• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ... الحلقة الثامنة والتاسعة .
                          • الكاتب : ابو فاطمة العذاري .

اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ... الحلقة الثامنة والتاسعة

 العصر العباسي
الاجواء الاجتماعية العامة
كانت البيئة الاقتصاديّة في تلك الفترة جيدة ممّا فسح مجالاً واسعاً للترف الذي كانت من نتائجه الانحطاط الأخلاقي وتعاطي الناس والأمراء المحرمات سرّاً وعلناً .
وتُحدِّثنا كتب التاريخ بأنّه تكاثرت الجواري والغلمان والانغماس في الخلاعة والمجون والتبذير في الطعام واللباس وأنّ الأمراء العبّاسيّين شجّعوا تعدّد المذاهب الإسلامية وأيضا انتشرت فلسفة التصوُّف في هذا العصر وكانت بغداد والبصرة والكوفة وحلب أهمّ مراكز الأدب العبّاسي بالإضافة إلى المدينة والفسطاط بمصر. 
 
********************
ظهور أغراض جديدة للشعر والنثر
ظهرت أبواب جديدة من الشعر مثل الفلسفي والصرفي والتعليمي وقصص الحكايات إضافةً إلى الشعر الهزلي وقد كثر شعر الزهد والوصف كوصف الصيد وأنواع الأطعمة والبساتين والقصور وكذلك قوي شعر المدح والرثاء حيث أصبح بعض الشعراء في هذا العصر بوقاً للعظماء .
والملاحظ أنّ الخطابة ضعفت إضافة إلى الشعر السياسي وكذلك الغزل العذري وأيضا شعر الفخر والحماسة كما نلاحظ أنّ الهجاء أصبح أداةً للتكسّب ومن ناحية أخرى نرى أنّ فنون النثر تعدّدت فكان منها الرسائل الإخوانيّة في الشكر والعتاب والتعازي والتهاني إضافة إلى المقالات والمناظرات والعهود والقصص والمقامات وتمّ تدوين التاريخ في هذا العصر فعنى أصحابه بالأحداث والسِير وكثرت الترجمة فتدفّقت على العرب سيول الفلسفة اليونانيّة وغيرها. 
 
********************
أهمّ الشعراء والادباء والكتّاب
ابن المقفّع : ت سنة 143هـ، كتابي( الأدب الصغير ,الأدب الكبير)
ابن هشام البصري ت سنة 151هـ كتاب (السيرة النبوية)
بشّار بن برد: ت سنة 167هـ (مخطوطة شعريّة بالمكتبة الآصفيّة بالهند)
السيّد الحميري : ت سنة 173هـ (ديوان جمعه وحقّقه هادي شاكر) 
الخليل الفراهيدي : ت سنة 180هـ (العروض)
سيبويه : عمرو بن عثمان ت سنة 183هـ (كتاب سيبويه) 
رابعة العدوية : توفّيت سنة 185هـ كانت من أعيان عصرها 
الكسائي : ت سنة 189هـ (معاني القرآن) 
أبو نؤاس : ت سنة 198هـ ديوان شعر (الفكاهة والائتناس) 
الفراء : ت سنة 207هـ (المعاني) 
أبو العتاهية : ت سنة 211هـ (ديوان شعر اكثره في الزهد والمديح)
أبو تمام: ت سنة 232هـ (ديوان وتصانيف عديدة) 
ديك الجن: عبد السلام بن رغبان ت سنة 235هـ (ديوان شعر) 
ابن السكّيت: ت سنة 244هـ ( اصلاح المنطق) 
دِعبل الخزاعي: ت سنة 246هـ وله ديوان شعر وهو شاعر جريء له مواقف شعريّة خالدة في حقّ أهل البيت(عليهم السلام). 
