل عمران 170)، وتلك منزلةُ كلّ شهيدٍ فكيف منزلة الحبيب إلى الله، القريب إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله. فهذا ما كان عليه أهل بيت الحسين عليه‌ السلام وأصحابه من الاستبشار والفرح بالشهادة في سبيل الله تعالى، ولا غروان تتَنزّل عليهم الملائكة وتبشرهم وتطمئنهم "أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت 30)، وحسبك رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله في هذه الليلة أن يكون هو المبشر بهذا لولده الحسين عليه‌ السلام باستبشار الملائكة به. فقد جاء في الرواية أن الحسين عليه‌ السلام لما خفق خفقة في سحر ليلة العاشر رأىٰ جده صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له: يا بُني أنت شهيدُ آلِ محمدٍ، وقد استبشرَ بكَ أهلُ السماوات وأهلُ الصفيح الأعلىٰ، فليكن إفطارُك عندي الليلة عجل ولا تُؤخر، هذا مَلكٌ قد نزل من السماءِ ليأخذ دَمَكَ في قارورة خضراء. الأمر الذي يدل علىٰ استبشار الملائكة وأهل الفصيح الأعلىٰ بلقاء الحسين عليه‌ السلام وأصحابه، كما استبشر هو أيضاً بهذا اللقاء والذي ما فتىء يَحنو إليه واعتبر يوم يلقاه سعادة كما أشار إلى هذا في قوله عليه‌ السلام: إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.

وعن البعد العبادي يقول الشيخ الحسن في كتابه: إنه الموقف الصادق في سلوك أهل بيت العصمة عليهم‌ السلام والذي يُمثل أعلىٰ مراتب الانقياد والطاعة والخشوع بين يدي المولىٰ، والإقرار بمقام العبودية والإذعان له تعالىٰ، فلا يأنسون إلا بذكره، ولا تبرد غلتهم إلا بوصله، ولا تنطفئ لوعتهم الا بلقائه، فإذا ما سدل الليلُ ستَره، ونامت العيون، أخذوا في مناجاة الخالق بالعبادة في بُكاءٍ وخشوعٍ لا يشغلهم شاغلٌ عمّاهُم عليه من التوجه إلى الباري تعالىٰ، فكانوا كما قال عنهم تعالى: "كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الذاريات 17-18) وقال تعالى: "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (السجدة 16). وإذا ما راجعنا سيرة أمير المؤمنين عليه‌ السلام في خصوص هذا الأمر، وجدناه عليه‌ السلام إذا ما جنّ عليه الليل خرج يبحث عن مكان يخلو فيه مع ربه، كما شهدت له بُعيلاتُ النخيلِ بذلك، وليلةُ الهرير، وهو بين السهام والرماح، ولم يثنه ذلك عن مناجاة الخالق تعالى. وعلىٰ هذا المنهج سار أولادُه الطاهرون عليهم‌ السلام وإنك لتجد ذلك واضحاً في سيرتهم كجزء من حياتهم لا ينفك عنهم ولا يبتغون غيره ولا يأنسون إلا به، فهذا سيدُ شباب أهل الجنة الحسين عليه‌ السلام يَحكي سيرةَ أبيه أمير المؤمنين عليه‌ السلام وَما كان عليه حالهُ في العبادة كَماً وكيفاً. وأما التلاوة فكان يتلو كتاب الله آناءَ الليل وأطراف النهار وقد رُفع رأسُه على الرمح وسُمع منه الذكر وقراءة القرآن فقد روي عن زيد بن أرقم انه قال: مُرَّ به عليَّ وهو علىٰ رمح، وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" (الكهف 9) فوقف والله شعري وناديت رأسك والله يا بن رسول الله أعجب وأعجب.

وعن الصدق والصراحة في التعامل يقول الشيخ عبد الله الحسن: الصدق هو: من الصفات الكريمة ومن أشرفها، والتي تؤدي إلى سمو الإنسان ورفعته وتكامل شخصيته، وأساس ثقة الناس به، وهو أحد الأركان التي عليها مدار نظام المجتمع الإنساني. ولذا عنى الإسلام بهذه الصفة الكريمة وبالغ في التحلي بها، وقد أثنىٰ علىٰ من تخلق بها، قال تعالىٰ: "مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ" (الأحزاب 23) كما أثنىٰ تعالىٰ علىٰ نبيه إسماعيل به وقال: "إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا" (مريم 54). ومما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم‌ السلام في مدح هذه الخصلة الشريفة والتحلي بها: ما روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام أنه قال: إن الله لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر. وروي عنه عليه‌ السلام يوصي شيعته: كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع. وكما لا يخفى أن هذه الخصلة الشريفة من خصال أهل بيت العصمة عليهم‌ السلام، والتي ظهرت بشكل واضح علىٰ أفعالهم وأقوالهم، فهمُ الصديقون حقاً، كما عناهم القرآن الكريم بذلك في قوله تعالىٰ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة 119) فهمُ الصادقونَ الذين أمر القرآنُ الكريم باتباعهم والسيرَ علىٰ منهجهم الشريف. وقد استأثرت هذه الخصلة الشريفة بعناية بالغة عندَهم عليهم‌ السلام مؤكدين عليها، وملتزمينَ بها في حياتهم، وفي تعاملهم مع سائر الناس، بعيداً عن المداهنة والخداع والتضليل، حتىٰ في وقت الشدائد ووقوع المكاره، فقد اتسم طريقُهم بالصِدقِ والصراحة في جميع فترات حياتهم، وإن أدىٰ ذلك إلى تفرُّق الناس عنهم، ما داموا على الحق والذي لا يعدلون به إلىٰ غيره. إذ ليسوا كغيرهم صلوات الله عليهم من أولئك الذين يصلون إلىٰ غاياتهم، بكل وسيلة ما دام ذلك يُعزِّرُ موقفهم والتفاف الناس حولَهم، ويُحقّق لَهمُ الفوزَ والغلبةَ علىٰ مُناوئيهم ولو بالمُداهنة والخُداع والتضليل. إلا أن أهلَ البيت عليهم‌ السلام المتميزين عن غيرهم بما خَصهُم اللهُ تعالىٰ ومنحهمُ به، لا يتوصلونَ للحق إلا مِنْ طريق الحق، فهذا أمير المؤمنين عليه‌ السلام لما أشار عليه المُغيرة بن شعبة أن يبقيَ معاوية بن أبي سفيان أميراً على الشام ولا يعزله كيما يستتب له الأمر، ثم بعد ذلك يعزله. قال له عليه‌ السلام: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا، قال عليه‌ السلام لا يسألني الله عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً "وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا" (الكهف 51) الخبر




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=195176
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 07 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 6