اهتز قلبي شوقًا ، توضئتُ من غدير حنينه ، وجهتُ وجهي شطر كربلاء،خرجتُ باكرًا في صباح يوم الحادي عشر من صفر ، بصحبت ولدي الصغير ،يبلغ من العمر ثمان سنين في اول زيارة له سيرًا على الاقدام ، هو ولدي الذي تعلقت به أكثر من إخوته لأنه كطائر السلام ينثر البسمة بين بينهم .
على طوال الطريق وعيناي لا تنفك تراقب حركاته و تعابير وجهه لتعرف ما يدور بخاطره،ثم يعتصر قلبي المًا ، إنه أصم أبكم ،ضعيف البنيه.أخاف عليه كثيرًا.
سرنا بهمة مع أمواج السائرين، قطعنا شوطاً طويلًا، وأنا أسير طاف في خلدي هاجساً من الخوف إن أضيعه بين أسراب الزائرين ، فاتني أن أكتب اسمه على ورقه و أضعها في جيبه بحثت عن ورقه وقلم فلم أجد ... ، أكملنا المسير يداً بيد .
لقد قطعنا مسافةً طويلةً من محل خروجنا من ناحية العكيكة حتى وصلنا مركز مدينة الناصرية ، أحس ولدي بتعب شديد ، بداتُ أقنعه بالاستراحة كلما قطعنا مسافة لكنه رغم تعبه كان جاداً بالسير ...حتى وصلنا إلى مشارف مدينة البطحاء
قبل صلاة الظهر توقفنا في أحد المواكب.
لنستريح ... اتصلت بأخواله الذين خرجوا معنا وقد سبقناهم بالمسير
أخبرتهم باسم الموكب الذي أنتظرهم فيه .
نظرت إلى ولدي رأيته متعب أرهقه المشي و تورمت قدماه ، تكلمت معه بلغته ولدي العزيز ، أنت متعب ساعيدك إلى البيت مازلنا قريبين، أنت لا تستطيع المشي...، أعدك إني سأخذك إلى الزيارة بسيارةٍ خصوصي عندما أعود ...
ونحن جالسون معاً في الموكب غفلتُ لحظات ثم انتبهت فلم أجده تلفتت يميناً وشمالاً لعله بقربي... خرجتُ مسرعاً أبحث عنه بين الزائرين ، رأيته من بعيد يكمل طريقه مع الزوار لحقته وعدت به إلى الموكب الذي كنا ننتظر به أخواله.
في هذه اللحظات عصفت بنا ناراً ،ودوى صوت انفجار ، لحظات كانت كالحلم...
فتحت عيناي وجدت نفسي مُلقاً على الارض وبقربي ولدي وحولنا بركة دم وجثث وأشلاء الزائرين مثناثرة، نظرت إلى ولدي رأيت ووجهه كالقمر في تمامه نائماً ونفسه مطمئنة ، كانت اصابته في جبهته وقلبه ، حاولت أن أمد يدي لأجس نبضه ..آه..آه..فارق الحياة تمتمت(فداك يا أبا عبدالله ) .
رغم أني مثخن بالجراح لكني قلبي مع ولدي خفت أن تضيع جثته ولا أحد يتعرف عليه ، فتحت مأزري (شماغ)وربطتُ يدي بيده ،يارب اصابتي خطيرة ليتني ألحق به،...لا أعلم كم مر من الوقت حتى انتبهت على صوت شرطي يصرخ (هذا زاير بعده عايش)تجمعوا حولي يسألوني (من هذا الطفل الذي تربطه بيدك )
_ أجبت بصوت ضعيف هذا ولدي الشهيد (ميثم عباس جابر)
...لا أعلم بعد ذلك عن شيء انتبهت وأنا بالمستشفى ... أخي هل وجدتم (ميثم)
أجاب وهو يحاول أن يخفي الخبر عني
_نعم اعدناه الى أهله.
ثم أردف قائلاً :أخي عباس بحثنا عنك كثيراً بين جثث الشهداء وبين المصابين لم نعلم بوجودك في صالة العمليات...الا بعد ساعات ، الحمد لله على سلامتك
_هل شيعتم ميثم ؟ أعلم انه استشهد فلا تشيح بوجهك عني ولاتخفي عبرتك...
_نعم شيعوه تشيع كبير حضره كثير من الناس ، وبعدها توجهوا بچثمانه لزيارة الحسين وأخيه أبي الفضل العباس قبل أن يودعوه في مثواه الأخير...
مكثت في المستشفى عدة أيام...
ثم خرجت بعد أن تحسنت حالي ...عدت الى بيتي الذي خيم عليه الحزن ، وفقد أُنسه و فرحته ، حاول أهلي أن يخفوا حزنهم عني رأفةً بحالي لكن فضحهم النشيج ...انفجرت باكياً ، واجتمعوا حولي يبكون ...
ثم نطقت أخته الصغيرة، أبي ...أُمي لماذا تبكون رأيت أخي في المنام جاء طائراً بجناحين ومعه ثلاثة طيور بيضاء حط في فراشه
ثم طار الى جهة القمر وطارت الطيور معه.ترفرف باجنحتها على رأسه.
استرجعت ثم حمدت الله على نعمته وقلت ((من مات على حب ال محمد مات شهيداً))
وها أنا كلما هاج عليه ألم الفراق، ،وتعثر قلبي بأنينه. تذكرت أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فتعود إلى قلبي نسائم الطمأنينة ، ولدي شهيد ولدي قربان ولاء
|