يحمل الإنسان نزوعا فكريا نحو المعرفة، وهذه الفكرة بما تحتوي من عمق ورؤى فاعلة، شكلت مدرسة الدعاء عند الإمام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية، لتصبح منحا تربويا مثمرا وقيمة من قيم الإصلاح، إصلاح الذات/ الإنسان/ المجتمع/ إصلاح الظاهر والباطن/ إصلاح المضمون الإنساني وبناء المجتمع المدرك، ليلج الوعي إلى عمق معنى الدعاء، وإلى العمق الدلالي والرؤى الجمالية في الأسلوب الدعائي، تميل إلى قوه الفكر وومضات التأمل.
ركز السيد أحمد الصافي على الجمل البلاغية الموجودة في الدعاء
(وعمرّني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي أو تستحكم غضبك علي) سعيا لتمكين المتلقي من فهم الدعاء عبر تفكيك النص وقراءته قراءة تحليلية، ليكشف لنا مواضيع الحكمة والجمال "وعمرّني" مفردة تعمر فيها تكثير ومبالغة، هو طلب مشروع أن يدعو الله تعالى أن يزيد في عمره، ويدخل إلى عملية قيد الطلب بقيد "ما كان عمري بذلة في طاعتك".
قراءة النص بأسلوب يقترب إلى المستوى الشمولي العام من وعي التلقي لتكون ممكنة الاستلام لإفهام متلقيه عبر الزمن المفتوح، أن هذا القيد الذي وضعه الإمام عليه السلام، يعد من المرتقى الجمالي الذي كان أروع إضافة وتوصيف أن ينمي العلاقة الإنسانية ضمن مرتقى العبودية لله سبحانه وتعالى.
نتأمل في مضمون القيد وما له من دلالة ترتبط مع مفهوم العبودية لله سبحانه وتعالى، ليولد تعريف جديد لمفهوم العمر هناك عمر حقيقي وعمر زائف، العمر الحقيقي هو العمر الذي يكون بذلة في طاعة الله سبحانه (القيد) وضع شرطا يتوافق والعمق الإيماني ودلالة من دلالات الوعي المؤثر.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي أن المقطع يتصف بالجمال والأناقة والدقة والعمق المضموني، الإمام عليه السلام بين لنا فلسفة طلب الزيادة في العمر، لأن العمر قد يكون مثلبة على صاحبه، ويتوسع في قيمة الشرط الذي وضعه الإمام سلام الله عليه لينفذ منه إلى روح الموضوع (الطاعة) التي لا تتحدد بشيء كونها تمتلك قدرة التأثير على تفاصيل حياتنا، يمكن أن تكون أعمالنا كلها لطاعة الله تبارك وتعالى، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نلج أولا إلى المعنى ومعرفة شخصية الإمام عليه السلام، علميته، عصمته المباركة، والمطلب القصدي من الدعاء الذي ينتمي إلى فكرة الالتزام بوجود ملزمات الشرط، إذا ابتعدنا عن المحرمات والمكروهات وجعلنا كل عمل من أعمالنا فيه التقرب لله، وفيه التقوى على طاعة الله سبحانه وتعالى و(النية) تعني القصد والإرادة والعزم، والنية في الإسلام طاعة الله سبحانه وتعالى والتقرب منه والمعروف عن النية محلها القلب، يقرب لنا سماحة السيد صافي الهدف، كل الأمور يمكن أن تدخل في الطاعة، يجب على الإنسان أن يستكثر من التوبة في حياته.
جعل موضوع العمر من المواضيع المؤثرة روحيا كون الإمام عليه السلام جعل قبول العمر مرهونا بالطاعة ورفض العمر (إذا كان مرتعا للشيطان فاقبضني إليك) نلاحظ كيفية تنامي الشرط عبر القبول والرفض، نجد أولا أن مفردة مرتع جعلت الانزياح في غاية من الجمال، المرتع... مرتع الشاة ترتع فيه العشب، تذهب وتجيء كما تشاء وبغير أن يمنعها مانع، العمر يكون مرتعا للشيطان عندما يتصرف فيه الشيطان كما يشاء.
