• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بماذا قصّرت إيران حتى تُؤاخذ؟ .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

بماذا قصّرت إيران حتى تُؤاخذ؟

أتساءل وأنا اقرأ بعض ردود الأقوال التي صدرت من بعض الشخصيات والجهات: هل إلى هذا الحدّ وصلت بهؤلاء الاشتباه بشأن إيران ركيزة تأسيس محور المقاومة، وركن أساس وفاعل بثقله الماديّ والمعنوي فيه؟ وما هي مؤاخذاتهم التي ارتكزوا عليها، واعتبروها كافية لتوجيه الاتهام إلى إيران، بخذلان حزب الله ومن ورائها بقية فصائل المقاومة، بما يوحي إلى قارئ هاته الانطبعات والتحليلات، أنها تخلّت عن المقاومة لفائدة خاصة بها، قال عنها (محمد الحبيب الأسود) أنها صفقة أمضتها مع الأمريكان والصهاينة؟

أنا لا ألوم من جهل حقيقة إيران، ولم يتعرّف على مرتكزات وأدبيات ثورتها، وتقوائية قيادتها الماضية والحالية، ومدى اخلاصها للإسلام، وقضايا شعوبه العربية والإسلامية المصابة بالانتكاس والذلّ والخذلان والتخلّف والضعف، وانعدام القيادة الكفوؤة القادرة على إعادة روح الإسلام فيها، بعد كادت تغادرها نهائيا، لولا ثلة من القابضين على دينهم في مجتمعاتهم الموبوءة، كالقابضين على الجمر، لكني ألوم شخصا مثل هذا الرجل الذي زار إيران، واطلع على بعض حقائقها، وقد كشف بهذا أنه لم يستوعبها، وان تسامحت معه أنه استوعبها، فقد بدا منها على حرف كما عبّر عنه من خلال ما كتبه، خلافا لما فهمه الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي من فكر الامام الخميني فبادر إلى التعبير عن ذلك الفهم الصحيح والقويم في كتابه: (الخميني الحلّ الإسلامي والبديل)، ولولا أن الله اختاره شهيدا، لما تزعزع قيد أنملة عن قناعاته بشأن إيران، ومشروعها الإسلامي الكبير، في تخليص الأمّة من الصهيونية وتبعية الغرب.

لقد كان تعليق محمد الحبيب الأسود الأخير على الاغتيالات التي طالت قادة المقاومة وآخرهم الشهيد الأمين العام (السيد حسن نصر الله) بعيدا عن العقلانية في فهم حقيقة إيران وما تريد تحقيقه، فهو بعد أن اعترف بأنها تمد المقاومة بما تحتاجه من إمكانات عسكرية ولوجستية، ادعى عليها بأنها لا تحرك ترسانتها وجيوشها، من أجل انقاذ فلسطين ولبنان، وأنها مكتفية فقط بدفن شهدائها، فقناعته فقط وقفت عند أن إيران لا مصلحة لها في الدخول في حرب معها، هكذا وبكل بساطة ذهب الرجل بعيدا في مُدّعاه، وبجدرّة قلم وضع إيران في سلة واحدة مع أمريكا وإسرائيل، وليته تروّى في مقاله، ولم يعبر من تلقاء نفسه، بما سيندم عليه مستقبلا، ولن ينفع شخص مثله ندم ولا اعتذار.

هذا الانطباع لم يخص هذا الرجل وحده بل اجتمعت عليه آراء عدد من رجالات الفكر الإسلامي والقومي، ممن أدلو بدلائهم في هذه الأحداث الحاصلة منذ طوفان الأقصى (7/10/2023) إلى سلسلة الإغتيالات التي حصلت مؤخرا في لبنان، والتي اسفرت عن استشهاد عدد هام من قادة المقاومة، في مقدمتهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلة السبت الماضي، وقالوا إن إيران تخلت عن حزب الله، وانها خذلت المقاومة ولم تفي بوعودها، الى غير ذلك من الأقوال التي شاطت في اتهاماتها والتي وقفت عند ويل للمصلين، ولعل أبسط ما قيل بشأنها أين ردّ ايران الذي وعدت به؟

