الخوف ـــ العطش ـــ اليتم ، كل هذه الاشياء التي لم تكن تخطر على بالي ، اليوم عرفتها ، وأصبحت أفهم ماذا تعني كل واحدة من تلك الكلمات ، الا ان هناك كلمة واحدة لم افهمها بعد ، ( الذبح ) أشعر ان هذه الكلمة لا يرضى الله عنها ، لقد سمعتها اليوم اكثر من مرة ، انتبهت واذا بهجوم مرعب يهجم على المخيم ، خيول العسكر تختلف عن جياد أبي ، جياد أبي هادئة لا تؤذي الاطفال وإذا رأت طفلا حزينا تسيل دموعها لتواسيه ، وهذه الخيول همجية ، تسحق الاطفال الصغار ،سحقت عدد من الاطفال ونحن نركض داخل الخيام ونفر الى خارجها فزعين من تلك الخيول ، وهي تسحق اطفال المخيم ، قتلت بنتين من بنات عمي الحسن ، الالم الذي اصابني جعلني اشعر بوقع السنابك على جسدي ،الف من مكان لمكان خائفة واذا بي اراوح في مكاني ، صعبة والله أن اعيش بلا أبي الحسين وأن اعيش بلا عمام ، اين عمي العباس ليحمي هذه العيال ؟ ، يبدو لي ان الموت أرحم ، خيول تستعرض قوتها على الاطفال ، تخرج مجموعة وتدخل أخرى ،سحقت الخيول مجددا طفلين من ابناء عمومتي ، وسحقت ابنة عمي عاتكة ، أرعبني منظر عاتكة وهي تتمزق تحت سنابك الخيول ، عاتكة ابنة عمي مسلم بن عقيل، هي اكبر من عمري بقليل ، مجاميع اخرى من الخيول تقتحم الخيام ، خيام اليتامى ، هؤلاء لا يحبون الطفولة ويخافون من البراءة ، الخيول لا تملك الرحمة والا لصرخت جراحنا فيها بدل الصهيل ، استهوتهم لعبة الموت ، لعبة سحق الاطفال بسنابك خيولهم ، سحقت الخيل مجددا ابني عمي سعد وعقيل سحقتهما الخيل فتحول منظرهما الى موت ، سعد وعقيل هما ابنا عمي عبد الرحمن بن عقيل ، يبدو انهم حولوا ميدان المعركة الى خيمتنا ، برزوا شجاعتهم على النساء والاطفال تقول اختي فاطمة انها شجاعة ذليلة ، صرت أعرف معنى الذليلة ، صرت اعرف رغم صغر سني ، معنى ان ترضى انفسهم على ان يهجموا على عائلتنا المفجوعة ، وصرت مثل عمتي زينب اخاف ان يقتلوا أخي السجاد ، الذي أوصى أبي عمتي زينب للحفاظ عليه وحمايته من القتل ، الخيام تعج بالبكاء والعويل ، كنت أسأل فاطمة كلما تنزوي جنبي ،:ـ فاطمة هل أخذوا أبي ؟أين أبي يا فاطمة ؟ انهم يقتلون الاطفال ، لاأحد منهم يقول :ـ هؤلاء بنات الحسين ، بنات رسول الله ، فاطمة هل هؤلاء القوم مسلمون ؟ فاطمة يقتلوننا ويكبرون باسم الله ويؤدون الحمد لله ، يصلون على جدي رسول الله ، اليس فيهم مسلم يجيرنا ؟، يدافع عنا ، يحمينا من الخيول التي تجول وتصول بين النساء والاطفال ، أحد اولئك الذين لا يخافون الله يطارد بجواده اختي فاطمة وهو ينظر الي بحقد كانه يتوعدني ، تفر منه وهو يتبعها يمد الرمح بين كتفيها ، سقطت على وجهها يا الهي أي ناس هؤلاء ؟ يخرم اذني اختي فاطمة وهي مغشي عليها والدماء تسيل ، سحبتها عمتي الى داخل الخيمة قومي معي فاطمة اخاف ان اترك الخيمة فيقتلوا اخاك السجاد ،نهبوا الخيمة وما فيها ، ومازالت الخيل تجول وتصول داخل المخيم ، تريد ان ترى الخوف في وجوه النساء والاطفال وتريد ان تشعر بالخوف وهو يغزو قلوبنا ، ، لو كان أبي الحسين موجودا ، لما استطاعوا ان يدخلوا المخيم ، وان يقتلوا الاطفال ، ولا خرموا أذن اختي فاطمة ، لوكان عمي العباس موجودا لما استطاعوا ان ينهبوا اغراضنا ، صرت مثل عمتي زينب أخاف على أخي السجاد ، هو كل ما تبقى لنا ، مكبوب على وجهه ، لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، صرت أبكي علي وجعه وهو يضمني بقوة اليه ويبكي على وجعي ، كل الكلام الذي سمعته منذ خروجنا من المدينة الى هذه اللحظة صرت افهمه وعرفت معنى ( لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية ) يا الهي سيقتلون أخي السجاد، لو اموت أنا ويبقى أخي السجاد سالما ، هو وصية أبي ، كل كلمة سمعتها تتمثل الآن امامي ، وكبرت اسئلتي ، هل كان جدي النبي صلى الله عليه وآله يعلم بما يجري علينا ، ومن اين عرفوا كربلاء ، فجأة دخل رجل ليأخذ ما تبقى فلم يجد شيئا وهو ينظر الى اخي المسجى على نطع من الأديم ، جذب النطع من تحته ورماه على الأرض ، صرت افكر كم مرة يموت الانسان ، كم مرة يقدر هؤلاء على قتل الحسين عليه السلام أبي ، ، هم يقتلوه مع كل طفل يقتلوه من ابناء الخيام ، مع كل جرح ينزف ،ايعقل ان تصل وحشية الانسان ليسرق قرطا يخرم أذن فاطمة ؟ ان تصل وحشية الانسان ان يرمي عليلا ويسلب منه البساط ، ، بعد فترة قصيرة من الهدوء ، دخل رجل مرعب تحيطه جماعته وهم يقولون له ،لماذا لا تقتل هذا العليل ؟ اراد الرجل ان يقتله ،واحد منهم قال سبحان الله اتقتل الصبيان ، ولم يمتنع سل سيفه ليقتل أخي السجاد ، القت عمتي زينب نفسها عليه وقالت والله لا يقتل حتى اقتل ، قال له احدهم أما تستحي من الله ، تريد ان تقتل هذا الغلام المريض ، صرخ بصوت مرعب ، عندي اوامر من الامير بن زياد ، ان اقتل
|