• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : اطلاله على مدونات السجناء \"حاكم محمد حسين انموذجا\" .
                          • الكاتب : عالية خليل إبراهيم .

اطلاله على مدونات السجناء \"حاكم محمد حسين انموذجا\"

\"لكن الحكومة ماتت وعاد حاكم محمد حسين الى ذاكرة الاخرين يستعيد نساءه واحلامه وكلماته وكل  ارث العائلة انه الموت ذاته لكنه يشبه سيولة الحياة\"
                                                                                                                                              علي حسن الفواز
ثمة ادب اخر يكتب في فضاء اخر يدونه انسان اخر،يصح ان نطلق عليه\"ادب السجون\"والذي يعنى بالمدونات الادبية والفكرية والتي كتبها مبدعون عايشوا وعانوا تجربة السجن او الاعتقال او كتبت من اناس وثقوا تجربة السجن بالكتابة(الابداعية)، وان كان المفهوم من الممكن ان يعمم ويتسع اذا نظرنا الى السجن بوصفه احساسا بالغربة والقهر والاستلاب وغياب الحرية ،ومن هذا الباب نستطيع ان نسم الادب الذي كتب في العراق بين عامي 1963و2003 فترة حكم البعث الفاشي بانه \"ادب سجون\" وبالامكان دراسة الشفرات النصية والرموز والعلامات اللغوية بانها محمولات سيمولوجية وتاريخية وثقافية فرضها واقع السجن الكبير والذي هو\"العراق\"0
غير ان هذه المقالة تنحومنحى التخصيص \"الادب في السجن\"وتتخذ من كاتب مغمور ما كان له ان يكون مغمورا لوامهله جلاده زمنا ليعيش ويكتب ويعرف الناس بأبداعه الاصيل ذلك هو حاكم محمد حسين القاص العراقي الذي حكم عليه بالاعدام لفراره من الجيش لايام معدوده،فكان فردا من الملايين الذين ماتوا ليعيش القائد وتعيش حروبه المتناسلة، لكن حاكم برهافة حسه وموهبته وحبه للكتابة والحياة ابى ان يكون رقما في عداد الضحايا واسما يمحى ضمن ملايين الاسماء،فكتب من سجنه ادبا يستحق البقاء،ادبا بقدر وثائقيته المعبرة عن حجم المعاناة في السجن واماطته اللثام عن الوجه المرعب للنظام السياسي وممارسته التعسفية الجائرة بقدرما هو ادب ابداعي فيه من الحفر اللغوي والتلوين الاسلوبي والالتفاتات الدلالية المكثفة التي املاها واقع السجن والاعتقال كنسق كتابي متمايز كليا عن ادب الحرية ما يستحق الدراسة والتحليل واضاءته نصيا وسياقيا0
لقد عمدالروائي والقاص حميد المختاروهو الصديق المقرب للراحل الى جمع تراث حاكم محمد حسين الادبي المكتوب خلف القضبان والذي هو عبارة عن الرسائل المكتوبة على اغلفة السجائر \"الطريقة التي تبدو غريبة في عالم تدوين الادب الا انها مألوفة لمن عرف واقع السجون العراقية \" والتي بعثها الراحل لصديقه حميد المختار وثمة رسائل بعثت لامرأة تدعى مريم يذكر المختار انها كانت محبوبة الراحل،بالاضافة الى بعض القصص القصيرة التي اراد يكمل بها مجموعة قصصية كان قد بدأ بكتابتها خارج السجن وكان ينوي ان يعنونها ب\"ترميم\" ،نشرت هذه الرسائل والقصص بالاضافة الى شهادات ادلى بها كتاب ونقاد عن حياة الراحل وموته في كتاب حمل عنوان \"حاكم محمد حسين طائر المسرات والالم\"وقد صدر عن دار الشوؤن الثقافية العامة لهذا العام0 ومن خلال اطلالة مختصرة على عوالم هذه الرسائل والقصص والتعرف الى بعض من تكنيكها السردي واشتغالا تها اللغوية يمكننا ان نتتبع ظلال ادب السجون الذي يحتاج الالمام بكيانه الى دراسات موسعة0
