• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4)

جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: معنى العقل السليم: العاقل في اصطلاح القرآن الكريم و عند الناس هو الذي يضع الشي‌ء في مكانه و يملك إرادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها و لا يستجيب لهواها إن يك مخالفا للعقل و حكمه. قال تعالى: "وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ" (المؤمنون 71) و قال عز و جل: "يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‌ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه" (ص 51). و قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (النساء 135). و قال سبحانه و تعالى: "وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى" (النازعات 40-41). يتضح من هذه الآيات الكريمات ان العاقل هو الذي ينقاد الى حكم العقل، و يؤثره على هواه. و عليه يكون المراد بالعقل السليم: الإدراك النابع من العقل‌ بالذات، العقل المستنير بالمعرفة و الحق و الإيمان، و ليس من الجهل و التعصب و الأهواء الشخصية. و ما نراه ان الرجل الواقعي الواعي لا يجزم بالفكرة الخاطفة العابرة، و لا ينطلق مع رغبته و إرادته قبل أن يتدبر و يتأمل، بل يتريّث و يملك نفسه و يبحث، حتى يهتدي الى الرأي الناضج الأصيل. على العكس من الرجل العاطفي الذي يبتّ في الأمور برغبته و هواه قبل أن يفكر مليا، و بتعبير أدق: يصدّق قبل أن يتصوّر.

ويستطرد مؤلف الكتاب حسين الحاج حسن عن معنى العقل السليم قائلا: و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن العقل فقال: (ما عبد به الرحمن، و اكتسب به الجنان. قيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل، و ليست بالعقل). و يعني بقوله عليه السّلام ان العقل لا يقود الى الحرام كما يفعل الشيطان. و اللّه سبحانه و تعالى بشّر أهل العقل و الفهم في كتابه حيث قال: "وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى‌ فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ‌" (الزمر 18). هذه الآية تعد من أوضح الآيات التي جاءت في العقول السليمة. و الإمام عليه السّلام استدل بهذه الآية الكريمة على تقديم أهل العقول السليمة على غيرهم لأن اللّه قد بشّرهم بالهداية و النجاح، و قد تضمنت الآية التي استشهد بها عليه السّلام جملة من الفوائد منها: 1- وجوب الاستدلال. 2- و حدوث الهداية. 1- إذا وقف الانسان على جملة من الأمور فيها الصحيح و الفاسد، و كان في الصحيح هدايته و في السقيم غوايته فإنّه يتحتم عليه أن يميز بينهما ليعرف الصحيح منها فيتبعه، و السقيم فيبتعد عنه، و من الطبيعي أن ذلك لا يحصل إلا بإقامة الدليل و الحجة، و بهذا يستدل على وجوب النظر و الاستدلال في مثل ذلك. 2- كما دلّت الآية على الهداية، فمن المعلوم ان كل عارض لا بدّ له من‌ه. قال الامام موسى الكاظم عليه السّلام مخاطبا هشام بن الحكم: يا هشام: ان اللّه تبارك و تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، و نصر النبيين بالبيان، و دلّهم على ربوبيته بالأدلة فقال سبحانه: "وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ * وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‌" (البقرة 163-164). يتوضّح من حديث الإمام هذا ان اللّه أكمل نفوس أنبيائه بالعقول الفاضلة ليكونوا حججا على عباده، و هداة لهم الى الطريق السليم لينجوا من مهالك الدنيا و مزالقها، و لو لم يمنحهم العقل لما صلحوا لقيادة الأمم و هدايتها، لأن الناقص لا يكون مكملا لغيره، و فاقد الشي‌ء لا يعطيه.

