مضى على قيام ثورة أبي الأحرار ما يقارب الأربعة عشر قرنا دون أن يتسنى لأحد مهما كان مستواه من التفكير أن يحصر أهدافها. فقد ذهب الناس شتى المذاهب بشأن ذلك. ويكثر اللغط بين آونة وأخرى حول أسباب تلك النهضة، إذ انقسم الناس بين مؤيد لها ومعارض: فمن يقول إن الحسين (ع) كان محقا في نهضته وأنها آتت أكلها لأنه جاءت في الوقت المناسب، ومن يقول أن ما من داع لها، حتى يذهب البعض ليقول إن الحسين(ع) ذُبح بسيف جده. لكن الدليل التاريخي وما اكتنف تلك النهضة من ظروف يؤيد قيام تلك النهضة المباركة في ذلك الوقت.
بيد أن هذا لا يمنع من أن نتأمل-بفهمنا القاصر- في هذه الثورة العظيمة، ونتساءل عن بعض القضايا. وفيما يلي بعض التساؤلات عن الانطباعات التاريخية حول تلك الثورة المباركة:
1. بدءا، يمكننا القول أن تلك الثورة كانت الأولى من نوعها ضد ما أسماه دعاة الوثنية الجديدة(ولاة الأمر)، وخاصة بعد قيام حكم بني أمية الذي امتد-في الشام-منذ بداية خلافة عمر بن الخطاب. فقد رتبوا أقوالا وأحاديث للرسول(ص) من قبيل: (أطع الحاكم ولو ضرب ظهرك، واستأثر بمالك). فكانت إطاعة الحاكم الجائر فرضا واجبا على المسلمين. وهذا هو عينه مبدأ الجبر في حياة الإنسان المسلم، الذي حكم الأمويون-وكل حكام الجور بعدهم- ومن تبعهم بموجبه ومقتضاه ومن خلاله.
2. كان الحسين(ع) صاحب حق من الجانبين: الوصية من الرسول والأئمة من جانب، وبنص الاتفاق مع معاوية الوارد في صلح الإمام الحسن(ع) على حد سواء. فقد نص الاتفاق على أن يكون الحسن(ع) هو الخليفة بعد معاوية. وعندما توفي الحسن(ع)مسموما، كان قد أوصى للحسين(ع). واستغرق الأمر عشرة أعوام قبل أن يموت معاوية الذي أوصى لابنه يزيد ضاربا عرض الحائط بما جاء في بنود صلحه مع الحسن(ع).
3. لو لم تحدث ثورة الحسين(ع)، أكان يحق لأحد بعده أن يثور على الظلم والحكام الظالمين؟ أكان يحق لأصحاب المبادئ-وهم قليلون-أن يثوروا لأن الإمام الحسين-صاحب الحق-قد قعد عن الثورة وعن حقه المشروع؟ أما أصحاب المصالح-وما أكثرهم- أما كان البساط سينسحب من تحت أرجلهم؟
4. ولولا تلك الثورة، أما كانت أركان الدولة الأموية ستترسخ؟ أوَ ما كان للحق أن يمُحق وأصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا؟
5. ولولاها، أما كان للمعاصي والذنوب ستنتشر سواء على أيدي ولاة الأمر أو على أيدي الناس العاديين من المسلمين، والناس على دين ملوكهم؟
6. ولولاها أكان يمكن لأحد أن يطرح فكرا مخالفا لأفكار السلاطين؟ وذلك لأن أفكار بني أمية كانت ستبدو هي الأفكار الصحيحة التي جاء بها الإسلام .
7. ولولاها أكان باستطاعة الأئمة بعد الحسين(ع) الوقوف بوجه الطغيان؟ أوَ ما طُلب إليهم أن يستكينوا كما (استكان) الحسين (ع)-لا سمح الله؟
8. ولولاها أكانت ثمة حاجة لأهل البيت(ع)؟ فدورهم مرهون بما كان لهم من أمر بالمعروف ونهي عن النكر من خلال مقارعتهم لأهل الانحراف والكفر وحكام الجور.
9. وبناءً على ذلك، أما كان لمذهب أهل البيت أن يتلاشى ولم يعد له من مسوغ؟ أوَ ما كان الإسلام الحقيقي المتمثل بأفكار أهل البيت وهم عدل الكتاب أن يذوي؟
10. ولأن الإسلام آخر الأديان، وقد تقوّض-لا سمح الله- فهل تكون ثمة حاجة إلى دين غير الإسلام ورسالة تكون آخر تلك الرسالات؟
11. ألا يقتضي ذلك-والحال هذه- عدم صدق القرآن-ونستغفر الله- في القول بان الرسول آخر الرسل؟
12. ألم يغلق الحسين(ع )جميع الأبواب أمام الثوار الذين ساروا على نهجه وكذلك من كان محسوبا على الثوار؟ فهذا ابن الزبير الذي توفرت له فرصة النجاة من الأمويين والفرار بأهله، أشار إلى أن الحسين(ع) قد سد جميع الأبواب، ولم يدع عذرا لمعتذر (ولم يترك لابن حرة من عذر).
فسلام عليك أبا الأحرار، يا من حملت راية الحرية في مقارعة الظلم والظالمين، فكنت قدوة لكل الثائرين على اختلاف مشاربهم وعلى مر الأزمان. فمن غيرك يقوم بدور كهذا، وأنتَ من أنت: ابن المصطفى والمرتضى والزهراء وآخر أصحاب الكساء؟ |