الرسائل:
  في الوقت الذي يتراجع فيه ادب الرسائل الى مواقع خلفية في الادب المكتوب ضمن اجواء الحرية يكتسب هذا الادب اهمية قصوى عندما يكتب في السجن وتأتي هذه الاهمية البالغة من تجربة السجن ذاتها بوصفها تجربة ومحنه من اقسى التجارب والمحن التي يعيشها الانسان في حياته،ليس السجن كالحرية وليس الافق كالقبو وليست الشمس كالظلام وليس الجسد كالكتلة الهامدة وليست الحياة كالموت بالفعل ان تجربة السجن تجربة عالم اخرهو اشبه بالموت ان كانت تجربة الموت فيها قسوة السجن وجبروته والرسائل التي تكتب بالسجن هي رسائل من عالم مختلف عن عالم الحرية،وهنا بأمكاننا ان نقرأ معاناة السجن \"الكتابة على ورق السجائر،شحة الاقلام ورداءتها ،الكتابة تحت المراقبة والخوف،رداءة الاضاءة،الضوضاء واستنشاق الروائح الكريهة ،الحرمان العاطفي \"هذه المعاناةهي علامات  تؤطر النسق الكتابة في السجن، وحاكم يذكر ذلك في جميع رسائله \"بالنسبة للقلم فهو موجود والكتابة به مخالفة لقوانينهم\"ويقول في موضع اخر مدافعا عن حقه في الحياة بالكتابة\"في خضم هذه الظروف استطعت كتابة قصتين هما مصرع الكركدن –وعصير الفئران\"0
الرسائل بوصفها سردا اشبه بادب السيرة الذاتية او اليوميات اونافذة يطل منها السجين على عالم اخر نجدها تتميز ب
1-تضخم عنصر الزمن بشكل كبير وكانه ليل يطبق على فضاء السرد فالزمن المختنق بالمحنة والترقب والحصار يختلف عن الزمن المفتوح،يهيمن الزمن برموزه ودلالالته المتشعبة بحيث لاتخلو عدة عبارات او عدة اسطر من ذكر الزمن كالا تي\"في بداية الشهر الاخير في العام الفائت 1988 بدأت الاوضاع تستتب واستبشرنا خيرا بمقدم العام الجديد وهكذا مضى الشهر بسرعة نحو امال جديدة،ولكن الذي حصل ان الاوامر تغيرت فجأة فنادوا على مئة وخمسين اسما للمواجهة فقط واستجوب مئة ما بعد رؤيتهم لاهلهم وسألوا اسئلة غريبة وهي عن اسم الام ثم عاد الجميع عند المغرب وكان المؤمل ان يذهب قسم اخر في اليوم الثاني ولكن ما حصل هو العكس اذ نا دوا على المئة الذين سئلوا وكان الامر مربكا اذ جيئ باعداد كبيرة من الحرس وفصائل الاستخبارات وعند الفجر تم اختيارهم بسرعة تحت صراخ وعويل بعضهم ووقع الاقدام على بلاط ممرات السجن وظللنا نترقب الحراس بيقظة كما فعلوا وعصبوا عيونهم ومضوا بهم فساد بيننا وجوم غريب مجتمعين على عكس الايام الماضية وتحت هذا الضغط النفسي الهائل عمدت من جانبي مع ثلاثة من نزلاء السجن الى المقامرة فصنعنا من الورق المقوى دومينو ورحنا نلعب\"0