الجاحظ: ت سنة 255هـ (البيان والتبيين والبخلاء) 
ابن الرومي : ت سنة 283هـ (ديوان شعر اشتهر بالهجاء والرثاء) 
البحتري : ت سنة 284هـ (الحماسة واشتهر بالوصف)
ابن عبد ربّه : ت سنة 328هـ (العقد الفريد وديوان شعر) 
الفارابي : ت سنة 339هـ فيلسوف (السيرة الفاضلة ورسالة العقل)
المتنبي : ت سنة 354هـ يعتبر من أعاظمهم في التاريخ (ديوان باسمه)
أبو الفراس الحمداني : ت سنة 357هـ (ديوان شعر)
الصاحب بن عبّاد : ت سنة 385هـ (ديوان)(الفرق بين الضاد والظاء) 
ابن جنّي : ت سنة 392هـ (الخصائص في النحو) 
الشريف الرضي : محمّد بن الطاهر ت سنة 406هـ (خصائص الأئمّة وحقائق التنزيل، وديوان شعر) جمع خطب الإمام علي(ع) بنهج البلاغة  
الشريف المرتضى : ت سنة 436هـ (ديوان علم المرتضى)
أبو العلاء المعرّي : ت سنة 449هـ (ديوان لزوم ما لا يلزم) 
الزمخشري : ت سنة 538هـ (أساس البلاغة)
 
********************
(نموذج للاطلاع) دعبل الخزاعي 
هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، وُلد في الكوفة سنة 148هـ، عاصر من الأئمّة الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) فقد روي انه قال: 
(دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي وَ مولاي عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا(ع) فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَرَأَيْتُهُ جَالِساً جِلْسَةَ الْحَزِينِ الْكَئِيبِ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ حَوْلِهِ فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ مَرْحَباً بِكَ يَا دِعْبِلُ مَرْحَباً بِنَاصِرِنَا بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ ثُمَّ إِنَّهُ وَسَّعَ لِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَنِي إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ قَالَ لِي يَا دِعْبِلُ أُحِبُّ أَنْ تُنْشِدَنِي شِعْراً فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ حُزْنٍ كَانَتْ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ َيَّامُ سُرُورٍ كَانَتْ عَلَى أَعْدَائِنَا خُصُوصاً بَنِي أُمَيَّةَ يَا دِعْبِلُ مَنْ بَكَى أَوْ أَبْكَى عَلَى مُصَابِنَا وَلَوْ وَاحِداً كَانَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يَا دِعْبِلُ مَنْ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ عَلَى مُصَابِنَا وَبَكَى لِمَا أَصَابَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَنَا فِي زُمْرَتِنَا يَا دِعْبِلُ مَنْ بَكَى عَلَى مُصَابِ جَدِّيَ الْحُسَيْنِ(ع) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ الْبَتَّةَ ثُمَّ إِنَّهُ(ع) نَهَضَ وَضَرَبَ سِتْراً بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِهِ وَأَجْلَسَ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ لِيَبْكُوا عَلَى مُصَابِ جَدِّهِمُ الْحُسَيْنِ(ع) ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا دِعْبِلُ ارْثِ الْحُسَيْنَ فَأَنْتَ نَاصِرُنَا وَ مَادِحُنَا مَا دُمْتَ حَيّاً فَلَا تُقَصِّرْ عَنْ نَصْرِنَا مَا اسْتَطَعْتَ قَالَ دِعْبِلٌ فَاسْتَعْبَرْتُ وَ سَالَتْ عَبْرَتِي وَ أَنْشَأَتُ) 
لقد تربى في أجواء اُسرة موالية لأهل البيت(عليهم السلام) فهو شاعر شيعي مُلتزم شجاع فصيح .
ومن شجاعته انه تحدّى الخلفاء العبّاسيّين علناً وهجاهم وقد ضلّ بسبب قوة لسانه وهجائه يعيش الاضطهاد ومن شجاعته فَقد رُوِيَ أنَّه : قيل لدعبل : لماذا تهجو من تخشى سطوته ؟ قال : أنا أحمل خشبي على ظهري منذ خمسين سنة ، فلا أجد من يصلبني عليها » .
