• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آية الغدير في كتب التفسير .
                          • الكاتب : الشيخ مصطفى مصري العاملي .

آية الغدير في كتب التفسير

البحث المقدم الى مهرجان الغدير العالمي الأول لسماحة الشيخ مصطفى مصري العاملي

       بسم الله الرحمن الرحيم
    في بداية الكلام وبعد التحية والسلام، 
 أتقدم من الأمين العام،  للعتبة العلوية المطهرة بوافر الشكر والاحترام
ولجميع العاملين على إنجاز وإنجاح هذا المهرجان الهام..
من أفراد الكادر الكرام ، مثمناً انطلاقتكم المباركة هذه نحو الأمام ،  علَّها تفي شيئاً من حقّ الإمام..
السادة الكرام..
إن موضوع البحث الذي أتشرف بتقديمه يتناول عنوانا يرتبط بحدث تركَ أثره الكبير على تاريخ الامة الاسلامية منذ تاريخ حصوله والى يومنا الحاضر.
وقد ارتبط هذا الحدث – أعني ما حصل يوم الغدير من السنة العاشرة للهجرة -  بكافة الأمور الاعتقادية والفكرية، بل وحتى الفقهية والمسلكية لعموم المسلمين، مما ترك أثره على جسد الامة الذي انشطر  الى نصفين بدل أن يكون واحدا متلاحما، مما أدى الى الكثير من الانحرافات و المآسي والاختلافات التي لا تزال تعصف بالامة قديما وحديثا..
كل هذا يعود الى اختلال في الرؤيا والسلوك الذي كان من المفترض على الامة الالتزام به.
ونحن في هذا البحث نحاول ان نسلط الضوء على ما يرتبط بهذا الحدث الهام من خلال ما يرتبط به من آيات الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في محاولة لإزالة بعض الترسبات التي علقت بأذهان البعض تجاه مدلول تلك الآيات المرتبطة ببيعة الغدير من خلال استقراء لما دوَّنه المفسرون عبر العصور والأزمنة وما نقله علماء الحديث عن ذلك.
وهذا ما يحتم علينا ان نتناول الموضوع من عدة محاور كمقدمة كي تكتمل الصورة التي نحاول تقديمها في هذا البحث.
     المحور الاول - غدير خمّ  في اللغة.
     المحور الثاني - غدير خم من الناحية الجغرافية والتاريخية.
    المحور الثالث - الظروف الموضوعية ليوم الغدير في السنة العاشرة للهجرة.
    المحور الرابع - الغدير وأثره في تاريخ الامة.
    المحور الخامس - بحث في الآيات المرتبطة بيوم الغدير.
 وفق التفصيل التالي:
اولا: بيان هذه الآيات.
ثانيا: ما ذكروه المفسرون من المخالفين والموالين.
ثالثا: ما ورد في النصوص والاحاديث عند الفريقين.
خلاصة البحث
المحور الاول غدير خمّ في اللغة.
لدينا كلمتان نود أن يستعرض ما يرتبط بهما في كتب اللغة، الغدير، وخم.
أما كلمة الغدير: فقد قال في مفردات الفاظ القرآن ج1 ص 602: و الْغَدِيرُ: الماء الذي‏ يُغَادِرُهُ‏ السّيل في مستنقع ينتهي إليه، ‏، و اسْتَغْدَرَ الْغَدِيرُ: صار فيه الماء.
و في لسان العرب ج5 ص 9 : و الغَدِير: القطعة من الماء يُغادِرُها السيل أَي يتركها؛ و قد قيل: إِنه من‏ الغَدْر لأَنه يَخُونُ وُرَّادَه فيَنْضُب عنهم و يَغْدر بأَهله فينقطع عند شدة الحاجة إِليه؛ و يقوّي ذلك قول الكميت:
                        و مِنْ‏ غَدْره‏ نَبَزَ الأَوّلون،        بأَنْ لَقَّبوه، الغَدِير، الغدِيرا
       
و قال اللحياني: الغَدِيرُ اسم و لا يقال هذا ماء غَدِير ‏. وفي كتاب العين ج4 ص 498 يقول: الغَدِيرُ مستنقع الماء ماءِ المطر، صغيراً كان أَو كبيراً، غير أَنه لا يبقى إِلى القيظ.     ويُقيّد لفظ "الغدير" بإضافته إلى "خُمّ" تمييزاً بينه وبين غدران أُخرى اشتهرت بلحاظ اضافتها.
أما كلمة خم فقد ورد فيها ما يلي:
في لسان العرب ذكر كلمة خَم بفتح الخاء ، ونقل عن ابن دريد أنّه قال : "إنّما هو خُمّ ، بضمّ الخاء .
و في معجم البلدان عن الزمخشري أنّه قال : "خُمّ : اسم رجل صبّاغ ، أُضيف إليه الغدير الذي بين مكّة والمدينة بالجحفة". و نقل عن صاحب "المشارق" قوله : "إنّ خُمّاً اسم غيضة هناك ، وبها غدير نُسب إليها".
و في معجم ما استعجم ، قال : "و غدير خُمّ على ثلاثة أميال من الجحفة ، يسرةً عن الطريق ، وهذا الغدير تصبّ فيه عين ، وحوله شجر كثير ملتفّ ، وهو الغيضة التي تُسمّي خُمّاً" .
ولغدير خم عدة تسميات تظهر من خلال استقراء الاحاديث والنصوص التي تناولت هذا المكان المخصوص بعدد من التسميات منها:
1.    "خُمّ" بدون أن تضاف الى شيء وذلك على نحو الاختصار ، كما ذكر ذلك الهمداني في كتاب صفة جزيرة العرب  .
 ووردت التسمية في العديد من القصائد الشعرية منها ما قيلت لمعاوية بن ابي سفيان في حق علي عليه السلام:
وَلَهُ حُرمةُ الوَلاءِ عــــلى النَّا          سِ بِخُمٍّ وكان ذا القولِ جَهْرا
2.    وادي خُمّ، كما قال الحازمي : "خُمّ : واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة ، به غدير ، عنده خَطَبَ رسول الله ( ص ) ، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة" .
3.    الجحفة ؛ من باب تسمية الجزء باسم الكلّ ، لأنّ خُمَّاً جزء من وادي الجحفة الكبير ـ. كما يظهر من الصورة المرفقة.