يقول الدكتور الحاج حسن في كتابه: كيف نصر اللّه أنبياءه؟ اللّه عزّ و جلّ نصر أنبياءه بآيات الصدق، و دلّهم على ربوبيته ببيان الحق، و علمهم على معرفته و توحيده بأدلة حاسمة تشهد على وجوده، و تدل على وحدانيته. و كما قال علماء المنطق و الفلاسفة، ان المعلول يدل على العلة، و الأثر يدلّ على المؤثّر. و قد استدل الامام الكاظم عليه السّلام على فضل اللّه بالآيات الكريمة، و ذلك في حديثه الذهبي هذا الذي يعتبر من أهم الثروات الفكرية التي أثرت عنه. و قد شرحه شرحا فلسفيا الشيخ المتأله الآخوند ملا صدرا اقتبسنا بعضه. قال عليه السّلام من خلال هذه الآية الكريمة: 1- "خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‌" (البقرة 164). من أعظم آيات اللّه خلقه للسماوات التي زيّنها بالكواكب السابحة في الفضاء، و سيرها في مداراتها، متباعدا بعضها عن بعض حسب قواعد الجاذبية، و هي مسخّرة في حركاتها و انجذابها، و جذبها بأمر اللّه تعالى، فبعضها أكبر من الأرض بعدة ملايين، و هي تسير في أفلاكها لا يصطدم بعضها ببعض. آية ظاهرة تنادي بوجود اللّه جلّت قدرته. جاء في تفسير المنار للشيخ محمد عبده: ج 2 ص 60. (تتألف هذه الأجرام السماوية من طوائف، لكل طائفة منها نظام كامل محكم، و لا يبطل نظام بعضها نظام الآخر، لأن للمجموع نظاما عاما واحدا يدل على أنه صادر عن إله واحد لا شريك له في خلقه و تقديره و حكمته و تدبيره، و أقرب تلك الطوائف إلينا ما يسمونه النظام الشمسي نسبة الى شمسنا هذه التي تفيض أنوارها على أرضنا فتكون سببا للحياة النباتية و الحيوانية. و الكواكب التابعة لهذه الشمس مختلفة في المقادير و الأبعاد. و قد استقر كل منها في مداره، و حفظت النسبة بينه و بين الآخر بنسبة إلهية. و لو لا هذا النظام لانفلتت هذه الكواكب السابحة في أفلاكها فصدم بعضها بعضا، و هلكت العوالم بذلك. فهذا النظام آية على الرحمة الإلهية كما أنه آية على الوحدانية، يقول العلامة جون وليام كوتس: (إن ما اكتشفه العلم الحديث من النجوم هو بمقدار من الكثرة بحيث لو كنا نعدّ النجوم كلها بسرعة 1500 نجما في الدقيقة لاستغرق عدنا 700 سنة، أما نسبة الأرض إليها فهي أقل كثيرا من نقطة على حرف في مكتبة تضم نصف مليون من‌ الكتب من الحجم المتوسط. و تابع قائلا: (إن هذا العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من الاتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة. إنه ملئ بالروائع و الأمور المعقدة التي تحتاج الى مدبّر، و التي لا يمكن نسبتها الى قدر أعمى، و لا شك ان العلوم قد ساعدتنا على زيادة و فهم و تقدير ظواهر هذا الكون و هي بذلك تزيد من معرفتنا باللّه و من إيماننا بوجوده). مما لا شك فيه ان كل ذلك لم يكن وليد الصدفة إذ كيف يمكن أن تفسر هذه العمليات المعقّدة، و كيف نستطيع أن نفسّر هذا الانتظام في ظواهر الكون، و العلاقات السببية، و التكامل و التوافق و التوازن التي تنتظم بسائر الظواهر، و تمتد آثارها من عصر الى عصر؟ و كيف يعمل هذا الكون من دون أن يكون له خالق مدبّر، هو الذي خلقه و أبدعه و دبّر سائر أموره؟