ويذكر التاريخ أنّ المتوكّل منع الناس من زيارة قبر الإمام الحسين(ع) فقال دعبل كلمته المشهورة: 
زُر خيرَ قبر بالعراق يُزارُ             واعصي الحمار فمن نهاك حمارُ
 وقال في زمن المأمون وهو يهجو الرشيد الذي قد دفن قرب مرقد الامام علي الرضا ( عليه السلام ):
قَبرانِ في طوسِ خيـرِ الخَلقِ كُلِّهِمُ     وقبـرُ شـرِّهِمُ هـذا مـن العبـرِ
ما ينفع الرِّجس من قُربِ الزَّكيِّ وما    على الزَّكي بقرب الرِّجس من ضَررِ
وفي مقارنة هجائية بين العباسيين والامويين في ظلم الاثنين لأهل البيت(ع) من قتل أئمّة الاسلام وعلمائه والصالحين حيث يقول: 
قتلٌ وأسرٌ وتحريق ومنهبةٌ            فِعلُ الغزاةِ بأرضِ الروم والخَزر
أرى اُميّةَ معذُورين إن قَتَلوا            ولا أرى لبني العبّاس من عُذرِ 
دعبل له أشعار كثيرة ليس بالمدح السياسي فقط وإنّما قال الغزل اللطيف والرثاء وكان هجاؤه لم يسلمْ منه أحد من الحكام .
ومن أشهر شعره قصيدته التائية التي قالها في خراسان عند الإمام الرضا(ع) فقد روي عن ابي الصلت:(سَمِعْتُ دِعْبِلَ بْنَ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ أَنْشَدْتُ مَوْلَايَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا(ع) قَصِيدَتِي الَّتِي أَوَّلُهَا 
   مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلَاوَةٍ  وَ مَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ الْعَرَصَاتِ
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِي 
خُرُوجُ إِمَامٍ لَا مَحَالَةَ خَارِجٌ        يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ الْبَرَكَاتِ
 ‏يُمَيِّزُ فِينَا كُلَّ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ      وَ يُجْزِي عَلَى النَّعْمَاءِ وَ النَّقِمَاتِ
بَكَى الرِّضَا(ع) بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ لِي يَا خُزَاعِيُّ نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ)
 وتعد من أروع وأشهر قصائد الأدب الشيعي ومنها :
لآل رسول الله بالخيف  من منى          وبالبيت والتعريف والجمرات 
ديار عليّ والحسين وجعفر                وحمزة والسجّاد ذي الثفنات 
ثم يقول: 
قفا نسأل الدار التي خف أهلها          متى عهدها بالصوم والصلوات 
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى         أفانين في الآفاق مفترقات 
ثم يقول: 
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً             وقد مات عطشاناً بشطّ فرات 
إذن للطمت الخدّ فاطم عنده           وأجريت دمع العين في الوجنات 
أفاطم قومي يابنة الخير واندبي            نجوم سماوات بأرض فلاة
قبور بكوفان، واُخرى بطيبة               واُخرى بفخ نالها صلواتي 
واُخرى بأرض الجوزجان محلّها          وقبر بباخمرى لدى الغربات 
وقبر ببغداد لنفس زكيّة                  تضمّنها الرحمان في الغرفات 
قبور ببطن النهر من أرض كربلا            معرسهم منها بشطّ فرات 
تُوفوا عطاشاً بالفرات فليتني              توفيت فيهم قبل حين وفاتي 
وآل رسول الله تسبى حريمهم                وآل زياد آمنوا السربات 
وآل زياد في القصور مصونة             وآل رسول الله في الفلوات 
ثم يقول:
فيا ربّ زدني من يقيني بصيرة      وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي 
سأبكيهم ما حجّ لله راكب            وما ناح قمري على الشجرات 
فيا عين بكيهم، وجودي بعبرة           فقد آن للتسكاب والهملات 
ثم يقول: 
وآل رسول الله تدمى نحورهم             وآل زياد آمنوا السربات 
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم             اكفاً عن الأوتار منقبضات 
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد        لقطع قلبي أثرهم حسرات 
خروج إمام لا محالة خارج           يقوم على اسم الله والبركات 
يميز فينا كلّ حق وباطل            ويجزي على النعماء والنقمات 
سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم       كفاني ما ألقى من العبرات 
فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس ابشري         فغير بعيد كلّ ما هو آت
وقد أشار إليها الولي الصدر في الخطبة الأولى من الجمعة الثالثة عشر فقال: 
(فتكون الزهراء سلام الله عليها أفضل من التسعة المعصومين من أولاد الحسين بل حتى أفضل من الحسن والحسين أنفسهم مع علو شأنهم العالي (سلام الله عليهم) وهم يفتخرون الأئمة يفتخرون انها أمهم وجدتهم بالرغم من علو مقامهم فهي اولى بثبوت الصفات العالية لها منهم (سلام الله عليها وعليهم). فحين علمت بمقتل الحسين (سلام الله عليه) حزنت وهو قول الشاعر دعبل الخزاعي :
افاطم لو خلت الحسين مجدلا            وقد مات عطشانا بشط فرات
اذا للطمت الخد فاطم عند                واجريت دمع العين في الوجنات
الى ان يقول
 افاطم قومي يا ابنت الخير واندبي     نجوم سماوات بارض فلات
وانت لا يخفاك ـ قد يكون تقول ـ : بان دعبل يتخيل ويتوهم ان الزهراء (سلام الله عليها) تسمع هذا الكلام ؟ حبيبي .. هذا الكلام سمعه الامام الرضا (سلام الله عليه) لانه تلاه في محضره ولم ينكر عليه بشيء اقره واقرار الامام حجة، فليست الكلمة لدعبل (رضوان الله عليه) فقط بل للامام الرضا كأنها صادرة منه وهو خطاب للزهراء ونعلم انها ترد الجواب)
استشهد ظلماً وعدواناً عام 246 هـ ، وأختلف في مقتله فمنهم من قال : أنه هجا الخليفة العباسي المعتصم فقتله ، وقيل : أُغتيل في منطقة السوس بعد أن هجا ابن طوّق التغلبي 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ... 
الحلقة التاسعة 
 
 (نموذج للاطلاع والدراسة) المتنبي
هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي الكندي ولد بالكوفة ونشأ بالشام وقيل أصوله من كندة ودس خصومه في نسبه استغلالا لأنه لم يشر إلى أبيه في شعره أبداً و الغالب أن طفولته كانت تتميز بالحرمان و التنقل في العراق والشام حيث كانت الفتن تمور وكان قد عرف سيف الدولة من قبل وسمع عن أفضاله الكثير فوفد المتنبي عليه وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا وقد كافأه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام .
غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحة فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه وهم كثيرون في بلاط سيف الدولة فانكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بسيف الدولة وغادره إلى مصر حزيناً خائباً ليواصل النظر في أطماعه السياسية بعد أن قال بحضرته قصيدته الشهيرة:
وَاحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلْبهُ شَـبِمُ             ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَم
 ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قد بَرَى جَسَدي          وتَدَّعِي حُبَّ سَيفِ الدَولةِ الأُمَمُ
إِنْ كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ                    فَلَيتَ أَنَّا بِقَدْرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
قد زُرتُه وسُيُوفُ الهِندِ مُغمَدةٌ              وقد نَظرتُ إليهِ والسُيُوفُ دَم    
وَكانَ أَحسَنَ خَلقِ الهد كُلِّهِمِ            وكانَ أَحْسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَم
 فَوتُ العَدُوِّ الِذي يَمَّمْتَهُ ظَفرٌ                      في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شَدِيدُ الخَوفِ واصطَنَعَتْ         لَكَ المَهابةُمالا تَصْنعُ البُهَمُ 
أَلزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيسَ يَلْزَمُها             أَنْ لا يُوارِيَهُم أرضٌ ولا عَلَمُ
أَكلما رُمتَ جَيشاً فانثَنَى هَرَباً                تَصَرَّفَتْ بِكَ في آثارِهِ الهِممُ 
علَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعْتَرَكٍ               وما عَلَيكَ بِهِمْ عارٌ إِذا انهَزَموا 
