اهتمام كبير من ائمتنا عليهم السلام بقصة النبي ادريس عليه السلام وهي من القصص القرآنية التي لم تنل العناية الاعلامية والثقافية التي تستحق رغم اني وجدت فيها الكثير من القضايا التربوية التي لابد ان تدخل منهاج التعريف ، لنقف اولا عند حكاية المعنى المقصود من عملية الرفع ذهب المفسرون بها بعيدا فمنهم من يرى انه رفع الى السماء السادسة وقيل انه رفع كما رفع عيسى وهو لم يمت ، وقال اخرون انه قبضت روحه بين سمائين ، اما امامنا الباقر عليه السلام يرى معنى رفعناه تعني رفعنا مقامه ومرتبته بالرسالة ، ولم يرد رقعة المكان ، وادريس هو جد أب نوح عليه السلام، واسمه في التوراة أخنوخ، وقيل: إنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وهو أول من خط بالقلم، وكان خياطا "، وأول من خاط الثياب، وقيل: إن الله سبحانه علمه النجوم والحساب وعلم الهيئة وكان ذلك معجزة له " إنه كان صديقا " أي كثير التصديق في أمور الدين، وقيل: صادقا " مبالغا " في الصدق فيما يخبر عن الله تعالى " ان ملكا جبارا قايض فلاحا على ارضه فلم يوافق ، فارسل اليه بواسطة زوجته من يقتله ، واستولى على الارض، فغضب الله للمؤمن عند ذلك فأوحى الله إلى إدريس عليه السلام أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك فأحوجت عياله من بعده و أجعتهم؟ أما وعزتي لانتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنك ملكك في العاجل، ولأخربن مدينتك، ولأذلن عزك، ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك.
فأتاه إدريس عليه السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه. فقال: أيها الجبار إني رسول الله إليكم (5) وهو يقول لك: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما " حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنك ملكك في العاجل، ولأخربن مدينتك، ولأذلن عزك، ولأطعمنالكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج عني يا إدريس فلن تسبقني بنفسك، فبعث له من يقتله، فأوحى الله إليه أن تنح عنه وأخرج من قريته وخلني وإياه، فوعزتي لأنفذن فيه أمري، ولأصدقن قولك فيه وما أرسلتك به إليه. وطلب أدريس من ربه ان يقطع عنهم المطر ، بعد عشرين سنة ولم يهدأ غضب ادريس عليه السلام على اهل القرية ، فامر الملائكة بايقاف المد الغذائي عنه
فأوحى الله عز وجل إليه: يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها، ولم تجزع ولم تنكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة؟! ثم سألتك عن جهدهمورحمتي إياهم أن تسألني أن أمطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي فأذقتك الجوع (1) فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلك، فهبط إدريس من موضعه إلى غيره يطلب اكلة من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة (2) فقال لها: أيتها المرأة أطعميني فإني مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا " نطعمه أحدا " - وحلفت أنها ما تملك شيئا " غيره - فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، قال لها: أطعميني ما امسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب، قالت: إنهما قرصتان: واحدة لي والأخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت، وإن أطعمتك قوت ابني مات، وما هنا فضل أطعمكاه، فقال لها: إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى بها ويجزيني النصف الآخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله، فأكلت المرأة قرصها وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصه اضطرب حتى مات، قالت أمه: يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا " على قوته؟! قال إدريس: فأنا أحييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال: أيتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام بإذن الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله فلما سمعت المرأة كلام إدريس وقوله: أنا إدريس ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت قالت: أشهد أنك إدريس النبي، وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول و هي على تل فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟ فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا،أجد في الظاهر أن أمره تعالى إدريس عليه السلام بالدعاء لهم لم يكن على سبيل الحتم والوجوب بل على الندب والاستحباب، وكان غرضه عليه السلام في التأخير وفي طلب القوم أن يأتوه متذللين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد ولئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله بينهم، وأن أولياء الله يغضبون لربهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه لسعة رحمته وعظم حمله تعالى شأنه.
|