• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ألأساسات ألأثنيّ عشر لنظريّة ألمعرفة – ألأساس ألرّابع .
                          • الكاتب : عزيز الخزرجي .

ألأساسات ألأثنيّ عشر لنظريّة ألمعرفة – ألأساس ألرّابع

ألله جلّ و علا
في آلأساس ألثّالث بيّنا حقيقة ألأنسان كونه آلباني للحضارة ألّتي يجب أنْ تكون لخدمتة و سعادته و ذلك بتلبية متطلباته ألرّوحيّة و آلعاطفيّة و آلعقليّة و آلماديّة, و من آلخصائص ألهامّة ألّتي أشرنا لها في ثنايا آلبحث و آلتي يجب أن يتصّف بها الأنسان ألحضاري هي:ـ
*أن يكون صالحاً .. يحمل في وجوده أعباء ألنّهضة.
*أستثمار ألزمن و إستغلاله.
*توفير ألأمن و الأمان, لأنهما يفتحان مجالات ألأبداع.
*ألتّسلح بآلعلم لأنّ ألمجتمع ألسّعيد لا يتحقّق إلّا بآلعلم.
*معرفة ألبيئة و آلموارد ألطبيعيّة و تثويرها و الأستفادة منها بتصنيعها لصالح الأنسان و رفاهيته.
*تشريع ألقوانين بشكلٍ يتناسب مع مصالح و سايكلوجية ألأنسان ألطبيعيّة و تطلعاته ألماديّة و آلرّوحيّة لتحقيق رفاهيته و سعادته.
*ألتّخلق بمحاسن ألأخلاق حتّى مكارم ألأخلاق, أيّ خلق مَيلاً داخليّاً في وجود الأنسان يدفعه للخير و آلأيثار بآلنسبة لأبناء مجتمعه.
ثمّ آلأيمان ألواعي بآلله و آلأرتكاز على معرفته في نظريّتنا .. هو آلأساس و آلمُرتكز ألرّابع, كونهُ محورٌ هامّ لصلاح ألأنسان و يفتح أمامه آفاقاً رحبة لتحقيق ألمحاور ألتي حدّدناها آنفاً!
 
فمن هو آلله ألّذي علينا معرفتهُ و آلأيمان به إيماناً حقّاً؟
 
حقيقة الله تعالى .. و كيفيته .. و شكله .. و ذاته .. و قدراته .. و غيرها من المواصفات و آلأسماء ترجع إلى بداية ألتفكير الأنساني على الأرض, و آلله تعالى كان يعرف بأنّ آلأنسان و لأنه – ظلومٌ جهول – سوف يبحث و يسأل عن تلك الحقائق الكبيرة؛ لذلك نراه تعالى قد بيّن جواب تلك الأسئلة بوضوح من خلال ثلاث أحداث كبيرة كان أبطالها ثلاثة من عظماء المرسلين هم؛ خليل الله إبراهيم(ع) و كليم الله موسى(ع), و الثالث هو حبيب الله محمد(ص), جاءت تفاصيلها في القرآن الكريم و في كتب التفسير, و تعتبر من أكبر الأحداث ألكونية في عالم المعرفة ألأنسانية و كما وردت في أصدق الكتب ألسّماوية و في مقدمتها ألقرآن ألكريم و هي؛
 
