• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الكاظم.. إمامٌ ليس بينه وبين الله حجاب! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

الكاظم.. إمامٌ ليس بينه وبين الله حجاب!

 الكاظم.. إمامٌ ليس بينه وبين الله حجاب!
بسم الله الرحمن الرحيم

اختارَ الله تعالى لسابع الأئمة، لموسى بن جعفر الكاظم، لخير مَنْ بَرَأَ فِي خَلْقِهِ! أُمَّاً مُصَفَّاةً مِنَ الْأَدْنَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ! مَا زَالَتِ الْأَمْلَاكُ تَحْرُسُهَا! حتى أدَّتها إلى أبيه كرامةً من الله لهما! (الكافي ج‏1 ص477).

ولمّا خرج من بطنها: سَقَطَ وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ!

فناداه منادٍ من قِبَل ربِّ العزة:

أَنْتَ صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَعَيْبَةُ عِلْمِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، وَخَلِيفَتِي فِي أَرْضِي! (المحاسن ج‏2 ص315).

ههنا معانٍ في غاية العظمة..

1. صفوة الله
إنَّ: الصَّفْو نقيض الكَدَر، وصَفْوَة كلِّ شي‌ءٍ خالِصُه وخَيرُه (العين ج7 ص162).

لقد اجتمع في هذه الأسرة أمٌّ مصفَّاةٌ من الأدناس.. وأبٌ طاهرُ الأعراق.. ومولودٌ خالصٌ مِن كلِّ شَوب.

هي أسرةٌ استخلصها الله تعالى واصطفاها، وجعلها خَيرَ مَن على وجه البسيطة، فصار الإمامُ فيها (صفوةَ الله في خلقه).

لقد رأت أمُّه أنها: نَظَرَتْ إِلَى الْقَمَرِ وَقَعَ فِي حَجْرِهَا!

فما لبثت أن ولدت: مَوْلُوداً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله حِجَابٌ! (الأمالي للطوسي ص721).

فأيُّ معنىً هذا؟!

إنّ النصوص في احتجاب الله تعالى على طوائف، فمنها ما عن الرضا عليه السلام أنه تعالى: احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ (الكافي ج1 ص105).

ومنها ما عن النبيِّ صلى الله عليه وآله أنَّ الله: أَحَبَّ الِاخْتِصَاصَ بِالتَّوْحِيدِ إِذِ احْتَجَبَ بِنُورِهِ، وَسَمَا فِي عُلُوِّهِ، وَاسْتَتَرَ عَنْ خَلْقِه‏ (التوحيد ص45).

فهو تعالى قد احتَجَبَ عن الخلق، لكنَّ احتجابه كان بالنُّورِ المنسوب إليه، وهو (حجابٌ غير محجوب)، فهو في نفسه ظاهر، لكنه حاجِبٌ بين الله وخلقه.

وليس نورُ الله تعالى إلا محمدٌ صلى الله عليه وآله!

وهكذا ورد عن الباقر عليه السلام: مُحَمَّدٌ حِجَابُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏ (الكافي ج1 ص145).

فالحجابُ بين الله وخلقه هو أوَّلُ نورٍ خلقه الله تعالى، هو الحجابُ الذي يحتاجه كلُّ أحدٍ للوصول إلى الله، ولا يحتاجُ هو أحداً، فليس بينه وبين الله تعالى حجاب.. هكذا قد يُفهم الحجاب..

وهكذا الأئمة من ذريَّته صلى الله عليه وآله: فأوَّلهم محمد، وأوسطهم محمد، وآخرهم محمد.

وهكذا صار الكاظم عليه السلام حجابَ الله تعالى.. به يُعرَفُ الله، وبه يُوَحَّدُ الله.. وليس بينه وبين الله حجابٌ.. فلا يحتاجُ أحداً.

نعم، إنَّ الله تعالى قد: احْتَجَبَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِين‏ (التوحيد ص179)، فلا تراهُ العيون.. ولكن: رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَان‏ (الكافي ج1 ص98).

فهو حال كونه محتجباً عن عباده.. ظاهرٌ لهم.. فليس احتجابُهُ احتجابَ غياب.. لذا يقول الصادق عليه السلام لابن ابي العوجاء: وَيْلَكَ، وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِك‏؟! (الكافي ج1 ص75).

وهكذا تظهر قدرة الله تعالى في كلِّ مخلوقاته وآياته.. التي لم تكن ثمّ كانت.. والتي تتقلَّبُ أحوالها من حالٍ إلى حالٍ فتكشف عن عظيم قدرة الله تعالى، وتُرشدُ إليه، وتدلُّ عليه.