و في حديث عائشة بنت سعد أنها سمعت أباها يقول : سمعت رسول الله  ( ص ) يقول يوم الجحفة ، وأخذ بيد علي ...".
4.    غدير الجحفة ، كما في حديث زيد بن أرقم : "أقبل النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في حجّة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة..." .
5.    الخرّار، قال السكوني : "موضع الغدير غدير خُمّ يقال له : الخرّار" .
6.    الغُرَبَة ، وهو الاسم الراهن الذي يُسمّيه به أبناء المنطقة في أيّامنا هذه ، كما يقول البلادي في معجم معالم الحجاز "و يُعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة".
كما من الممكن ان يستعمل بدون اضافة من باب الاختصار ايضا كما هو الشائع في زماننا.
ويتضح لنا من خلال هذا البيان أن تسمية غدير خم هي لمكان خاص تجتمع فيه كمية قليلة من المياه ولا يبقى منها شيء لفصل الصيف. وهو مكان محدد بين مكة والمدينة، وقد ارتبط اسمه بحدث حصل فيه يوم 18 ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة.
المحور الثاني غدير خم من الناحية الجغرافية.
يقع غدير خم من الناحية الجغرافية في مكان محدد واضح المعالم منذ القدم وحتى زماننا الحاضر، رغم الأعمال المتأخرة التي تستهدف تغيير تلك الملامح لهذا المكان كما يتضح من الدراسات الحديثة المرتبطة بذلك، وقد نصَّ غير واحد من اللغويّين والجغرافيّين والمؤرّخين على أنّ موقع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة كما أشرنا في المحور الاول.
فهو يبعد عن ميقات الجحفة حوالي ٨  كلم ، و يقع جنوب شرقي رابغ بما يقرب من ٢٦ كم .
ويذكر المؤرّخ المعاصر المقدَّم عاتق بن غيث البلادي ـ ـ في كتابه "معجم معالم الحجاز" في ج3 ص 159 ، قال : "و يعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة" ; وهو غدير عليه نخل قليل لأُناس من البلاديّة ، من حرب ، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على (٨) أكيال ، وواديهما واحد ، وهو وادي الخرّار .وكانت عين الجحفة تنبع من قرب الغدير ، ولا زالت فقرها ماثلة للعيان .
وتركبُ الغديرَ من الغرب والشمال الغربي آثار بلدة كان لها سور حجري لا زال ظاهراً ، وأنقاض الآثار تدلّ على أنّ بعضها كان قصوراً أو قلاعاً ، وربّما كان هذا حيّاً من أحياء مدينة الجحفة ، فالآثار هنا تتشابه" .
ولا يظهر وجود خلاف في أنّ موضع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة ، وإن كانت العبارات المستعملة في الدلالة على المكان في نصوص اللغويين والمؤرخين مختلفة بعض الشيء. فيقول ابن منظور في لسان العرب ـ مادّة : خمم ، قال : "و خَمّ : غدير معروف بين مكّة والمدينة بالجحفة ، وهو غدير خَمّ". ويقول الفيروزآبادي في القاموس المحيط ـ مادّة : خَمَّ ، قال : "و غدير خُمّ : موضع على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين" . واما الزمخشري فيقول: "خُمّ : اسم رجل صبّاغ ، أُضيف إليه الغدير الذي بين مكّة والمدينة بالجحفة" .
وتفرّد الحميري في الروض المعطار فحدّد موضعه بين الجحفة وعسفان ، قال : "و بين الجحفة وعسفان غدير خُمّ" .وقال البكري في معجمه : "و غدير خُمّ على ثلاثة أميال من الجحفة ، يسرة عن الطريق"  .
ونخلص من هذا إلى أنّ غدير خُمّ يقع في وادي الجحفة ، على يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلى مكّة ، عند مبتدأ وادي الجحفة ، حيث منتهى وادي الخرّار .
أمّا المسافة بين موضع غدير خُمّ والجحفة (القرية = الميقات) ، فَحُدّدت ـ فيما لديَّ من مراجع ـ بالتالي :
حدّدها البكري في معجم ما استعجم بثلاثة أميال ، ونَقل عن الزمخشرى: أنّ المسافة بينهما ميلان ، ناسباً ذلك إلى (القيل) ؛ إشعاراً بضعفه .وإلى القول بأنّ المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في معجمه ، قال : "و غدير خُمّ بين مكّة والمدينة ، بينه وبين الجحفة ميلان" . وقدّر الفيروزآبادي المسافة بثلاثة أميال ، قال في القاموس ـ مادّة : خَمَّ ـ : " وغدير خُمّ : موضع على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين" .وقدّرها بميل كلّ من نصر وعرّام . ففي تاج العروس ـ مادّة : خَمّ ـ : وقال نصر : دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين .وفي معجم البلدان : " وقال عرّام : ودون الجحفة على ميل غديرُ خُمّ . . .
وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة ، أمر طبيعي ; لأنّه يأتي ـ عادةً ـ من اختلاف الطريق التي تُسلك ، وبخاصّة أنّ وادي الجحفة يتّسع بعد الغدير ، ويأخذ بالاتّساع أكثر حتى قرية الجحفة ، ومن بعدها أكثر حتى البحر . فربّما سلك أحدهم حافّة الجبال ، فتكون المسافة ميلاً ، وقد يَسلك أحدهم وسط الوادي ، فتكون المسافة ميلين ، ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل ، فتكون المسافة ثلاثة أميال .
   الطريق الحالية لغدير خم
ويذكر أن لغدير خُمّ طريقان: إحداهما من الجحفة ، والأُخرى من رابغ .
1 ـ طريق الجحفة :
تبدأ من مفرق الجحفة عند مطار رابغ ، سالكاً تسعة كيلوات مزفّتة إلى أوّل قرية الجحفة القديمة ، حيث شيّدت الحكومة السعوديّة ـ بعد أن هدمت المسجد السابق الذي رأيناه في الرحلة الأُولى كما يقول عاتق البلادي في معجم معالم الحجاز (وكانت يوم الثلاثاء ٧ / ٥ / ١٤٠٢ هــ = ٢ / ٣ / ١٩٨٢ م ) مسجداً كبيراً في موضعه ، وحمّامات للاغتسال ، ومرافق صحّية ، ومواقف سيّارت .
