• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لا ضرر ولا ضرار .
                          • الكاتب : سيد صباح بهباني .

لا ضرر ولا ضرار

 بسم الله الرحمن الرحيم

 ويحرّم عليهم الخبائث )   الأعراف / 157 (
. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )  البقرة : 179 (
( أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) الدخان /18.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)الأنفال /63 .
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) سورة الرعد/28 .
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات/13
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء /70
(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص/83
(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )القصص/84
(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا). القصص/80
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، حديث حسن رواه ابن ماجة والدار قطني وغيرهما مسندا ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا : عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأسقط أبا سعيد ، وله طرق يقوي بعضها بعضا .
امتازت قواعد الشريعة الإسلامية بشموليتها واتساع معناها ، بحيث يستطيع المرء أن يعرف من خلالها الحكم الشرعي لكثير من المسائل التي تندرج تحتها ، ومن جملة تلك القواعد العظيمة ، ما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، فإن هذا الحديث على قصره يدخل في كثير من الأحكام الشرعية ، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس ، في العاجل والآجل .
 
وإذا عدنا إلى لفظ الحديث ، فإننا نجد أنه قد نفى الضرر أولا ، ثم نفى الضرار ثانيا ، وهذا يشعرنا بوجود فرق بين معنى الضرر ومعنى الضرار ، وقد ذكر العلماء كلاما مطولا حول ذلك، وأقرب تصوّر لمعنى الكلمتين : أن نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام ، وأما نفي الضرار : فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله .
 
ومن هنا ، فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين الإسلامي يرسّخ معاني الرحمة والتيسير ، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق ، فلا يمكن أن تجد في أحكامه أمراً بما فيه مضرّة ، أو نهياً عن شيء يحقق المصلحة الراجحة ، وإذا نظرت إلى ما جاء تحريمه في القرآن الكريم أو في السنة النبوية فلابد أن تجد فيه خبثا ومفسدة ، مصداقا لقوله تعالى
 
: ( ويحرّم عليهم الخبائث )  الأعراف / 157 .
 
ومن ناحية أخرى فإن كل ما ورد في الكتاب والسنة من أوامر ، فالأصل أنها مقدوره ، داخلة ضمن حدود الطاقة ، وإذا عرض للإنسان أحوال تمنعه من إتمام الامتثال بالأمر الشرعي ، كأن يلمّ به مرض أو عجز أو نحوهما ، فهنا يأتي التخفيف من الله تعالى ، كما في رخصة الإفطار في نهار رمضان ، ورخصة الجمع والقصر في الصلاة وغير ذلك كثير .
 
على أن الضرر المنفي في الدين لا يتناول العقوبة والقصاص ؛ لأن عقاب المجرم على جريمته هو السبيل الوحيد الذي يردع الناس عن انتهاك حدود الله ، والاعتداء على حقوق الآخرين ، بل إننا نقول : إن هذه الحدود التي شرعها الله عز وجل هي مقتضى العدل والحكمة ؛ إذ لا يُعقَل أن نغلّب جانب مصلحة الفرد على حساب مصلحة المجتمع كله ، ولا يُعقل أن ننظر بعين العطف على الجاني ، ونتناسى حق من جنى عليهم ، ولذلك يقول الله عز وجل : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )  البقرة : 179 .
 
ولم يقتصر الحديث على نفي الضرر في الشريعة ، بل أتبعه بالنهي عن إضرار العباد بعضهم لبعض ،  فالمكلف منهي عن كل فعل يترتب عليه إضرار الآخرين ، سواء قصد صاحبه الإضرار أم لم يقصد .
 
وهذا أصل عظيم من أصول الدين ؛ فإن الفرد إذا التزم بصيانة حقوق غيره وعدم الإضرار بها، فإن من شأن ذلك أن تقل المنازعات بين الناس ، فينشأ المجتمع على أساس من الاحترام المتبادل بين أفراده . ونجد في أن هذا الفهم للأخبار قد انتقلت خلاصته إلى كتب الفقه الإمامي ، فيقول أبو القاسم بالمحقق في كتابه الشهير "شرائع الإسلام" 1/259 في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
 
((ولو افتقر إلى الجراح أو القتل، هل يجب؟ قيل: نعم، وقيل: لا، إلا بإذن الإمام، وهو الأظهر)) اهـ .
 
