• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : شنيوار إبراهيم يعزف سيمفونيته بإيقاع هادئ في غربة عيد .

شنيوار إبراهيم يعزف سيمفونيته بإيقاع هادئ في غربة عيد

بقلم الستاذ المساعد الدكتور :حيدر كريم كاظم الجمّالي
جامعة الكوفة /كلية الاداب /قسم اللغة العربية
2021/8/22
القصيدة
غربة عيد....شينوار إبراهيم   

    شينوار إبراهيم

أيها العيدُ
القادمُ من الفضاء 
لِم́ لا ترسم 
دروباً تشبه النهارْ
لتنام الشمسُ
في أحضانِ الفقراءْ 
ننتظرُك 
نحلمُ
بقدومِك
بثوبِ العيدِ
قطراتِ النَّدى
في الصباح
تهمسُ في الأذان
ها قد حَضَر
...
نحنُ هُنا
بينَ أصواتِ
الموتِ
نمسحُ
دموعَ الأطفالِ
بحزنِ الأمهاتِ
نبحثُ عنكَ
عجلاتُ عرباتٍ
تدهسُ أكبادَنا
كي تهمسَ لنا أنَّها
حمراءُ بلون الحزنِ
أغلقت فمَها السماء
بلابل العشق
نسيَت همساتِ
الطربْ
...
أين أنت أيها
العيدُ
نتجوَّل بحذرٍ
نفتِّشُ
عن مكانٍ
بدونِ غيومٍ
وأمطارٍ سود
نصافحُ كلماتِ الحبِّ
لحظة الانبهارْ
نحسُّ بها أنك
هنــا


ــــــــــــــــــــــ
    ما اجملهامن كلمات رائعة تنساب فوق شغاف الجروح لتحاور الغربة وما تكنه في العيد حيث نجدها متمثلة بالعيد الذي بدا غريبا عند شينوار, فاخذ يخاطب الحياة بضوء  مسائها وحلمها.لعلها تخفف عنه الم الغربة المتأجج في صدره.,أي قدوم هذا الذي يملئه العيد وكأنه الخلاص واو النهاية التي ينتظرها كل غريب , أو الحلم الذي خلقه فكره ؟؟؟,ولكن في نهاية القصيدة يأتي حلمه ولكنه همساكجئية الخائف الغريب وهنا تبدأ الشكوى.بين الواقع المرير الذي يعتمر قلبه وبين حلمه المنشود الذي يريد عيشه, ولكن الموت الذي وضع سوره حوله, فاخذ يخاطب السماء التي أغلقت أبوابها
بصيحاته الملتهبة في صدره.
      فأكد حقيقة رغم ما قاساه انه موجود ومن حقه الحلم كأي كائن بشري على وجه الأرض, وليس هو كالميت الذي يمشي في غربه بلا روح. فأي أبداع هذا الذي رسمه بسطوره!!!, وبكلماته الواضحة وكأنه أراد تأكيد قول الشاعر: عيد بأية حال عدت ياعيد.........ِ!!!!
    فما عاد العيد في وطنه كسابق عهده به فشنيوار يرسم دروبا تتيه في النهاية وسط لحظة الانهيار التي يحسها لأنه تمثل له الوطن ضياع في علم الغربة التي يعيشها منذ عقدين من الزمان فتمثلت له متاهات الليل الفسيح إذ لامكان للشمس هناك والشمس هي الحقيقة لكنه الظلام. حيث يكون الليل وطنا للسرّاق والخفافيش لتعبث به ولا ننسى العابثين . فقد تجسدت رؤاه بكل إحساس الغربة التي يعيشها , فقد داعب بعوده الحزين أوتار الغربة ليطلق من ثناياها المتهالكة لحنا يمثل نغمته الحزينة فهو إغراب له بداية وليس له نهاية.
    إن البداية الحقيقية لقصيدة النثر كفن شعري أدبي يعتمد على الشكل في إيقاعه في الشعر العربي الحديث منذ أواخر الستينات وهذا ما نراه ماثلا في أعمال توفيق الصائغ وجبرا إبراهيم جبرا ومحمد الماغوط ,وادونيس.فقد ألغت قصيدة النثر نهائيا الموسيقى الظاهرية للنص الشعري في كل صورها واعتمدت على الموسيقى الداخلية التي يوفرها لها الإيقاع الذاتي الخاص الذي نشعر به ونحن نقرأ القصيدة ونتمعن في معانيها.فهي لم تعد تلك القصيدة التي تعتمد على الموسيقى الشعرية المتوقعة , وإنما أصبحت كما يقول اودنيس- في مجلة الشعر البيروتية ,ع /14, ربيع, لسنة/ 1960م (قفزة
خارج الحواجز كلها وتمردا أعلى ) .
    إن المتمعن في قصيدة الغربة يجد أن شينوار اثبت دخول العقل في تنظيم تجربته الإبداعية بصورة رائعة وملفتة للنظر,العقل الذي يفرض توصياته في كيفية البناء والتنظيم من خلال المقطع الصوتي والتشكيل الصوتي , ومنحنى الجملة الشعرية, وتموضعاتها والتعامل مع الفكرة كحالة جدلية حية مقتطعة من تجربته الحياتية التي يعيشها وهذه الفكرة ( الغربة) متنامية الأطراف والرؤى مفتوحة القياس غير منضبطة بمرحلة زمنية تحدها أو مشكلّة بملامح خاصة فقصيدته تصنع رؤاه الخاصة. إذ يقول: القادمُ من الفضاء 
لِم́ لا ترسم 
دروباً تشبه النهارْ
لتنام الشمسُ
في أحضانِ الفقراءْ 
ننتظرُك 