ثمَّ تنعطف الطريق شمالاً ، وسط حجارة ورمال كالسدود ، بمقدار خمسة كيلوات إلى قصر علياء ، حيث نهاية قرية الميقات . ثمَّ تنعطف الطريق إلى جهة اليمين ، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال ، وحرّة قصيرة المسافة . ثمَّ تهبط من الحرّة يمنة الطريق حيث وادي الغدير .
٢ ـ طريق رابغ :
وتبدأ من مفرق طريق مكّة ـ المدينة العامّ ، الداخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور ، يمنة الطريق للقادم من مكّة ، مارّةً ببيوتات من الصفيح ، وأُخرى من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة ؛ ثمَّ يصعد على طريق قديمة مزفَّتة تنعطف به إلى اليسار ، وهى الطريق العامّ القديمة التي تبدأ بقاياها من وراء مطار رابغ ؛ وبعد مسافة عشر كيلوات ، وعلي اليمين ، يتفرّع منه الفرع المؤدّى إلى الغدير ، ومسافته من رابغ إلى الغدير ٢٦ كيلواً تقريباً.( تاريخ الرحلة الثانية يوم الأربعاء ١٨ / ٦ / ١٤٠٩ هــ = ٢٥ / ١ / ١٩٨٩ م )
وفيما يلي تظهر خريطة الموقع مع صورتين له :
  
المحور الثالث الظروف الموضوعية والتاريخية ليوم الغدير.
    هاجر النبي (ص) من مكة الى المدينة وبات علي (ع) في تلك الليلة على فراش النبي (ص) ليوهم كفارَ قريشٍ المنتظرين لساعة محددة يقتحمون فيها الدار لقتل النبي، بأن النبي (ص) لا يزال في فراشه.
وقد تمكن فتى أبي طالب من أن يفسدَ عليهم خطتهم مموَّها عليهم الأمر مما ساعد النبي (ص) في هجرته نحو يثرب مارا بمنطقة غدير خم ، وليتبعه علي ومعه الفواطم، ويؤسس النبي انطلاقا من المدينة المنورة منارة إشعاع وهداية.
    بعد ثمان سنوات مضت عن تاريخ هذه الهجرة القسرية التي أتت بأمر إلهي عاد النبي (ص) الى مكة فاتحاً وليُصِعدَ على كتفيه الى سطح الكعبةِ وليدَها الأوحد مزيلا الاصنام الحجرية المنصوبة في بيت الله الحرام. 
لقد كانت هذه هي السنة الأخيرة من حياة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ولم يكن أهل المدينة وحدهم من رافق النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في هذه الحجة، بل التحق بركبه عدد كبير من المسلمين الذين توافدوا من سائر أنحاء الجزيرة العربية التي انتشر بها الاسلام بعد أن عمَّهم نداء النبي (ص) من أنه سيكون على رأس الحجيج، ولاقاه علي مع حجيج اليمن الى مكة فما كان ليغيب عن رسول الله صلى الله عليه وآله في مثل هذا الحدث.
وقد بلغ عددهم تسعين ألفا وفق أقل الروايات، وصولا الى مائة وأربع وعشرون الف حاج.
لقد أزيلت الأصنام الحجرية من بيت الله الحرام عندما صعد علي على كتف النبي وأسقطها، ولكن ماذا عن تلك الاصنام  الداخلية  التي كانت تُعبد من دون الله،  أرأيت من اتخذ الهه هواه..لقد كانت الحاجة ماسة الى ازالتها من نفوس نشأت على عبادتها فكانت هذه الحجة محطة من محطات تزكية النفوس وصولا نحو الهدف المنشود.
لقد أنهى المسلون مناسك حجهم وما كانوا ليدروا أن هذه الحجة هي الاولى والاخيرة مع نبيهم، وغادروا مكة جميعا في قافلة كبيرة لم يحدثنا التاريخ عن مثيل لها اجتمع في مكة في مثل هذه الضخامة العددية.
إن أشعة الشمس الحارقة قد تركت أثرها على تلك التلال و الوديان و السهول وهي التي وصفها ابو الانبياء ابراهيم الخليل بقوله: ( واد غير ذي زرع عند بيتك المحرم).وراح الجميع يقترب في مسيره من مكان الافتراق في ذاك المكان القاحل.
اقترب الركب الكبير من أرض الجحفة وقت الظهيرة ، و ظهرت من بعيد أرض «غدير خم» القاحلة الجافة المحرقة.
كانت المنطقة تقع على مفترق أربع طرق حيث كان على الحجيج أن يتفرقوا إلى الوجهة التي يقصدونها، فطريق يتجه نحو الشمال إلى المدينة ، و آخر يوصل شرقا إلى العراق ، و طريق الغرب يتجه إلى مصر، أما الجنوب فيوصل إلى اليمن.
في هذا المكان حصل ما لم يكن بالحسبان، لقد تلقى المسلمون جميعا أمرا بالتوقف والاجتماع ودعوة لاجتماع طارئ لم يبلغوا به من قبل، ولا شك في أنه سيحمل تكليفا كبيرا لهم قبل أن‏ يتفرقوا في حال سبيلهم، كل الى موطنه.
لقد كان الامر من النبي (ص) بعودة من قد تجاوز النقطة المحددة للاجتماع، ومن وصل اليها عليه أن يتوقف، ومن تأخر عنها عليه ان يتقدم.
كان ذاك اليوم يومَ خميس من السنة العاشرة للهجرة، بعد ثمانية أيّام على عيد الأضحى، وكان قد حان وقت  صلاة الظهر، و أخذ الناس يستعدون- مسرعين- لأداء الصّلاة، وكانت أشعة الشمس محرقة ، حتى اضطر بعضهم إلى أن يضع قسما من عباءته تحت قدميه و قسما منها فوق رأسه كي يتقي حرارة الحصى و أشعة الشمس.
لم يكن في تلك الصحراء ما يمكن أن يستظل به المجتمعون، سوى بضع شجيرات تصارع حرارة الجو صراعا مريرا.
