• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في قصة الخلق .
                          • الكاتب : محمد صالح الهنشير .

في قصة الخلق

بسم الله ولي المتقين رب محمد واله ,
ما جعل من شيئ او خلقه الا في كتاب وتدبير وعلم , دبر الخلق على انه ايجاد شيئ من شيئ باسباب معلومة (راجع محور علاقتي بالكتاب: علم الاسباب في كتابي هكذا… فهمت الاسلام.)كقوله تعالى:”" ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها..”"الروم 21
فالتزاوج عملية طبيعية , لاستمرار النسل , وقوله تعالى” من انفسكم ”
ان الله جعل الناس شعوبا وقبائل لها خاصياتها , بعلم الوراثة الجيني , فنفس الانسان مزيج من الارادة الصرفة ومن مخلفات الوراثة المؤثرة على درجات متفاوتة قد تعود في تسلسلها الى الاجداد الاول .. كما دبر الله الجعل بان جعله ايجاد باسباب من طبيعة اخرىلا يرتقي اليها العقل البشري “” هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها “” الاعراف189 وفيها تماثل جزئي خارجي مع الاية 6 من الزمر “”خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها “” فاصل البشرية كلها نفس واحدة , جعل الله منها ما يزاوجها ثم وجد الخلق تباعا , وايجاد النفس من النفس على غير الطريقة الطبيعية المعتادة , اي بالجعل هي عناية الهية لا يرتقي اليها الذهن ,وفي الايتين تاكيد على ان وجود الزوج (حواء) جاء في النفس لا في الجسد او الروح , فلحواء روحها التي تمنحها الحياة ’ ولها تفردها الجسدي الذي كرمها به الله , لكن في التقائها بنفس ادم هي قريبة منه منبثقة عنه فسبقت نفس ادم , حواء , لان ادم نبي من الاطهار , نفسه اعلى درجة لا لكونه ذكرا , لان النفس البشرية واحدة لا تخضع للجنس مثل الجسد , فالجسد تميز , والنفس تكريم , لذلك فالنفس خالدة , مجتباة , محاسبة , فيها المرسلة وفيها الغير مرسلة , فيها الشقية وفيها الزكية , لها حرمتها ومكانتها , اما الجسد فمتحول , واما الروح فهي قسمة مشتركة لذلك جاء الجعل في النفس , وقد يكون الجعل ابتداءا ويكون الخلق بعد ذلك , وقد يكون الخلق سابقا للجعل وذلك حسب التدبير الالهي . فالجعل قوة الهية نافذة لا تخضع لقوانين الاسباب التي اوجدها الله . اما الخلق فهو ايجاد الشيئ من شيئ , يوجب حتما وجود عنصرين مهمين من حيث التركيب فمكونات المخلوق منه بالضرورة متضمنة لمكونات المخلوق الجديد, والمخلوق الجديد حتما له ما يميزه عن المخلوق الاول , وهذه سنة في جميع الخلق ولا تشمل الانسان فقط “” خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها , وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج..”"الزمر 6 ..فاذا اردنا ان نعود بصورة خلق اي انسان الى الوراء فنجده خلقا سبقه خلق سبقه خلق الى النفس الواحدة التي لا يمكن ان تكون بالخلق كما اسلفنا , ولاحظوا ان الانعام ثمانية ازواج منها خلق الله باقي الانعام كلها وقد اوجدها الله زوجية حتى تخرج منها الاشكال المتعددة , وهي على غرار الانسان , لم يكن وجوده ثنائيا منذ البداية بل انه احادي بالجعل ثم ثنائي بالجعل منه , وهذا يفسره ان وجود الانسان غير وجود الانعام بالرغم من اشتراك الجنسين في اصل التركيبة الجسدية (الطين)وهذا مثبت في الطبيعة بالعلم بالتقارب في شبكات الاعصاب واجهزة الهضم والتناسل , فالانسان مكلف , والانعام غير مكلفة لعدم احتوائها النفس ,, ووجود الحياة في الانعام والانسان يعني ان العنصرين يحتويان على الحياة (الروح) . وخروج العنصر الانثوي من الذكوري بالجعل منه في الادميين تدليل على ان النفس مميزة لا تشابه فيها وهذه السنة التنوع في الخلق الالهي, فالانبياء انفسهم مرسلة مطهرة , لكن لكل نبي نفس متقاربة مع واقعها فاعلة فيه بمقتضى تميزها , اذن فحواءجاءت بداية كنفس مجعولة من نفس ادم , طرفين لادميين , مكملين لبعضهما لاستمرار الحياة والتطور , لذلك فامر التكليف بعد الجعل , وتاخلق حاء ثنائيا “” ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما “”الاعراف 19 , والغواية كذلك “” فازلهما الشيطان عنها “” البقرة 36 .اذن فادم وحواء يمثلان الانسانالمجرد , والخطاب القراني تضمن عبارة “” حيث شئتما “” وهذا تدليل على ان خلق الذرية الاولى تم في الجنة فالله يحدثهما عن المستقبل كذلك وهذا تدليل على ان خلق الاولاد والبنات صار في عالم الجنة القريب من الغيب والارض , لانه لا بد ان يكون هذا الخلق غير الخلق المتعارف حتى اذا ما تزوج بعضهم بعضا كان ذلك في عالم مختلف لكي تكون بداية النوع البشري الذي لا يمكن على الارض لان للارض قوانينها فلا يتزوج الاخ اخته والا يفسد النسل كله , لذلك فيما بعد ياتي الامر الالهي “”اهبطوا منها جميعا “” البقرة 38 .لقد تكون المجتمع المصغر في تلك الجنة الخاصة , وهذا تدليل على ان الحياة في تلك الجنة لم تكن بالمرحلة القصيرة , وان الغواية لم تكن سريعة بل جاءت بعد التكاثر ..
كيف جعل الله نفس حواء من نفس ادم , والمعلوم ان النفس هي التقاء الجسد بالروح , وهذا امر واضح في كتاب الله , فالانفس لها وجود غيبي صرف قبل الفعل ولها وجود فعلي ارادي بعد خلق الجسد وبعث الحياة فيه
“”واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين “”
ال عمران 81..فامكان خروج النفس من نفس اخرى هو اعجاز الهي منطقي ضامن لاستمرار الحياة , فاوجد نفس حواء واوجد لها جسدا وبعث فيها الحياة وهذه ليست سنة كونية , ولكنه اعجاز الخلق الاول , لكن حتما فان لحواء استقلالها الجسدي وهذا مثبت واقعيا باختلاف البنية الانثوية عن البنية الذكورية ,وباطل اانها خرجتمن ضلعه او ساقه وهو تحقير مقصود , وكانها افراز من افرازات جسده , وكتاب الله يتحدث يتحدث عن النفس التي خرجت من نفس لا عن جسد خرج من جسد لانها في عالم غير الارض , وعلى الارض يكون خروج الانثى والذكر من الانثى باتصال الذكر بارادة الله في تسهيل الخلق وتقديره , فالعملية ليست حتمية بالرغم من منطقها العلمي والطبيعي . هناك السر التقديري الغيبي , لان الحياة مرتبطة بالملائكة والطبيعة والجان وباقي الخلق والتاريخ والجغرافيا وحركة الكواكب والمد والجزر والتغذية وما الى ذلك من الاسباب الارضية المتعددة.. اما عالم الجنة الذي امتحن فيها ادم فهي وسيط بين الغيب والارض , لا تخضع للمعايير الارضية وربما طريقة التناسل هي التي اوحت الى بعضهم بان حواء خرج جسدها من جسد ادم ولم يجدوا الا ضلعه .فالخلق الاول اعجاز وابداع الهي لا يرتقي اليه العقل البشري الذي هو على الارض , الا بقدر ما اعلم الله من سره , وبقدر درجات العلم عند خلقه , وليس علم النبي كعلم الوصي كعلم المتبع كعلم الباحث كعلم الجاهل , وما ابعد الجاهل عن العلم وان تمظهر وتفيقه وتعمم ..
والله علام الغيوب
وصلى الله على محمد واله
 مع تحياتي 
الباحث والمفكر التونسي 
محمد صالح الهنشير



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22844
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19