• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رمضانيات عراقية (الحلقة الخامسة) .
                          • الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي .

رمضانيات عراقية (الحلقة الخامسة)

 إن رمضان وأجوائه الجميلة التي يشعها من خلال الاطمئنان والشعور بالغبطة رغم قسوة الظروف البيئية وسؤ الخدمات تجعلنا نفكر بالماضي القريب في الأجواء الرمضانية  ويبقى التساؤل هل نحن اختلفنا ام الظروف اختلفت ام إن التقدم التكنولوجي ذو وبال سيء على العراق وأهله فقد ما مر بالعراق من أزمات وحروب وحصار واقتتال داخلي وإرهاب وسؤ استخدام السلطة ولكن رمضان يعيدنا الى أجواء رمضان سنة 1975 م عام 1395ه كان في نهاية العطلة الصيفية عندما كنت ناجحا من الخامس الابتدائي للصف السادس الابتدائي وكان بداية وعينا المبكر لما كان يجري في العراق بعد تأميم النفط وتوفر الوفرة المالية للعراق والتي بانت عبر برامج التغذية المدرسية وإنشاء مراكز الشباب المتطورة والفعاليات العلمية فيها والوفرة عبر زيادة الرواتب للموظفين وإطلاق سلف العقاري وتوزيع الأراضي التي ساهمت في التوسع العمراني للطبقة المتوسطة التي هي عماد بناء المجتمع المتجدد لأنهم يشكلون الأغلبية فيه وإنهاء الاقتتال الكردي بعد ان أوقف شاه إيران مقابل صفقة تقاسم شط العرب المخزية او ما يسمى اتفاقية الجزائر الدعم لهم وبدء مشروع تطبيق الحكم الذاتي  واعتماد اللغة الكردية لغة ثانية في العراق  وعربيا بداية الاقتتال اللبناني الداخلي ومنع السلطات السورية ماء الفرات مما سبب ازمة نهر الفرات وقت ذاك وبدية الاتفاق الاسرايئلي  المصري بما يسمى فك مواجهة القوات واعادة افتتاح قناة السويس كلها قضايا في الذاكرة الغضة التي تربت على حب العراق وحب الوطن العربي وكانت أمنيتها الأولى تحرير القدس من براثن إسرائيل هكذا تربينا على حب العراق وبداء الوعي السياسي لنا ولكن كان المجتمع العراقي يعيش الانفتاح  في أفكاره كان جيراننا أبو جواد الشيوعي  صاحب محل المرطبات يقول لنا إن التاريخ يخفي للعراق الكثير من الماسي  وكان صديقي الأخر سيد علي الذي اخذ من قبل الأمن فيما بعد في سنة 1978م كان يحاول بث الوعي الديني لمخاطر الأمة وهكذا قراءتي للكتب الإسلامية  والتاريخية وكان يصر على مرافقتي له للمسجد لحضور محاضرات دينية للشباب ما بعد صلاة العصر كان يلقيها شيخ جليل من الإحساء  من السعودية وكان يبث تحصين الشباب ضد الهجمة في تغيب الدين واعتبار الدين أفيون الشعوب وهي بداية وعينا للمرأة وحقوقها المهضومة وكانت هذه الفترة بداية الزيادة المفرطة في تعليم الإناث مع ظهور تثقيف إن حرية المرأة مرتبطة بالمظهر والتخلص من العباءة والحجاب ولبس المني جوب والسفور وهي نظرية رسختها السينما المصرية عبر أفلام الحب والأغاني المصرية وكانت هنالك اغنية مصرية احببتها وهي اغنية بهية للمغني المصري محمد العزبي وكلماتها
 