فهل كان استعجالهم الردّ من باب الحماسة؟ أو من باب الحكمة؟ أليس من شطط القول الإدعاء على إيران خذلان جبهة مقاومة مباركة، اسستها ورعتها بمقدّرات شعبها، وسقتها بدماء شهداء فلذات أكباد أبنائها، على مختلف رتبهم العسكرية العالية، ليأتي في هذه الأيام من يشكك في صدق إيران، وتصميمها على المضيّ قدما في مشروعها التحرري الكبير؟ فهل من العدل أن يسقط عاقل كل هذه الجهود الإيرانية، وما حققته من معادلة لم تحصل من قبل، عندما كانت إسرائيل على مدى تاريخها الدموي، تعربد كما تريد وتشاء، وترتكب المجازر تباعا الواحدة تلو الأخرى، دون أن يفكر أحد في الوقوف في وجهها، وبمجيء إيران ودخولها في تنفيذ مشروعها حارها العالم باسره تقريبا، واستعمل صدّام أداة حمقاء أقحم فيها الجيش العراقي في عدوان ضدّها استمر ثماني سنوات، لو وجّهه ضد إسرائيل – مع ان الخميني عرض عليه ذلك فرفض- لكانت إيران سباقة إليه.

من علق اليوم على إيران بتعاليق التخوين والتخذيل، وبيع القضية وتسليم حزب الله لقدره، كان جاهلا بها أو ناسيا أنها تعيش تحت ظلال عقوبات اقتصادية وحصار مطبق، لو سلطت على بلد آخر غيرها، لسقط ولم يستمر طوال 45 سنة، وأقول إيران ليست بحاجة إلى من ينصحها ماذا تفعل، ومتى ستردّ على العدوان المرتكب عليها، فهي أدرى بما يجب أن تقوم به، وليست قاصرة عن ادراك واجباتها وهي قد وضعتها في المقام الأوّل من أولوياتها، والذين يستعجلون الردّ من إيران يبدو من أوّل وهلة أنّ العاطفة أخذتهم بعيدا عما يجب فعله بتروّ واعداد، أو أنّهم من الذين يتمنّون سقوطها في تسرع انفعالي غير مدروس لا يترك أثرا في حجم الجرائم المرتكبة فيعيدوا القول بأنّ ما حصل هو مسرحية.

كم الطبيعي أن من لم يقرأ فكر الخميني ومن بعده الخامنئي ليس بمقدوره أن يفهم مرتكزاته المؤسسة على المباني القرآنية في مقارعة قوى الاستكبار العالمي وزيعته الكبرى أمريكا، وأمريكا كما علم الخميني شعبه أنّها شيطان أكبر، كيف بإيران اليوم أن تنزل إلى حضيض مستوى ابرام صفقة معها، أليس هذا الادعاء نابع عن اشخاص لم يفهموا شيئا من هذا الفكر الإسلامي النابع من صميم كتاب الله؟ وهو تجنّ على بلد قدّم ما لم يقدّمه بقية دول العرب والمسلمين، بل ان هؤلاء جميعا لا قيمة لما قدّموه أمام ما قدّمته إيران وضحت من أجله ولا تزال، فانظروا الى أنفسكم

قبل أن تنتقدوا إيران ولوموا على دولكم واسالوها اين هي من القضية والمواجهة؟ وبعد تستوفوا ذلك الانتقاد، عليكم أن ترغموا حكوماتكم على القيام بواجبها نحو فلسطين، وبعدها لكم ان تلوموا على إيران، إن وجدتموها مقصّرة، مقابل ما قد تفعله دولكم المتخاذلة والجبانة والخائنة - وهي دول قد تخلت عن فلسطين بشكل أو بآخر- عودوا إلى أنفسكم فلوموها، فهي أحقّ باللوم من ايران، وإيران ستعرفونها بعد حين فلا تستعجلوا عليها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=196878
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 10 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3