• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أنا وولدي فداء للإمام الحسين (عليه السلام) .

أنا وولدي فداء للإمام الحسين (عليه السلام)

 نجاح هاشم حسن جدوع 

 
سلسلة حلقات تبيّن العداء المستحكم في نهج البعث المتغطرس، وفي نفوس البعثيين الظلامية ضدّ الإسلام والشعائر الإسلامية، في لقاء حواريّ مع الضحايا أنفسهم، أو مع ذوي الشهداء السعداء. 
 
لن ينسى العراقيّون الأيام السود من حكم البعثيّين المقيت، وما خلّفه من مآس وفواجع ودمار ودماء، ولن ينسى العراقيّون ما فعله بهم أيتام النظام وأذنابهم فيما بعد من الأعمال الإرهابية كالقتل والتفجير والتهجير والنهب والسرقة والتآمر والخيانة والاستعانة بالإعداء، بل سيلقّنون أولادهم كلّ هذه الذكريات المريرة التي مرّوا بها والمعاناة الأليمة التي عاشوهافي دهاليز المعتقلات ومطامير السجون وظلمة المحاجر، إذ يضيق المكان بالإنسان الواحد، وربما يصل فيه الى عدم القدرة على الحركة وعدم الحصول على الطعام والماء إلا بما يسدّ الرمق ! 
 
ونوبات التعذيب التي لا ينفك المعتقل عن التعرض لها في أيّة لحظة ولساعات متواصلة من التعليق والضرب بأنواعه ولسعات الصعق الكهربائية، والشتائم المقذعة والتهديد بالأعمال غير الأخلاقية، كلّ هذا لأنه نوى أو ذهب لزيارة مرقد أحد أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) معلناً حبّه وانتماءه لهم، ومجدّداً العهد لله (تبارك وتعالى) بالاستقامة أمامهم. 
 
ومن أولئك الذين أظهروا انتماءهم لسيد الشهداء (عليه السّلام) وذاقوا مرارة الاعتقال وألم المعاناة الأخ (نجاح) الذي كان في ضيافة مجلّة الروضة الحسينية ليقصّ علينا تفاصيل ما لاقاه طوال أشهر من الاعتقال. (نجاح هاشم حسن جدوع) من مواليد  من محافظة كربلاء المقدسة قضاء الهندية يعمل حاليّاً منتسباً في وزارة الداخلية. 
 
وكانت البداية 
 
حينما توجهنا سيراً على الأقدام من قضاء طويريج الى كربلاء المقدّسة لأداء زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السّلام) والتي صادفت في الشهر الخامس من عام  مصطحبين معنا النساء ليواسين السيدة زينب أمّ المصائب (عليها السّلام) وفي اثناء سيرنا واجهتنا سيطرة من رفاق البعث الظالم وما إن اقتربنا منهم حتى اسرع افرادها باعتقالنا نحن الرجال، وراحوا يشتمون النساء بأقبح الشتائم وأمروهنّ بالرجوع من حيث أتيْن. 
 
ما هي قوانين الحكومة؟ 
 
وبعد اعتقالنا توجهت بنا السيارة الى الفرقة الحزبية في طويريج والتي لم نبق فيها سوى ثلاث ساعات ثمّ نقلنا بعدها الى مركز القضاء حيث حققوا معنا: - لماذا تسيرون وما هو السبب وراء ذلك؟ ألم تسمعوا وتعلموا بقوانين الحكومة التي تمنع السير على الأقدام أو الذهاب لزيارة الأولياء؟ فلماذا تتجاوزون على قوانين الدولة؟ وكان جوابنا لهم: - لم نكن نعلم بأنّ زيارة مرقد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السّلام) أو السير لأجله تجاوز على القوانين في دولة تدّعي الإسلام! 
 
حمل المسبحة خرق للقوانين! 
 
في دائرة أمن قضاء طويريج قاموا بتفتيشي والأخوة الباقين، وكنت أحمل مسبحة عدد حباتها () مخصصة للصلاة فلمّا وجدوها في جيبي أثار ذلك غضب كلّ مَن كان في غرفة التفتيش من أزلام الأمن، وانهاروا عليّ بالضرب الشديد من كلّ جانب، وبعدها قيّدوني وأركبوني في سيارة نوع كوستر متوجهين الى مديرية أمن كربلاء المقدّسة. 
 
