• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : هِلال / قصة قصيرة / .
                          • الكاتب : د . مرتضى الشاوي .

هِلال / قصة قصيرة /

   عند الغروب لاحَ  في الأفق  جسمٌ أبيضٌ رشيقٌ في صفيحة اللازورد الرقيقة ، فاستبشر أبناء القرية بحلول طلعته .
      وأيقن " فلاح " أنّه الهلال قد عاد بثوب الطاعة والغفران من جديد ؛ كم كان تواقاً لكي يبدأ مرحلة العشق من جديد للوصول إلى  ناموس المعشوق .
      لبس جلباب التقوى ، وشدّ حيازيم الصبر، فقام ليلته الأولى عابداً وقارئاً ، وصام نهاره بعد أن ودّع لذائذ الأكل ومختلف الأشربة الطيبة  قبيل الفجر بعشر دقائق ، لم يتكاسل من قبل ، راح يعمل نهاراً وهو صائم ؛ لأجل التكسب ولقمة الحلال ، وكان يقوم ليله وصولاً لساحة المعشوق .
     لكنّ " فلاح " بعد عشرة أيام لاحظ في جسمه خفة غريبة ونشاطاً في الحركة لا مثيل له ، حيث الملابس سرعان ما تبدو واسعة  ، إذ بدت عليه الملابس فضفاضة ، لينعم بصحة جيدة طبقاً للحديث النبوي " صوموا تصحّوا "  
      وهكذا يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة  راح " فلاح" يقطع أشواطاً وهو يمضي بين العمل صباحاً وقراءة القرآن عصراً وزيارة الأرحام ليلاً وحضور مجالس الوعظ والإرشاد بين فينة وأخرى في المساجد ، وهو على هذه الحال  في برنامج عبادي اعتاد عليه في كلّ سنة لا ينقطع ساعة وتعلو على قسمات وجهه  بشاشة الفرح وتغبطه راحة جسدية فريدة لا تمرّ عليه طيلة السنة إلا كمثلها في تلك الأيام  المقبلة .
     ما إن حانت ليلة القدر المباركة إذ تطوّع مع أصحابه " نجاح وهادي وفاضل "  كما اعتاد في كلّ سنة أن يحيوا تلك الليلة   عابدين ناسكين ؛ لأنّها ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) *، فهبّوا جميعاً ما بين راكع وساجد وقارئ للقرآن من المساء إلى حلول ساعة السحر، وقبل بزوغ الفجر بنصف ساعة أخرج " فلاح " مائدة طيبة ؛ لتكون آخر مائدة ما بين الأحبة قد جمعتهم ليلة غراء .
     ومضى" فلاح " مستبشراً في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر ، والهلال يتناقص ليعود( كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )** بعدما كبر وأمسى قمراً منيراً  في منتصف الشهر، وهو يعدو ليصبح هلالاً مرة أخرى .
       ودّع "حيدر" أصحابه في الليلة الأخيرة  ليلتقوا غداً في مسجد لحضور صلاة عيد الفطر مفارقاً ذلك الجسم السماوي الذي يراه في كلّ ليلة ، وفجأة في صباح عيد الفطر رأى نفسه في المرآة ، وقد نحف جسمه وبان قوامه وأصبح رشيقاً كأنّه الهلال في طلعته .
______________________
*( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر / 3
**( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) يس / 39
 
 د . مرتضى الشاوي 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19709
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29