• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ابن عفان والحريري قتيلان في قميص واحد .
                          • الكاتب : جاسم المعموري .

ابن عفان والحريري قتيلان في قميص واحد

 سجل لنا التاريخ احداثا تتشابه وكأنها تتكرر,  وكأن صناعها هم أنفسهم يتكررون مع الاحداث , وقد اشار القران الى المعنى في الاية 53 من سورة الذاريات : ( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )  فترى الطغاة والظالمين والمنافقين - عبر التاريخ - يتشابهون في افعالهم واقوالهم وطرق تفكيرهم ومعتقداتهم واساليب حياتهم .
     وكان أعداء الحركة التصحيحية , او المعارضة التي كان يقودها الامام علي بن ابي طالب عليه السلام يريدون بكل ما أوتوا من قوة ان يختطفوا الاسلام بكل مافيه , لكي يستطيعوا بعد ذلك ان ينحروه في الظلام حيث لا احد يراهم - هكذا هم كانوا يتصورون - ثم لاحت لهم بعد ذلك الفرصة التي كانوا ينتظرون , حيث الفساد الاداري , وظلم الولاة , وعدم كفاءتهم , وضعف القيادة العليا المتمثلة بالخليفة عثمان بن عفان ( رض ) الذي اخذ منعطفا خطيرا في العلاقة بين مراكز الادارة في الدولة الاسلامية وبين جماهير الامة , فأخذوا يحرضون على قتل الخليفة بالعلن تارة وبالخفاء تارة اخرى , وكانوا يخططون لهدفين أساسيين , وهما ازالة عثمان بن عفان (رض) عن الطريق بقتله , واتهام علي ابن ابي طالب (ع ) بدمه  , فيحصل فراغ سياسي كبير على المستوى القيادي , فيقومون هم بسد هذا الفراغ بقيادة معاوية بن ابي سفيان , وهل من دليل على بطلان دعوتهم اكبر من انهم سرعان ما قاموا باتهام الامام علي  (ع) بعد الحادث مباشرة وبلا دليل ؟ ذلك لأنهم كانوا قد اعدوا صيغة الاتهام مسبقا , بعد ان اعدوا عدتهم لكل شيء فيما يتعلق بتفاصيل عملية الاغتيال التي قاموا بها .                                                                                

واخذت الاحداث تتوالى , وبدأت الفجوة تكبر بين ابناء الامة الواحدة , حتى وصلت ذروتها بالحروب المعروفة , والتي كانت نتيجتها النصر الكبير الذي بدأت تباشيره تلوح في الافق القريب اثناء معركة صفين, مما جعل معاوية وجيشه يرفعون المصاحف على الرؤوس , خوفا من الهزيمة , ثم طالبوا بالتحكيم , وطالبوا علي بن ابي طالب (ع)  بقتلة الخليفة , لكي يبدو بنظر الناس وكأنه هوالذي قتله .
واليوم عندما ننظر الى قضية اغتيال الرئيس الحريري , فاننا نرى الامر نفسه يتكرر , حيث تشير الدلائل الكثيرة , ومنها ماقدمه الامين العام لحزب الله الى ضلوع اسرائيل وحلفائها المعروفين باغتياله , للوصول الى اهداف عديدة , وتحقيق غايات مختلفة , منها التخلص من الشهيد الحريري , لانه كان يساهم في بناء لبنان واعماره ويساند المقاومة , وايضا اتهام المقاومة بقتله , وزرع نواة الفتنة بين ابناء الوطن الواحد , بعد ممارسة الضغوط الدولية على سوريا , كي تنسحب من لبنان لاخلاء الساحة لارباب الفتنة كي يلعبوا بها كما يشاءون , ومن ثم احتلال لبنان مرة اخرى بعد ان يأكل نفسه من الداخل , والقضاء على اسطورة المقاومة التي دوخت العالم بحبها لوطنها وشعبها , واخلاصها له وتفانيها من اجل حريته وكرامته واستقلاله , فوجدوا انفسهم امام مقاومة ليس لها مثيل من القوة , ليس في ميادين المعارك العسكرية التي احرزت انتصارات تاريخية هامة جدا فحسب , بل ايضا في الميادين السياسية والامنية وغيرها , فرفعوا مصاحفهم فوق الرؤوس ليخدعوا الامة كما فعل اسلافهم من قبل , وانتقلوا الى اخر مرحلة من مراحل خطتهم , وهي المحكمة الدولية , وبهذا كانوا اكثر خزيا وعارا من اسلافهم , لأن التحكيم الذي طالب به معاوية لم يكن تحكيما دوليا , بل هو بين ابناء الامة الواحدة , ولم يكن للغرباء فيه نصيب , اما هؤلاء فقد فتحوا ابواب الوطن بكل مصاريعها ليس للغرباء فحسب , بل لاعداء الوطن والامة , ليعيثوا في الوطن خرابا , وسفكا للدماء , وهتكا للكرامات , واغتصابا للاوطان والحقوق اذا تحققت غايتهم لاسمح الله .                                                                                                                                              