ويقول: أين أنت أيها
العيدُ
نتجوَّل بحذرٍ
نفتِّشُ
عن مكانٍ
بدونِ غيومٍ
وأمطارٍ سود
نصافحُ كلماتِ الحبِّ
لحظة الانبهارْ
نحسُّ بها أنك

    يمكننا آن نلحظ هنا اِلأفق التصوري الذي يرسمه الخيال بانتظار القادم من الفضاء وإذا هو العيد في النهاية لان العيد في وطنه شبه مستحيل بالظروف التي رسمها ويعرفها الكل.  أن المتأمل في قصيد شينوار يجد توسيعا لأفق الخروج عن المنطقة الوجدانية البحتة –التي حصر اغلب الشعراء نفسهم فيها-إذ لاتخاطب إلا القلب وحده والتي تظهر لديه ببساطة صادقة , والجمل الإيحائية والصورة الشعرية في إزاحة بقية الضوء عن مركز إدراك شينوار وقدرته التكوينية عن طريق الاقتباسات والاختزال أو المزج بين المتضادات  أو المتقاربات وخلق لحظة شعرية غير اعتيادية تظهر
النضوج الفلسفي لشينوار. من ذلك قول(لم لاترسم دروبا تشبه النهار لتنام الشمس,نحلم بقدومك, قطرات الندى في الصباح تهمس في الأذان,ها قد حضر,بين أصوات الموت نمسح دموع الأطفال بحزن الأمهات,نفتش عن مكان بدون غيوم , وإمطار سود). وغيرها كثير,فهو يبحث عن وطنه وطنا آمنا مستقرا بعيدا عن قطاع الطرق وسراق الحلم , يصبو إلى الأطفال متى يرون النهار التي تزاح معه كل تلك الأعاصير. بإيقاع هادى ساعة يخبو وأخرى يتعالى عندما يصل البوح الى مكامنه الداخلية لينشد الخلاص له ولوطنه وشعبه.
      إن قصيدته خالية من كل قواعد عروضية –تلك التي تحكم الشطر ين العموديين- وبالتالي فهي تمنحه حركة اكبر لكي يعبر عن انفعالاته الباطنة وتصاعد الرومانتيكية لديه أعطى معنى جديدا لمفردة الغنائية(lyrigne) , وهذا يعني أن عنصر الموسيقى جزء حاسم في صياغتها فهو يحافظ على الوقفة الإيقاعية القائمة بين سطر وأخر, لااعني هنا بالموسيقى الخارجية  ,بل الموسيقى الداخلية.فقصيدته كتلة يتأتى قصرها من نظامها الداخلي ومن كثافتها القوية وهي خالية من أي تلميح إلى أي مرجع شخصيِ,
    قيام الموسيقى الداخلية على تقنيات مخلفة تخلق نظاما إيقاعيا خاصا قائما على أساس التكرار واستعادة بعض العبارات والكلمات بأشكال مختلفة من ذلك قوله(القادم,همسات , عجلات ,عربات,أبواب السماء, بلابل العشق,أحضان الفقراء,ننتظرك, نحلم,بقدومك,العيد,أيها العيد, دموع الأطفال,حزن الأمهات).
  تعتمد القصيدة على تفاعلات الموسيقى الداخلية وهي تحرص على توافر كل تقنيات هذا النوع من الموسيقى عند بناء السطر الشعري , أو الجملة الشعرية والموسيقى الداخلية تعتمد في تقنياتها على جملة من الحروف  والكلمات بجرسها وعلائقها النغمية البصرية تلك التي تظهر لنا الحالة الوجدانية والعاطفية والانفتاح الدلالي للتجنيس والتنغيم , وصيغ المشتقات والتقطيع والتركيب الصوتي من خلال التقابلات الثنائية والإيقاع الصاعد والإيقاع الهابط(ترسم , الشمس, أحضان, نحلم,قطرات الندى,تهمس, أصوات الموت,دموع الأطفال,حزن الأمهات, أكبادنا,حمراء بلون