كان جمع قد لجأ إلى هذه الشجيرات و نشر رداءه عليها ليستظل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وصنعوا له منبرا من أحداج الإبل كي يرتقيه متحدثا بينهم بعد أن أخبرهم بأن عليهم أن يستعدوا لسماع رسالة إلهية، جديدة في خطبته، وكانت خطبة الغدير المشهورة بعد أن أشهدهم على أنفسهم فقالوا:‏ نشهد أنك بلّغت و نصحت و جهدت فجزاك اللّه خيرا.ثم ليقول مجددا «... فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين».
فنادى مناد: و ما الثقلان، يا رسول اللّه؟
قال: الثقل الأكبر كتاب اللّه طرفّ بيد اللّه عزّ و جلّ، و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلّوا، و الآخر الأصغر عترتي، و إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا.
ولا ينتهي الكلام عند هذه المحطة فيأخذ بيد علي ليرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، و عرفه القوم أجمعون، فقال:
أيّها النّاس: من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: اللّه و رسوله أعلم. قال: إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، «يقولها ثلاث مرات»، و في لفظ الإمام أحمد إمام الحنابلة: «أربع مرات». ثمّ قال: «اللّهم و ال من والاه، و عاد من عاداه، و أحبّ من أحبّه و أبغض من أبغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
ثمّ لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي اللّه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:  «اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة، و رضى الرّب برسالتي و الولاية لعلي من بعدي».
ثمّ طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين عليه السّلام و ممن هنّأه أبو بكر و عمر كلّ يقول: بخّ بخّ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت و أمسيت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة.
و انبرى حسان بن ثابت، شاعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يستأذنه في تخليد ذكرى هذه الحادثة في شعره، فقال:
         يناديهم يوم الغدير نبيّهم                بخم و أسمع بالرّسول مناديا
         فقال: فمن مولاكم و نبيّكم؟         فقالوا، و لم يبدوا هناك التعاميا
         إلهك مولانا و أنت نبيّنا                و لم تلق منا في الولاية عاصيا
         فقال له: قم يا عليّ فإنّني            رضيتك من بعدي إماما و هاديا
         فمن كنت مولاه فهذا وليه             فكونوا له أتباع صدق و واليا
         هناك دعا: اللّهم وال وليه             و كن للذي عادى عليا معاديا
    وتفرق الحجيج كل الى بلده،  فما هو الاثر الذي تركه يوم الغدير على تاريخ الامة.
المحور الرابع  الغدير وأثره في تاريخ الامة..
لقد ارتبط اسم يوم الغدير بما رافقه من حدث ترك أثره على تاريخ الأمة منذ ذاك اليوم وحتى عصرنا الحاضر، بحيث ارتسم خط بياني شطر الامة الى شطرين لتعيش مرحلة امتحان عسير منذ ذلك اليوم، ولتكون من مصاديق  الاية الكريمة .. أحسب الناس أن يتركوا ...
الشطر الاول: تجسد بقوم التزموا المنهج الذي تم إعلانه من خلال خطبة الغدير وما تلاها، والتزموا بالغرض الذي من أجله جمع رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين في ذاك اليوم ، والتزموا بالوصية التي أعلنها على نحو واضح وصريح وملزم لجميع الامة التي التقت في أكبر تجمع لها منذ تاريخ نشأتها قبل عشر سنوات من ذلك  التاريخ، والتزموا بآثار البيعة التي عقدت في ذلك اليوم، والتزموا بمؤدى الامر الالهي لنبيه الاكرم الذي أبلغه لأمته، وهم يعتقدون أنه لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى، ويلتزمون قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله، ويرون أن تلك الطاعة هي مطلقة وشاملة.
الشطر الثاني: مثَّله قوم آخرون ممن أعلن التزامه في ذاك اليوم فقط، فلم يبد اعتراضا  بل أظهر تجاوبا بما قاله النبي في حدود الموقف الآني فقط دون أن يلتزم بعد ذلك بوصية أو يلتزم بآثار تلك البيعة، أو بمؤدى الامر الالهي لنبيه، بل ، وكان من مصاديق من كان النبي يحذر منهم ويخشى انقلابهم، حتى جاءه الوحي التحذيري المبين من أن انقلابهم لن يكون في حياتك يا محمد.. والله يعصمك من الناس.ستعصم منهم يا محمد في حياتك، ولا نعدك بأكثر من هذا..
والسؤال الذي يطرح في المقام:
 هل أن ما حصل من انقسام في مواقف الامة ناتج عن ضبابية في فهم حقيقة ما أراد النبي إبلاغ أمته به يوم الغدير؟ بحيث تاهت الامة ولم تعِ حقيقة ما أراده نبيها منها؟
أم أنه نتيجة انقلاب جرى التحذير منه قبل وقوعه؟ وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم؟
وهو نفسه ما كان النبي (ص) يخشى من حصوله عندما تمهل في إبلاغ الامر الالهي، حتى كان التحذير الشديد الذي لم يسبق له مثيل في أشد عبارة تنزل على النبي (ص) وهو في آخر آيام رسالته، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك ....وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..
فأدرك النبي (ص) أن مخاضا عسيرا ستعيشه امته من بعده، وكأنه أراد بعد ذلك أن يستدرك شيئا مما يخشى حصوله في يومه الاخير عندما حلت رزية يوم الخميس.. آتوني بكتف ودواة.. 
فختم حياته بينهم بأن سمع أقسى عبارة من قوم انتسبوا اليه ، قد غلبه الوجع، إنه ليهجر، ولكن يبدوا أن آثار الرواسب العالقة في نفوسهم لم تصف طوال تلك الفترة.
والجواب على هذا التساؤل يتضح من خلال استعراض مدلول الآيتين المرتبطين بيوم الغدير.
آية التبليغ، وآية كمال الدين، وليتضح لنا جليا أن الفهم الحقيقي لسياق الحدث يرتبط بفهم الدلالة الحقيقية لكلتا الآيتين بما يعط بيانا ينفي إمكانية أن تكون هناك ضبابية في فهم حقيقة ما حصل يوم الغدير.
وهو ما يعط صورة جلية لمسار الاحداث في مرحلة ما قبل الغدير وما بعدها وصولا الى ما تعيشه الامة سابقا وحاضرا، وبالتالي يرسم لنا طريق الخلاص من كل تلك المحن لمن رام الهداية والنجاة.