أولاً: قضية ألشّك ألمعرفيّ للرّسول إبراهيم ألخليل عليه و على نبيّنا السلام, حيث وردت تفاصيل ألقصّة في سورة ألأنعام(1), حتّى إعترف آلخليل(ع)بقصر معارفه و عظمة آيات الله و براهينه.
ثانياً: كذلك ألشّك المعرفيّ لدى موسى(ع) و كما وردت تفاصيل ألقصّة في سورة ألأعراف, أثناء ألميقات(2).
ثالثاً: ألقصة الثالثة كانت مع رسولنا ألكريم, أثناء رحلة ألأسراء و آلمعراج,و قد أشار آلقرآن ألكريم لذلك في سورة ألأسراء, و كذلك سورة ألنّجم(3) و غيرهما,حيث بيّنت تلك آلحادثة ألكبيرة لطف لله تعالى و محبّته و إهتمامه آلخاصّ بحبيه و خاتم رسله.
و آلعارف ألمُتطلّع على تفاصيل تلك آلقصص يقف تماماً على حقيقة الله تعالى و معرفة عظمته و ألطافه, تلك آلحقيقة ألتي يجهلها حتى المدّعين للدين و المرجعية(4) و لعلّ كلّ إنسان مُتطلّع بوعي نحو الحقيقة له تجربتة آلذاتية في معرفة الله .. بل ربما تجارب معرفيّة و كشفيّة عديدة و خاصة في هذا المجال تعرّف من خلالها على أدوار و ألطاف الله و عظمته و قدرته في آلوجود, فآلطرق إلى معرفة الله بقدر أنفاس الخلائق.
إنّما أراد الله تعالى أن يُبين للبشرية من تلك الوقائع الكبيرة حقيقته و عظمته و إختلاف سنخيته تعالى عن سنخية البشر و بآلتالي عدم قدرتنا على رؤيته من خلال الحواس المحدودة التي نملكها, و أن معرفته بآلنسبة للخلق من خلال الفكر أيضاً يتناسب مع مدى قدرة كلّ فكر و عمقه و شموليته لإستيعاب صفاته و أسمائه و افعاله!
 
إن تركيب ألذّرة و مكوناتها كما أشرنا في موضوعات سابقة .. قد أزاحتْ ألسّتار عن حقيقة ألمادّة ألصّلبة, كونها مجموعة كبيرة من آلذّرات ثمّ آلجّزيئات تتّحِدْ لِتَتَحَدّدْ وجودها عبرَ آلأهتزار (آلتّردد) كقانون عامّ لكلّ مستوىً من مستويات ألوجود ألماديّ . و قد صنّف آلعلماء منذ بداية آلقرن آلماضي تلك آلموجات إلى نوعين هما:
 
ألأوّل : ألموجات آلمُعبّأة و تسمى بـ(ألمادّة), و تضمّ كلّ ما يتعلق بالوجود المشهود و آلأشكال ألخارجية.
 
ألثّاني : ألموجات آلمُمتدّة و تسمى بـ(ألضّوء), و تضمّ كلّ ما تحتويه جواهر آلأشياء و آلجّســم ألأثيريّ.
 
و بتطور علم ألفيزياء ألذّريّة في أواسط ألقرن آلماضي .. وصل آلعُلماء إلى إكتشافات دقيقة و عجيبة أبهرتهم, حتّى آمن جميعهم بوجود آلله تعالى بشكلٍ مُطلقٍ و كان منهم "آينشتاين" نفسه و "كيرليان"مكتشف آلجسم ألأثيريّ و "كاكارين" ألرّوسي ألذي يُعتبر أوّل رجل من الأرض وصل إلى سطح آلقمر, فقد برهنت ألتّجارب آلعلميّة على أنّ كلّ شئ في آلوجود يهتزّ ضمن مرتبة مُعيّنة تمكّن آلعلماء من قياس موجاتها, حتّى تأكّد لديهم أنّ آلفارق في مستوى تردّد و طول آلموجة آلمُخْتصّة بكلّ موجود هوآلفارق بين آلموجودات ألظاهرة لعيوننا كأشكالٍ و أحجامٍ تجمع مكوناتها آلعناصر آلأربعة : (ألماء و آلهواء و آلتراب وآلنار)ـ فكلّ ما نلمسه أو نراه أو نسمعه أو نشمّه أو نتذوقهُ؛ ليس إلاّ كيان أثيريّ في درجة إهتزاز معينة, إذ لا وجود في آلأصل إلاّ لحقيقةٍ واحدةٍ تتوّلد منها كافّة ألتركيبات ألوجوديّة "الهيوليّة" , و كلّ قوى آلطبيعة صادرة عن ناموس واحد, مُتَفَنّنٌ في تركيبه و مفاعيله يحيى و يتواجد من خلال مبدأ آلحركة آلتي تضفى على صفة آلوجود ألحياة و آلجّمال و آلتّغيير آلمطرّد, من خلال ألتّحوّل وآلتّبدل و آلأستحالة؛ كتحويل ألسّائل إلى بخار بفعل آلحرارة أو إلى حالة آلمادة (ألأنجماد) كآلثلج عند إنخفاض درجة الحرارة.
 