ومن أعظم آياته مَن كان حجاباً له تعالى.. ذاك هو الكاظم عليه السلام، الذي دعا الله تعالى أن يفرِّغه لعبادته، ولمّا صار سجيناً حَمَدَ الله على ذلك.. وكان من عبادته في سجنه أن لو سَجَد طال سجوده حتى يُظنَّ أنَّه ثوبٌ مطروح! ولقد كانت تطول سجدته من طلوع الشمس إلى الزوال! ومن صلاة العصر الى المغيب! فقضى أيامه صائماً قائماً قارئاً للقرآن مجتهداً في عبادة ربه! وهو الذي أعطاه ربُّه ما أعطاه!

هو الذي إذا دخل عليه أحدٌ لم يكن له هَمٌّ إلا النَّظر إليه (وَإِلَى فَضْلِهِ وَسَمْتِهِ)! فكان يسلب الألباب قبل الأبصار!

وهو الذي إذا أُدخِلَت عليه جاريةٌ في سِجنِه لأغراضٍ وأغراضٍ انقلبَ كيانُها وتبدَّلَ حالُها فصارت (تَرْتَعِدُ شَاخِصَةً نَحْوَ السَّمَاءِ بَصَرَهَا)، وصارت طويلة السجود لربِّها، كثيرة التسبيح بقولها: قُدُّوسٌ سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ. حتى زَعَم القوم أن موسى بن جعفر قد سَحَرَها بسحره!

فما أعظم صفوة الله موسى بن جعفر!

2. موضع سرّ الله
هو بعد ذلك موضع سِرِّ الله، وعيبة علمه، وأمينه على وحيه..

إنَّ السرَّ: (يجمع فروعَه إخفاءُ الشي‌ء، وما كان من خالصه ومستقرِّه).

فكلُّ ما أخفاه الله تعالى عن عباده ظاهرٌ للإمام! وكلُّ ما أعلمه الله أحداً من خلقه معلومٌ للإمام! وكلُّ وَحيٍ مؤتَمَنٌ عند الإمام!

لا عَجَبَ حينها أن يُحدِّثِ الناس بالمغيَّبات! ولا عَجَبَ أن يطلعهم على ما فيه الصلاح من أمورٍ انقضت وأخرى يرتقبونها..

فهو الإمام الذي: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا طَيْرٍ وَلَا بَهِيمَةٍ وَلَا شَيْ‏ءٍ فِيهِ رُوحٌ!

ومَن كان على هذه المثابة من العلم حقَّ أن يؤخذ عنه، وأن يُعرفَ منه قدرُ العلم، وأن يُقبل قوله، ولقد نَبَّهَ عليه السلام المؤمنين إلى ضرورة التفقُّه في دينهم، فقال:

تَفَقَّهُوا فِي دِينِ الله، فَإِنَّ الْفِقْهَ مِفْتَاحُ الْبَصِيرَةِ، وَتَمَامُ الْعِبَادَةِ، وَالسَّبَبُ إِلَى المَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ، وَالرُّتَبِ الجَلِيلَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفَضْلُ الْفَقِيهِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْكَوَاكِبِ، وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِهِ لَمْ يَرْضَ الله لَهُ عَمَلًا (تحف العقول ص410).

3. خليفة الله
لما كان الإمام جامعاً لتلك الصفات وسواها، صار خليفةً لله في أرضه!

الأرضُ: إمّا هذه التي نحيا عليها، وإما عنوانٌ مُشيرٌ لعالم الإمكان بأسره!

وكيف كان.. فهو إمامُ الإنس والجان.. وكلِّ مخلوقٍ من خلق الله..

فلا عَجَب أن يأمر أسدَ الله فيفترس عدو الله! ويخرُّ أعداؤه مغشياً عليهم وتطير عقولهم خوفاً!

فلا يتخلف عن أمره شيء، حيثُ تستحيل بأمره صورةُ الأسد أسداً كما استحالت عصا موسى حيَّة!

وهو الذي إذا حَرَّكَ شفتيه ونَخَسَ البَقَرَةَ الميتة برجله: اسْتَوَتْ عَلَى الْأَرْضِ قَائِمَةً! حتى لا يُدرى أهذا موسى الكاظم أم عيسى المسيح!

وهو الذي إذا هَدَرَ الحمام تحت سريره قال الذَّكَرُ منه للأنثى: يَا سَكَنِي وَعِرْسِي، والله مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ مَا خَلَا هَذَا الْقَاعِدِ عَلَى السَّرِيرِ!

ليس هذا الحمامُ بأكثر حبَّاً للإمام من شيعته.. الذين يحزنون في أيام شهادته، ويحيون ذكراه، ويَرَونَ الإنتقامَ من ظالميه وقاتليه، وأشياعهم وأتباعهم، ومَن أسَّسَ أساس الظُّلم، قَدَراً مقدوراً.. لا دافِعَ له ولا رافع..

ثمَّ يسألون الله تعالى أن يعظِّم أجورهم بشهادته، وأن يعجِّل فرج وليه.

والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=199617
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 01 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2