عجرفة أمريكا بدأت منذ أن بدأت تظهر ككيان متعال عن غيره رأى أهل إدارته أنه بلغ مبلغا يؤهّله التصرّف على هواه بفضل قوّته، كان ذلك في القرن التاسع عشر، ثم جاء القرن العشرين، حيث تمادت أمريكا في طغيانها، فبسطت سلطانها من خلال نتائج الحرب العالمية الأولى، ثم ازدادت عتوّا وانفلاتا في الحرب الثانية، حيث استغلت نتائجها أبشع استغلال، نصّبت بنتائجها نفسها ممثلة عن الدول الغربية، منقذا للعالم من شر النازية، بينما كان للاتحاد السوفييتي دور لا يقلّ أهمّية عمّا أمريكا، في انقاذ شعوب العالم من هيمنة هتلر ونظامه العنصري، وفي غفلة نشوة الانتصار الذي تحقق قامت أمريكا بسرقة تلك الجهود المشتركة، التي أسهمت فيها افريقيا برجال أفارقة عُدّوا بعشرات الآلاف ممن شاركوا في تلك الحرب، في الجانب الفرنسي ودفاعا عن فرنسا وقد قتل منهم الكثير، ومن عادة الغربيين - كما جرت عادة الأمريكان في استعباد السود - أن يوكلوا الأفارقة مهام قتالية صعبة، يكونون هم فيها بذلك في مأمن من عواقب عملياتها الخطيرة.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت معاناة شعوب العالم من التدخلات الأمريكية، وحشر نظامها المستقوي بإنجازاته في الحرب العالمية وتفوّقه الصناعي، دون أن ننسى استكانة الشعوب لمخططاته في الهيمنة عليها بالمساعدات المذلّة، وقد بلغ الحال به أن فُرِض الدولار، ليصبح العملة العالمية المعادل بها تجارة الذهب والنفط والمعادن وسائر أنواع التجارة العالمية، مع تزايد تدخلات البيت الأبيض في شؤون الدول والشعوب، من التأثير على سياساتها وتغيير حكوماتها بالإنقلابات وباستدراج عملاء عسكريين تدرّبوا عندها، يقدّمون لها خدمات تريدها في بلدانهم.
وقد نجحت سياسات الهيمنة الأمريكية في دول كثيرة من العالم، لكنّها باءت بالفشل في فييتنام وكوبا وإيران وفي فنزويلا، بسبب تنامي وعي الشعوب بحقيقتها كنظام مستكبر، وهي تشاهد عيانا تدخلها السافر في بنما على سبيل المثال، وعي بدأ يرفض سياسة الاستقواء التي ما تزال أمريكا تتعامل بها مع دول العالم، خصوصا العالم المصنّف ثالثا، بقطع النظر عن تدخلاتها في القرن التاسع عشر كانت أمريكا معتدية في كوبا وهندوراس وهايتي والدومينيكان (1) وفي الحرب الكورية تدخلت أمريكا لتقسم البلاد الى نصفين، وتستفيد من بقائها هناك فضلا عن القواعد الأخرى التي قامت ببنائها، وعلى ذكر هذه القواعد العسكرية المنتشرة قسرا على دول ترفض الشعوب وجودها، أو اختيارا من حكام باعوا أراضي وشرف أوطانهم توجد 800 قاعدة عسكرية أمريكية، في أكثر من 70 منطقة حول العالم، وأكثر من 150 دولة في القارات كافة، وتتنوع بين قوات برية وبحرية وجوية، حسب بيانات واشنطن العسكرية.(2)
في المانيا البلد الأكثر قواعد أمريكية في العالم، حيث تعد وحدها أكثر من 21 قاعدة عسكرية هي موطنا لخمسة من الحاميات السبع للجيش الأمريكي في أوروبا - الاثنان الآخران في بلجيكا وإيطاليا- يتمركز ففيها نحو (34.500) ألف جندي أمريكي، ويبلغ العدد الإجمالي نحو 50.000 ألف أمريكي مع احتساب عدد الموظفين المدنيين الإداريين، في القواعد العسكرية الأمريكية على أراضي ألمانيا، التي استخدمتها الولايات المتحدة في نقل الجنود والمعدات، خلال التدخلات العسكرية الأمريكية الخارجية. (3)
أما التواجد الأمريكي القسري فحسب مواقع عسكرية أمريكية نقلت عنها «سكاي نيوز»، تحتفظ واشنطن بنحو 900 عسكري شمال شرق سوريا، بعد أن حصرت وجودها في قواعد استحدثتها كنقاط ارتكاز عسكرية لقواتها حول آبار النفط شرق سوريا، وفي العراق أبرمت واشنطن اتفاق ينص على رحيل القوات الأمريكية الموجودة هناك منذ الحرب الباردة وحرب الخليج، وبقى نحو 2500 عسكري أمريكي، لا مبرر لوجودهم هناك بعدما صوت البرلمان العراقي لصالح مطلب شعبي في اجلاء القوات الأمريكية من هناك.