و يتّفق جميع آلعلماء أيضاً على عدم وجود أيّ إنشاء حقيقي للمادّة, و على أيّ نحو, و إنّما هو تحوّل من حالة إلى حالة و بإستمرار بحيث يُمكننا آلقول بعدم وجود ثابت مطلق في آلوجود بسبب ذلك إلّا آلمصدر آلذي أشرنا لهُ بعد إثباته علمياً .. فقد برهنَ آلعِلم أمْكان تحوّل ألمادّة إلى طاقّة ثمّ إلى ضوء ( إشعاع ), و آلضّوء ( آلأشعاع ) لا يُفنى لأنّها تمثل آلجوهر, و من هنا وصف الباري نفسه بـ (النور) في سورٍ و آياتٍ عديدة(5)!
 
نظريّة ألأهتزار؛ آفاقٌ و حقائقَ رهيبة
 
إنّ نظريّة آلأهتزاز (ألتّذبذب) ليستْ نظريّة علميّة هامشيّة كما تُدَرّس في آلمعاهد و آلجّامعات كظواهر علميّة مجرّدة, بلْ تُفيد كونها أصلاً لأثبات ألرّوح و آلوجود بشكل مُغاير لما في ذهن آلناس و آلمُدّعين للدِّين,و عليه يتوقّف خضوع ألموجودات لأدراكنا و حواسّنا , أو إفلاتها من مدى آلحواسّ و قدراتها,حيث ثَبَتَ عِلميّاً أنّ حواسّنا لا تُدرك سوى جزء محدود من تموّجات ألكون و مراتبه,في حين يغيب كلّ ما عداها, و ما أكثرها عن حواسّنا!
 
 
فقد أثْبَتَ آلعُلماء أنّ كلّ ما في آلكون ألماديّ ألمرئيّ بآلنسبة للأنسان يتردّد ضمن 34000 – 64000 موجة/بوصة .. تُمثل إهتزازات ألطّيف ألمنظور و آلّتي تقع ما بين إهتزازات ألأشعّة دون آلحمراء و آلأشعّة فوق ألبنفسجيّة.
 
و كما ثبت علميّاً أيضاً بإنّ كلّ شيئ يهتز يكون لهُ موجة, و لكلّ موجة تردّد و طول مُعيّن؛ لذا يتوقّف معرفة و خضوع أيّ شيئ لحواسنا على درجة تردّده و طول موجته, و كلّما كان تردّد ألشّيئ عالياً كانَ أكثر رقّةً و شفافيّةً, لهذا فآلغازات أسرع من إهتزازات ألسّوائل, و إهتزاز ألسّوائل أسرع من إهتزاز آلمواد آلصّلبة, و لكون معدن ألألماس أصلب ألمعادن؛ لذلك فأنّها أبطأ آلمواد إهتزازاً.
 
 
 
و إستناداً إلى آلأثبات ألعلميّ آلآنف فإنّ ألعين آلبشريّة ألعاديّة تتأثر ببعض ألأشعاعات دون غيرها, فما تأثرت به إعتبرتهُ عقولنا ضوءاً, و ما لم تتأثّر به إعتبرتهُ عُقولنا ظلاماً و ربما عدماً, و هي لا تتأثر من أشعة آلطيف ألشّمسي إلاّ بما يقع بين آلّلونين ألأحمر و آلبنفسجي, فما نقص عن آلأول في طول موجته و ما زاد عن آلثاني في طول موجته لا تتأثر به, و كذلك آلأمر بالنسبة لآذاننا,فأنها لا تلتقط أيّ صوت إلاّ إذا تراوحت ذبذبته بين 20 و 20000 ذبذبة في آلثانية ,أيّ أن آلبشر لا يُدركون سوى أحد عشر سُلّماً و نصف من آلسّلالم ألصّوتيّة, أمّا بلايين.. بلايين ألسّلالم آلأخرى؛ فلا تدرك أسماعنا منها شيئاً رغم إحاطتها بنا من كلّ إتّجاه,أمّا أعيننا فأنها تُدرك سُلماً واحداً فقط من بين بلايين آلموجات آلضوئية.
 
