• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عاشوراء رسالة إنسانية .
                          • الكاتب : سلمان عبد الاعلى .

عاشوراء رسالة إنسانية

 لو طرحنا هذا السؤال: كيف نقدم عاشوراء للبشرية؟ وأردنا أن نجيب عليه، فإننا بحاجة إلى أن نقف على جواب لسؤال آخر قبل أن ننتقل للإجابة على هذا السؤال، والسؤال الآخر هو: كيف نقرأ الحسين (ع) والنهضة الحسينية؟ لأن كيفية قراءتنا وفهمنا لعاشوراء ولنهضة الإمام الحسين (ع) له مدخلية وتأثير كبير على الطريقة والأسلوب الذي يمكننا به أن نقدم هذه النهضة المباركة، فكلما كان فهمنا لهذه النهضة أعمق وأفضل انعكس ذلك إيجابياً على طريقة عرضنا وتقديمنا لها، والعكس بالعكس.
 
وهناك الكثير من القراءات التي قُدمت ولازالت تُقدم عن الحسين (ع) والنهضة الحسينية، ولكننا سوف نختزلها في ثلاثة قراءات وهي:
 
§       القراءة السياسية: وهذه القراءة تقول بأن الدافع للنهضة الحسينية هو الدافع السياسي، فالفساد السياسي الموجود وقتذاك -المتمثل بفساد الحاكم ومؤسسات حكمه- جعلت الإمام الحسين (ع) يتحرك لإصلاح ذلك الواقع السياسي الفاسد.
§       القراءة الاجتماعية: وهناك من يقرأ الحسين (ع) قراءة اجتماعية ويرى الدافع لحركة الإمام الحسين (ع) هو الدافع الاجتماعي، ويعتقد بأن الحسين (ع) قد قام بحركته ونهضته من أجل إصلاح الواقع الاجتماعي الفاسد.
§       القراءة الدينية: وهذه القراءة تريد أن تقول بأن الدافع الذي دفع الحسين (ع) للقيام بنهضته هو الدافع الديني، فعندما وجد الواقع الفاسد قام بمسؤولياته الدينية لمحاربته.
 
طبعاً هناك العديد من القراءات الأخرى، ولكننا سنكتفي بما أوردناه فقط، وذلك لأنها باعتقادي أشهر القراءات، ولأنها كذلك الأبرز والأكثر تأثيراً على طريقة تقديمنا للنهضة الحسينية، كما ينبغي العلم بأن ما ذكرناه هو الخطوط العامة للقراءة، لأنه داخل كل قراءة من القراءات السابقة توجد أكثر من قراءة وقراءة.
 
مهما يكن، فإننا لو اردنا أن نحدد القراءة الأكثر رواجاً وتأثيراً لدى أغلب الفئات في مجتمعاتنا؛ فإننا بلا شك سنقول بأنها (القراءة الدينية)، لأن صلتنا وعلاقتنا بالإمام الحسين (ع) اتسمت بالدرجة الأولى بهذا العنوان، أي بعنوان الدين، فنحن نتعلق بالحسين (ع) لأنه سيد شباب أهل الجنة كما في الروايات، ولأنه الإمام المعصوم المفترض علينا طاعته والاقتداء بسيرته، وكذلك نحن نبكيه (ع) ونحيي عاشوراء ودافعنا لذلك هو أمر الدين، وأهدافنا من وراء ذلك هي أيضاً أهداف دينية -وإن كنا متأثرين فعلاً- فنحن نبكي الحسين (ع) حتى نحصل على الأجر والثواب أو لدخول الجنة والنجاة من النار، أو لكي تستجاب حاجاتنا وطلباتنا كشفاء المرضى ودفع البلاء وغيرها من الدوافع والأهداف الدينية.
 
