لعل من بداهة القول , إن شيخ العشيرة يجب إن يتسم بمنظومة من القيم , والأعراف السامية , والمثل الراقية , ويمتلك حضورا متميزا في منطقه السليم , وأفكاره الناضجة , وقدرته العالية في فض المشاكل والنزاعات والخصومات , بتعقل وعدالة ودراية , وان يكون سباقا للخير والعطاء والمعروف , ولا يؤثر نفسه على عشيرته والآخرين , ولا يفضل عشيرته على العشائر الأخرى , فهذا هو الإيثار الحقيقي , الذي يجب أن يتحلى به كل شيخ باعتباره رمزا وعنوانا لعشيرته , و وجها وجيها في مجتمعه الذي يؤكد بان رأس القوم من الواجب ان يتصف بالعقل والتعقل , وبالكرم والإكرام وحسن الضيافة والصدق , والترفع عن الدنايا والموبقات , وان يكون متحدثا لبقا يدعم أقوله وأطروحاته بآيات من القران الكريم , والأحاديث النبوية , والحكم والأمثال والأقوال , وهذه من أساسيات الشيخ المتمكن الذي يفرض حضوره واحترامه . ويظل في دائرة الضوء والإعجاب .
من الملفت للانتباه والمثير للتساؤل والاستغراب , إن ظاهرة الوراثة تسلط سلطانها على المجتمع العشائري , حيث نجد أن شيخ العشيرة عندما يرحل إلى جوار ربه , فان ابنه الأكبر أو من تختاره العائلة من أبنائه يحل أوتوماتيكيا محل أبيه الراحل . وهذه الحالة تحتاج إلى وقفة نقدية صريحة وشجاعة , فقد يجوز أن الوالد الراحل كان بحق أهلا للشيوخية بما يتمتع به من شروط ومواصفات وامتيازات تجعله مقبولا ومعتبرا عند ( حمولته ) ومجتمعه . ولكن هذه الصفات المثلى , والمواصفات العليا قد لا تكون متوفرة عند ابن الشيخ الذي رحل من الدنيا . فهل يشترط أن يكون الابن بديلا لأبيه الفذ وهو يفتقر إلى أدنى المميزات التي تؤهله لملء الفراغ وسد الشاغر .
إن الشيوخية ليست عقارا مسجلا في سجلات الطابو, وليست تمثالا لا يغادر موقعه , لاسيما وأننا نعيش في عصر التفتح والانفتاح , عصر الديمقراطية التي تشيع قيم احترام الرأي والرأي الأخر , وتؤكد على الانتخابات الحرة في كل مؤسسة ومنظمة وجمعية , فالعشيرة وهي مصغرة للدولة , وطالما أن الانتخابات هي المعيار والحكم الفيصل التي تعكس أرادة الشعب وكل الاتحادات والجمعيات والمنظمات ... فهذا ينسحب على العشائر أيضا , والتي يجب أن تتمسك بعروة الديمقراطية وتجري انتخابات لشيوخها كي يكونوا المعبرين الحقيقيين عن هموم وتطلعات وإرادة عشائرهم , وبذا نغادر قبو التخلف والوراثة المفروضة وسلطة التسلط المتوارثة , التي قد تفرض شيوخا أميين ومتخلفين وعاجزين عن إدارة العشيرة . وارى أن الواقع يفرض عندما يرحل شيخ العشيرة أن يجتمع الوجهاء المتميزون فيها وان يرشح نخبة منهم , ثم يجري الاقتراع السري فينتخبون منهم الشيخ المتميز, الذي نال ثقة وإعجاب واختيار العشيرة . فهذا هو الأسلوب الديمقراطي الأمثل الذي يفرز شيخا منتخبا ضمن قناعات وجدانية وثقة أكيدة بعيدة عن العواطف والمجاملات . وان ضمان مستقبل العشيرة وتميزها يكون بوحدتها وتوحدها على الشخص المؤهل الذي لا تتسرب له الطعون والاستخفافات والتهكمات , ويكون قدوة ونموذجا يقتدى , وان الشيخ الحقيقي الرائع المهاب , وحتى أذا كان منتخبا فعليه أن يتنحى ويتنازل عن موقعه أذا يجد في نفسه قصورا أو تقصيرا أو يعاني من أزمات ومشاكل صحية أو نفسية تعيق عمله العشائري والاجتماعي , فالخيار الديمقراطي لشيخ العشيرة القادر ميدانيا على قيادة العشيرة هو الأسلوب الأفضل الذي يضمن القناعة والرضا بين أفراد العشيرة , ويضمن للشيخ المنتخب الطاعة والاحترام والإعجاب , فيظل متميزا ويحتفظ بوثيقة الاعتراف والتأييد والإجماع من عشيرته التي نصبته لتوفر السمات والصفات الموجبة فيه , ولا يحق لأي فرد من أفراد عشيرته أن يعترض عليه أو يستخف به أو يتهكم ضده لأنه ( شيخ منتخب ) وهذا هو الخيار المشروع الذي ينقذ العشيرة من التسلط بالوراثة .
وقد أجريت حديثا مع شيخ عشيرتنا قبل أسبوع عن مواصفات الشيخ المنشود , فوافق على كل أفكاري وقناعتي , ولكنه أكد لي بان الشيخ ( حظ وبخت ) فقلت له هل الحظ والبخت مخصص لعائلة الشيخ دون سواه . وهل أن حظكم وبختكم صادر لكم بأية ربانية . وهل سلالتكم معصومة من الذنوب والعيوب , ومنزهة من الخطأ والسهو والزلل , وهل أن العشيرة لم يبرز بها شخص غيركم وهو صاحب حظ وبخت ؟ .
وما هو الحظ والبخت .ز ؟ انه مجرد كلمات لم تعطي عطاءات ومنجزات , وهل له جذور عقلية أو علمية أو ثقافية .. ؟ وهل يفرز إفرازات عملية ويقينية .. ؟ .
من لم يقتنع بهذه الأطروحات فليطرح أفكاره وآراءه والحوار والردود يجب أن تكون حضارية ومتطورة وبعيدة عن التشنج والتعصب والاستبداد .
|