وعن الأرض يقول الدكتور حسين الحاج حسن في كتابه: و من عجائب خلق اللّه في خلقه هذا الكوكب الذي نعيش عليه، فقد جعله تعالى يدور حول محوره في كل 24 ساعة مرة واحدة، و سرعة حركته ألف ميل في الساعة و لو كان يدور حول محوره بسرعة مائة ميل في الساعة لكان طول الليل عشر أمثال ما هو عليه الآن، و كذا طول النهار، و كانت الشمس محرقة في الصيف لجميع النبات، و في الليالي الباردة كان يتجمد ما عليها من نبات و حيوان، كما أنها لو اقتربت الشمس من الأرض أكثر مما عليه الآن لازدادت الأشعة التي تصل إليها بدرجة تؤدي الى امتناع الحياة عليها، و لو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر لعجزت عن احتفاظها بالغلاف الجوي و المائي اللذين يحيطان بها، و لصارت درجة الحرارة فيها بالغة حتى الموت و لو كان قطرها ضعف قطرها الحالي لأصبحت جاذبيتها للأجسام ضعف ما هي عليه و انخفض تبعا لذلك ارتفاع غلافها الهوائي و زاد الضغط الجوي و هو يوجب تأثيرا بالغا على الحياة فإن مساحة المناطق الباردة تتسع‌ اتساعا كبيرا، و تنقص مساحة الأرض الصالحة للسكن نقصا ذريعا، و بذلك تعيش الجماعات الإنسانية منفصلة أو في أماكن متنائية فتزداد العزلة بينها، و يتعذر السفر و الاتصال بل قد يصير ضربا من ضروب الخيال. و لو كانت الأرض في حجم الشمس لتضاعفت جاذبيتها للأجسام التي عليها إلى مائة و خمسين ضعفا و نقص بذلك ارتفاع الغلاف الجوي و وصل وزن الحيوان الى زيادة مائة و خمسين ضعفا عن وزنه الحقيقي كما تتعذّر الحياة الفكرية عامة. و ميزة أخرى خصّ اللّه بها الأرض فجعل لها غلافا غازيا كثيفا يقدّر سمكه بثمانمائة كيلومتر. و هو يتكون من جميع العناصر الضرورية للحياة، و هو السبب في حيلولة الشهب القاتلة الى الأرض كما انه السبب في إيصال حرارة الشمس بصورة معتدلة الى الأرض بحيث يمكن أن تعيش على سطحها الحيوانات و النباتات كما أن له الأثر في نقل المياه و البخار من المحيطات الى القارات، و لولاه لتحوّلت القارات الى أرض قاحلة، و ليس لبعض الكواكب هذا الغلاف مما سبب عدم ظهور الحياة عليها. فالمرّيخ له غلاف غازي و لكنه رقيق جدا و غير صالح للحياة لخلوّه من الأوكسجين. و الزهرة لها غلاف غازي و لكنه مكوّن من ثاني أوكسيد الكربون‌( 2 oc )مما يجعله غير صالح لظهور الحياة. و كذلك القمر له غلاف رقيق خال من العناصر الضرورية للحياة مثل الأوكسجين‌ ناهيك بما في مائها و أنهارها و جبالها و معادنها من الآيات و العجائب. قال سماحة الإمام المغفور له كاشف الغطاء: حقا إن من أعظم تلك الآيات التي نمرّ عليها في كل وقت و على كل حال هذه الأرض التي نعيش عليها، و نعيش منها و نعيش بها، منها بدؤنا و إليها معادنا. قال تعالى: "وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‌" (الأعراف 29). و قال رحمه اللّه: الأرض هي أم المواليد الثلاثة: الجماد، و النبات، و الحيوان، و تحوطها العناية بالروافد الثلاثة: الماء و الهواء و الشمس، فهي الحياة و هي الممات، و فيها الداء، و منها الدواء و قد تحصى نجوم السماء، أما نجوم الأرض فلا تحصى. و لا تزال الشريعة الاسلامية قرآنها و حديثها يعظم شأن الأرض و ينوه عنها صراحة و تلميحا. قال تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً [2]. و قال عزّ و جلّ: "وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها" (النازعات 30-31). و قال سبحانه و تعالى: "أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَ عِنَباً وَ قَضْباً * وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا * وَ حَدائِقَ غُلْباً * وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا * مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ‌" (عبس 25-32). و مع تقدم الاكتشافات و الاختراعات، و استخدام العقول الثاقبة جميع وسائل العلم، لم تصل هذه العقول الى تحليل جميع عناصر الأرض و استخراج جميع كنوزها، فسبحانه ما أجلّ قدرته، و أعظم صنعه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=199601
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 01 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2