وردت كلمة نعمتي في عدد من الآيات القرآنية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة 3)، و "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" (البقرة 40) (البقرة 47) (البقرة 122)، و "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك" (المائدة 110)، و "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون" (البقرة 150). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعمتي) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومكارم الشيرازي.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن كلمة نعمتي قوله عز شأنه "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" ﴿المائدة 3﴾ قال الفراء: وهي آخر آية نزلت، وهذا الذي ذكره لو صح لكان لهذا القول ترجيح، لكن فيه خلاف. وثالثها: إن معناه اليوم كفيتكم الأعداء، وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد، بأن كفينا ما كنا نخافه، عن الزجاج، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام للأنام، يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع، قالا: وهو آخر فريضة أنزلها الله تعالى، ثم لم ينزل بعدها فريضة. وقد حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني، قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني، قال حدثنا أبو أحمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية، قال: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاده، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي عن صفوان، عن العلا ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان نزولها بكراع الغميم، فأقامها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجحفة. وقال الربيع بن أنس: نزلت في المسير في حجة الوداع. "وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" خاطب سبحانه المؤمنين بأنه أتم النعمة عليهم بإظهارهم على المشركين، ونفيهم عن بلادهم، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: معناه أتممت عليكم نعمتي، بأن أعطيتكم من العلم والحكمة، ما لم يعط قبلكم نبي ولا أمة. وقيل: إن تمام النعمة دخول الجنة.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز شأنه "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿البقرة 150﴾ أن ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين إلى تمام النعمة عليهم بكمال دينهم، وسنبين معنى تمام النعمة في الكلام على قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " (المائدة 3). وذكر بعض المفسرين أن اشتمال هذه الآية وهي آية تحويل القبلة على قوله "وليتم نعمته عليكم ولعلكم تهتدون"، مع اشتمال قوله تعالى في سورة الفتح في ذكر فتح مكة على هاتين الجملتين، إذ قال تعالى "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (الفتح: 1-2) يدل على كونها مشتملة على البشارة بفتح مكة. بيان ذلك أن الكعبة كانت مشغولة في صدر الإسلام بأصنام المشركين وأوثانهم وكان السلطان معهم، والإسلام لم يقو بعد بحيث يظهر قهره وقدرته، فهدى الله رسوله إلى استقبال بيت المقدس، لكونه قبلة لليهود، الذين هم أقرب في دينهم من المشركين إلى الإسلام، ثم لما ظهر أمر الإسلام بهجرة رسول الله إلى المدينة، وقرب زمان الفتح وتوقع تطهير البيت من أرجاس الأصنام جاء الأمر بتحويل القبلة وهي النعمة العظيمة التي اختص به المسلمون، ووعد في آية التحويل إتمام النعمة والهداية وهو خلوص الكعبة من أدناس الأوثان، وتعينها لأن تكون قبلة يعبد الله إليها، ويكون المسلمون هم المختصون بها، وهي المختصة بهم، فهي بشارة بفتح مكة، ثم لما ذكر فتح مكة حين فتحت أشار إلى ما وعدهم به من إتمام النعمة والبشارة بقوله ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما الآية. وهذا الكلام وإن كان بظاهره وجيها لكنه خال عن التدبر، فإن ظاهر الآيات لا يساعد عليه، إذ الدال على وعد إتمام النعمة في هذه الآية: "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون"، الآية إنما هو لام الغاية، وآية سورة الفتح التي أخذها إنجازا لهذا الوعد ومصداقا لهذه البشارة أعني قوله تعالى: "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (الفتح 2)، مشتملة على هذه اللام بعينها، فالآيتان جميعا مشتملتان على الوعد الجميل بإتمام النعمة، على أن آية الحج مشتملة على وعد إتمام النعمة لجميع المسلمين، وآية الفتح على ذلك لرسول الله خاصة فالسياق في الآيتين مختلف. ولوكان هناك آية تحكي عن إنجاز الوعد الذي تشتمل عليه الآيتان لكان هو قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة 3)، وسيجيء الكلام في معنى النعمة وتشخيص هذه النعمة التي يمتن بها الله سبحانه في الآية. ونظير هاتين الآيتين في الاشتمال على عدة إتمام النعمة قوله تعالى "وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة 6)، وقوله تعالى " كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ" (النحل 81).
عن تفسير الميسر عن نعمتي: قوله عز وجل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" ﴿البقرة 40﴾ نِعْمَتِيَ: نِعْمَتِ اسم، ىَ ضمير. يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم، واشكروا لي، وأتموا وصيتي لكم: بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًا، وتعملوا بشرائعي. فإن فعلتم ذلك أُتمم لكم ما وعدتكم به من الرحمة في الدنيا، والنجاة في الآخرة. وإيَّايَ وحدي فخافوني، واحذروا نقمتي إن نقضتم العهد، وكفرتم بي. قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 47﴾ يا ذرية يعقوب تذكَّروا نعمي الكثيرة عليكم، واشكروا لي عليها، وتذكروا أني فَضَّلْتكم على عالَمي زمانكم بكثرة الأنبياء، والكتب المنزَّلة كالتوراة والإنجيل.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: عن كلمة نعمتي قوله جل جلاله "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 122﴾ تكرير لتذكير بنى إسرائيل بما سبق أن ذكروا به في صدر الحديث معهم في هذه السورة، وذلك لأهمّيّة ما ناداهم من أجله وأهمية الشيء تقتضي تكرار الأمر به إبلاغا في الحجة وتأكيدا للتذكرة. قال القاضي: ولما صدر القرآن قصة بنى إسرائيل بذكر النعم والقيام بحقوقها والحذر من إضاعتها، والخوف من الساعة وأهوالها، كرر ذلك وختم به الكلام معهم، مبالغا في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القضية، والمقصود من القصة. هذا وبعد أن ذكر الله تعالى في الآيات السابقة نعمه على بنى إسرائيل، وبين كيف كانوا يقابلون النعم بكفر وعناد، ويأتون منكرات في الأقوال والأعمال، وختم الحديث معهم بإنذار بالغ. وتذكير بيوم لا يغنى فيه أحد عن أحد شيئا.
|