عيون بهيه
 
ردي البيبان يا بهية .. لا ف يوم يظلموكي
 
داري العيون يا صبية .. لا الناس يحسدوكي
 
بهية .. كل الحكاية عيون بهية
 
وبهية خبريني .. مالهم بيكي اللايمين
 
دي عيونك يا صبية .. بالحب مليانين
 
كل مجاريح الهوا .. بيقولوا هيا بهية
 
كل عشاق الهوا .. ظالمين بهية بهية
 
ظلموا البنية .. يا عيني
 
و كل الحكاية .. عيون بهية
 
ولا حد عدى .. ولا مرة هدى .. وشاف عينيها الا و مال
 
قالوا عن بهية .. ظلموا البنية
 
و اللي في عينيها .. ملقاش مودة .. ظلم الصبية و راح و قال
 
قالوا عن بهية .. ظلموا البنية
 
قالوا عن بهية .. ملهاش عزيز ولا حبيب
 
عيونها تقتل .. ملهاش دوا ولا طبيب
 
قالوا ع البنية .. وياما قالوا
 
اللي في هواها .. يا عيني مالوا
 
ظلموا البنية يا عيني
 
و كل الحكاية .. عيون بهية
 
ان كلماتها عشقتها لمشابهة اسم بهية مع اسم زوجة عمي الاولى التي كانت بمثابة امي الثانية لاهتمامها بنا إنا وأخي المرحوم الشهيد محمد وكانت تناوب ولادتي في استقبالنا من المدرسة وتهتم بملبسنا وقضاء حوائجنا كانت عيونها جميلة وقوامها جميل ولكن كما يقول المثل الحلو مايكملش لأنها كانت عاقر رغم زواجهما مع عمي لمدة 15سنة وهو صابر ينتظر الفرج والولد وفي يوم قبل رمضان في عام 1975م جاء عمي وقال أريد ان أتزوج وقتها بكت بهية وانأ اردد هذه الأغنية معها وقالت له لاستطيع ان أشاهدك مع امرأة أخرى تعيش معنا فكان القرار الأصعب وهو الطلاق كان يوم في أخر شعبان وقبل رمضان بأيام ومن وقتها يراودني وتراودني أسئلة عن العقم وأسبابه وأهمية الأطفال في ديمومة الحياة الزوجية ولهذا إنا أتابع العقم وأسبابه رغم تخصصي الباطني كله لعيون بهية رحمة الله عليها وبعد يومين خطب عمي زوجته الجديدة وبعد أيام طلب مني إنا وأخي محمد إن نرافقه للرميثة مكان عمله كمأمور مركز محطة قطار الرميثة ترضية وصلحا له بعد زعلنا عليه لزواجه على بهية وكان ذلك في السابع من رمضان وهو بقى في ذاكرتي لانه اليوم الاول الذي افطر فيه رمضان لدواعي السفر من وقتها عرفت إن هنالك دواعي للإفطار وهي السفر والمرض وكنا نناقش أبي وعمي ان السفر ألان فيه راحة وليس كما كان سابقا فلماذا نفطر  ومازال هذا النقاش يراودني ويراود الكثير منا الان ولكن ان الله يريد بنا اليسر وليس العسر هكذا هو الله رحمته فاقت كل شيء المهم منذ الصباح أخذنا تكسي مع عمي وزوجته الى محطة قطار العلاوي وهي اول مرة وقتها ادخل فيها فكانت ذو تصميم هندسي رائع تركه لنا المهندس الانكليزي والاحتلال الانكليزي وليس كالاحتلال الامريكي البهيمي الذي ترك لنا الماسي  والدمار وركبنا القطار السياحي وكان قطارا بهيئا جميلا مكيفا يستقبلنا موظفيه بملابسهم المميزة ووجدنا المقاعد الوفيرة التي تتحرك الى الامام والخلف وكنا نتعارك انا واخي محمد على الجلوس قرب الزجاج المظلل للقطار لنرى المحطات والقرى والأماكن التي نراها لأول مرة وفي القطار كان هنالك عربة تسمى المطعم فيها جميع المرطبات والأكلات  وعند وصولنا محطة الرميثة في الساعة الواحدة والنصف ظهرا استقبل عمي وزوجته الجديدة بالحلوى والهلال من قبل أصدقائه والأهازيج الشعبية وهكذا ذهبنا الى منزله الملحق بالمحطة وهو بناء انكليزي قديم كان تابع لحامية الرميثة في الصوب الصغير وكان في بابه مكان لربط الخيل وفيه العديد من الغرف ويتميز بسقفه العالي للتكيف مع الجو الحار وفي سقفه الخشبي  المغلف معلقة مروحة هندية كبيرة تبث نسمائها بلطف وبعد استراحة قامت زوجة عمي الجديدة التي رزقهما الله باربع بنات وثلاث بنين فيما بعد برش الطارمة(الفسحة الداخلية) بالماء وتشغيل المروحة المنضدية لتكون الطرمة باردة لازال أتذكر برودتها ونحن نعيش حرارة صيف تموز 2012  فهي الرميثة المسلحةالرميثة مدينة فراتية يانعة لها
 