تراه هنا يذكر خلافا في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المؤدي إلى ضرر من جرح أو قتل، فيذكر أن من الإمامية من أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو أدى إلى جرح أو قتل الآمر بالمعروف أو جرح وقتل المأمور على سبيل الدفاع عن النفس وصاحب هذا القول هو الشريف المرتضى كما سيأتي، ولكن المحقق الحلي يعود فيقول بأن الأظهر هو منع هذا النوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يشير بذلك إلى قول جمهور الطائفة .
 
ويقول الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الإمامي الشهير عندهم بالعلامة في كتابه "منتهى المطلب في تحقيق المذهب"  2/993 متحدثا عن الشرط الرابع من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
 
(( الرابع : أن لا يكون في الإنكار مفسدة على الآمر ولا على أحد من المؤمنين بطلبه، فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار" ولما رواه الشيخ عن مفضل بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي يا مفضل من تعرض لسلطان جائر فأصابه بليه لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها ))..
 
أما إذا تخلى الناس عن العمل بهذا المبدأ ، وصار كل إنسان ينظر إلى مصلحته دون أي اعتبار للآخرين ، فهنا تحصل الكارثة ، وتشيع الأنانية المدمرة ، وهذا ما جاء الإسلام بإزالته والقضاء عليه .
 
لقد حرّم الإسلام الضرار بكل صوره ، وجميع أشكاله ، حتى حرّم الإضرار بالآخرين منذ ولادتهم إلى حين وفاتهم ، بل وبعد موتهم ، فحرّم إضرار الأم بولدها ، كما قال الله تعالى : ( لا تضار والدة بولدها ) البقرة / 233 . ، وحرّم تغيير الوصية بعد سماعها ، وحرّم إضرار الموصي في وصيّته ، وحفظ للأموات حقوقهم حتى حرّم سب الأموات ، فما أعظمها من شريعة ، وما أحسنه من دين ؛ وكذلك أم الضغط على الأجسام في شهر رمضان كما يهفهون شهر رمضان بالغلط ويحاولوا أن يغيروا مسيرة برامجهم اليومية خلال الشهر ؛وهذا غلط  ويجلب لهم المتاعب والأضرار ويجب أن لا نسى حديث الرسول محمد صلى الله علسه وآله
 
رمضان شهر التغيير ... بداية النهاية للعادات السيئة
 
 إذا كنا نتعذر بعدم أداء واجباتنا الوظيفية أو المنزلية أو الرياضية بضيق الوقت وزحمة المشاغل ففي رمضان فرصة سانحة للتنظيم والترتيب.
 
النوم :
 
يظلم كثيرون أجسامهم بحرمانها من ساعات كافية من النوم، متعذرين بالضيوف أو المناسبات الاجتماعية ... ولهؤلاء نقول :
 
. ليكن رمضان بداية النهاية في ترك السهر ــ
 
. نم مبكرا لتستطيع الاستيقاظ على السحور ــ
 
. اجعل قسط نومك الأكبر في الليل ــ
 
. لا تفوت الاستيقاظ على السحور ــ
 
. خذ قيلولة بعد الظهر إن تيسر ذلك ــ
 
. ــ حاول عدم النوم بعد تناول الإفطار مغربا
 
 الرياضة :
 
. ــ مارس رياضة خفيفة بعد العصر، ولا أفضل من المشي
 
ــ صلاة التراويح أفضل بديل للحفاظ على لياقتك من جهة، وأسلم طريقة تتخلص بها من ــ التخمة التي أنهكت جسمك بها على الإفطار .
 