تقع أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط بدولة قطر، وهي قاعدة (العديد) الجوية، التي تم إنشاؤها عام 1996، وتعد مقرًا للقيادة الوسطى الأمريكية، ومقرًا لمركز القوات الجوية المشتركة، وقيادة العمليات الخاصة الأمريكية الوسطى، كما توجد قواعد أمريكية أخرى في البحرين والكويت والإمارات والسعودية، تضم عددًا من الجنود، والآليات والمقاتلات العسكرية الأمريكية.
ما يمكن لفت النظر إليه بخصوص هذه القواعد التي ملأت أصقاع العالم، أنّها متمركزة بشكل مكثّف حول إيران على وجه التحديد، الهدف منها معروف بالتأكيد، فهي ليست من أجل حفظ الأمن في المنطقة، بقدر ما هي قائمة على أساس حماية المصالح الأمريكية الإقتصادية والسياسية، ببسط هيمنتها العسكرية على الشرق الوسط والعالم بأسره، ونحن نرى اليوم عبثية بقاء القواعد المذكورة في منطقة الخليج، ووجودها وبقاءها يُعْتَبَرُ تهديدا للسلم والأمن في المنطقة، وكم من مرّة دعت إيران دول الجوار دعوة صادقة، إلى حماية المنطقة بقدرات جيوشها الذاتية، متعاونين في ذلك من أجل امن حقيقي ومستدام، يقع التخلص فيه من الوجود الأمريكي والبريطاني والفرنسي لكن دون جدوى.
أمريكا اليوم أصبحت أكثر خوفا وارتباكا في سياساتها، ولا تريد تغيير شيء منها، بعد أن عرف خبراءها أن زمن سيطرتها المطلقة قد ولّى، ولن يعود كما كان من قبل، فهناك دول تعمل منذ سنوات على تحجيم القدرات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، وتقليص تأثيرها على العالم، بالدعوة إلى الخروج من تحت المظلة الأمريكية الغربية، وهو مبدأ بدأت دول بالعمل عليه في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية فمنظمة شانغهاي والبريكس هي أهم إنجازات الدول المتمرّدة على النظام العالمي الذي عملت أمريكا على تثبيته في العالم.
لقد أصاب الخميني رحمه الله عندما وصف أمريكا بالشيطان الأكبر، وعجرفتها منذ أن قام نظامها لا يقف عند حد، وإيران من بين الدول التي تسعى إلى تخليص العالم من الهيمنة الأمريكية بأي طريق، وهو ما شجع ودعا دولا أخرى إلى النسج على منوالها، وآخر مستجدّ أمريكي بعد سلسلة عقوباتها الباطلة التي سلطتها على ايران محاولة منعها من النموّ الاقتصادي والتضييق عليها حتى لا تدعم قوى مقاومة إسرائيل ربيبتها وقاعدتها الكبرى على أرض فلسطين، استولت سلطات الولايات المتحدة، في ممارسة إجرامية متكررة، لا يمكن وصفها بأي شيء سوى القرصنة، بشكل غير قانوني على طائرة استخدمها رئيس جمهورية فينزويلا (نيكولاس مادورو)، مبررة عملها بتدابير قسرية تفرضها بشكل غير قانوني، ومن جانب واحد في جميع أنحاء العالم(4). أمريكا بالأمس كما اليوم، لن تتغيّر سياساتها أبدا، فمثلها كمثل امرأة عاهر وقحة، وقفت تحاضر في العلن عن الشرف والمبادئ، وفي السرّ تدوس عليها ولا تقيم لها اعتبارا، أحرار العالم يعلمون تفاصيلها، ويرفضون أن يكونوا معها. وامريكا في نهاية المطاف ستسقطها أفعالها الخبيثة.
المصادر
1– التدخلات الخارجية للولايات المتحدة
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – خريطة القواعد الأمريكية في 150 دولة حول العالم اليابان تضم أكبر عدد من الجنود
https://www.elwatannews.com/news/details/7128529
3 – القواعد العسكرية الأمريكية في ألمانيا
https://www.europarabct.com
4 - بيان من فنزويلا بشأن مصادرة أمريكا الطائرة الرئاسية لمادورو
https://arabic.cnn.com/world/article/2024/09/03/venezuela-accuses-us-of-piracy-after-us-authorities-seize-president-maduros-plane-in-
dominican
|