المحور الخامس الآيات المرتبطة بيوم الغدير.
إن ما حصل من حدث هام  في يوم الغدير مما ترك أثره في تاريخ الامة كانت له ارتباطاته الوثيقة بكتاب الله الكريم من خلال الآيات التي ارتبط نزولها بذاك الحدث ، سواء قبل الاجتماع أو بعد الاجتماع.
هناك آيتان ارتبط نزولهما والحديث عن تفسيرهما بيوم الغدير مباشرة، كما تصرح بذلك المصادر المعتبرة من مصادر المسلمين المختلفة ما يصرح بذلك سواء كان موافقا لبعض الدلالات او مخالفا لها.
والاشكالية التي يقع بها بعض الرافضين لتلك الدلالات هي أنهم :
     أولا: يسلمون باجتماع يوم الغدير بما لا يدع مجالا لأدنى شك في حصوله، ويسلمون في عدد من مفردات الحدث بما يلزمهم بعدد من النتائج.
ثانيا: يقعون في إشكالية رسم صورة مترابطة لمسار ما يسلمون به مع مدلول الآيات التي لا تجد موردا قابلا للتطبيق المنسجم مع الوقائع والحقائق التاريخية الا وفق التفسير الذي يؤكد ارتباط كلتا الآيتين وليس واحدة منهما بموضوع الغدير، وأن حقيقة موضوع الغدير لا يمكن ان تنفصل عن حقيقة ما أراد النبي ابلاغه لامته في ذلك اليوم وهناك آيتان لهما ارتباط بما حدث يوم الغدير وهما : الآية (اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطَرَ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) والاية  (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ).
اولا: في آيات الغدير.
    إن المتتبع لكتب التفاسير التي يعتمدها أتباع المذاهب الاسلامية المختلفة ، يلاحظ - أنه ورغم وجود منهجيات مختلفة ومنطلقات متباينة ومحاولات حثيثة لحرف بعض المواضيع عن مسارها التفسيري الطبيعي سواء من خلال التجاهل او التشكيك، ومن أبرزها مورد نزول الاية الكريمة ، آية إكمال الدين وتمام النعمة،  - أن عددا ليس باليسير من المفسرين القدماء والمتأخرين قد نقلوا في أكثر من مورد ما يدل على نزول هذه الآية في يوم الغدير ، وقد ورد بعض ذلك في سياق الحديث عن فضيلة اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة.
فمن ذلك ما ورد عن ابي هريرة ، كما ينقل  الخطيب البغدادي المتوفي سنة 463 في كتابه تاريخ بغداد  ج 8 ص 289 عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي  بيد علي بن أبي طالب فقال ألست ولي المؤمنين قالوا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فأنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم.
وينقل بعده الجرجاني المتوفي سنة 499  في كتابه الامالي في اربعة موارد ج1 ص192 و343 وج2 ص 102 و128 نفس الحديث الذي ينقله الخطيب البغدادي.
وينقل بعدهم الغزالي المتوفي سنة 505 في كتابه إحياء علوم الدين نفس الحديث عن ابي هريرة في ج1 ص 363.
أما في تاريخ مدينة دمشق فقد ورد في  ج 42 ص 233 و234، وابن الجوزي في كتابه العلل ج1 ص 226، وكذلك ابن كثير والالوسي.
ولسنا هنا بصدد بيان آراء من يقبل مضمون الحديث ممن لا يقبله، بل ما نرمي اليه أنه ليس بحديث غائب عن مثل هؤلاء.
    ثانيا: ما ذكروه المفسرون.
لقد ذكر عدد من اصحاب التفاسير أن آية التبليغ نزلت يوم غدير خم في علي بن ابي طالب عليه السلام، واختلفوا بين من قبل بها وبين من رفضها، ولا يهمنا مناقشة وجه الرفض هنا لأن له منهجية أخرى غير هذا البحث تكفلت بالمناقشة الموضوعية لذلك بل ما نود بيانه هو أن هذا الربط بين آية التبليغ ويوم الغدير هو ربط له موقعيته ومكانته في البحث التفسيري الذي ترتبط نتائجه بخلفيات المفسر وفق الانشطار التاريخي الذي أسلفنا الحديث عنه، لذا سنستعرض بعض هذه الاقوال:
التفسير الكبير.. للفخر الرازي ج6 ص113
يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير بعد أن يبين  في بداية  تفسيره الآية المذكورة أن أقوال المفسرين في الآية وصلت الى عشرة أقوال تتحدث عن  أسباب نزول هذه الآية، وعد الوجه العاشر منها ما سنذكره، ولكن نشير الى غرابة تعدد الآراء في واقعة الى هذا المقدار الذي إن دل على شيء فإنما يدل على منهجية سار عليها أتباع منهج معين للابتعاد في تفسير الآية عن مسارها الطبيعي مما خلق هذه الحالة من التشويش في أذهان البعض، ولكن في العودة الى السياق المرتبط بالحدث نجد السياق التفسيري يتجه نحو ما حاول البعض إنكاره او تشويهه، فيقول الفخر الرازي:
العاشر : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فلقيه عمر (رضي الله عنه) فقال : هنيئاً لك يا ابن طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي .
    وهنا نلاحظ أنه رغم ما يتصف به الفخر الرازي في مناقشته وابحاثه العلمية من رصانة في عدد من الموارد إلا أننا نراه هنا قد ابتعد  هنا عنها كثيرا فتبنى تفسيرا ركيكا لا ينسجم مع سياق الآية على الاطلاق وما تحمله من تحذير لم يسبق له مثيل، بل لا يمكن ان يستقيم هذا التفسير مع السياق الذي يضعها به فيقول:
واعلم أن هذه الروايات وإن كثرت إلا أن الأولى حمله على أنه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى ، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم ، وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لما كان كلاماً مع اليهود والنصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبية عما قبلها وما بعدها.
ونلاحظ هنا ان الفخر الرازي يتجاهل تماما أنه لم يكن قد بقي في تلك الفترة وجود لليهود في شبه جزيرة العرب، بعد خيبر وبني قريظة وبني المصطلق، ولم يكن هناك وجود للنصارى بل أن من كان منهم بعيدا في الحبشة قد دفع الجزية بعد يوم المباهلة.