بإختصار أنّ ما نُريد قوله هو أنّ عالم آلرّوح و آلمادة هُما أشكال مُختلفة من مادّة موجيّة سائلة, و إن هذه آلمادة آلسيالة لو حازت على تذبذبات بطيئة فأنها تتّخذ خاصّية ماديّة يُمكن مُشاهدتها بالعين, و نسميها في علم الفيزياء بالمادة, و أما لو إمتلكت إرتعاشات (تذبذبات) سريعة فأنّها تفقد آلصفة آلمادية و نسميها في آلفيزياء بالأثير(أتري) حيث تشمل عالم آلأرواح أيضاً, و بما أن شبكيّة آلعين غير قادرة على رصد ألأرتعاشات ألسّريعة ألّتي تزيد على 64000 ألف موجة؛ لهذا لا نتمكّن من رؤية ألرّوح أو عالم الأرواح أو آلأجسام الأثيريّة ألّتي تتذبذب بسرعاتٍ خارقةٍ!
 
و قد سبق أنْ أشرنا إلى إلى أنّ آلحرارة و آلضّوء و آلكهرباء هي حالة نهائية تُمثل آخر مراحل ألمادّة قبل أنْ تختفي في آلأثير.. عندما تفوق سرعتها سُرعة تردّد آلحدّ ألأقصى من تردّد ألمادة, و لو فرضنا عبور تلك آلسّرعة ضمن أجواء معيّنة .. سُرعة ألضّوء .. و مع إعتمدنا ألبوصة في آلقياس؛ فإنّ سرعة إهتزازها ترتفع إلى فوق الـ64000 ذبذبة في آلبوصة, و لو إنخفض إلى ما دون 34000 موجة في آلبوصة بسبب مرتبتها في آلوجود؛ فأنّها تختفي نهائياً عن حواسّنا , لكنها تبقى موجودة في مكان مّا من رُتب آلوجود آلهائلة و آلّتي لا نَدركُ عن حقيقتها ألشّيئ ألكثير!
 
من هُنا نعلم مدى قصور حواسّنا آلتّي لا يُمكنها أن تَصلح كمدخل حقيقيّ لأيّة مَعرفةٍ حقيقيّةٍ, خصوصاً معرفة الله تعالى؛ لذلك علينا أنْ لا نُعوّد أنفسنا على إعتبار كلّ وجود تُطالهُ حواسّنا هو آلوجود ألحقيقي فقط, بلْ آلحقيقة و آلجّوهر تكمنان في ما وراء هذا آلوجود آلماديّ ألمحدود.
 
لقد فتحت هذه ألنّظرية ألعلميّة أمامنا آفاقاً جديدة في معارفنا .. للأيمان بأكوانٍ لا عدّ و لا حَصْرَ لها, تداخلتْ بقدرة صانع حكيم مع بعضها في أنساقٍ و كياناتٍ إخترقتْ بعضها آلبعض و لا نعلم عن تفاصيلها آلكثير, و من دون أن يَشْعُر أحدُها بوجود آلآخر نظراً لتغاير رُتبها و كيفياتها في آلتردّد و آلتّداخل.
 
و لعلّ آلصحون آلطائرة آلتي شُوهدت مرات عديدة في كثير من بقاع آلدنيا؛ هي إشارةٌ بسيطةٌ و واضحة تحكي جانباً من تلك آلأسرار آلّتي أشرنا إليها, كدلالة على وجود مخلوقات و أرواح مُتطوّرة علينا نسبيّاً .. إستطاعت إختراق عالمنا .. من عوالم و رتب أخرى ما زلنا عاجزين عن مشاهدتها و إدراكها -بفعل تقدمها التكنولوجي و العلمي و الرّوحي, و قد حَجَبَتْ مُنظمة الفضاء الأمريكية(ناسا) معلوماتاً هامّة عن هذا الموضوع و لا تنشرها وسائل آلأعلام عادةً للناس خوفاً من سريان ألأيمان بآلغيب و آلرّسالات ألسّماوية, و قد إدّعتْ كذباً بأنّها إمتنعتْ عن نشر ذلك خوفاً من سريان ألرّعب و آلشّك في آلمجتمعات آلغربية آلتي بدأتْ تُحبّذ آلبحث و آلغوص في آلغيب و في مثل تلك آلموضوعات آلتي قد تُخرجهم من آلحدود آلمادية آلضيقة و آلأزمات الرّوحيّة آلتي أحاطت بهم من كلّ جانب و مكان!
 
