• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (أبي مع المودة/ حين يكون الأب ملحدا .
                          • الكاتب : صالح حميد الحسناوي .

(أبي مع المودة/ حين يكون الأب ملحدا

يرى المؤرخ والفيلسوف الأمريكي ويل ديورنت أعظم قضية هي إنه كان بإمكان الإنسان أن يحيا دون الله
 
كيف ينشا الأولاد إذا كان الأب ملحدا؟
الأب يقول انظروا بعقولكم، والأم تريدهم أن ينظروا الحكمة بقلوبهم، وأصبح الأبناء يفكرون في قضية أهم.. هي (اليقين)، أن يكون العقل والقلب في وحدة واحدة لا تنفصم

لم أكن أعلم أن أولادي كبروا للمستوى الذي يستطيعون مناقشتي ومحاورتي، بل إدهاشي أحيانا، مع هذا حافظوا على احترامي كأب
 
- أبي... هل ينكر العقل طاعة الله؟
- أبي... وراؤنا قبر وحساب
- أبي... لماذا نحن هنا؟
 
أولادي... أنا لم أفكر يوما بهذه الطريقة، وإنما كنت أعمل لأصل لأجوبة قاطعة عن أسئلة الكون والعقيدة، ربما لم أصل إلى حقيقة الوجود، وهذه حسنة من حسنات حياتنا، إننا كنا وما زلنا نفكر.
لكن العيب الأول إننا كنا نقف عند حدود إمكانياتنا، لا نراجع أنفسنا والشر الحقيقي للإنسان حين يؤمن بفكر ويناقضه في العمل، وهذا هو خداع النفس ومخادعة الناس.

- أبي... هل تفهم حقيقة الإلحاد؟ انتبه أبي أغلب العناوين التي اقتنعت بها هي مجرد شعارات براقة، أنت لا تؤمن هذا شيء يعنيك، لكن هذا لا يعني أن تشوه لأولادك حقيقة الإيمان، وإن أردت إقناعهم كأب بأنك مؤمن أنه لا يوجد إله لهذا الكون هذا العنوان بحد ذاته خاطئ في معرفة الرؤية الكونية.
(الإلحاد هو غياب الإيمان)
ـ هل الكون عبارة عن وهم يا أبي؟
ـ هل الإنسان فعلا من جنس أجداده البهائم؟

تلك هي حدود تفكيري يا أولادي، هي رؤيتي وقناعتي

ـ هذه مقدمات يا أبي، لا تستطيع أن تبتدئ منها إلا أن تقع في ورطة كبيرة، فإما أن تكذب هذه المقدمات، أو أن ترضى بالتناقض؟
الفلاسفة الملحدين صنعوا لفكر الإلحاد رؤية كونية مصنوعة من بقايا هرطقة عتيقة، قال سارتر في أحد كتبه (يعتقد الوجوديون أنه من المحرج جدا أن الله غير موجود، إذ أنه اختفى مع اختفاء الاله أي إمكانيه لإيجاد قيم من سماء واضحة)
هذا يعني لا بد أن ينتهي الملحد إلى إنكار قيم الخير والشر في عالم بلا إله.
ـ أبي... هل وجودنا الحي مدين للعشوائية الكلية؟
ـ أبي... الوعي الحقيقي للإنسان تشرق عليه معاني الوجود التي لا حياة لها إلا في ظل الإيمان بوجود الله سبحانه.
- أبي... صرنا نخشى عليك أن تألف التعايش مع الاعتقادات المتناقضة، نخشى عليك أن تسير في الضباب بلا هدى.
 أوهام تصنعها الرغبة في تجاوز مبدأ الإلحاد المادي، الأول أن مادة حية (الإنسان) صنعتها العشوائية بالصدفة مجرد صدفة.
ـ أبي... هل تعرف أن الإلحاد فرضية مستحيلة؟

وقفت أمامهم بحيرة لأقول لهم حكمتي، كلمتي، ملخص حياتي، وإذا بأبنائي يحاكموني، يحاكمون هويتي، يحاكمون آرائي بهذه الحدة، وكأنهم لا يرون أن الكثير من الملحدين يعملون لإنقاذ المعوزين والمنكوبين، هل تفكرون يا أولاد بحرص الملحدين على نفع الناس؟

- أبي... إن أولئك الناس فيهم طيبة وخير لا لأنهم ملاحدة، أي هل تستطيع أن ترد النزعة الخيرة إلى الإلحاد، والإلحاد لا يعترف بالخير والشر، هؤلاء يخونون إلحادهم، يعودون لرصيد فطرة الخير، والثقافة الدينية السائدة في بيوتهم وأهلهم وناسهم.

الغريب في أمركم أنكم تتجاهلون هويتي، لا تعرفون أني حر، ولا تؤمنون بحريتي وتغمضون أبصاركم عنها انتبهوا يا أولادي لحريتي.