وهل وجود الآية وفق سياق آيات أخرى يخرجها عن معناها الحقيقي خاصة وأننا نعرف تماما أن جمع القرآن الكريم لم يكن وفق ترتيب النزول على الاطلاق، لا في نفس السورة ولا في ترتيب السور،  فنجد بعض آيات نزلت من سورة في فترة زمنية ومكانية وآيات أخرى في نفس السورة نزلت في زمان ومكان آخر. 
تفسير بن ابي حاتم ج5 ص32
أما في تفسير بن ابي حاتم فإنه يذكر سند الحديث في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى:  " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ " ولا يصرفه عن تفسيره كما فعل غيره فيقول في الحديث رقم:
6644- حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا عُثْمَانُ بْنُ خُرَّزَادَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنِ الأَعْمَشِ ابنى الحجاب، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:"نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ".
الدر المنثور ج3 ص 117( ط 418)
وكذلك فعل في الدر المنثور حيث ينقل حديثين فيقول:
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( على رسول الله  يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله  ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( ان عليا مولى المؤمنين ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).
فتح البيان في مقاصد القرآن ج4 ص 19
وفي فتح البيان ينقل الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خُمّ في علي بن أبي طالب، وعن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليّاً مولى المؤمنين  وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).
الكشف والبيان للثعلبي ج5 ص131
أما الثعلبي في الكشف والبيان فينقل أحاديث وتفاصيل أكثر مع أسانيد نحذف بعضها روما للاختصار فيقول:
وقال أبو جعفر محمد بن علي : معناه : بلّغ ما أنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب،  فلما نزلت الآية أخذ (عليه السلام) بيد علي،  فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وروى حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال : لما نزلنا مع رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} في حجة الوداع كنّا بغدير خم فنادى إن الصلاة جامعة وكسح رسول اللّه عليه الصلاة والسلام تحت شجرتين وأخذ بيد علي،  فقال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟
 قالوا : بلى يا رسول اللّه،
 قال : «ألست أولى بكل مؤمن من نفسه»؟
 قالوا : بلى يا رسول اللّه،
 قال : «هذا مولى من أنا مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه».
قال : فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
    و ينقل حديثا آخر في سند كامل عن ابن عباس في قوله {الرَّسُولُ بَلِّغْ} قال : نزلت في علي (رضي الله عنه) أمر النبي {صلى الله عليه وسلم} أن يبلغ فيه فأخذ (عليه السلام) بيد علي،
 وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».
تفسير الالوسي ج5 ص67
أما الالوسي فينقل الحديث ويذكر بعض من ذكره - وله فيه كلام يحاول إبطال الاستدلالات المرتبطة بالاية، وهي ليست مورد بحثنا كما أشرنا ، فينقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نزلت هذه الآية في علي كرم الله تعالى وجهه حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولايته فتخوّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله تعالى إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم ، وأخذ بيده فقال عليه الصلاة والسلام : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأخرج الجلال السيوطي في «الدر المنثور» عن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر راوين عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَعْمَلُونَ ياأيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } إن علياً ولي المؤمنين { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } وخبر الغدير عمدة أدلتهم على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه .
تفسير المنار ج6 ص 384
أما صاحب تفسير المنار فيستعرض عددا من أقوال من ذكر هذا التفسير  حيث يقول:
 وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، وَابْنُ عَسَاكِرَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
وَرَوَتِ الشِّيعَةُ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ النَّصُّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بَعْدَهُ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، فَشَجَّعَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ فَتَخَوَّفَ أَنْ يَقُولُوا : حَابَى ابْنَ عَمِّهِ ، وَأَنْ يَطْعَنُوا فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ . فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ فِي غَدِيرِ خُمٍّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَالَ : " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ".
فتح القدير ج2 ص336
وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : { ياأيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خمّ ، في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس» .
أسباب النزول ج1 ص135
ينقل في سبب نزول الاية الكريمة عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية - يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
    تفسير العياشي
عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه عن أحدهما قال : انه لما نزلت هذه الآية " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " شق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخشي ان يكذبه قريش ، فأنزل الله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك " الآية فقام بذلك يوم غدير خم .
عن أحدهما قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ان الله أوحى إلى أن أحب أربعة : عليا وأبا ذر وسلمان والمقداد ، فقلت : الا فما كان من كثرة الناس اما كان أحد يعرف هذا الامر ؟ فقال : بلى ثلاثة ، قلت : هذه الآيات التي أنزلت " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " وقوله : " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " اما كان أحد يسئل فيم نزلت ؟ فقال : من ثم أتاهم لم يكونوا يسئلون .
عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا عليه السلام علما للناس ليخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقولوا : حامى ابن عمه وان تطغوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقام رسول الله صلى الله عليه وآله بولايته يوم غدير خم.
التفسير الامثل
التفسير الامثل واحدٌ من التفاسير الحديثة التي أشبعت الموضوع بحثا وتفصيلا ونقاشا واستدلالا، فعند تفسيره للآية  67 من سورة المائدة: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
يقول في معرض بيان ما تمتاز به هذه الاية من خصوصية:
إنّ لهذه الآية نَفَساً خاصا يميزها عمّا قبلها و عمّا بعدها من آيات، إنّها تتوجه بالخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وحده و تبيّن له واجبة، فهي تبدأ بمخاطبة الرّسول: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) و تأمره بكل جلاء و وضوح أن (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).
ثمّ لكي يكون التوكيد أشد و أقوى- تحذره و تقول: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.
ثمّ تطمئن الآية الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و كأن أمرا يقلقه- و تطلب منه أن يهدئ من روعه و أن لا يخشى الناس: فيقول له: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
و في ختام الآية إنذار و تهديد بمعاقبة الذين ينكرون هذه الرسالة.
ثم يقول: أسلوب هذه الآية، و لحنها الخاص، و تكرر توكيداتها، و كذلك ابتداؤها بمخاطبة الرّسول يا أَيُّهَا الرَّسُولُ التي لم ترد في القرآن الكريم سوى مرّتين، و تهديده بأنّ عدم تبليغ هذه الرسالة الخاصّة إنّما هو تقصير- و هذا لم يرد إلّا في هذه الآية وحدها- كل ذلك يدل على أنّ الكلام يدور حول أمر مهم جدا بحيث أن عدم تبليغه يعتبر عدم تبليغ للرسالة كلها.
