• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فُرصَةُ خَيرٍ في شَهرٍ كَريم .
                          • الكاتب : صادق مهدي حسن .

فُرصَةُ خَيرٍ في شَهرٍ كَريم

 في كلمة من روائعه  يقول إمامنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (انتهزوا فرص الخير فإنها تمرُّ مرَّ السَّحاب).

إنًّ مما لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى هو من يوفر فرص الخير والرحمة لعباده..إنعاماً و تفضلاً عليهم ورحمةً بهم و إلقاءاً للحجة عليهم، فهو من أفاض الوجود على الإنسان ووهب له العقل وأرسل الأنبياء لهدايته وقيادته إلى كل خير وبر وهو القائل في كتابه العزيز ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)) (إبراهيم:34)، لأن جميع النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع الوجود وعلاوة على ذلك فإن ما نعلمه من النعم بالنسبة لما نجهله كالقطرة في مقابل البحر الخضم..ولعل شهر رمضان المبارك يشكل واحدة من أعظم وأكبر وأروع النعم لما فيه من فرص التزود من فيوض الخير والبركة التي تعطّف الله تعالى بها علينا وهذا ما أوضحه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته المباركة لاستقبال هذا الشهر الكريم حيث يقول في بعض مقاطعها: ((أيّها النّاس.. أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب...)) فما أعظمها وأجلَّها من نعمة أن يدعونا ربُّ العالمين لضيافته ويغدق علينا من كرامته فيقبل الأعمال ويستجيب الدعاء وكل هذا لا لحاجة منه إلينا بل منّاً منه وتكرماً وتربية لنا لنكون من عباده الصالحين..وفي المقابل ما أعظمها من حسرةٍ أن تمر هذه الفترة الوجيزة من عمر الزمن دون التزود للقاء الله الوشيك وإن امتدَّ العمر بالإنسان ..يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أشدُّ الغصص فوت الفرص) وهل هناك غصة كغصة فوت المغفرة ونيل الثواب الجزيل على العمل القليل أو لَسنا نخاطب رب الرحمة والعطاء (يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منا اليسير وأعف عن الكثير) فكيف ونحن نعيش أياماً من قرأ فيها آية كمن ختم القرآن في غيره من الشهور ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور وغيرها من نعم مضاعفة الأجر والثواب ((فلك اللهم الحمد على ما أنعمت وأنت أرحم الراحمين))..

    وهنا لابدّ من تنبيه وتذكير ((فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين))..هنالك محاولات مجرمة ومسعورة لتشويه هذا الشهر وحبط العمل فيه فمثلاً نجد إنَّ الكثير من الفضائيات التلفزيونية المسيرة من قبل أعداء الله ورسوله وبكل ما أوتيت من عزم وقوة وسلطان في سباق حامي الوطيس لعرض (البرامج الرمضانية) المنوعة والتي أعدت لها العدة قبل عام كامل لتفريغ هذا الشهر المبارك من محتواه الروحي والأخلاقي والتربوي،وقسم لا يُستهان به منا نشوان متشوق إلى المسلسل التافه والفلم البائس والبرنامج المبتذل والإعلان الرخيص و..و..على امتداد الوقت الفاصل بين الإفطار وصلاة الفجر إلى درجة أن المواظب على متابعتها لا وقت له للدعاء أو تلاوة القرآن أو غيرها من القُربات المؤكدة لإحياء ليالي شهر العطاء هذا (( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)).. فيا أيها الأحبة في الله الحذر ثم الحذر من هذه الفخاخ التي أسس لها شياطين الأنس من أعداء الإسلام ..بل لنشحذ الهمم ونتوجه إلى الله تعالى ونقبل بكل ذرة من جوارحنا إلى العبادة فهو شهر الصلاة ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ` الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) وهو شهر الدعاء ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) وهذا يحتاج منا إلى التزام ومواظبة وصبر((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) ليتحقق الهدف التربوي الأسمى من عبادة الصوم ((لَعلَّكم تتقون)).. وهذه دعوة إلى كل من في قلبه مثقال ذرّةٍ من حُبٍّ لله ولنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) أن نكون ضيوفاً مؤدبين عند مائدة ربِّ العالمين لنحظى بالخير والبركة في الدنيا وبالنعيم الأبدي في الآخرة وهي استجابة لنداء القرآن الكريم ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) ( آل عمران:133) ، فلا نملك إلا أن نسأل الله جلَت قدرته أن نكون من المقبولين في هذا الشهر الكريم بحق محمد وآله الطاهرين ((خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)).

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19807
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18