حجي عبد تجاوز عمره السبعون ومازال يحلم ببيت ملك, مر العمر سريعا وهو يحاول ويحاول, لكن الحياة أنهكته, وبقي يتنقل في بيوت الإيجار تحت رحمة ملاك البيوت, وهو الآن مطمئن أنه سيموت وهو في بيت ايجار, فلا يملك القدرة المالية على شراء بيت, ان مشكلة السكن ازلية في العراق, وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها, لتتضخم وتتراكم, لتجعل الحياة صعبة على محدودي الدخل والفقراء.
حيث تتجاوز أسعار العقارات في بغداد أسعار المدن الأوروبية، في حين أن البنية التحتية لا تواكب ارتفاع التكاليف, حيث يصل سعر المتر المربع للمنازل في المناطق السكنية الراقية بالعاصمة العراقية بغداد إلى 22 مليون دينار عراقي (حوالي 15,000 دولار أمريكي), وتصل أسعار المناطق التجارية إلى ضعف هذا الرقم، وهي زيادة هائلة تضع سوق العقارات في بغداد بين أعلى مستويات أسعار العقارات العالمية, ويتجاوز هذا السعر حتى الأسعار المسجلة في المدن الأوروبية، مما يعزز مكانة بغداد كموطن لبعض أغلى العقارات في العالم.
وقد أدى قانون الاستثمار العراقي، إلى جانب التفاوت بين العرض والطلب، إلى تحويل السلطة بشكل مباشر إلى أيدي المستثمرين, واستجابةً لذلك، يسعى البرلمان إلى تعديل القانون كإجراء لتهدئة قطاع الإسكان المتضخم في بغداد.
· أزمة السكن تخنق المجتمع
لم ترتفع الأسعار في المناطق الرسمية المخصصة، والمعروفة باسم "سندات التخصيص"، فحسب، بل شهدت أيضًا ارتفاعًا طفيفًا في الأراضي المصنفة على أنها زراعية بدلًا من سكنية, وغالبًا ما تُمارس أعمال البناء بشكل مخالف للأنظمة، حيث يسعى السكان إلى تحويل هذه المناطق إلى أحياء سكنية متطورة بالكامل, وتتعلق آمالهم بتغيير تصنيف استخدام الأراضي من زراعية إلى سكنية، وهو تغيير يأملون أن تُسهّله الحكومة لحل جزء من المشكلة.
عندما تجوّل في شوارع العاصمة بغداد, أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي, ستشاهدون إعلاناتٍ تعرض مجمعاتٍ سكنيةً حديثةً بأسعارٍ خيالية. هي متاحة فقط للأغنياء و ميسورين الحال والطبقة السياسية والمشاهير, اما الفقراء فليس في قدرتهم الوصول لها.
يبلغ متوسط الدخل الشهري للمواطن العراقي 544 دولارًا أمريكيًا (800 ألف دينار عراقي)، وفقًا لموقع "نومبيو"، الذي يُقيّم مستويات المعيشة العالمية.
ما يُثير الحيرة في ارتفاع أسعار العقارات هو أن بغداد تُعاني من ازدحامٍ مروريٍّ شديد، وفيضاناتٍ عقب هطول الأمطار، ووفرةٍ في المولدات الكهربائية، مما يُبرز عدم التوافق بين البنية التحتية والأسعار الباهظة.
· عقارات المنصور اغلى من باريس
يقول هيثم الجنابي وهو وسيط عقاري يعمل في قضاء الكرخ: أسعار العقارات في بغداد غير متساوية, مثلا سعر المتر المربع في مختلف مناطق المدينة لا تتجاوز الاف دولار, لكن في قضاء المنصور الراقي قد تتجاوز الأسعار 5000 دولار أمريكي، أي حوالي 7 ملايين دينار عراقي, وهنا يجب الالتفات الى ان التنظيم غائب، وهناك غياب للمساءلة في تسعير العقارات، فكل مستثمر يُحدد الأسعار حسب تقديره دون رقابة, وقد أدى ذلك إلى أن أصبحت مناطق مثل المنصور واليرموك أغلى من باريس.
