• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : 6 - دعبل الموقف بين السخرية والهجاء ( 203 هـ - 205 هـ ) .
                          • الكاتب : كريم مرزة الاسدي .

6 - دعبل الموقف بين السخرية والهجاء ( 203 هـ - 205 هـ )

دعبل يشرع بحملة هجاء ساخر وساخط على رموز الخلافة العباسية بعد سمّ الإمام الرضا :
دعبل - على ما يبدو - انبهر كثيراًبشخصية الإمام الرضا (ع) ، وذاب فيها حتى العشق الصوفي ، ومن خلاله توّجه إلى الله بكل جوارحه وأحاسيسه ، وأصبح حقّ آل البيت شغله الشاغل ، ولمّا وردت إليه أخبار موت الإمام، وتيقـّن متأكداً ، صُدم صدمة قوية كادت تهدّ أركانه ، وذلك سنة (203 هـ) ، إذ وافته المنية بأرض طوس في قرية يقال لها (سنا أباد) ، ودفن في دار حميد بن قحطبة ، في المكان الذي دفن فيه (هارون الرشيد) ، وإلى جانبه مما يلي القبلة ، كما جاء في (عيون أخبار الرضا) للصدوق (138) ، في بادئ الأمر سكب أشجانه وبيّن لوعته في مقطوعة رثاء منها (الطويل)  :
ألا ما لعيني بالدموع استهلـّتِ *** ولو فقدتْ ماء الشؤون لقرّتِ
فنحن عليهِ اليومَ أجدرَ بالبكـا ***  لمرزئةٍ عـزّتْ علينا وجلـّـــتِ
تجلـّت مصيبات الزمان ولا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلـّتِ (139)
وثم شاعت الشائعات ، وكثر القيل والقال أنّ المأمون سمّه ، بالرغم من استباق الأخيرالأمور فكان " يمشي في جنازة الرضي حاسراً في مبطنة بيضاء ، وهو بين قائمتي النعش يقول : إلى من أروح بعدك يا أبا الحسن ! وأقام عند قبره ثلاثة أيّام ، يؤتى في كل يوم برغيف وملح فيأكله ، ثم انصرف في اليوم الرابع ..." ، هذا ما رواه اليعقوبي في (تاريخه)، وكان قد ذكر من قبل هذه الفقرة قوله : "  فقيل : إنّ علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم " (140) ، أمّا الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين)  ، ينقل بعد سرد روايات تسميم الإمام ، وجزْع المأمون على وفاته ، كما ترآى للناس ، قول الأخير : " و أغلظ عليّ من ذلك وأشدّ أنّ الناس يقولون  : إنـّي سقيتك سمّاً ،وأنا إلى الله من ذلك بريء ..." (141) ، والحقيقة المأمون أراد أن يبرأ نفسه أمام الجمهور وانتفاضاتهم ، وتهديداتهم لعرشه المرتبك بعد مقتل الأمين ، وثورات العلويين وفي مقدمتها ثورة ابن طباطبا وأبي السرايا , ومن ثم انتفاضة العباسيين ، وتنصيب عمّه ابن شكلة المختفي عن الأنظار، الزمن لايتحمل المزيد ، وخصوصاً كان الإمام الرضا سيد العلويين ، بل الطالبيين في عصر خليفةٍ بأمسّ الحاجة لرأب الصدع ،  وكان يومها دعبل لسان الشارع المعبر عن وجه  الرأي فيه  ، قبلياً يماني النزعة ، وهم المتنفذون ، ومعارضاً علوي الهوى ، وهم المنازعون ،و أدبياً من أدباء وشعراء الطبقة الأولى ، وهم الذين يرفعون ، وشعبياً يتلاقف شعره الرفيع الممنوع عموم الناس ، وهم الذين ينشرون ...!! 