.  ــ يفضل التقليل قدر الإمكان من ممارسة الرياضات القتالية العنيفة، بل اتركها كلية في رمضان، ومارس تمارين اللياقة البدنية الخفيفة . ــ
 
الدراسة :
 
. ــ اغتنم استيقاظك وقت السحور، وابدأ الدراسة بعد الفجر؛ فقد ثبتت أفضلية هذا الوقت ذهنيا ونفسيا على سائر الأوقات . ــ
 
. تجنب الدراسة المتأخرة ليلا وابتعد عن السهر تماما ــ
 
ــ لا داعي لوجبة بعد العشاء، فهناك وجبة السحور، لاسيما إذا عرفنا الضرر البالغ الذي يسببه الأكل قبيل النوم .
 
إن التغيير يتطلب إرادة وعزما ماضيين، ورمضان منحة ربانية تساعدنا على التخلص من العادات السيئة والكسل المتراكم ...
 
فإن لم يكن رمضان نقطة تحول جذري في نظام حياتنا فمتى يكون ؟ !
 
وهذا أصل عظيم من أصول الدين ؛ فإن الفرد إذا التزم بصيانة حقوق غيره وعدم الإضرار بها ، فإن من شأن ذلك أن تقل المنازعات بين الناس ، فينشأ المجتمع على أساس من الاحترام المتبادل بين أفراده .
 
أما إذا تخلى الناس عن العمل بهذا المبدأ ، وصار كل إنسان ينظر إلى مصلحته دون أي اعتبار للآخرين ، فهنا تحصل الكارثة ، وتشيع الأنانية المدمرة ، وهذا ما جاء الإسلام بإزالته والقضاء عليه   وبعد أن فهمنا ما لنا وما علينا وأن ما جاء به الحبيب المصطفى وبما    امر به سبحان نكون قد التزمنا وأنشاءنا أمة متفاعلة متنامية قوية عظيمة الشأن والقوى العقائدية لا مثمل يفهمه المتلبسين بالدين أمثال العقاعدة والتكفرين والوهابين وغيرهم من التتار الذين يدفعون الناس بالباطل لتحقيق مآربه الشخصية الحاقدة المزمزوجة بالسم الطائفي الدفين ونسوا ما أمرنا الله به في سورة  الحجرات
 
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .
 
وأن المحبة والتعاون والتآخي لا تتم إلا وفق للعدالة الجتماعية التي امرنا به والألتزام بكتاب الله والسنة والنبوية الشريفة والتميك بالعترة الطاهرة هي التي تبني المجتمع وفقًا لما ذكرناه في الجُمُعات الماضية يكون تحقّق العدالة الإجتماعيّة التي هي من أهمّ الأهداف الأساسيّة للأنظمة الدينيّة، و هي المنشأ الأوّل لتمتُّع كلّ فرد بحقوقه الإنسانيّة و الإجتماعيّة علي حدٍّ سواء و بدون إختلاف بين عربيٌّ أو أعجميٍّ و من أيِّ نسلٍ أو لونٍ ما كان و الملاك الحقيقيّ في الأولويّة  هو التقوي الإلهيّ .
 
و بناءًا علي ذلك فإنَّ كلّ الناس متساوين متئاخين و لا يوجد أيِّ فرقٍ بين الذكر و الأنثي في تحقيق العدالة الإجتماعيّة و من حقّ كلّ أفراد المجتمع أن يتمتّعوا بالحقوق الإجتماعيّة علي حدٍّ سواءٍ و من أيِّ دينٍ أو مذهبٍ إن كانوا ينتمون إليه. فالمهمّ هو أنَّ الحكّام يجب أن يعرفوا كلّ حقوق المواطنين و يؤدّوها إليهم بالتساوي و بكلّ جدٍّ و بغض النظر عن أي جمعٍ ينتمون إليه و يجب أن لا يكتفوا بأداء الشعارات و التظاهُر بالعدالة ، بل يجب أن يُمَهِّدوا الأرضيّة بالعدالة للتكامُل لكلّ أفراد المجتمع .
 
