• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح58 سورة النساء .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح58 سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً{71}
تحذر الاية الكريمة المؤمنين من العدو , وتحفزهم لمناهضته بطريقين : 
1- (  فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ ) : متفرقين , على شكل فرق , كل فرقة تسند الفرقة التي قبلها , مع الحفاظ على خط المواجهة دفاعا و هجوما . 
2- (  أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً ) : القيام والنهوض ضد العدو مجتمعين , على ان يكون وفق سياق منظم .       
الملاحظ ان الاية الكريمة لا تختص في زمانها ومكان نزولها , بل وقتها ممدود في أي مكان او زمان , يظهر فيه اعداءا للدين الاسلامي الحنيف . 
 
 وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً{72}
تشير الاية الكريمة الى شريحة المنافقين , وجعلت المنافقين من المسلمين بناءا على ظاهرهم , هؤلاء يتوانون في الاستعداد للقتال لذرائع واهية , اما اذا اصاب المسلمين مكروه , قالوا نجونا اذ لم نكن حاضرين في ساحة المعركة . 
الملاحظ في الاية الكريمة , انها سلطت الضوء على عدو داخلي ( المنافقون ) , اما الاية الكريمة التي سبقتها فقد سلطت الضوء على العدو الخارجي . 
 
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً{73}
تناولت الاية الكريمة السابقة حالة المنافق عند هزيمة المسلمين , وتبين الاية الكريمة حاله عند انتصار المسلمين , وفوزهم بالغنائم , فيتحسر على عدم مشاركته في القتال . 
الاية الكريمة تعتبر امتدادا لسابقتها , ما يدل على عظم خطر الجبهة الداخلية ( المنافقون ) ! . 
 
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً{74}
تحض الاية الكريمة المؤمنين للقتال في سبيل الله تعالى , ووصفت حالهم كأنهم يبيعون دنياهم , من اجل اخرتهم , ووعدت المؤمن المقاتل (  فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) , في كلا الحالتين ( الغلبة او الهزيمة – القتل او الموت ) .    
يلاحظ المتأمل ان الاية الكريمة لم تحدد العدو الافتراضي ! . 
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً{75}
تضمنت الاية الكريمة استفهام تعنيف وتوبيخ , يرفع كل موانع التقاعس عن القتال في سبيل الله , وانهاء الظلم الواقع على المستضعفين (  وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ) . 
يلاحظ المتأمل ان الاية الكريمة تضمنت امرين : 
1- (  وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ) : حيث اوجبت القتال على كل مسلم قادر على حمل السلاح , ما لم يكن لديه اعذارا معتد بها . 
2- ضرورة ان يتوجه المستضعفون لله تعالى بالتضرع والدعاء والمناجاة , حيث كان دعائهم (  الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ) , فتضمن ثلاثة امور : 
أ‌) (  الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ) . 
ب‌) (  وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً ) . 
ت‌) (  وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ) .                  
للاية الكريمة فضائل وخصائص لضيق النفس , وضنك العيش , وتقرأ لكل امر عسير . ( خلاصة الاذكار الفصل الثامن ) . 
 
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً{76}
تضمنت الاية الكريمة ثلاثة امور : 
1- ( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) : بيان ان المؤمنين يقاتلون في سبـيل الله تعالى , والكافرون ( الاعداء ) يقاتلون في سبيل الطاغوت ( الشيطان ) . 
2- (  فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ ) : امر مباشر بقتال انصار الشيطان ( الكافرون ) . 
3- (  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) : ايضاح ان كيد الشيطان ضعيفا مقابل قدرته عز وجل .          
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة بينت ان (  َالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) , كونهم يقاتلون من اجل رفع شأنا ما قد يكون : 
1- طاغية متجبر . 
2- فكرة فاسدة .  
3- آله غير الله تعالى . 
 