لقد أشار العالم المعروف(جيفونوس)(1835 – 1882) في مؤلفه(مبادئ العلم)إنّه قد يُوجد هنا آلآن كوكب غير منظور منا يخترق بمحيطاته و بحاره و أنهاره و جباله و مُدُنهِ و سُكانهِ, عالمنا هذا بما فيه من أجسام و كائنات تتجاوز في إهتزازها ..إهتزازات ألأشياء المُحيطة بنا, لذلك لا تقدرحواسنا على إدراكها!
 
إثبات وجود الله
إذن نصل بعد آلبحث آلآنف إلى إستحالة رؤية الله من جانب .. و كذلك إلى عظمة الله كأصل في هذا آلوجود, فبدونه تعالى يستحيل قيام ألمخلوقات ألأخرى ألتي ملكوتها بيد الباري تعالى(6), لهذا لا يبقى أمامنا سوى إثبات وجود الله عن طريق ألفكر(ألعقل ألظّاهر) و رؤيته عبر القلب(ألعقل ألباطن), و يتمّ ذلك من خلال معرفة و تحليل صفات الله تعالى ألثّابثة و آلذاتية, و يتمّ مشاهدته عن طريق ألشّواهد ألقلبية ألمترجمة من الواقع كإنعكاسات تصديقيّة, و آلتي من خلالها يتحقّق أليقين في وجود الفرد, تلك آلقضيّة ألتي أكّد عليها آلأنبياء و آلمرسلين لتحقيق ألتّكامل ألأنساني ألذي من خلاله يتمّ بناء ألحضارة ألأنسانيّة و المجتمع ألسّعيد على أحسن وجه, فما هو آلسّبيل لأثبات وجود الله و معرفة صفاته؟
 
يتّفق ألنّاس جميعاً بأنّ آلمنطق ألعلميّ ألسّليم هو آلسّبيل ألوحيد لإثبات وجود الله تعالى, ثمّ معرفة صفاته, فآلكل يتّفق على أنّ لكلّ فعل فاعل و لكلّ شيئ سبب,و لا يُستثنى من ذلك شيئ حتى آلوصول إلى علّة ألعلل ألتي هي الله تعالى!
لا شيئ يأتي من آلفراغ أو ألعدم, فآلمنطق و آلعلم يؤكّدان بأنّ هناك مَنْ أَوْجَدَ آلكون, و سواءاً كان إسمه الله, أو ألخالق, أو ألمُبدع, فليس لذلك تأثير على أصل ألحقيقية, فآلكون كلّه .. بما فيه؛ يدلّ دلالة كافية على وجود آلخالق,و هذا هو آلأهمّ.
أمّا معرفة صفات هذا آلخالق فيتمّ عن طريق دراسة و متابعة ما أنجزهُ من أعمال و مخلوقات, فآلكتاب؛ على سبيل ألمثال .. يدلّ على فكر ألكاتب و ثقافتة و قدرته على آلتّحليل, و كذلك آلمنتوجات ألصّناعية تُدلّل على مستوى آلتقدم التّكنولوجي و آلعلميّ للشّركة أو ألدّولة ألمُصنّعة لها, و إذا إستخدمنا هذا آلمنطق ألأستدلاليّ ألعلميّ ألرّصين ألواضح مع آلكون و آلمخلوقات ألّتي فيه لإستطعنا آلتّوصل إلى صفات ألصّانع ألعظيم, فآلأرض و آلسّماوات و آلمجرّات و ما فيها من آلماء و آلهواء و آلتّراب و آلطّاقة و جمال ألطبيعة و دقّة خلايا و مكونات جسم ألأنسان و آلحيوانات و حكمة ما فيها من تفاصيل و أهداف, و آلتّوازن ألرّهيب في حركة ألأفلاك و آلمجرّات طبقاً لقانون ألجاذبيّة و آلحركة و تبدل الليل و آلنهار .. و كلّ ما توصل لها آلأنسان من علوم و أكتشافات؛ كلّها تدلّ في آلنّهاية على عظمة و علم و قدرة و حكمة و دقة و جمال و عدالة ألخالق جلّ و علا!
 
