• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اشارات قرآنية من كتاب الدور الثقافي والسياسي للامام زين العابدين للشيخ الآصفي (ح 9) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

اشارات قرآنية من كتاب الدور الثقافي والسياسي للامام زين العابدين للشيخ الآصفي (ح 9)

جاء في کتاب الإمام زين العابدين، علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي و جهاده السياسي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن العلاقة الذاتيّة في القرآن: العلاقة بالنفس هي واحدة من هذه العلاقات الأربع، وهي أهمّها بعد العلاقة بالله تعالى، وأكثرها تعقيداً، وظرافة، ورقّة، وهي كذلك قد تتصف بالإيجاب، وقد تتصف بالسلب. فقد يجهل الإنسان نفسه، وقيمته فيكون كما قال الله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا" (الأحزاب 72). يعني جاهلًا بنفسه وقيمتها ظالماً لها. وقد يكون الإنسان من الذين أراهم الله تعالى أنفسهم، وفقههم بقيمتها، وعرّفهم بآياته فيها. يقول تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ"‌ (فصّلت 53). فيعرف الإنسان قيمة نفسه ويحترمها. وقد يحتقر الإنسان نفسه، وما آتاه الله تعالى في نفسه من المواهب. وقد يفرّ الإنسان من نفسه، ويتهرّب منها إلى ألوان من اللهو الذي يشغله عن نفسه، أو إلى المخدّرات والانتحار. وقد يعرف الإنسان كيف يواجه نفسه على أرض الواقع بجدّية وواقعيّة. وقد يكون الإنسان منسجماً مع نفسه. وقد يكون في علاقته بنفسه قلقاً مرتبكاً. وقد يكون محبّاً لنفسه. وقد يكون عدوّاً لها. وقد يكون ذاكراً لنفسه، وقد يكون ناسياً لها. وقد يكون قابضاً على نفسه متمكّناً منها. وقد تغلبه نفسه وتتمكّن منه. وقد ينطوي على نفسه. وقد تكون نفسه منفتحة. وقد يهلكها وقد يحييها. يقول تعالى: "وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‌" (الأنعام 26). وقد يصدق مع نفسه، وقد يغرّها ويمنّيها، ويخادعها، ويغشّها، يقول تعالى: "انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى‌ أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‌" (الأنعام 24). وقد يعترف لنفسه بالخطأ وينقد نفسه، وقد يغالطها ويبرّر اخطاءها وأهواءها. وقد يطلق لنفسه العنان في شهواتها، وقد يمسكها بقوّة عند حدود الله. ويضبط تصرّفاتها. وقد يترك نفسه لهواها فيما تطلب من الراحة والاستغراق في الأهواء والشهوات، وقد يتعبها ويجهدها في ابتغاء كمالها ونموّها. وقد يسمو بنفسه، وقد يسف بها. وقد يكون غريباً عن نفسه، وقد يأنس بنفسه، ويحلو له أن يخلو بها في التأمّل. وقد تكون علاقته بنفسه علاقة صِداميّة، وقد يكون منسجماً مع نفسه متآلفاً معها إلى أمثال ذلك من ألوان العلاقة السلبيّة والإيجابيّة في علاقة الإنسان بنفسه. والعلاقة بالنفس رقيقة تخفى على الإنسان غالباً، فلذلك لا يشعر الإنسان بفداحة الخسارة التي يتحملّها عند ما تكون هذه العلاقة سلبيّة. فقد يخسر الإنسان في تجارته مالًا قليلًا أو كثيراً فيشعر بها، ويشعر بفداحة هذه الخسارة، ويحاول أن يستعيد المال الذي خسره، ويعوّضه، ولكن قد يخسر الإنسان نفسه، وهي من أعظم أنواع الخسران فلا يحسّ بتلك الخسارة، ويتحوّل من خسارة إلى خسارة أخرى، حتى يخسر نفسه كلّها فلا يعبأ بها. يقول تعالى: "وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ" (العصر 1-2). ويقول تعالى: "الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‌" (الأنعام 20). وقد يظلم الإنسان غيره فيحسُّ بذلك وتؤنّبه نفسه، ويحاول أن يجبر ظلمه للآخرين بالعدل والإحسان إليهم، ولكن قد يظلم نفسه، ويعتدي عليها فلا يشعر بهذا الظلم. يقول تعالى: "وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‌" (آل عمران 117). وقد يهلك الإنسان نفساً زكيّة فيشعر بِعِظَمِ الإثم، ولكن قد يهلك الإنسان نفسه فلا يشعر بمثل هذا الإثم. ويقول تعالى: "وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‌" (الأنعام 26)، والضرر الذي يلحق الإنسان إذا كانت علاقته بنفسه سلبيّة لا يشبهه ضرر آخر إلا الضرر الّذي يلحق به إذا كانت علاقته بالله تعالى سلبية. علاقة الإنسان بنفسه تدرس اليوم ضمن الدراسات النفسيّة والتحليل النفسيّ باهتمام، ولكن في إطار محدود، ولن نجد قبل القرآن اهتماماً أو انتباهاً إلى هذه العلاقة وأهميّتها، وقيمتها في حياة الإنسان، والى وقت قريب جدّاً لم تكن الدراسات النفسيّة والإنسانيّة قد فتحت ملفّ هذه العلاقة بعد، والقرآن بحقّ الفاتح الأوّل لهذا الأفق الواسع من العلاقات الإنسانيّة.