إنَّ للعدالة الإجتماعيّة أبعادٌ مختلفة و إحداها هي العدالة في المديريّة العامّة للمجتمع الإنسانيّ . و معني هذا الكلام  هو أنَّ إدارة المجتمع يجب أن يكون بيد الحاكم العادل الذي يُدبِّر الأمور الإجتماعيّة و يُديرها علي أساس العدالة. و خير النماذج لذلك هو حين ذهب النبيّ موسي (عليه السلام) إلي فرعون الذي كان حاكمًا جائرًا و أراد منه أن يتنازل عن الحكم و يُسَلِّمه إليه كما نري خطابه إلي فرعون في الآية 18 من سورة الدخان في قوله تعالي : ( أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ )
 
إنَّ المجتمعات في يومنا هذا تسودها الأنظمة المعقّدة للأحزاب التي بيدها الحكم و هي التي لا تستطيع أو لا ترغب أن تضمن حقوق كلّ الأفراد في المجتمع و ما زالت المصالح الحزبيّة في أولويّة علي المنافع الشعبيّة و لا تكون العدالة كالأساس الرئيسيّ هدفًا لإدارة الشعب. و من جرّاء ذلك ينتشر التبعيض القوميّ و التفريق بين الطبقات المختلفة في المجتمع و لا تتوزّع الثروة و القدرة بين الناس بالقسط و العدالة . 
 
فما لا شكّ فيه هو أنَّ العدالة الاجتماعية لا تتحقق ما لم يكن المتخصصين علي رأس أنظمة الحكم هم العادلين و لذلك نري أنَّ في الأنظمة الإسلاميّة يكون أوّل الشروط لانتخاب الإمام لقيادة الشعوب والمجتمعات البشريّة هو توسّمه بالعدالة .  
 
إنَّنا نري في المصادر الدينيّة في الإسلام فريقين من الحكّام فمنهم العادلين و منهم الغير عادلين كما نري ذلك في الحديث النبويّ الشريف الذي قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) << إنَّ أحبّ الناس إلي الله تعالي يَوم القيامة وأدناهُم منهُ مجلسًا إمامٌ عادلٌ وأبغض الناس إلى الله تعالي و أبعدُهُم مِنهُ إمامٌ جائر >>
 
و من أقوال أمير المؤمنين عليّ (كرم الله وجهه وعليه سلام الله) في وصف الإمام العادل هو قوله << اِنَّ الله فَرَضَ عَلي أئمة الْعَدْلِ أن يُقَدِّرُوا أنفسهم بِضَعـَفَةِ النَّاسِ، كَيْلا يَتَبَيَّغَ بِالفَقِيرِ فَقْرُهُ>>
 
أي أنَّ علي الإمام العادل أن يعيش في مستوي الفقراء لكي يعرف حالهم و يعينهم بما في وسعه و لكي لا يتيه الفقراء و يبتعدوا عن الحقّ من جرّاء المشاكل الماليّة و قال في كلامٍ آخر له عليه السلام << إمامٌ عادِلٌ خَيرٌ مِن مَطَرٍ وابل >>
 
و حين ندرس سيرة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته الكرام (عليهم السلام) و نتمعّن في أخلاقهم نري ما لا يُعَدُّ و لا يُحصي من النماذج الأخلاقيّة العليا في التصرّفات العادلة لأولئك العظام الذين هم خير الأسوة للعباد و في سبيل المثال نذكر ما حصل من بعد أن أنتصر المسلمين في معركة خيبر فأراد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوزّع الغنائم بين المسلمين. و كان قد وقف (صلى الله عليه وآله وسلم) جنب جَمَلٍ و مسك بيده جزءٌ من الصوف من ظهر الجمل و توجّه إلي الحاضرين و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما محتواه أنـَّه لا يخصّه من الغنائم حتى من الصوف الذي في قبضته سوي << الخُمُس >> منه و أنـَّه سوف ينفق حتى ذلك الخمس إلي الآخرين و لذلك لو كان عندهم أيّة غنيمة حازوا عليها و لو كانت بمقدار خيطٍ و إبرة فليُسَلِّموها إليه لكي يُقَسِّمها بالعدل بينهم . و عندئذٍ قَسَّم جميع الغنائم بين المسلمين و ما كان سَهمُهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبها إلي أشخاص كانوا قد تشرّفوا حينئذٍ بقبول الإسلام دينًا .
 