و سواءاَ إتّفق آلنّاس أمْ لمْ يتّفقوا على رأي واحد .. على سبب خلق الله للوجود و آلأنسان, و كذلك سبب وجود ألألم و آلصّعوبات في آلحياة؛ فأنّ هذا لا يُغيّر شيئاً من آلحقيقة ألمطلقة ألتي أشرنا لها .. حيث إتّفق جميع ألعلماء و آلعقلاء بوجود خالق عظيم لهذا آلوجود .. أسموهُ آلمؤمنون بـ(ألله) جلّ جلاله, أمّا سبب خلقه تعالى للأنسان و آلوجود فهذا ما سنبحثه مفصّلاً و بشفّافية في آلأسس و آلبناآت ألباقية لنظريّة ألمعرفة إنْ شاء الله.
جميع الديانات؛ ألأرضية و السماوية(7) يؤمنون بوجود الله في كل مكان,و هذا آلأمر في الواقع يؤسس لنظرية وحدة الوجود بكون الله تعالى موجود في كل شيئ و في كل مكان, و قد خالف بعض الأسلاميين هذه النظرية .. بدعوى إختلاف السنخية الألهية عن سنخية المخلوقات و لا يُوجد في الكون شيئ مماثل له تعالى, لكن الفريق المؤمن بـ(وحدة الوجود) يرى أن ملكوت الله في كل مكان و هو السبب في حركة الحياة و الكون و بدونه لا وجود لشيئ في هذا الوجود, و سنبحث تفاصيل الموضوع لاحقاً إن شاء الله.
 
إن الله تعالى لا يتحدّد بوصف ماديّ كما يعتقد بعض المسلمين للأسف بإمتلاكه تعالى للأيدي و آلأرجل و العيون كهيئة الأنسان, صحيح إنّ الله لديه المعرفة الكاملة و هو القادر على معرفة و رؤية كلّ شيئ و في أي مكان و زمان و في آن واحد و شاهد دائم على كل ما يجري في الوجود .. بل يعرف ما كان و ما سيكون حتى آخر الشوط - أن كان هناك آخِر لأمر ألوجود .. لكنّ ذلك لا يتحقّق لدى الباري بأجهزةٍ و حواسٍّ محدودةٍ كتلك التي نملكها, و ما ورد من صفات معيّنة للباري في القرآن الكريم .. كقوله: (يد الله فوق أيديهم ...) و غيرها من آلتشبيهات؛ إنما هي إشارات و تشبيهات لتقريب ألمعنى إلى أفهامنا كدلالة على قدرة و عظمة الله تعالى, و لا يعني بأنّ لله يدٌ أو ما شابه ذلك!؟
 
إنّ آلقرآن ألكريم يُعطينا فهماً أكثر تفصيلاً دقّةً وعن صفات الله تعالى ليكون قريباً و متجانساً مع ذهن البشر و قدسية الله تعالى و إختلاف سنخيته.. سنتطرّق لها لاحقاً.
 
من هو الله و ما هي صفاته؟
 
قال تعالى في القرآن الكريم: [ألله الذي خلق السموات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام ثم إستوى على العرش](8), كما أكدت الكتب السماوية على أزليّة الله و وجوده الدائم, و لم يكن هناك زمن لم يكن فيه الله متواجداً, و لم يكن له شريك, فلو كان كذلك لأتتنا رسل و آيات ذلك الشريك .. كما وضّح ذلك الأمام علي(ع)لأبنه الحسن(ع)!
 
إنّه هو الله آلذي لا إله غيره .. [... هو آلحيّ ألقيّوم, لا تأخذهُ سِنة و لا نوم, لهُ ما في آلسّموات و ما في آلأرض, من ذا آلذي يشفع عنده إلّا بإذنه,يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم, و لا يُحيطون بشيئ من علمه, إلّا بما شاء و سع كرسيّه آلسّموات و آلأرض, و لا يؤوده حفظهما, و هو آلعليّ ألعظيم](9).
 