وعن الغربة عن الذات يقول الشيخ محمد مهدي الآصفي: وهو شرّ أنواع (الغربة) فمن الغربة أن يغترب الإنسان عن أهله وزملائه وأصدقائه ومجتمعه فيعيش بين الناس، وكأنّه غريب لا يعرف أحداً ولا يعرفه‌ أحد، ولا يأنس بأحدٍ ولا يستأنس به أحد، كما لو كان الإنسان مسافراً، بعيداً عن أهله ومجتمعه وأصدقائه في بلد غريب، يعيش في الفنادق وليس في بيته. ولكن، شرّ أنواع الغربة هو أن يعيش الإنسان غريباً عن أقرب النفوس إليه، وهو نفسه التي بين جنبيه، ويحجبه عنها حجاب غليظ. وهي كذلك من نتائج الحضارة الماديّة المعاصرة، فهي تطمر فطرة الإنسان وضميره وعواطفه، بل وعقله أحياناً، وتوجه الإنسان إلى أن يتنكّر لها. ثمّ يتحوّل هذا التنكّر إلى حجاب بينه وبين نفسه. وهو نوع من العقوبة الإلهيّة للحضارات الماديّة التي تتنكّر للمواهب الروحيّة والنفسيّة التي أودعها الله تعالى في نفس الإنسان، فيعاقبهم الله بذلك وينسيهم أنفسهم. وتأتي هذه العقوبة الإلهيّة للإنسان من سنخ الجريمة. "يقول تعالى: "نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ‌" (الحشر 19). والعقوبة هنا من سنخ الجريمة وهذه هي حالة الشرود عن الذات. ولقد كان الحسين عليه السلام يقول للناس الذين وقفوا يوم عاشوراء لقتاله: ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها. ولابدّ للناس الذين تقتطع منهم الحضارة الماديّة أنفسهم وضمائرهم وفطرتهم وقلوبهم من ملجأ يلوذون به لينسيهم أنفسهم، وقد وفّرت الحضارة الماديّة المعاصرة للإنسان المعاصر الذي يعيش هذه الحضارة، هذا الملجأ الذي يشرد إليه الناس من أنفسهم في المخدّرات والسكر والطرب واللهو للفرار عن أنفسهم، وإنّما يسمّيها الإسلام لهواً لأنّها تلهي الإنسان وتشغله عن نفسه.

وعن الدعوة إلى العودة إلى النفس يقول الشيخ الآصفي رحمه الله: وفي ثقافة الإسلام دعوة موكّدة ومكرّرة إلى العودة إلى الذات، وإزالة حجب الغربة بين الإنسان ونفسه، وتمكين الإنسان من معرفة نفسه ومكاشفتها ومحاسبتها. ويحضّ القرآن الناس على أن يبصروا أنفسهم ويتدبّروها، ويبصروا فيها آيات الله العظيمة. يقول تعالى: "سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ‌" (فصّلت 53). ويقول تعالى: "وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ‌" (الذاريات 20-21).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=195478
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 08 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 8