يوجه سماحه السيد الصافي التحليل إلى نظم العلاقات ليتجلى المعنى بين علاقتين المشارفة والمقابلة ويعرج بنا إلى المساحة التأثيرية بين المشارفة والمقابلة لا تأخذنا علاقة المشارفة إلى عمق القراءة كيف يطلب الإنسان الموت على هذه الحالة بدلا أن يطلب من الله سبحانه التوبة، علاقات المشارفة كثيرة، في قوله تبارك في سورة يوسف (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) يوسف 36 المشارفة تعني الانزياح وهو مجاز لفظي والعلاقة هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي كيف يعصر الخمر، وإنما يعصر ما يؤول إلى الخمر، يقول الإمام عليه السلام (فاذا كان عمري) يعطف على ما سبق أي إذا قدر لعمره أن يكون هكذا فلا خير فيه، ونأتي إلى علاقة المقابلة أن يكون العمر بذلة في طاعة الله سبحانه وتعالى الرغبة والمحبة والاحتياج = مرغوب، محبوب، مطلوب،
إذا صار مرتعا للشيطان = البغض، انتفاء الحاجة، مذموم، مبغوض وغير مطلوب، نأتي إلى شخصيه الباحث هو عالم داعي، تؤلفه الدلالات والمفاهيم وتفسير بناء الفكرة والبنية والتأويل الكامل في نظم العلاقات، حجم الدلالة، المضمون، فيذكر لنا خطورة المقت الإلهي، والمقت هو البغض الشديد، أشد أنواع البغض هو مقت الله سبحانه، البحث في قيم الدلالات له أهمية في عرض الفكرة بوعي ليعطي سعة لاستيعاب الغاية أو المعبر القصدي يقول الإمام السجاد عليه السلام (قبل أن يسبق مقتك إلي أو يستحكم غضبك علي) تحليل بنائيه هذا التركيب عبر المغزى الاستفهامي
ـ هل يسبق المقت من الله إلى العبد؟
ـ هل الله سبحانه أساسا يمقت
عباده؟
ـ هل يطيق الإنسان غضب الله سبحانه؟
لا يمكن أن يتصور الإنسان أن الله سبحانه يمقته، فالله سبحانه ليست له عداوة مع أحد كما أنه ليس له قرابة مع أحد، هناك تعبير يقرب لنا الفكرة كونها لا ترتبط بعلاقات مع الزمان ولا المكان، ودال له أكثر من دلالة مؤثرة مثلا العمل له أكثر من وقع تأثير يمكن أن يقربنا إلى الله سبحانه ممكن أن يبعدنا عن الله، هذا يعني أن استحقاق الإنسان للمقت الإلهي لا يأتي إلا بعمل قضية مهمة يعرضها السيد أحمد الصافي وهي عميقة الغور في مضمون الغضب الإلهي
أولا... المعنى.. إن الإنسان وصل إلى حال استنفذت فيها حتى قابليته على أن يرحمه
ثانيا... رحمة الله لا تستنفذ مهما عمل العبد من موبقات لكن قابلية أن يرحم بنفسه قد استنفذت أصبح محلا أن يستحكم عليه الغضب الإلهي
ثالثا... نعود إلى قوام الفكرة الأولية أن العمر على هذا الحال لا خير فيه، عمر يستحكم فيه المقت والبغض الإلهي ليس بعمر
رابعا... ترسيخ صورة جسد بطاقه الجسد الآدمي ضعيف، خاوي، نحيف، تقلقه بعض ألام الدنيا كيف يعمل المقت والغضب الإلهي
خامسا... نجد في عبارة الدعاء اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا،
من الممكن لهذا النهي أن يتفاعل مع الفكرة تفاعلا إيجابيا إذا فعل الإنسان هذه النواهي في نفسه.
نهي أن لا يوكل الإنسان أموره إلى نفسه.
أن لا يعمل أعمالا تستوجب غضب الله سبحانه... كأن لا يسقط من عين الله.
لنصل إلى نتيجة مهمة لها من الفكر الفاعل والرأي الإيجابي الفطن عبارة تلخص لنا كل معاني الحياة وهي في غاية الرقي
(من المهم ان يفلسف الإنسان حياته مع تعاليم أهل البيت عليهم السلام)
|