 
 
كيف يقدم الخطباء النهضة الحسينية؟
 
          إن القراءة الدينية للنهضة الحسينية جعلتنا نقدم عاشوراء من الجانب الديني، فغالبية خطباء المنبر الحسيني في مجتمعاتنا غالباً ما يقدمون الحسين (ع) من هذا الجانب، سواءً كان ذلك يتم بنحو صحيح أم لا، إذ المهم أن قراءتهم تُعنون بعنوان الدين، ولذلك نرى أن خطاباتهم لا تخرج عن الآتي:
 
§       النهضة الحسينية "والأطروحات الشيعية": فبعض الخطباء يستغل مرور ذكرى عاشوراء ليكرس بعض المفاهيم والعقائد الشيعية، ويبذل قصارى جهده في هذا السبيل، وبعضهم –وهذه الحالة ظهرت في السنوات القليلة الماضية- أخذوا يناقشون بعض المواضيع الخلافية الداخلية (الشيعية الشيعية) كالاختلافات والخلافات بين المرجعيات الدينية والتيارات الفكرية المختلفة داخل المذهب، وللأسف أن الكثير من هؤلاء لا يتطرقوا لهذه المواضيع بطريقة علمية هادئة ومتزنة يكون هدفها (الحقيقي) معالجة الإشكاليات القائمة في هذه المواضيع، ولكنهم يتطرقون لها ليستغلوا هذا الموسم للتحريض على الآخرين (المخالفين لهم) وللتشهير بهم، ويتم ذلك طبعاً بحجج دينية، مما يضطر الطرف المقابل لهم إلى الرد عليهم بالمثل، وهكذا حيث نشهد في كل عاشوراء حرباً شعواء نستطيع أن نطلق عليها اسم "حرب المنابر"، فهذا يقول وذاك يرد !
 
§       عاشوراء "والخلافات المذهبية": وهناك من الخطباء قد جندوا أنفسهم للدفاع عن المذهب، ولهذا نراهم يجيبون على الشبهات المثارة حوله –وهذا الطرح شائع جداً- ولا إشكالية حوله إذا كان يتم بطريقة علمية وعقلانية هادئة تجيب على أسئلة الطرف الآخر دون أن تقدم له أية استفزازات، ولكن وياللأسف أن المتابع لبعض هذه الخطابات يراها على درجة عالية من الاستفزاز للطرف الآخر، إذ تجد الخطيب يصعد المنبر ويحمل الآخرون (من خارج المذهب) –بشكل مباشر أو غير مباشر- المسؤولية في دم الحسين (ع)، وكأنه يريد أن يقول لهم أنتم من قتل الحسين (ع) أو أن رموزكم الدينية التي تحترمونها وتقدرونها هي التي قتلت الحسين (ع) أو تسببت في قتله.. وهذا الأمر كما لا يخفى يتسبب في استعداء الطرف الآخر، مما قد يجعله يلجأ للدفاع عن نفسه –ومذهبه ورموزه- والتبرير لها، ولهذا نسمع من يقول -من أهل السنة- لماذا تبكون الحسين (ع) وأنتم من قتله؟ فالشيعة هم الذين قتلوا الحسين (ع) وغدروا به، وهكذا تبدأ حرب المذاهب –إن صح التعبير- إذ كل مذهب يتهم الآخر بقتل الحسين (ع)، فالشيعة تتهم أهل السنة والسنة تتهم الشيعة، وبذلك ينشغل المسلمون بقتل الحسين (ع) عن الحسين (ع) وأهدافه !
 
§       عاشوراء "والقضية الإسلامية": وهناك بعض الفئات تستغل مرور هذه الذكرى، لتوحيد الصف الإسلامي، وهم فئة قليلة جداً، وهؤلاء تراهم يركزون في أحاديثهم على القول بأن الإمام الحسين (ع) قام بنهضته المباركة من أجل الدفاع عن الإسلام وقيمه ومبادئه، والتي هي نفس الأهداف والقيم والغايات التي قام من أجلها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فهؤلاء يحاولون توظيف قضية الحسين (ع) لخدمة الوحدة الإسلامية بين المسلمين، وكثيراً ما يرفعون هذا الشعار وهو (أن الحسين (ع) ليس ملكاً للشيعة فقط، بل هو لجميع المسلمين)، ولهذا نجدهم بعيدين عن أجواء الإثارات المذهبية، بيد أنهم قد يقعون في إثارات دينية أخرى، إذ أن بعضهم يقول بأن من قتل الحسين (ع) وهو يزيد بن معاوية لم يتربى تربية إسلامية وتربى على يد المسيحيين، وهذا الأمر -باعتقادي- قد يثير الآخرون (من أبناء الديانة المسيحية) لأنهم بالتأكيد يرفضون نسبة ذلك إليهم.
 
