• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح44 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح44

سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم 
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ{111}
تبين الاية الكريمة حالة اعداء الاسلام , وتصفهم بالجبن (  يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ) , وتشير في نفس الوقت , انهم مهما حاولوا ان يضروا المسلمين , فأن مساعيهم لن تكون سوى (  إِلاَّ أَذًى ) , مجرد خدوش ! .      
 
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{112}
تشير الاية الكريمة الى حالة اعداء الاديان السماوية والانبياء , وابرزهم كان اليهود , حيث كان من ابرز افعالهم 
1- (  بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) . 
2- (  وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) .  
تبين الاية الكريمة ايضا ما حلّ ويحل باليهود جزاء اعمالهم : 
1- (  ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ ) . 
2- (  وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ) . 
3- (  وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ) .   
اليوم نرى اليهود واعداء الاسلام في حالة من الترقي والاحترام , وذوي مستوى رفيع , حسب ما يعتقد الكثير من الناس , فلو تأملنا الاية الكريمة جيدا , سنكتشف امرا غامض , حيث انها وصفت حال اليهود واعداء الاسلام بــ (  ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ ) , وذكرت الاية الكريمة ايضا شرطين لزوال هذه الذلة : 
1- (  إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ ) : فمن تمسك منهم بحبل الله عز وجل , لرفعت عنه الذلة والمسكنة في الحياة . 
2- (  وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) : يحتمل عدة امور , نذكر منها : 
أ‌) تحالف سلمي مع المؤمنين , وهذا قد يكون او لا يكون , فمن المعروف ان اعداء الاسلام لا عهد لهم ! . 
ب‌) تحالف مع امم وشعوب اخرى , تجمعهم مصالح مشتركة , واهداف منشودة , وغايات خفية , وهذا الاحتمال الاكثر ترجيحا .                   
لذا نرى اليوم , اعداء الاسلام يتمتعون بنوع من الترفع , في حال اجتماعهم واتحادهم مع غيرهم , بينما يعاني المسلمون نوعا من انواع الذل والهوان , بسبب تفرقهم , وتشتت امرهم  , وايضا لانهم تركوا العمل بمضمون الاية الكريمة , حيث هجروا كلا الشرطين المذكورين فيها . 
 
لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ{113}
يتبادر الى اذهان من يقرأ القران الكريم , انه يشن حملة ضد اهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) , تارة يصفهم بالجبن وغيره من الصفات الغير حميدة , وتارة اخرى يصفهم بأنهم اصحاب فتن وما شابه , فيحذر وينذر المسلمين منهم , الا ان هذه الفكرة خاطئة , بدلالة بعضا من ايات القران الكريم , ومنها هذه الاية الكريمة , فتبين ان اهل الكتاب ليسوا على حد سواء , بل منهم (  مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) , حيث تكون الاية الكريمة في مورد المدح لبعضهم , وفي نفس الوقت , تمنع تعميم الاية الكريمة السابقة . 
يلتفت المتأمل الى عدالة القران الكريم , ويلاحظ انه عندما يذكر مساوئ بعض القوم , يذكر محاسن اخرين , لذا نتعلم ونستفيد من هذا الدرس , ان نكون منصفين تجاه الطرف المعادي ! .       
يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ{114}
تستمر هذه الاية الكريمة في مدح البعض ( وليس الكل ) من اهل الكتاب , وتذكر خمسة من اهم ما يميزهم ويقربهم من الله تعالى , بالاضافة الى النقطتين المذكورتين في الاية الكريمة السابقة (  يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) : 
1- (  يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) .
2- ( وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) . 
3- (  وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) . 
4- (  وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) .
5- (  وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) .                
الملاحظ ان الاية الكريمة اختتمت المدح بــ (  وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) , فتأمل ! .    
 
وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ{115}
تذكر الاية الكريمة , ان الله تعالى سوف لن يضيع لهم الجزاء الحسن , ولن يحرمهم ثواب اعمالهم الصالحة . 
هناك عدة امور تلفت النظر في الاية الكريمة , نذكر منها : 
1- الايتين الكريمتين السابقتين اكتفتيا بمدح ثلة معينة من اهل الكتاب , بينما هذه الاية الكريمة استقلت لتضمن وتتعهد بعدم ضياع اجر وثواب اعمال هؤلاء الصالحة . 
2- سياق كلام الاية الكريمة موجه الى النبي الكريم , والمسلمين بصيغة ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) , في حين المقصود من السياق هم ثلة من اهل الكتاب , فعمدت الاية الكريمة ان تخاطبهم بصيغة الغائب (  وَمَا يَفْعَلُواْ -  فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) . 
3- ونلاحظ ايضا ان الاية قد وضعتهم في موضع (  وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) , وفي ذلك شرف عظيم ! .   
4- هناك فائدة او ملاحظة لغوية , (  فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) , هناك فرق كبير بين ( لن ) و ( لم ) و ( لا ) ! . 
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{116}
الاية الكريمة في محل اخطار وانذار للكافرين , وتبين لهم ان اموالهم واولادهم لن يغنوا عنهم شيئا , {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }الشعراء89 , وتخبرهم انهم ان لم يؤمنوا , فسيكون مصيرهم (  وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .   
 
مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{117}
الاية الكريمة في محل ضرب مثلا للذين كفروا , الغاية من الامثال تقريب المعنى للاذهان , وتبسيط الصورة  بشكل سلس وسهل الفهم والاستيعاب .  
الملفت للنظر , ان المثال الذي ضربته الكريمة , ينسب العذاب الذي يقع على الظالمين ( الكافرين ) بسبب ما اقترفت ايديهم (  وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ! .    
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{118}
الاية الكريمة تحذر في خطاب مباشر للمؤمنين , ان  يتخذوا المنافقين او اعداء الاسلام مخزنا لاسرارهم , وتـنهي من اطلاعهم على اسرار المسلمين , فيستعملونها كورقة رابحة ضدهم . 
الاية الكريمة تكشف عن عدة امور , ينبغي ان لا يتهاون او يستصغر شأنها المسلم , نذكر منها : 
1- توصي الاية الكريمة في اختيار الرفيق المناسب ( البطانة ) , على ان لا يكون منافقا او عدوا للاسلام . 
2- ان تخفى الاسرار الشخصية عن كل المشبوهين . 
3- تبين الاية الكريمة حال المنافقين واعداء الاسلام و المسلمين , بعدة امور : 
أ‌) (  لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ) . 
ب‌) (  وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ) .
ت‌) (  قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) . 
ث‌) (  وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) . 
4- (  قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ) : بينت الاية الكريمة الحال والاحوال , فينبغي الحذر والانتباه . 
5- (  إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) : بعد كل تلك البيانات , ينبغي للفرد المؤمن ان يستعمل عقله وادراكه .  
 
هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{119}
تبين الاية الكريمة الحالة الحقيقية لهؤلاء الذين لا يجب استئمانهم على أي سر من الاسرار , وفي جميع المستويات , مبينة السبب  في مقارنة مختزلة بين المسلمين وبينهم .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة تخاطبهم بــ (  قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ) ! , لتختتم بــ (  إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ! ! .   
 
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{120}
تستمر الاية الكريمة في بيان حال هؤلاء القوم , وتذكر علامتين مميزتين لهم : 
1- (  إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ) . 
2- (  وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ) .    
تنعطف الاية الكريمة لتحفيز المسلمين على الصبر والتقوى (  وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ) , لتختتم بــ (  إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20728
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29