 ومن خطابٍ للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في رسالة وجّهها إلي محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر جاء فيها:« فإخفِض لهُم جَناحَكَ وَ ألِنّ لهُم جانِبَكَ وَ أبسِط لهُم وَجهَكَ و آسِ بينهم في اللحظة و النظرة حتى لا يَطمَع العُظماءُ في حَيفِك لهُم و لا يَيأسِ الضُعَفاءُ مِن عَدلِك بِهِم>>..
 
 إنـَّه كان عليه السلام  يؤكِّد التأكيد الحثيث علي تقسيم المعونات من بيت المال بين المستحقّين بالعدل و كان علي وعيٍ شديدٍ لكي لا يتمّ سوء الاستفادة منها كما و إنـَّه كان يراعي حقوق الناس و أحوالهم بكلّ تمعُّنٍ و دقّة و يضع كلٌّ من الأولويّات في محلِّها و كان يوصي عماله أن يراعوا حقوق الناس و أن لا يُقَصِّروا في مساعدتهم و معونتهم و أن يُخصِّصوا ساعة في كل يوم لقضاء حاجات الناس و الجواب علي أسئلتهم و مساعدتهم في حلّ مشاكلهم .
 
فبناءًا علي ذلك نري أن لو كانت مديريّة المجتمع بيد الأفراد الصالحين و العادلين ، لانتفت الكثير من مشاكل الناس و عندئذٍ سوف يعتمد الناس علي الحُكّام بثقة أكثر فأكثر و سوف تُحفظ العلاقات و الارتباطات بين الناس و تتعمّق في المودّة و المحبّة و هذه هي من أهمّ الأمور التي يجب أن تتوفّر في المجتمعات و أن يهتمّ كلّ مسؤول بما هو علي عاتقه من مسؤولية و يؤدّي حقّها بخير ما في وسعه .
 
فنسأله جلَّ وعلا التوفيق للتعمُّق في خشيته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأوليائه علي عتبة رحمته و أن نتعامل بلطف تجاه الآخرين من عباده، وأن نعمل بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبيل الرشاد والعمل الصالح  ويجب أن لا ننسى أن الأخلاق والقيم هي الأسس الجوهرية لزرع روح الحب والتآخي وأن الأخلاق بحسن الخلق واللسان يكون مكونات زرع نفسه في قلوب الناس وباللسان يتمكن جرح الغير وكما قيل أجعل من لسانك بلسماً وروح حسنة كما قال الشاعر ونعم ما قيل :
 
واعلم بأن الموت يأتي بغتةً *وجميع ما فوق البسيطة فاني
 
فإلى متى تلهو وقلبك غافلٌ * عن ذكر يوم الحشر والميزانِ
 
أتراك لم تك سامعاً ما قد أتى * من ذكر يوم الحشرِ والميزانِ
 
فانظر بعين الاعتبار ولا تكن * ذا غفلةٍ عن طاعة الديانِ.
 
دع ذكــر فلانـةٍ وفـلانِ *واجنُب لما يُلهي عن الرحمنِ
 
واعلم بأن الموت يأتي بغتةً *وجميع ما فوق البسيطة فاني
 
فإلى متى تلهو وقلبك غافلٌ * عن ذكر يوم الحشر والميزانِ
 
أتراك لم تك سامعاً ما قد أتى * من ذكر يوم الحشرِ والميزانِ
 
فانظر بعين الاعتبار ولا تكن * ذا غفلةٍ عن طاعة الديانِ.
 