طعم البن والتمر والقهوة . نسيجها مغزول من شط سمي بأسمها على ضفتيه سجادة نقشتها عشائر الظوالم وآل بو حسان وبني زريج وبني عارض في لحمة كونت ذاكرة النضال العراقي في العصر الحديث .. تلك المدينة التي اشعلت ثورة العراق الكبرى وفي التالي توالت علينا الدعوات للافطار لعمي وطبيب الرميثة ومدير الناحية والمعلمين وموظفي السجل المدني الذين هم يشكلون عماد الموظفين وقتها في الناحية فاهل الميثة الكرام احفاد ثورة العشرين فهي مدينة هادئة هانئة يحنو عليها حنو الأم وهي تستقبل الموظفين المبعدين لأسباب سياسية وغيرها بدواوينها المفتوحة ديوان آل بو مكوطر وديوان آل شاهر في الصوب الصغير.وديوان السادة الشرع وديوان آل بوحميد وديوان آل عبودي وديوان آل بوجعيلة في الصوب الكبير وديوان آل جوهر الذي يمتاز بحوزته على قدر كبير لطبخ الهريس عمره اكثر من 150 سنة   وهذه المضايف بالاضافة الى مضايف العشائر في الأرياف مثل مضيف ال معجون والبوزياد وال حجيم والبوعبدالله الخزاعل ويمتاز أهل الرميثة بالشعر الشعبي والحسجة والتغني بامجاد ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها من الرميثة لا بد من القول ان الشعر الشعبي هو الأكثر بقاء من موضوعة التراث الشعبي إذا تحفظه الصدور وتناقله الألسن وتتسلمه الأسماع بوصفه أرثا تسري فيه أرواح الأجداد وخاصة الذي يتحدث عن انتماء الشاعر لوطنه وآلامه . وفي امسية رمضانية في مضيف البوزياد ونحن على شاطى الفرات والشمس تغوص غروبا تشع بأشعتها عبر البساتين باشعة ذهبية من خلال سعف النخيل الباسق وترحيب اهل الكرم والسمك المسكوف وعطر ألتمن العنبر والطابك وخبز التمن (السياح) الحار وطعم المحلبي المدخن نعم الشائط بالحرق طعم لازال في فمي حتى الان وسوالف عن ثورة العشرين (الطوب أحسن لو مـگـواري) (حل فرض الخامس كوموله)  وانأ أشاهد البرنو والمكوار ليبقى خالدا في ذهني وسوالف الشاعر المرحوم المرحوم حداوي ابو عبد ألظالمي وهو يحدثنا عن الثورة وعن وقفاته الكثيرة لان عمي كان يقرض الشاعر وكان يردد قصيدة .....تلومنه بدر جيف بايع القبوط.......وناس باعت علم فوق العود ويرددها ويضحك كثيرا لانها انقذت الشرطي بدر الذي باع قبوطه لاشباع عائلته الساخنة في مسيرته الشعرية ومن هذه المواقف مواجهته المرحوم الملك فيصل الثاني عام 1953 أثناء زيارته الى مدينة السماوة :
 
 انظر يا ملك فيصل الثاني وشوف
 
 حكومتنه ويانه ما بدت معروف
 
 تسلب بالنهار ومن يجي الليل تحوف
 
( كون الشايل نجمة يبوك)
 
ومن شعره ايضا الذي لازال في ذاكرتي
 
يمنادي الشعب لبيك من ناديت
 
ذبحت أهل الفرات اعليك ما خليت
 
سويتك حكومة وسلميتك بيت
 
شلون تسلم البيت لمطرة ومطرة تصاوغ بيه
 
انها الرميثة القريبة من الوركاء التي تذكرني باول الحضارات على الأرض وأول حرف حفر على الطين واول صوم كان صوم الكهنة للاله وصوم ابراهيم  ابو الانبياء والذي من خلال رحلته تعلمت الحضارات الاخرى الصوم.
 
اما اليونانيون القدماء ومنه الطبيب ابقراط كان يجد في الصوم علاج لكثير من الإمراض وتقويم النفس وتشذيبها ويُعَدُّ الحكيم أبقراط أول مَن أوصى بالصوم كوسيلة علاجية، وازداد الاهتمام بالامتناع عن الطعام والشراب كأسلوب للعلاج. وان ابقراط أوصى كان اعتماده على نوع الغذاء والصوم والحمامات المعدنية والتمارين الرياضية والهواء النقي أكبر من اعتماده على الأدوية، فمن أقواله مثلاً: عش عيشة صحية تنج من الأمراض إلا إذا انتشر وباء في البلد أو أصابتك حادثة. ومنها: إذا مرضت ثم اتبعت نظاماً صالحاً في الأكل والحياة أتاح لك ذلك أحسن فرص الشفاء. وكذلك قوله: كلما أكثرنا من تغذية الأجسام المريضة زدنا تعريضها للأذى. لاحظ أحد الحكماء ويدعى (كونيلوس) سرعة شفاء العبيد مقارنةً بالأحرار، وقد علَّل ذلك إلى أن الأرِقَّاء أكثر صوماً وأكثر التزاماً بالصوم العلاجي من الأحرار، وفي عام (46) من الميلاد قال الحكيم بلونارك: " إن صوم يوم واحد أفضل من تعاطي الدواء ". انه الصوم المتواصل عبر الحضارات الذي تواصل عبر صورته المثلى الحالية كل رمضان وانتم بألف خير وانتظرونا في حلقة أخرى من ليالي رمضانية عراقية  تقبل الله طاعتكم وصومكم



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20009
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28