إن النتيجة التي أريد أن أخلص إليها مما تقدم هي أن الصورة السائدة التي نقدمها للنهضة الحسينية متأثرة بالقراءة الدينية، وهذه القراءة لا إشكال فيها في أساسها، ولكن الإشكالية تقع عندما يتم توظيفها ضد فئة أو فئات من البشر دون وجود أي مبرر حقيقي لذلك، فبعضهم كما مر علينا يوظف هذه القضية ضد أبناء مذهبه، وبعضهم ضد أبناء دينه، وبعضهم ضد أبناء الديانات الأخرى، وهذا الأمر باعتقادي مجانب للحقيقة والصواب، ومشوه لهذه النهضة العظيمة.
 
 
 
عاشوراء والرسالة الإنسانية
 
          هناك قراءة هي برأيي تجمع كل القراءات السابقة تحت طياتها ولا يمكن استغلالها وتوظيفها توظيفاً سيئاً بالكيفية السابقة، ألا وهي (القراءة الإنسانية للنهضة الحسينية)، فنحن بهذا القراءة سوف نوحد الصف الإسلامي، بل سوف نوحد جميع الخيرين من أبناء البشرية بأسرها، حيث نستطيع من خلال هذه القراءة توصيل رسالة الحسين (ع) للبشرية بأجمعها، والتي تتمثل في القيم والمبادئ الإنسانية التي يشترك في احترامها وتقديرها جميع أبناء البشر، فكل البشر تهفو نفوسها لتحقيق العدالة وتنفر من الظلم والفساد والطغيان، وهذه هي القيم التي نهض من أجلها الحسين (ع)، فنداء الحسين (ع) في عاشوراء لا يمكن حصره في مساحة فكرية أو جغرافية معينة، ولا يمكن حصره كذلك بفئة محددة أو بشريحة معينة، لأنه نداء عام وشامل لكل البشر.
 
          ولو راجعنا كلمات الإمام الحسين (ع) ومواقفه في عاشوراء، فإننا يمكن أن نستلهم منها رؤية كاملة ومتكاملة عن هذا الجانب، فقوله (ع): ((إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي))، وقوله: ((هيهات منا الذلّة))، وقوله: ((لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد))، وقوله: ((إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما))، وقوله مخاطباً من اجتمعوا لقتله: ((إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم))، كلها تنفع كشعارات إنسانية عامة من الممكن أن تستفيد منها البشرية كلها، بغض النظر عن دياناتها ومذاهبها وتوجهاتها الفكرية، وما علينا إلا أن نحاول أن نوصل هذه النداءات للناس، لكل الناس بأسلوب مناسب وبكيفية صحيحة، ونحن الآن ولله الحمد نمتلك من الآليات والوسائل ما يساعدنا على تحقيق هذه الغاية، وبقي علينا أن نعي ضرورة تفعيلها في هذا الأمر، وهذه مسؤولية ينبغي أن نتحملها، وأعني بهذه المسؤولية (مسؤولية توصيل رسالة الحسين (ع) للبشرية)، فكلما استطعنا أن نطلق النهضة الحسينية ولا نحصرها في جهة محددة أو لفئة أو شريحة معينة، كلما كان ذلك أفضل، لأن رسالة الحسين (ع) رسالة إنسانية عامة وينبغي أن لا تقف عند حد معين.
 
          وهذه القراءة تشمل جميع القراءات السابقة، ولا يعني قولنا بأنها إنسانية، أنها متناقضة أو متضادة مع القراءة الدينية مثلاً، لا وكلا، وذلك لأن الدين الصحيح هو إنساني لو فهمنا جيداً، فما المبادئ والقيم التي جاء بها الدين (كالعدل والحرية والمساواة) إلا مبادئ وقيم إنسانية عامة أكد عليها الدين، فمن هذه الجهة لا يوجد تناقض وتضاد بينها وبين الدين، وإنما يوجد تناغم وانسجام، وذلك لأن عاشوراء الحسين (ع) رسالة دينية وإنسانية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=24595
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20