لقد كان لهذا الأمر معارضون أشداء إلى درجة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قلقا لخشيته من أنّ تلك المعارضة قد تثير بعض المشاكل بوجه الإسلام و المسلمين، و لهذا يطمئنه اللّه تعالى من هذه الناحية.
وعن تاريخ نزول هذه الاية يقول:
تأريخ نزول هذه الآية- و هو قطعا في أواخر حياة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
ويطرح سؤالا: ما هذا الموضوع المهم الذي يأمر اللّه رسوله- مؤكّدا- أن يبلّغه للناس؟
هل هو ممّا يخص التوحيد و الشرك و تحطيم الأصنام؟ و هو ما تمّ حله للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للمسلمين قبل ذلك بسنوات.
أم هو ممّا يتعلق بالأحكام و القوانين الإسلامية؟ مع أنّ أهمها كان قد سبق نزوله حتى ذلك الوقت.
أم هو الوقوف بوجه أهل الكتاب من اليهود و النصارى؟ مع أنّنا نعرف أنّ هذا لم يعد مشكلة بعد الانتهاء من حوادث بني النضير و بني قريظة و بني قينقاع و خيبر و فدك و نجران.
أم كان أمرا من الأمور التي لها صلة بشأن المنافقين؟ مع أنّ هؤلاء قد طردوا من المجتمع الإسلامي بعد فتح مكّة، و امتداد نفوذ المسلمين و سيطرتهم على أرجاء الجزيرة العربية كافة، فتحطمت قوتهم، و لم يبق عندهم إلّا ما كانوا يخفونه مقهورين.           
     فما هذه المسألة المهمّة- يا ترى- التي برزت في الشهور الأخيرة من حياة رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بحيث تنزل هذه الآية و فيها كل ذلك التوكيد؟
ليس ثمّة شك أنّ قلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن لخوف على شخصه و حياته، و إنّما كان لما يحتمله من مخالفات المنافقين و قيامهم بوضع العراقيل في طريق المسلمين.
ويظهر ذلك جليا من خلال الرواية التي وردت في مصادر أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وينقلها آخرون وينقاشونها حيث يرد النص التالي كما تفسير المنار:
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ وَأَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ مُخْتَلِفَةٌ – يقصد الشيعة -  ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُوَالَاةِ عَلِيٍّ شَاعَ وَطَارَ فِي الْبِلَادِ ، فَبَلَغَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ ، وَكَانَ بِالْأَبْطَحِ ، فَنَزَلَ وَعَقَلَ نَاقَتَهُ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : يَا مُحَمَّدُ ، أَمَرْتَنَا عَنِ اللهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، فَقَبِلْنَا مِنْكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ : ثُمَّ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا حَتَّى مَدَدْتَ بِضَبْعَيِ ابْنِ عَمِّكَ وَفَضَّلْتُهُ عَلَيْنَا وَقُلْتَ : " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلَاهُ " فَهَذَا مِنْكَ أَمْ مِنَ اللهِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، هُوَ أَمْرُ اللهِ " ، فَوَلَّى الْحَارِثُ يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ وَهُوَ يَقُولُ : (اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطَرَ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (8 : 32) فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللهُ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ) (70 : 1 ، 2) . . . إِلَخْ
والسؤال الذي يطرح بكل موضوعية:
هل هناك مسألة تستطيع أن تحمل كل هذه الصفات غير مسألة استخلاف النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تعيين مصير مستقبل الإسلام؟
    ثالثا: ما ورد في النصوص والاحاديث.
هناك عدد من النصوص والروايات التي تشير الى ربط آية الولاية  وآية التبليغ مع بعض الايات الاخرى ببيعة الغدير في مصادر جميع المسلمين فمن ذلك مثلا:
عن صفوان الجمال قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما نزلت هذه الآية بالولاية امر رسول الله صلى الله عليه وآله بالدوحات دوحات غدير خم  فقمت  ثم نودي الصلاة جامعة ، ثم قال : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلى مولاه ، رب وال من والاه وعاد من عاداه ، ثم أمر الناس ببيعته وبايعه الناس لا يجئ أحد الا بايعه ، ولا يتكلم حتى جاء أبو بكر ، فقال: يا با بكر بايع عليا بالولاية ، فقال: من الله [ أ ] ومن رسوله ؟ فقال : من الله ومن رسوله ثم جاء عمر فقال : بايع عليا بالولاية به.
عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع باعلان أمر علي بن أبي طالب عليه السلام " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك " إلى آخر الآية ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وآله ثلثا حتى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فرقا من الناس ، فلما نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له مهيعة ، فنادى : الصلاة .. الخ
في الامالي للجرجاني ج1 ص 191
عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل : ' يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ' نزلت في علي عليه السلام ، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام فقال : ' من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه ' .
ويقول الشهرستاني في الملل والنحل  ج1 ص 161.
ومثل ما جرى في كمال الاسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( فلما وصل غدير خم امر بالدوحات فقممن ونادوا الصلاة جامعة ثم قال عليه الصلاة والسلام وهو على الرحال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار الا هل بلغت ثلاثا ...
تاريخ مدينة دمشق  ج42 ص 237 عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله  عليا بغدير خم فنادى له بالولاية هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الاية ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ).
وفي حديث آخر: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الاية ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( على رسول الله  يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وفي الصفحة 238 ينقل عن الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي  لعلي بن أبي طالب من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الإسلام وذلك قول الله عز وجل ) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )
ونفس النص تجده في الاعتقاد للبيهقي ج1 ص 355  في حديث ، الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي  لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الإسلام وذلك قول الله عز وجل ) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ( وأما قول عمر بن الخطاب لعلي أصبحت مولى كل مؤمن يقول ولي كل مسلم
وفي مختصر تاريخ دمشق ج5 ص 394 قال أبو سعيد الخدري: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " .
وقال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك " على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: " من كنت مولاه فعلي مولاه " . يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم " .
وفي تفسير غرائب القرآن للنيسابوري ج2 ص616
.. ثم أمر رسوله بأن لا ينظر إلى قلة المقتصدين وكثرة المعاندين ولا يتخوف مكروههم فقال : ) يا أيها الرسول بلغ ( عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجه يوم غدير خم , فأخذ رسول الله  بيده وقال ( من كنت مولاء فهذا عليّ مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) . فلقيه عمر وقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي .
وفي عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري ج 18 ص 206 يقول: عن عطية عن أبي سعيد ، قال : نزلت هذه الآية : ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ،
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقيل : بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين ، فلما نزلت هذه الآية خطب  في حجة الوداع ثم قال : اللهم هل بلغت ؟
وفي الدر المنثور ج3 ص 117
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( على رسول الله  يوم غدير خم في علي بن أبي طالب
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله  ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( ان عليا مولى المؤمنين ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )
وفي فتح القدير ج 2 ص 60 أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله  ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( ان عليا مولى المؤمنين ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )
وفي روح المعاني ج6 ص 193 عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : نزلت هذه الآية فى على كرم الله وجه حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولايته فتخوف رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا فى ذلك عليه فأوحى الله تعالى اليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم وأخذ بيده فقال عليه الصلاة والسلام : من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم والاه من والاه وعاد من عاداه وأخرج الجلال السيوطى فى الدر المنثور عن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر راوين عن أبى سعيد الخدرى قال : نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) يوم غدير خم فى على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ياأيها الرسول بلغ ماأنزل اليك من ربك إن عليا ولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
ونلاحظ هنا ان المتتبع للمصادر الحديثية  يجد أن القول بأن الآية المذكورة قد نزلت في علي عليه السّلام يوم الغدير قد رواه الكثيرون من الصحابة، منهم «زيد بن أرقم» و «أبو سعيد الخدري» و «ابن عباس» و «جابر بن عبد اللّه الأنصاري» و «أبو هريرة» و «البراء بن عازب» و «حذيفة» و «عامر بن ليلى بن ضمرة» و «ابن مسعود» و بعض هذه الأحاديث نقل بطريق واحد مثل رواية زيد بن أرقم، و بعضها نقل بأحد عشر طريقا، مثل رواية أبي سعيد الخدري و رواية ابن عباس.
و بعضها نقل بثلاثة طرق، مثل رواية البراء بن عازب، أمّا العلماء الذين أوردوا هذه الرّوايات في كتبهم فهم كثيرون نشير الى بعضهم كالحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه «ما نزل من القرآن في علي» (نقلا عن «الخصائص» الصفحة 29).
    و نحن لا نعني- طبعا- أنّ العلماء و المفسّرين الذين مرّ ذكرهم قد قبلوا نزول الآية في علي عليه السّلام، بل نقصد أنّهم ذكروا- فقط- الرّوايات الخاصّة بذلك في كتبهم، و لكنّهم بعد أن نقلوا تلك الرّوايات المعروفة، امتنعوا عن قبولها، إمّا خوفا من الظروف التي كانت تحيط بهم، و إمّا لأنّ التسرع في الحكم وقف حائلا دون إصدار حكم سليم في أمثال هذه الأمور، بل لقد سعوا- قدر إمكانهم- أن يعتموا الرؤية الصحيحة لها و يظهروها بشكل هامشي.
  الخلاصة
١ ـ حج النبي (ص) في السنة العاشرة للهجرة حجته الاولى والاخيرة وهي التي أطلق عليها تسمية حجة الوداع، ووصل الركب النبوي بعد  الانتهاء من هذه الحجّة ضحى نهار الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام إلى موضع غدير خُمّ ، وهو مفترق طرق الحجاج المتجهين إلى المدينة المنوّرة ، والعراق ، والشام ، ومصر  من السنة الحادية عشرة للهجرة .
٢ ـ في هذه الاثناء نزل الوحي على النبي (ص) بقوله تعالى ( يا أيها الرسول بلغ ... ، فأمر ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليّاً ( عليه السلام ) أن يجمعهم بردّ المتقدّم وانتظار المتأخّر ونادى : الصلاة جامعةً" . ، فصلّي الظهر" في يوم شديد الحرّ كما يقول زيد بن أرقم : "فخرجنا إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في يوم شديد الحرّ ، وإنّ منّا مَن يضع بعض ردائه على رأسه ، وبعضه على قدمه من شدّة الرمضاء" .
 كما ينقل ذلك جابر بن عبد الله الأنصاري وفق ما نقله الطبراني في مسند الشاميين ج3 ص 223 : أن رسول الله (ص) نزل بخم فتنحى الناس عنه ونزل معه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فشق على النبي (ص) تأخر الناس عنه فأمر عليا فجمعهم فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أيها الناس إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيل إلي أنه ليس من شجرة أبغض إليكم من شجرة تلين ) ثم قال ( لكن علي بن أبي طالب أنزله مني بمنزلتي منه فرضي الله عنه كما أنا عنه راض فإنه لا يختار على قربي وصحبتي شيئا ) ثم رفع يديه فقال ( اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ).
4 ـ هنأ القوم أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) وفي مقدّمهم: أبا بكر وعمر ، وكلٌّ يقول : بخٍ بخٍ لك يابن أبى طالب ! أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة" وقال حسّانُ بن ثابت في ذلك شعراً نقله الجميع.
5. نخلص الى نتيجة واضحة الدلالة هي أنه لم يكن هناك من لبس في معرفة حقيقة ما حصل من مسار الاحداث التي رافقت يوم الغدير وما ورد فيه من كتاب الله الكريم، وما أكدته النصوص والروايات التي وردت في جميع مصادر المسلمين وما الاختلاف الحاصل بين الامة الا نتيجة لفهمين تأصلا عبر الزمن وقد ارتسمت معالمها في يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.. بين من التزم بكل وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وفق الفهم للنص القرآن من أنه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، وبين فهم آخر عبر عن ذاته بالقول عن النبي في تلك الساعة الاخيرة من حياته.. قد غلبه الوجع وإنه ليهجر.
    وهذا ما يدل على ان الاختلاف الحاصل هو نتيجة مسعى لحرف الرسالة عن مسارها تأثرا بما علق ببعض النفوس من الصنمية الجاهلية.

   
   

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23967
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28