لله تعالى نوعين من الأسماء, هي؛
أسماء الذات و هي ثلاثة؛ ألعلم و آلحياة و آلقدرة, حيث لا يشترك معه في تلك آلصّفات أحداً من آلمخلوقات, فهو الأعلم و الحيّ الباقي و آلقادر الذي لا يُقهر!
أما أسماء ألصّفات فهي عديدة جاوزت المائة صفة و قد وردت في آلقرآن ألكريم و في آلسّنة ألنّبوية وآلمعاجم اللغوية مع تفاصيلها و معانيها, منها: ألرّحمن؛ ألرّحيم ؛ألغفور؛ ألكريم؛ ألرّازق؛ ألباري؛ ألجبار؛ ألمتكبر؛ و غيرها(10), و آلجدير بآلذكر أنّ الباري تعالى نفسه قد أعطى آلأولوية لصفة واحدة من بين تلك الصفات و أختارها كأصل و عنوان للطفه وهي: (ألرّحمن) حيث قال:
 
بسم الله الرحمن الرّحيم, حيث كرّر كلمة ألرّحمة مرّتين(ألرّحمن ألرّحيم) .. بل و ذكرها تباعاً بعد ذلك في آيات فاتحة الكتاب بقوله: (ألحمد لله رب العالمين, ألرّحمن الرّحيم)(11) .. ثم أعادها بصيغة أخرى في نفس ألسّورة بقوله: (... أنعمت عليهم غير آلمغضوب) 
 
و نحن هنا لسنا بصدد إثبات ألخالق و بيان أسماء صفاته تفصيلاً, فقد أصبحت ألمسألة من آلبديهيات بعد عروضنا آلسّابقة .. نحن نُحاول تقديم بيانات واضحة تقوم على آلمنطق ألعلميّ ألرّصين و آلحقائق ألبيّنة و للباحث أنْ يُقرّر بنفسه ما يجب أنْ يؤمن به, و للعِلم أنّ آخر ألأحصائيات ألتي وقفنا عليها بيّنت بأنّ 90% من آلناس يُؤمنون بوجود الله.
 