ويضيف علاء محمد (صاحب مكتب عقاري): سكان العاصمة يتجهون الآن نحو الأراضي الزراعية وأطراف بغداد بحثًا عن خيارات سكنية أكثر بأسعار معقولة، متجنبين مركز المدينة, وقد امتد ارتفاع أسعار العقارات إلى جانب الرصافة للكثير من احيائها, حتى مدينة الصدر اصبحت اسعارها مرتفعة جدا, لذلك اصبح التوجه للأرض الزراعية, وبسبب كثرة الطلب عليها ارتفعت أسعارها, فقد ارتفع سعر المتر المربع في الأراضي الزراعية إلى مليون دينار عراقي، وغالبًا ما يتم ذلك دون توثيق رسمي.
وقال الأستاذ غالب سعيد (وهو من سكنة شارع فلسطين): تُباع بعض المناطق في جانب الرصافة بأسعار تُقارب أسعار الكرخ، مثل البنوك، وزيونة، والأعظمية، وشارع فلسطين، والكرادة, ففي منطقة زيونة التجارية، يتراوح سعر المتر المربع حول 10,000 دولار، بينما يبلغ سعر المتر المربع للوحدات السكنية حوالي 3,500 دولار، حسب موقعها, في شارع فلسطين المجاور لمدينة الصدر، تتراوح أسعار العقارات السكنية بين 2,500 و3,000 دولار، بينما تتراوح أسعار الوحدات التجارية بين 8,000 و10,000 دولار.
· قانون الاستثمار يُفاقم الأزمة
أن العامل الرئيسي وراء ارتفاع أسعار العقارات في بغداد ينبع من قانون الاستثمار نفسه، الذي منح المستثمرين هامشًا كبيرًا من الحرية دون تحديد سعر ثابت للعقارات, حيث ترك الامر هكذا من دون محددات بضر فئات واسعة من المجتمع.
لقد وسّع قانون الاستثمار الفجوة بين العرض والطلب، متجاوزًا بذلك الهدف الأصلي للقانون، ومُمكّنًا المستثمرين من تحديد ديناميكيات السوق والأسعار، مما أدى فعليًا إلى تهميش الرقابة الحكومية.
وتناقلت المواقع الخبرية إلى نية البرلمان مراجعة قانون الاستثمار وإصدار لوائح جديدة تهدف إلى تنظيم أسعار العقارات السكنية، ليس فقط في بغداد، بل في جميع المحافظات العراقية الأخرى.
ان تفاقم الازمة ادى الى انتشار المستوطنات العشوائية داخل المراكز الحضرية وعلى أطراف المدن, حيث تضخمت هذه الظاهرة لتشمل أكثر من 4000 مستوطنة عشوائية منتشرة في جميع أنحاء العراق، تضم أكثر من 3 ملايين نسمة, هذه الشريحة السكانية الآن يُمثل سكان العراق 12% من سكان البلاد، وفقًا لتقارير وزارة التخطيط.
· يحتاج العراق إلى ٥ ملايين وحدة سكنية
أن ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية في العاصمة هو عامل رئيسي وراء ارتفاع أسعار العقارات, حيث أدى هذا الأمر إلى حالة من تفوق الطلب على العرض، وهي حالة تختلف عن تلك التي شهدتها المحافظات والدول الأخرى, والحقيقة ان الأمر يبعث للدهشة من الأسعار الباهظة لبعض العقارات في العاصمة بغداد، والتي تجاوزت 15 ألف دولار (حوالي 22 مليون دينار عراقي) للمتر المربع.
تأكد ان أسعار العقارات في بغداد لا مثيل لها عالميًا، مما يجعل العقارات في العاصمة الاغلى سعرا من أي مكان آخر في العالم.
وهذا لا يشمل المناطق التجارية، حيث يبلغ سعر المتر المربع أربعة أضعاف سعره في المناطق السكنية.
أن الطلب على العقارات في بغداد يتزايد باطراد، ولا توجد مشاريع كبيرة قيد التنفيذ لتلبية هذا الطلب، الحقيقة أن العراق يحتاج إلى 5 ملايين وحدة سكنية، مع حاجة إضافية إلى 2-3 ملايين وحدة سنويًا لمواكبة الطلب المتزايد في السوق.
والحل الامثل لهذه المشكلة هو بناء مجمعات سكنية على أطراف بغداد، ذات بنية تحتية قوية متصلة بمركز المدينة،, حيث ان الاعتماد فقط على مركز بغداد لن يعالج أزمة الأسعار, والاهم ان تكون بأسعار مناسبة لأصحاب الدخل المحدود.
|