• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الرشوة والقبول الاجتماعي .
                          • الكاتب : كريم السيد .

الرشوة والقبول الاجتماعي

من الطبيعي ان تجد في بلدان اوروبا والغرب امرأة ورجل يتعانقان ويتبادلان العشق والغرام والتقبيل ويشعران بالحب كما لو انهما بغرفة نومهما, بل الاكثر من ذلك ان القانون يحمي من يتعرض لهما او من يتجسس ويسبب لهما القلق حتى, الا ان هذا الفعل في الشرق وخصوصا في البلاد العربية والإسلامية يشكل جريمة وفقا للاعتقاد الديني والقانوني وخدشا للحياء العام كما انه لا ينسجم والاعراف الاجتماعية والقبلية السائدة في تلك المجتمعات وبذلك فان الدين و القانون والاعراف الاجتماعية توفر ذلك الغطاء الذي يجرمهما, ولذا كانت الاعراف الاجتماعية تمثل رادعا يضاف للروادع الدينية والقانونية والتي يكون غرضها احاطة المجتمع بشيء من الالتزام بعدم هتك الحرمات والحفاظ على السكينة العامة والذوق العام وغيرها,
ان البوان الذي رأيناه في مثالنا اعلاه يشكل نقطه محورية من الضروري الالتفات اليها, اذ ان التجريم وعدمه يتفق ومبادئ الدين والقانون والعرف الاجتماعي وهذا ما دعانا للنظر في جريمة الرشوة التي تعتبر وجها من وجوه الفساد المالي التي تنخر مفاصل الدولة وتشكل ظاهره يسعى الجميع للحد منها ومن ثم القضاء عليها,
فكما معلوم ان الاسلام يحرم الرشوة جملة وتفصيلا وفقا لنص النبي المحمد (ص) في حديثة الشريف الصحيح والصريح "لعن الله الراشي والمرتشي.." , اما من الناحية القانونية فان الرشوة تعتبر من الجرائم المخلة بالوظيفة العامة, ورد النص عليها قانونا في الباب السادس (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامه) الفصل الاول (الرشوة) المواد (307-314)  من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والنافذ حدد الجريمة والعقاب لفاعليها وهذا هو البعد القانوني لجريمة الرشوة, الا ان الفارق يتمثل بعدم تجريمها اجتماعيا رغم اطلاقها كشعار من ناحية الا ان الواقع لا يؤيد ذلك جزما من ناحية اخرى,
اذ نلاحظ وبالرغم من تجريمها الديني والقانوني الا انها مقبولة اجتماعيا وضمنا (لأسباب عديدة) وهذا ما سبب طول عمرها مع قيام الحكومات العراقية المتعاقبة رغم فوارق تفشيها, , وربما ان من اسباب ذلك القبول تداخلها بالقيم البدوية وحب الغلبة والتنازع; فمثلا نرى ان الراشي يتحدث عن الرشوة احيانا وكأنها فعل طبيعي وعادي من دون ان يلاقي ردعا اجتماعيا حازما والحال نفسه يجري مع المرتشي الخائن للأمانة بل الادهى نرى ان المرتشي يكون بطلا و فاعل خير وصاحب نخوه لقاء قيامه بما ينفع المصالح الخاصة للأفراد والتي تعتبر من مهامه التي اؤتمن عليها وتعتبرا جزءا من واجباته الوظيفية, حينها سيكون ثمن هذا القبول رفع مكانة الفاسد شرعا وقانونا بزنبيل الاعراف الاجتماعية غير الصحيحة باستغلال ضعفاء النفوس لهذه المفاهيم الخاطئة,
زبدة الفكره لو ان المجتمع واجه الرشوة اجتماعيا وادخلها ضمن اطار تجريمها الديني والقانوني الصريح بالنصوص لكنا مبتعدين عن الرشوة بعدا كبيرا الا ان قبولها ضمنا هو من يدفع باستمرارها وتفشيها بالحجم الذي تتكلم عنه الجهات الرقابية في البلد وبعبارة اخرى لو ان المجتمع واجه قضية الرشوة كما يواجه قضية شرب الخمر والسفور او القضية التي ذكرناها بداية الحديث لكانت للرشوة شأن اخر, رغم ان التأكيد على تجريمها يكاد يكون اوسع نطاقا من القضايا التي اشرنا اليها,
لذلك لا يمكن للأفراد ان يأتوا افعالا تتنافى ومحرمات المجتمع بنواهيه وقبولاته, فمجتمع ما حين يحرم على افراده الامتناع عن شيء ما وفقا لطبيعته وما يعتقد فان تلك الافعال ستعتبر خروجا عن دائرة قبولات المجتمع وهنا سيلاقي النبذ و الدفع تجاه عدم سلامة التعامل بها,
والخلاصة ان الرشوه كوجه من وجوه الفساد لابد ان تواجه من المجتمع بوجه مشابه لمواجهته للقضايا الاخرى بل اشد من ذلك لانها خيانه للامنه وطريق لثراء المفسدين على حساب الاخرين اما بقاء الحال كما هو عليه سيكون كفيلا ببقاء الجريمة الاجتماعيه الى ما شاء الله, ولله تؤول  عواقب الامور.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23308
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16