جلهم يمثل اولياء الشيطان ( انصاره ) , لذا نصت الاية الكريمة على (  يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) , ولم  تنص على ( يقاتلون في سبيل الشيطان ) , لانهم اما يقاتلون من اجل رجل طاغ , او من اجل فكرة فاسدة , او من اجل اله غير الله تعالى ,  في الخصوص , وكلتا الحالتين تمثلان انصارا للشيطان , في العموم , فأعقب البيان بأمر قتال انصار الشيطان بصفة عمومية (  فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ ) , يتلوه توضيح يظهر ضعف الشيطان , رغم كثرة انصاره , وتعدد طرقه وحبائله (لع) ! .  
 
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً{77}
بعد ان بينت الايات الكريمة  الاعداء الخارجيون والداخليون ( المنافقون ) , سلطت الاية الكريمة على نوع ثالث يجب اخذه بنظر الاعتبار , وفيه اراء متعددة : 
1- المنافقون : فتكون الاية الكريمة امتدادا لموضوعهم في الايات الكريمة السابقة . 
2- ضعاف الايمان من المؤمنين : وهو المرجح .   
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة تبين امرين : 
1- الانسان قاصر في تشخيص المصلحة , العامة والخاصة .   
2- (  قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) . 
 
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{78}
تضمنت الاية الكريمة عدة مضامين , منها : 
1- الموت : تعددت الاسباب والموت واحد . 
2- الطيرة : (  وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) , عندما يصيب اليهود خصب ونماء ينسبوا ذلك الى الله تعالى , وان حلّ بهم ما يكرهون , نسبوه الى وجود النبي محمد (ص واله) بينهم , جهلا وتشاؤما . 
3- (  فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) : استفاهم تعجب من فرط جهلهم , حتى لا يقاربوا فهم حديثا .               
 
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً{79}
خطاب الاية الكريمة موجه للنبي محمد (ص واله) , والمعني به المسلمون عامة , وتضمنت ايضاحين وبيانين , الايضاحين : 
1- (  مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) : لا يصدر من الله جل وعلا الا الخير . 
2- (  وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) : يكتسب الانسان السيئات بجهلة , وعدم معرفته بالمصلحة , فالمدخن تصيبه امراض التدخين , وشارب الخمر تعترضه مساوئه , فلا تصيب الانسان السيئات الا بسبب ارتكابه ما يوجبها ,  فلا يلومن الا نفسه .      
اما البيانين : 
1- (  وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ) . 
2- (  وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ) .        
 
مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً{80}
بعد ان كان البيان في الاية الكريمة السابقة (  وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ) , اتت الاية الكريمة لتبين امرين : 
1- (  مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) . 
2- (  وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) .       
 
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً{81}
الاية الكريمة في محل كشف ما يضمره المنافقون , وتفضح سرهم , ثم تأمر النبي محمد (ص واله) بما ينبغي ان يفعل تجاههم : 
1- (  فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) . 
2- (  وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) .     
 
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً{82}
تنص الاية الكريمة على ان هؤلاء لو تأملوا في القران , ونظروا في معانيه القيمة , ومضامينه البديعة , وكافة مميزاته الاخرى , لأيقنوا انه انزل من قبله عز وجل , ولو كان من عند غير الله تعالى , لوجدوا تناقضات في المعاني  وتباينات في نظمه وتنسيقاته . 
 
وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً{83}
كثيرة هي الامور والاخبار التي تغزو المجتمع المسلم , ومنها ما يهدد امنه واستقراره , فيتلقفها المنافقون وضعاف الايمان , ويفشوها و يذيعوها حين يجب الكتمان , فتحضهم الاية الكريمة على الكتمان حتى يعرض الامر على النبي (ص واله) و اولى الامر , الذين لهم الحق في اتخاذ القرار المناسب , ان كان الخبر مما يجب ان يذاع , او مما يجب ان يكتم , او انه مجرد اشاعة لا حقيقة لها . 
الملفت للنظر ان الاية الكريمة تؤكد انه لولا فضل الله تعالى على المسلمين بالاسلام , ورحمته عز وجل بالنبي محمد (ص واله) , لأتبعوا الشيطان , الا القليل منهم . 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22924
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29