وقال أخر في هذا الصدد ونعم ما قال :
 
سيبلى لسانٌ كـان يُعِـربُ لفظـهُ *فيا ليتهُ من موقفِ العرض يسلمُ
 
فما ينفع الإعرابُ إن لم يكن تقى *وما ضر ذا تقوى لسانٌ معجَّمُ .
 
ونعم القائل لهذه الأبيات التي تثمن الإنسان وتسعده لنيل سعادة الدارين ونعم ما قال :
 
لسانك لا تذكر به عورة أمرىءٍ * فكلك عورات وللناس ألسنُ
 
وعينك إن أبدت إليك معايباً * فقل يا عينُ للناس أعينُ .
 
وقال الإمام الشافعي رضوان الله عليه في اللسان :
 
قال الشافعي في حفظ اللسان :
 
احفظ لسانـــك أيها الإنسان * لا يلدغنك .. إنه ثعبان
 
كم في المقابر من قتيل لسانه * كانت تهاب لقاءه الأقران
 
تاجر الصمت !!
 
وجدت سكوتي متجرا فلزمته * إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر
 
وما الصمت إلا في الرجال متاجر * وتاجره يعلو على كل تاجر
 
ولا تنسى أن القناعــة .. رأس مال الغنى :
 
رأيت القناعة رأس الغنى * فصرت بأذيالها متمسك
 
فلا ذا يراني على بابه * ولا ذا يراني به منهمك
 
فصرت غنيا بلا درهم * أمر على الناس شبه الملك .
 
وبعد أن عرفنا ما ثمن اللسان وما حباه الله سبحانه لنا من هدية لا تثمن وهي الحواس الخمس ومنها العين واللسان .وأختم بما ذكره الإمام علي كرم الله وجهه وعليه سلام الله حينما وهو يصف لنا اللسان والقلب والتعلق وما ينهي به هو العمل للدار لأن الدنيا دار ممر لدار قرار ونعم ما قال :
 
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت * أن السعادة فيها ترك ما فيها
 
لا دار للمرء بعد الموت يسكــــنها * إلا التي كان قبل الموت يبنيها
 
أموالنا لذوي الميراث نجمعها* ودورنـــا لخراب الدهر نبنيها
 
أين الملوك التي كانت مسلطنة *حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
 
فكم مدائن في الآفاق قد بنيت * أمست خرابا وأفنى الموت أهليها
 
لا تركنن إلى الدنيا وما فيها * فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
 
المرء يبسطها والدهر يقبضها * والنفس تنشرها والموت يطويها
 
إنما المكارم أخلاق مطهرة *الدين أولها والعقل ثانيها
 
والعلم ثالثها والحلم رابعها *والجود خامسها والفضل سادسها
 
والبر سابعها والشكر ثامنها *والصبر تاسعها واللين باقيها
 
والنفس تعلم أني لا أصدقها*ولست ارشد إلا حين اعصيها
 
واعمل لدار غدا رضوان خازنها *والجار احمد والرحمن ناشيها
 
قصورها ذهب والمسك طينتها * والزعفران حشيش نابت فيها
 
أنهارها لبن محض ومن * عسل يجري رحيقا في مجاريها
 
والطير تجري على الأغصان عاكفة * تسبح الله جهرا في مغانيها
 
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها *** بركعة في ظلام الليل يحييها .
 
ومرة أخرى لنعود لما جاء به القرآن والسنة التي وأشار إليها خير الثقلين أبو الزهراء صلى الله عليه وآله وسلم لنرفع الأيتام والأرامل والفقراء من جور المعاناة ومرة أخرى يداً بيد لتآخي وحث الدولة على الإصلاح لرفع المعاناة ومحاسبة الموظفين المرتشين والمعاكسين للقوانين وخصوصاً المرتشين منهم وطبعاً أن مسؤولية الخيرين من الشرفاء والمؤمنين اتجاه إخوانهم  الأيتام وأخواتهم الأرامل والفقراء . وخصوصاً نحن في شهر الرحمة والخير وشهر والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20486
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29