ولو لا حكمة المقاومة , وهمتها المباركة العالية , ونهضتها السياسية الكبرى , منذ الساعات الاولى لاغتيال الشهيد الحريري , لرأينا اليوم لبنان معسكرا للغزاة , وانهارا للدماء , وربما تدخل المنطقة كلها في حروب مدمرة , تجسيدا لنظرية الفوضى الخلاقة التي يريدها ارباب الشيطان , لاسيما وان القتلة كانوا قد اعدوا صيغة الاتهام مسبقا , فأعلنوا اتهامهم لحزب الله فور استشهاد الرئيس الحريري , صحيح انهم اتهموا سوريا اولا ولكنهم ارادوا من خلال ذلك اتهام حزب الله , ثم ما اسرع ما افصحوا عن ذلك على رؤوس الاشهاد .                                                                                                                             

فتنبهت دول المنطقة الى ذلك كله - وبوقت مبكر-  ومنها سوريا والسعودية , حيث بدأتا اخيرا بمحاولة احتواء الهجمة والسيطرة عليها قبل استفحالها , وبادرتا - وعلى أعلى المستويات - بالتحرك السريع لانهاء الازمة , والقضاء على المشروع المعادي للبنان والمنطقة  , الا ان هذا التحرك مازال متعثرا , رغم تاكيد حزب الله على قبوله بهذه المبادرة , ودعمه لها , حتى ظن الميتون بغيضهم من سياسي لبنان والمنطقة  ومن معسكر الاستسلام والتبعية لاعداء الامة الذين يدعمون مشروع الشرق الاوسط الجديد والذي مات بغيضه - هوايضا - وشبع موتا , وهم لايعرفون من السياسة سوى فنون الخيانة , وأساليب الغدر , ومهارات الارتماء في احضان الاستكبار , بأن الحزب خائف , وان مايفعله هو امر مريب , ولا ادري كيف يفكرون حين يرتابون من حزب يريد الحفاظ على وحدة الوطن وامنه واستقلاله وكرامته , ويؤكد مرارا وتكرارا على اهمية صون دماء ابناء شعبه ؟ !! .
ويبدو ان الرئيس سعد الدين الحريري في حيرة من امره , فلا يدري هل يخضع لضغوط التيارات المعادية لمشروع الكرامة والمقاومة التي تريده ان يكون مع المحكمة الدولية , وهي محكمة خاضعة بكل مافيها الى المعسكر العالمي المعادي لتطلعات الامة المتمثلة بمشروع المقاومة , وهو يعلم انها ستحكم بالباطل , لتضع حجر الاساس - كما تعتقد - للنيل من المقاومة , بل والقضاء عليها , وبالتالي يضيع لبنان بين حوافر خيل الغزاة , ورماح الحرب الاهلية وسهامها , أم يضع يده مع المخلصين من ابناء الامة , وبهذا يحفظ لبنان ومشروعها المقاوم , ويحفظ كرامة الامة وعزتها , ويتعرف على قاتلي والده الشهيد الحقيقيين ,  فينال الاحترام والمحبة والخلود في ضمائر الشعب والامة كما كان والده من قبل ؟   

20\12\2010
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2085
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29