إنّ آلفطرة ألسّليمة تشهد بوجود الله من غير دليل, فآلقرآن ألكريم يُقرّر بأنّ ألفِطَرِ ألسّليمة, و آلنّفوس ألطاهرة ألّتي لمْ تتلطّخ بآلشّرك و آلذنوب ألكبيرة؛ تقرّ بوجود الله من غير دليل.. و ليس كذلك فقط – بلْ إنّ توحيده تعالى – أمرٌ فطري بديهي [...فطر الله آلنّاس عليها, لا تبديل لخلق آلله , ذلك آلدّين ألقيّم](12). 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ألأنعام / 75 – 83, أكد الباري تعالى من خلال سيناريو حقيقية بأنه أراءَ نبيّه إبراهيم(خليل الله) ملكوت السموات و آلأرض ليكون من الموقنين, فحين جنّ عليه الليل رآى كوكباً, قال؛ هذا ربيّ, فلمّأ أفلَ(غاب) .. قال؛ لا أحب الآفلين, و عندما رآى القمر بازغاً قال؛ هذا ربيّ, فلما أفِلَ, قال؛ لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين, فلما رآى الشمس بازغةً, قال هذا ربي؛ هذا أكبر .. فلمّأ أفِلَتْ, قال؛ ياقومِ إنّي برئ ممّأ تُشركون, إني وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفاً و ما أنا من المشركين, و حاجه قومه في كيفية و كينونة الله, فقال إبراهيم(ع)؛ أتحاجوني في الله و قد هداني و لا أخاف ما تُشركون به, إلّا أن يشاء ربي شيئاً, و سع ربي كلّ شيئ علماً, أفلا تتذكّرون, و تلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم حليم.
(2) القصة الأخرى في معرفة الله تعالى؛ كانت مع موسى(كليم الله), كما وردت عنها بعض ألتفاصيل في سورة ألأعراف / 143 – 146, و خلاصتها أنّ موسى(ع) حين ذهب لميقات الله تعالى, و سأل الله, حيث طلب موسى(ع) بقوله؛ ربي أرني أنظر إليك, قال لنْ تراني, و لكن إنظر إلى آلجّبل فأن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً و خرّ موسى صعقاً, فلما أفاق, قال؛ سبحانك تبتُ إليك و أنا أول المؤمنين.
(3) ألقصة ألثالثة بهذا آلشّأن كانتْ مع خاتم ألنبين محمد(َص) و كما ورتْ إشارات لها في سورة ألنّجم / 1 – 18, حيث بيّن ألباري تعالى بأنّ آلرسول ألكريم(ص) قد إلتقى آلباري عند آلعرش و وصل حتّى كان منهُ قاب قوسين أو أدنى. 
(4) سألتُ أحد المُدّعين للمرجعية في العراق؛ لماذا تُصليّ؟
قال: لِله!
قلت لهُ؛ و هل الله مُحتاج لِصلاتك يا سيّدنا؟
سكت قليلاً, و أخذ يتلعثم بلسانه, و لم يُحدد آلجّواب!
بل نفى جوابه بآلقول؛ ألله لا يحتاج لصلاتي .. لأنّه غنيّ عن ألعالمين! هكذا و بكل سهولة نفى جوابه الأول, لأنه لم يكن يملك ألقول ألثّابث في آلحياة ألدّنيا!
قلتُ له: لقد نقضت كلامك بجوابك آلثاني, ففي ألأول كان خلاف ذلك!
و للأسف فأنّ جوابك آلثاني خطأ أيضاً يا سيّدنا, من حيث أنّك أهملتَ رابطة هامة في عملية الأتصال بين آلعبد و ربّه و لم تنتبه لمسألة قرب ألعبد من الله تعالى و مكانته عنده, لذلك حذفت أصلاً هامّاً في هذا الوسط و هو مسألة ألمحبة و آلعشق ألألهي بين آلطرفين, حيث يفرح ألباري بآلدّعاء و الصلاة لكنه لا يحتاج لعبده .. بل إنه تعالى يتباهى أمام ملائكته و الكائنات بعبادة و صلاةَ و دعاءَ عبده ألعاشق, و فلسفة آلعبادة أساساً هي لأصلاح ألعباد و هدايتهم و تقويمهم لدفعهم بقوة و عزيمة أقوى نحو آلعمل ألصّالح لخدمة ألمجتمع و إستعمار ألأرض.
تصوّر أخي الباحث حال الآخرين بآلنسبة لفلسفة العبادة و الدعاء, إذا كانت تلك هي حال ألمرجعيّة ألتي تدعي الدين و القيادة!؟
 
إنّني لأتعجّب من مُدّع للدين .. كيف إنّه يَعْبد إلهاً لا يعرفه و لا يعرف حتّى فلسفة ألعبادة؟
 
هل يعتقد أحداً بأنّ آلأيمان ألمبنيّ على تلك المعرفة ألناقصة بل الخاطئة له أثر إيجابي و نتائج طيّبة في شخصية الفرد و آلمجتمع؟
كيف يمكن أن يكون عليه حال المؤمن و الأمة التي لا تعرف لِمن تُصلّي و لماذا تُصلّي؟
 
هلْ من الممكن أن يُرافق ذلك آلوضع إنتاجاً أو عشقاً أو تآلفاً أو تقدماً في المجتمع؟
 
و لعل ما توصل إليه الشعب العراقي من الأنحطاط و التخلف يعود بآلدرجة الأولى لهذا السبب!؟
 
(5) ألصّف / 8, و كذلك ألنّور /35, ألزّمر / 22 و 69, و غيرها.
 
(6) ألمؤمنون / 88.
(7) ألديانات الأرضيّة؛ كآلهندوسية و آلبوذيّة و آلزرتشتيّة , أما آلسماويّة؛ كآلمسيحيّة و اليهوديّة و الأسلاميّة.
 
(8) ألسجدة / 4, كما وردت آيات مماثلة في سورة البقرة / 29, و الأعراف/ 54, و يونس /2, و الرعد / 2, و طه / 5, و الفرقان / 59, و غيرها.
(9) البقرة / 255.
 
(10) يمكن الأطلاع على جميع ألصّفات في آلأدعية ألتي وردتْ في كتاب مفاتيح الجنان و ضياء الصالحين و غيرهما.
 
(11) فاتحة الكتاب / 2.
 
(12) ألرّوم / 30.
 
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22992
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29