• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أفراحنا واتراحهم .
                          • الكاتب : مصطفى صالح كريم .

أفراحنا واتراحهم

 دعيتُ إلى رحلة شبابية نظمها حزب العمال الكردستاني في التسعينيات, لكنني لم أكن أعلم أن تلك الرحلة ستكون فاصلاً تاريخياً لقناعاتي.
 
خلال الطريق بدونا مُجبَرين على أن نصفق ونتظاهر بالانسجام على إيقاع الأغاني الكردية التي تمجد القائد (أوجلان) رغم أن جو النقاش أثناء الطريق بين جيل الشباب كان دسماً جداً وكافياً لأن نوصل الأفكار ببعضها ونحدث انقلاباً في المريخ, لولا تصرفات قائد الرحلة الفردية الطاغية (وحتى يبقى قائداً صاعداً في سلم نضاله) عليه أن يُظهر الوفاء للقائد الأعلى بأي شكلٍ من الأشكال, غير واضعٍ في الاعتبار أن المحبة والإخلاص لا يكونان بهذا الشكل, والمصيبة أنه متيقن أننا هاربين من جو حزب البعث العظيم الذي أجبرونا أن نؤمن بنقيض أهدافه المعلنة و نتظاهر بتمجيده ليل نهار.
 
المهم, أصر حينها القائد على رفع الصوت وتحميس الركاب للتصفيق دون توقف, لا أعرف كيف طلبت أن يخفض الصوت مع بعض علامات التذمر التي لم أستطع حبسها, ذلك لأننا وبحسب إدراكي كنا مع مجموعة صغيرة نتناقش, ووجب احترام من يتحدث..
 
شعرت وقتها أن علي بابا والأربعين راكباً في باص (الهوب هوب) سيأكلونني بلا ملح, بعد وصولنا أردت أن أصحح موقفي بلغة حوارٍ مرضية, لكن الشخص المتذمر( القائد) رفض أن يحدثني, وكأنه لم يصدق أن ينشغل بشيءٍ يثبتُ وطنيته, هكذا دائماً يتصرفُ الشخص الذي لايثق بذاته, وعليه أن يقضي حياته في تمجيد قناعةٍ ليست من صنعه, ثم اجتمع حوله بعض الرفاق المخلصين للقضية لأبدو أنا الخائن, وعيونهم تقدح شرراً, لا أقدر على وصف تلك النظرات طيلة الرحلة, حتى شعرتُ أنه سيتم تصفيتي في ذلك اليوم. ما أود قوله, أنني إنسان ولا أعرف الكراهية, ولست ضد أحد ولكن, حين نجد البعض يقدّسون القادة لإيصالهم لدرجة الألوهية, هذا ما يرغمنا ويوصلنا إلى خانة ردة الفعل العكسية, لا أحد ينكر دور القادة الكورد في تاريخنا النضالي, كذلك لا يمكن للتاريخ أن يمحي هفواتهم ومطاباتهم القاتلة, ولأني من أنصار الحوار والنقاش بعقلانية فإنه يحق لي التساؤل مع حرقةٍ تلدغُ كبدي, كيف يمكن أن يتم إحياء حفلةٍ في عفرين بينما هناك مجزرة قبل يوم حدثت لأهلنا في أعزاز؟ لا أعتقد أن هذا الجرح التاريخي يمكن أن يندمل بسهولة, وهذه الوصمة التي يحاول النظام إلصاقها في جبين الأكراد حتى تلاحقنا إلى أبد الآبدين, من شدة قذارة هذا النظام فإنه يسمح ويشجع ويبارك إقامة الحفلات في المناطق الكردية وافتتاح المكاتب الحزبية والمراكز الثقافية بل وممارسة حياتهم أفضل بكثير من المعتاد طيلة فترة حكم البعث، والطرف الكردي يبتلعُ الطعم بلذة, غيرمصدق, دون الالتفات العقلاني إلى ما يمكن ان ينتجه هذا السلوك من عداواتٍ مع الجيران فتصبح متناحرة فيما بعد سقوط النظام. من حق أهل أعزاز أن يسألوا أهل عفرين عن تلك الحفلة التي أقامها حزب العمال, كانوا يسمعون صوت خليل غمكين في عفرين بينما يدفنون شهداءهم.
 
نحن الشعوب مع الأسف دائماً ضحايا سياسات الأحزاب وتناحراتها, لكننا لمجرد أن نقول لا, تصبح وطنيتنا موطئ شكٍ في ميزانهم غير العادل,  الساعي لقضاياهم العادلة، فأين المفر؟



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=21224
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16