أَما تَرَى ظَفَراً حُلواً سِوَى ظَفَر        ٍ تَصافَحَت ْفيهِ بيضُ الهِنْدِ والِلمَمُ 
يا أَعدَلَ الناسِ إِلاَّ في مُعامَلَتي       فيكَ الخِصامُ وأَنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ 
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً أَنْ           تَحْسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ 
وما انتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظرِهِ            إِذا استَوَتْ عِندَهُ الأَنوارُ والظُلَمُ 
سَيَعْلَمُ الجَمْعُ مِمَّن ضَمَّ مَجْلِسُنا              بِأنَّني خَيْرُ مَن تَسْعَى بهِ قدَمُ 
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمَى إلى أَدَبي             وأَسمَعَتْ كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ 
أَنامُ مِلءَ جُفُوفي عن شَوارِدِها            ويَسْهَرُ الخَلْقُ جَرَّاها ويَختَصِمُ 
وَجَاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكِي                    حَتَّى أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسةٌ وفَمُ 
إِذا رَأيتَ نُيُوبَ اللّيثِ بارِزَةً                     فَلا تَظُنَّنَ أَنَّ اللَيثَ يَبْتَسمُ 
ومُهجةٍ مُهجتي مِن هَمِّ صاحِبِها                أَدرَكْتُها بِجَوادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ 
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجْلٌ واليَدانِ            يَدٌ وفِعْلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ والقَدَمُ 
ومُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحْفَلَينِ بِهِ         حتَّى ضَرَبْتُ ومَوجُ المَوتِ يَلْتَطِمُ 
الخَيْلُ واللّيلُ والبَيداءُ تَعرِفُني          والسَيفُ والرُمْحُ والقِرطاسُ والقَلَمُ 
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنْفَرِدا         حتَّى تَعَجَّبَ منَي القُورُ والأَكَمُ 
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أن نُفارِقَهم                 وَجداننا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُمْ عَدَمُ 
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرِمة                    لَو أَن أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ 
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا                   فَما لِجُرْحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ 
وبَينَنا لَو رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفةٌ              إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهَى ذِمَمُ 
كَم تَطلُبُونَ لَنا عَيباً فيُعجِزُكم                 ويَكرَهُ الله ما تأْتُونَ والكَرَمُ 
ما أَبعَدَ العَيْبَ والنُقصانَ من شَرَفي        أَنا الثُرَيَّا وَذانِ الشَيبُ والهَرَمُ 
لَيتَ الغَمامَ الذي عِندِي صَواعِقُهُ              يُزِيلُهُنَّ إلى مَن عِندَه الدِيَمُ 
أَرَى النَوَى يَقْتَضِيني كُلَّ مَرْحَلةٍ             لا تَستَقِلُّ بِها الوَخَّادةُ الرُسُمُ 
لَئِن تَرَكْنَ ضُمَيراً عن مَيامِنِنا                   لَيَحْدُثَنَّ لِمَنْ ودَّعْتُهُمْ نَدَمُ 
إذا تَرَحَّلْتَ عن قَومٍ وقد قَدَروا              أَن لا تُفارِقَهم فالراحِلُونَ هُمُ 
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بهِ            وشَرُّ ما يَكْسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ 
وشَرُّ ما قَنَصَتْهُ راحَتي قَنَصٌ             شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَخَم 
بأَيَّ لَفْظٍ تَقُولُ الشِعْرَ زِعْنِفةٌ               تجُوزْ عِندَكَ لا عُرْبٌ وِلا عَجَمُ 
هذا عِتابكَ إِلاَّ أَنَّهُ مِقَةٌ                           قد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلاَّ أَنَّهُ كَلِمُ