- نعم أبي نحن نعرف أنك حر، لأن الإلحاد ليس دينا ليفرض عليك تعاليمه، ليس عندكم قرآن يرشدكم إلى الصواب، ولا أنبياء تهتدون بهديهم، نحن عبيد الله يا أبي، لدينا كتاب الله وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم، فأنت حر في أن تلتزم برؤى وأفكار وحر بالتنصل عنها متى أردت
 
- أبي الغالي... ما هو الإنسان؟ ولماذا تعتبرونه بهيمة من البهائم وقد خلقه الله في أحسن تقويم، وبهذا القبح الفارق بين الوحشية والأخلاق المدنية بين العقل والجنون.

أولادي... أتركوا لي مجالا لأعبر عن أفكاري، أيضا نحن نؤمن بالنظرية الداروينية وهي نظرية علمية نرفض أي تدخل فوق الطبيعي في هذا العالم، هناك ما يسمى بالنشوء العفوي، فهناك خلق عشوائي تدرجي بطيء جدا من البسيط إلى المعقد.

- أبي ...دعك من خداع النظريات، نحن يا أبي نحدثك عن التكريم الإلهي للبشر، سخّر الله سبحانه وتعالى الكون للإنسان، خلق الحيوان والنبات لأجل ديمومة وجود الإنسان، وأنت تحدثنا عن الداروينية التي أسقطت الإنسان من هذا التكريم الإلهي إلى درك الحيوانية، ولتغطية هذا العيب توصلتم لنظرية تكريم البعض للبعض، اتباعا لغريزة تكافل القطيع.
(نظر الأب إلى أولاده الثلاثة بعد هذه المحاورة التي لم تعط أحدا وقتا لجر الأنفاس، ربما رأى الأب، أنه لا بد أن يغير جو الملاحقة ويرتب المحاورة بأسلوب آخر، هو لم يكن يعلم أن أولاده بهذا النضج الفكري وبهذه الحماسة، قال لهم)
 
 أولادي... الفكر لا ينسى يوما أن يرفع الإنسان فوق الحيوان، الإنسان هو آخر صورة للتطور الحيواني، وبذلك هو أرقى ممن هو أدنى منه تطورا.
 
- أبي... أنت بهذا المعنى نسفت معنى التطور.
 التطور لا يعني التميز بين الكائنات باعتبار أن بعضها أفضل قيمة من البعض الآخر، وأرقى من البعض الآخر، ليس هناك سلم للتفاضل بين الأحياء، الإنسان والخنزير والفأر في القيمة سواء، لا فرق سوى سعة حوضهم الجيني، المادة بذاتها لا ترفع ولا تخفض،
المهم عندكم أن تسلبوا من الإنسان الاصطفاء الإلهي.
 الملحد ستيف ويليامز يقول توجد حجج أخلاقية كثيرة للقول أن الإنسان أدنى أنواع الحياة قيمة، الحروب ومجاز ذبح الحيوانات، الحضارة الإنسانية قامت على عرق أبناء أعمامنا الحيوانات ودموعهم.
 
(صار من المعلوم أن الأولاد قرأوا كل شيء، واطلعوا على الكثير من كتب فلاسفة الإلحاد، وجدت أبنائي لهم تقييم لكل مفهوم، ولكل جملة مثلا: يستشهد أحد أبنائي بالبيولوجي جوليان هيكسري في انحدار مفهوم الإنسان مع صعود الفهم الدارويني.
يقول لقد تقلصت الفجوة بين الإنسان والحيوان لا من خلال المبالغة في إصباغ الصفات الإنسانية على الحيوانات وإنما عن طريق تقليص الصفات الإنسانية للبشر)

- أبي لقد خسف الإلحاد بالإنسان الأرض فاستوت الكائنات الحية قدرا

أيها الأولاد دعوني أحدثكم عن الأمور الأخلاقية للوصول إلى نوعية الحياة.

- عذرا أبي للمقاطعة، من أسوء ما عرفت في حياتي مصطلح نوعية الحياة، وقبل أن تسالني، فالفيلسوف الأسترالي الملحد بيتر سنجر له موضوع بحث عنوانه قدسية الحياة أم نوعية الحياة؟، أكد أنه لا يوجد حرج أخلاقي في التخلص من الأطفال الرضع الذين يعانون من التخلف العقلي، أو مشكلات النمو الأخرى ويرى في ملخص الموضوع أن حياة بعض الحيوانات أكثر قيمة من حياة الأطفال المتخلفين عقليا.

(يحدثني الأب عن هذه الجلسة المرعبة بالنسبة له)

ـ لا أخفيك، رأيت من الأفضل أن انسحب من مناقشة الأولاد بحجة انشغالي بموعد، ولا أخفيك أيضا أن كثيرا من الأمور التي طرحها الأولاد كانت غريبة علي وتعلمت منها الكثير
ــــــــــــــــــــــ
المصدر/ كتاب الإلحاد في مواجهة نفسه/ للدكتور سامي عامري




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=198884
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 9