الحزن,السماء, نفتش, كلمات الحب, والانبهار).
    المعجم الشعري: يقول ميخائيل نعيمه : (اللغة في القاموس مومياء اما على السنة الناس فهي كائن حي اللغة عند شعراء النثر ليس وسيلة تعبير بل هي خلق لحالة احتمال ثابتة , أو  مؤقتة حقيقية أو مجازية,وتكاد الكلمة في قصيدته هي المسوؤلة الحيدة عن هذا النمط الكتابي وعن صياغة تجربته الشعرية, لانها تمثل التعبير والإيقاع معا.
      وهي تكوين اللغوي الشمولي ذات خصائص نوعية معيارية مجزأة من حيث الكلمة والصورة والنسيج التكتيكي لوحدة الغربة(الحدث) المثار والمغلف بواقعة التمثيل البيئية أو الوسط الناقل لرؤياه مختلفة الموقف الديالتيكي  , يمنحها شينوار بعدا إيحائيا دلاليا من خلال سكها في قصيدته بعد أن أخذت دلالاتها الجديدة المعبرة,بحوار شعري يمتاز بتراكمية الوقفة الشعورية والحضور السكني.من ذلك قوله(القادم من الفضاء,لم لا ترسم؟؟ فهذا استفهام إنكاري ضمني وأيضا قوله: وأين أنت أيها العيد؟؟,أحضان الندى , الصباح,تمسح, دموع,الحزن, عربات ,أكبادنا ,حمراء,
الطرب.......................)).
    فهي عالم مملوء بمناخات التكاثف الحي والتصاعد الموضعي للأشياء في انعكاسها المرجعي, واهم مايلحظ فيها: الرمز , والأسطورة , والانفتاح الدلالي.
    أما حديثا عن الصورة الشعرية فالشعر كما يقول الجاحظ: (ضرب من التصوير) فاصبحت قصيدة الغربة لها علاقة تتبلور من خلال تجربة الشاعر المكنونة لثورته ولنظام رؤياه  الجديدة التي ينظر من خلالها للاشيا واكتشافها فالصورة لديه ليست انعكاسا لشيء موجود مسبقا بل هي نسيج وحدها ن,نسيج تتفرع منه باقي أطراف  نمو جسد التجربة(الغربة)فالانتقائية من أساس الصورة في قصيدته منها قوله: ( القادم من الفضاء ـــ كناية عن الأمل المنشود,وهو الحلم,دروبا تشبه النهارـــ تشبيه طفولي لعالم الغد,لتنام الشمس في أحضان الفقراء ,ــــــــــــــ استعارة للامان,. قطرات
الندى تهمس ,ـــــ كناية عن الفجر الجديد الذي يشرق فيه العيد,بين أصوات الموتــ ,ــــــــــــــ استعارة للواقع المرير الذي نمر به,تدهس أكبادنا,ــــكناية عن الطفولة الضائعة في وطن أثقل بالحروب وباللصوص وخفافيش الشر,وأخيرا قوله ابن أنت أيها العيد، ـــ كناية عن الحيرة لأنه لم يصل إلى نتيجة مرجوة وهي متى؟؟؟؟؟؟
        وفي الختام لايسعني الاان أقولِ :إنها كلمات سطرت بريشة فنان نشرها وكانت أبدع الأفنان -- عن العيد وقد ضاع منا وقمنا نفتش عنه ليأخذ الأطفال منه ماهو فيه حنان ولكن لم يجدوه وساروا وفتشوا ولم يجدوه --- إذن لقد ضاع العيد منهم وهم في حيرة من أمرهم – أتمنى الموفقية له في قابل أيامه




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=21064
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18