دلالة الزمن في هذا المقتبس تقرأ قرأتين الاولى تخص حالة السجين النفسية ودقة احساسه بالزمن لان الايام واللحظات والثواني قد تقربه من الموت او الحرية وكلما ابتعد السجين عن الحرية ودنا من الموت اكثر اصبح للزمن طعم السم ورؤيا الكراهية واحساس الالم ،والقراءة الثانية تخص فضح الممارسات التعسفية للنظام السياسي الحاكم فهذا النظام يستخدم الزمن بخبث لتحويله الى قوة لتعذيب السجناء فيتحدث السجين هنا انه وقع الاختيار ليوم 1/1 1989 يوم عيد الميلاد لالغاء المواجهات بين السجناء واهاليهم والذين سمحوا لهم بمواجهة اهلهم بيتت النية لاعدامهم  في اليوم التالي ،حيث تم الاستجواب بعد المواجهة ،واعدموا في اليوم التالي واختيار وقت المناداة لتنفيذ الحكم غالبا ما يكون مع ساعات الفجر الاولى ليتحول الفجر من نذير امل وضياء في بدء يوم جديد الى نذير شؤم وقلق وخوف بتنفيذ الاعدام0 
     وبذلك تكون مدونات السجناء ومافيها من دقة في رصد لاساليب التعذيب التي تطال حتى التوقيت وثيقة ادبية دامغة لادانة الانظمة الدكتاتورية لا احسب ان الكتاب الاحرار يجيدونها وان حاولوا ذلك 0 الملاحظة الاخرى فيما يخص الزمن ،هو ان قضايا الاستباق والاسترجاع والتلاعب بهذا العنصر تأتي عفوية وغير مقصودة وهي انثيالات زمنية يفرضها واقع الكتابة خلسة بعيدا عن الانظار والمراقبة ،ولا اشك ان للكاتب حميد المختاردورفي ترتيب وضبط ايقاع الزمن ومن ثم ضبط ايقاع الدلالة في الرسائل بشكل يتطابق مع الحدث ليؤمن للرواية وثائقيتها ودفقها الانفعالي الذي يحدو بالمتلقي الى التعاطف وتبني وجهة نظر السجين 0 
2- الرسائل فيها وصفية مكثفة لعوالم السجن  المنزاحة عن عوالم الخارج ،وهذه الفجوة الشعورية بين العالمين السجن والخارج\"الكاتب والمتلقي\" تعطي للوصف دفقا فنيا عاليا لمزجها بين الواقعية والغرائبية في الوقت ذاته\"وهذه المفارقة بين عالم السجن الذي يبدو غرائبيا لعالم الخارج والعكس صحيح من اهم مايميز مدونات السجون0 ففي احدى الرسائل يقول \"لاجل انقاذي من نفسي عكفت على قراءة القنصل الفخري لكني تعبت ثانية ووجدت من الافضل هو العودة الى الوراء فتذكرت مشروبا كنت اشربه بكثره تصور انه شراب الببسي كولا ولا تخالني اهذي فهو عالم جميل وله ايضا فلسفة خاصة تكمن في اختيار الون والاسم لذا اعتبر القائمين عليه في منتهى الذكاء،ان مهارتي الان تركزت بشكل سليم وسيدعوني هذا للتفكير بحيوات جديدة  فلاعجب ان تناولت احدى قصصي القادمة حكاية رجل يقتحم متجرا لبيع الحلوى ولايأخذ سوى علبة هدية لحبيبته\"0 هنالك رسالتان كتبهما السجين الى محبوبته مريم وهاتان الرسالتان سيل من العواطف الجارفة ومشاعر الحب الملتاعة بالوجد والاشتياق ،والرسالتان تمثلان حالة الجوع العاطفي التي يعيشها السجين وحاجته الملحة للمرأة والحب0
القصص:
  في رسائل حاكم محمد حسين ذكر انه قد كتب قصتين هما عصير الفئران ومصرع الكركدن في السجن ليكمل بها مجموعة شعرية كان يريد ان يطلق عليها عنوان \"ترميم\" 0 وستتركز اطلالتي على هاتين القصتين لان القصص الاخرى التي وردت في الكتاب لم يثبت انها من مدونات السجن0 يبدوالقاص في مجموعته 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2274
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28