الشخص الذي تلا سيف الدولة أهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي وكان سبب ذهاب المتنبي إليه لأنه قد طمعه في ولاية يوليها إياه ولم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور:
  كفى بك داء أن ترى الموت شافياً            وحسب المنايا أن يكن أمانيا 
كان كافور حذراً داهية فلم ينل المتنبي منه مطلبه بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده فهجاهم المتنبي و هجا كافور ومما نسب إلى المتنبي في هجاء كافور: 
لا تشتري العبد إلا والعصاة معه         إن العبيد لأنجاس مناكيد 
وقرر أن يغادر مصر بعد أن لم ينل مطلبه فغادرها في يوم عيد وقال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته والتي كان مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد         بما مضى أم لأمر فيك تجديد 
منزلته الشعرية:
قال الكتاب عنه: لأبي الطيب مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية ، فقد كان نادرة زمانه ، وأعجوبة عصره ، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام للشعراء والأدباء يجدون فيه القوة ، والتدفق ، والشاعرية المرتكزة على الحس والتجربة الصادقة وكان المتنبي شاعرا من شعراء متمكنا وفق بين الشعر والحكمة، وجعل أكثر عنايته بالمعنى يسكبه في بيت واحد مهما اتسع ويصوغه بأبدع الصياغة التي تأخذ العقول. 
أطلق الشعر من قيوده وخرج عن أساليب العرب المخصوصة فشعره صورة صادقة لعصره وحياته فهو يحدثك عما كان في عصره من ثورات واضطرابات ويدلك على ما كان به من مذاهب وآراء ويمثل شعره حياته المضطربة ففيه يتجلى طموحه وعقله وشجاعته وسخطه ورضاه وحرصه على المال كما تتجلى القوة في معانيه وأخيلته وألفاظه وبناء القصيدة بناء محكم منطقي متسلسل وهو يتناول موضوعه مباشرة والمعاني تمتاز بقوتها وفخامتها وسموها غالباً وكثيراً ما يركزها في صورة حقائق عامة ويصوغها في قوالب حكمة بارعة ويمتاز خياله بالقوة والخصب وألفاظه جزلة وعباراته رصينة تلائم قوة روحه ومعانيه ، وهو ينطلق في عباراته انطلاقاً ولا يعنى فيها كثيراً بالمحسنات والصناعة وقد ضمن شعره كثيرا من الأمثال والحكم واختص بالإبداع بوصف القتال وأجاد التشبيه وأبدع المديح والهجاء وظل شعره مددا في كل عصر لكل شاعر وكاتب وما يزال المتنبي يحتفظ بمجده وشهرته إلى يومنا لا يدانيه أحد من الشعراء ونحن نورد من روائع أقواله وأمثاله بعضا مما جاء في شعره ففي صرعى الحب يقول :
لا تعذل المشتاق في أشواقه     حتى يكون حشاك في أحشائه
إن القتيل مضرجا بدموعه          مثل القتيل مضرجا بدمائه
ويقول فيما عاناه من نوائب الزمان:
لم يترك الدهر في قلبي ولا كبدي     شيئا تتيمه عين ولا جيد
يا ساقيي أخمر في كئوسكما       أم في كئوسكما هم وتسهيد
أصخرة أنا ما لي لا تتيمني       هذي المدام ولا تلك الأغاريد
إذا أردت كميت اللون صافية     وجدتها وحبيب النفس مفقود 
وفي وداع الأحبة يقول:
ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم    بعثن بكل القتل من كل مشفق
أدرن عيونا حائرات كأنها          مركبة أحداقها فوق زئبق
عشية يغدونا عن النظر البكا  وعن لذة التوديع خوف التفرق
وفي مفارقة الأحباب يقول:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت      لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
وفي أهل العزم يقول:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم          وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها        وتصغر في عين العظيم العظائم
وفي شحذ همته يقول:
ردي حياض الردى يا نفس واطرحي     حياض خوف الردى للشاة و النعم
‏إن لم أذرك على الأرماح سائلة              فلا دعيت ابن أم المجد و الكرم
وفي نوائب الأيام يقول:
عرفت نوائب الحدثان حتى        لو انتسبت لكنت لها نقيبا
وفي التبرم بالحياة وتمني الموت لندرة الصديق يقول:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا           وحسب المنايا أن يكن أمانيا
تمنيتها لما تمنيت أن أرى                   صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا
وفي الفخر بنفسه يقول:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي         إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
فسار به من لا يسير مشمرا                وغنى به من لا يغني مغردا
وفي ذلك يقول:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي         وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر من نطق الضاد            وعوذ الجاني وغوث الطريد
إن أكن معجبا فعجب عجيب          لم يجد فوق نفسه من مزيد
وفي علو الهمة وتمجيد الكرامة:
أعطى الزمان فما قبلت عطاءه    وأراد لي فأردت أن أتخيرا
وفي الجبن والشجاعة يقول:
إذا غامرت في شرف مروم           فلا تقنع بما دون النجوم
‏فطعم الموت في أمر حقير          كطعم الموت في أمر عظيم
‏يرى الجبناء إن الجبن حزم          و تلك خديعة الطبع اللئيم
‏و كل شجاعة في المرء تغني     ولا مثل الشجاعة في الحكيم
وفي حال الدنيا يقول: 
وقد فارق الناس الأحبة قبلنا     وأعيا دواء الموت كل طبيب
سبقنا إلى الدنيا فلوعاش أهلها    منعنا بها من جيئة وذهوب
تملكها الآتي تملك سالب       وفارقها الماضي فـراق سليب
ونراه يندب حظه فيقول:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه        أني بما أنا باك منه محسود
أمسيت أروح مثر خازنا ويدا        أنا الغني وأموالي المواعيد
وفي حظ الجهال في الحياة يقول:
تحلو الحياة لجاهل أو غافل            عما مضى منها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه       ويسومها طلب المحال فتطمع
وقال يهجو الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته :
لساني بنطقي صامت عنه عادل    وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه        وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
وما التِّيهُ طِبِّى فيهم غير أنني     بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل
وقد كثرت في شعره الأمثال الحكمية ونذكر منها ما يدل على عمق بصيرته:
ومن جهلت نفسه قدره                   رأى غيره منه ما لا يرى
وما كل وجه أبيض بمبارك               ولا كل جفن ضيق بنجيب
أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه           حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس أورثه التقى     وحب الشجاع النفس أورثه الحربا
ويختلف الرزقان والفعل واحد          إلى أن يرى إحسان هذا لذا ذنبا
كثير حياة المرء مثل قليلها           يزول وماضي عيشه مثل حاضر
فما الحداثة من حلم بمانعة            قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
وكل امرئ يولي الجميل محبب                وكل مكان ينبت العز طيب
بذا قضت الأيام ما بين أهلها           مصائب قوم عند قوم فوائد
فإن قليل الحب بالعقل صالح          وإن كثير الحب بالجهل فاسد
وما ماضي الشباب بمسترد                   ولا يوم يمر بمستعاد
فإن الجرح ينفر بعد حين                  إذا كان البناء على فساد
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله              ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
وفي الناس من يرضى بميسور عيشه        ومركوبه رجلاه والثوب جلده
فقد يظن شجاعا من به خرق                وقد يظن جبانا من به زمع
إن السلاح جميع الناس تحمله           وليس كل ذوات المخلب السبع
وما الحسن في وجه الفتى شرف له          إذا لم يكن في فعله والخلائق
وجائزة دعوى المحبة والهوى            وإن كان لا يخفى كلام المنافق
وما يوجع الحرمان من كف حارم     كما يوجع الحرمان من كفر رازق
وإذا ما خلا الجبان بأرض                     طلب الطعن وحده والنزالا
من أطاق التماس شـيء غلابا
                واغتصابا لم يلتمسه نوالا 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2133
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28