السُباب اللاذع أشدّ من التعذيب 
 
وفي مديرية أمن كربلاء المقدّسة استخدموا معنا كلّ أنواع التعذيب الذي يجيدونه، ولكنّ الحرب النفسية بتهديدنا بالأعمال غير الأخلاقية والسُباب اللاذع أشدّ بكثير من الضرب والتعذيب، فقد كنا نتمنّى الضرب ولا أن يعاملونا بهذه القباحة والوحشية الاستثنائية الفريدة من نوعها في كل معتقلات العالم حسبما أظنّ، إذ كانوا يطلقون الكلمات الجارحة وغير الأخلاقية، ونحن لا حول لنا ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. 
 
مواجهة لثواني فقط! 
 
وبعد مرور ستة أشهر كاملة وأنا في محاجر الاعتقال استطاعت والدتي بعدما دفعت مبلغاً ضخماً لأحد ضباط الأمن مواجهتي، ولكن كيف أصف حالتي حين التقيت بأمّي لأوّل وهلة، كانت لحظات مؤلمة جدّاً بالنسبة لها حين رأتني بتلك الحالة المزرية، هزيل الجسم وآثار الكدمات واضحة عليّ من شدّة التعذيب حتى تمنّيتُ عدم حصول هذه المواجهة ففي صباح ذلك اليوم جاءني أحد الحرّاس لمواجهة أهلي بعد أن قيّدني ووضع الغطاء على عينيّ ثمّ سار بي إلى الغرفة التي فيها الأهل مع والدتي، وأوقفوني في الباب ورفعوا الغطاء عن عينيّ فرأيت والدتي وقد امتلأت عيناها بالدموع، ربما تكون دموع الاشتياق أو دموع الحزن أو الفرح للقائي وتيقّنها بأني ما زلتُ حيّاً لا أدري، فقال لها الضابط: - أليس هذا ولدك نجاح؟! ثمّ أعادوني الى المعتقل وأنا أسمع صوت والدتي الحزين وهي تتوسّل الى الضابط وتقول له: - أقسم عليك بالقرآن أرجعه لأتأكّد منه وليطمئن قلبي عليه هل هو ولدي نجاح أم لا؟ سمح الضابط بأن تراني مرّة أخرى، وقلت لها كلمة واحدة فقط لضيق الوقت المسموح لنا: - لا داعي لأن تتوسّلي بهم يا أمّي ولا تعودي مرّة أخرى لهذا المكان. فصاح الضابط موجهاً كلامه لوالدتي: - لا تسألي عليه مرّة أخرى فإنّه يحتاج الى قطع السان. 
 
أخٌ يعذّب أخاه! 
 
ومن عجائب هذا الزمن أنّ أحد المعتقلين الذين كانوا معنا له أخٌ يعمل في نفس دائرة الأمن التي نحن فيها فقلنا له: أنت محظوظ لأنّك لن تبقى معنا كثيراً وسيتعاملون معك بالرفق واللين لأنّ أخاك يعمل معهم. ولكنّ الذي حصل هو عكس ذلك بالضبط، فإنّ أخاه تلقّى التهديد الغليظ من قبل الضبّاط الآخرين، واتّهمه البعض بالخيانة، لأنّ أخاه يسلك مسلك التديّن ويقوم بزيارة أضرحة الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وأنّه سيفقد عمله، ومن المحتمل حياته أيضاً، لتستّره على فعل أخيه، ثمّ طلبوا منه أن يثبت لهم صدق ولائه للحزب والثورة بأن يقوم بتعذيب أخيه بنفسه أشدّ التعذيب. واستسلم لهم حينما لمس منهم جدّية تهديدهم وراح يضرب أخاه الضرب المبرح وعيناه دامعتان وسط ذهول وحيرة من قبل الجميع لما يحدث في هذا الزمن الأغبر. 
 
تعهّد والدي بالفداء للحسين (عليه السّلام) 
 
وبعد أن قرّروا إطلاق سراحي، أرسلوني الى الفرقة البعثيّة في مدينتنا، وطلب أولئك حضور والدي ليتعهّد لهم بعدم تكرار فعلتي هذه، ولما حضر والدي قال له مسؤول الفرقة: - أنصحك بأن تمنع ولدك نجاح العودة الى هذا الطريق (السير الى مراقد أهل البيت عليهم السلام). فردّ عليه والدي من غير خوف: - أنا وولدي فداءٌ للإمام الحسين (عليه السّلام) فإذا تريدون إعدامه فافعلوا ولكن بعد أن يتمّ إعدامي قبله لأننا سوف نكون شهداء مع سيد شباب أهل الجنة بإذن الله. لمّا سمعوا هذا الجواب والشجاعة من أبي تركوني، ولكنّي بقيت مراقباً من قبل جواسيسهم الجبانة، ولم تنته قصتي مع البعث الظالم ألاّ بعد سقوط عروشه الظالمة



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=24516
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29