1 - واستنقذوك من الحضيض الأوهدِ : 
 لذلك ارتأى المأمون شراء ذمّته على ما يبدو ، لاسيما دعبل أخذ عنه الحديث ، والخليفة نفسه يميل إلى شعره ، ويفضله على الآخرين ،  وخزاعة هي التي انتزعتْ الخلافة له من الأمين نزعاً ، وقتلا ً على حدّ سيف طاهر بن الحسين ، وإذا لم يكن بالإمكان شراء اللسان ، فليكفـّه عنه وعن الخلافة في الزمن الصعب ، فما كان من الشاعر إلا أن يفاجئه بقوله الشهير (الكامل) : 
أيسومني المأمون خطة َجاهل ٍ***أو ما رأى بالأمس رأسَ محمدِ
توفي على هام الخلائفِ مثلما***توفي الجبال على رؤوس القرددِ
إنَّ التراتِ مســـــهَّدٌ طلاّبُـــها **** فاكفف لعابك عـن لعاب الأسودِ
لا تحسبنْ جهلي كحلم أبي فما *** *حلـمُ المشايخ مثل جهل الأمردِ
إنـّي من القوم الذين سيوفهمْ  ***** قتلتْ أخــــــــاك وشرًفتك بمقعدِ
شادوا بذكركَ بعد طول خمولهِ *** وتنقذوك من الحضيض الأوهدِ (142)
يستهزأ متوعّداً  المأمون  - وما أدراك مَن المأمون ؟ سيأتيك بالأخبارمن لم تزوّدِ ! - ويذكّره مهدّداً بقطع رأس أخيه محمد الأمين المخلوع ، وستنزل السيوف على الهامات ، كما تنهال  الجبال على الأرض المرتفعة الغلظة (القردد) ،  فطلاب الثارات (الترات) طريقهم ممهد ، فكفف لعابك المسموم كلعاب (الأسود) الحية العظيمة ، كأنّما يلفت نظره  لسم الرضا، أمّا بقية الأبيات بما فيها من سخرية وفخر وتوعّد بالتهديد والاستعلاء فواضحة ، ولكن على مَن صبَّ رهبتها ؟! ، على المأمون ، وهو من أعظم الخلفاء العباسيين ، إن لم يكن أعظمهم إطلاقاً ، بل أعظم الخلفاء الإسلاميين بعد صدر الرسالة ،  وملوك الإنسانية قاطبة ، ولو أن شهرة أبيه الهارون سبقته ، يقول السيوطي عنه في (تاريخ الخلفاء) : " كان أفضل  رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأياً ودهاءً وهيبة وشجاعة وسؤودداً وسماحة ، وله محاسن وسيرة طويلة ..." (143) ، وربّما تتساءل , إذن لماذا الهجاء المقذع الساخر ؟  أقول : إنّه الموقف الجريء الصادق مع النفس ومبادئها العقائدية ، فلو ركـّزنا على كلمة ( الحضيض الأوهد) التي تـُكثـّف  الصراع المرير بين الأخوين والعقد النفسية المكبوتة في لا وعي (الأمين) والمجتمع ، ومن المجتمع دعبل ، أمّا المأمون فلم يكن كما تخيّل شاعرنا ، وربّما (الأمين ) توهّم أو أوُهِم أن أخاه المأمون الأكبر منه بستة أشهر - من أم ولد ( مراجل) التي توفيت في نفاسها - دونه عند أبيه والدولة ، لأنه ابن (زبيدة) الهاشمية الحرّة ، وإنما كان المأمون الرجل الحاد الذكاء ، السياسي المحنك ، الحليم  ، الشجاع ، معزّزاً مكرماً محبوباً أثيراً عند أبيه الرشيد ، وإلاّ لما كان المأمون مأمونا !! ، ومع ذلك كلـّه ، وإن تجاوز الخليفة الأخير المتعقل الرشيد ابن (الرشيد) أمر تمايز العقل الجمعي لمصلحة أخيه المقتول المخلوع ، وتفهمه ، بقى يمسح آثاره دون إثارة ،  ومن هذا المنطلق ردّعلى دعبل بلسان المتواضع  الرفيع : " قبّح الله دعبلاً ما أوقحه، كيف يقول عليّ هذا ، وقد ولدت في الخلافة ، ورضعت ثديها ، وربيت في مهدها ..." (144) ، ولم يكتفِ الرجل الكبير بهذا  الرد ، ففي عام 204 هـ " لمّا دخل المأمون بغداد أحضر دعبلاً بعد أن أعطاه الأمان ، وكان قد هجاه وهجا أباه ، فقال يا دعبل : من الحضيض الأوهد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عفوت عمن هو أشدّ جرماً مني " (145) ، هذا ما رواه الحصري القيرواني في ( زهر آدابه) ، ولكن متى هجا دعبل أباه الرشيد ، والرشيد قد أحسن لدعبل في مطلع حياته ، وكرّمه وقرّبه وقدّمه ؟! هجاه بعد الموقفين الموالي للعلويين ، والمعارض للعباسيين نكاية بالمأمون الذي سمّ الإمام من قبل (أمّة السوء ) ، ويعني مجموعة الحاكمين السيئة حسب  اجتهاده .
2 - قصيدة (ياأمّة السوء ) :
والحقيقة قد هجاه في قصيدة من روائع نظمه ، نظمها قبل قصيدته الدالية السابقة بعدة أشهر - على أغلب الظن -  أي قبل مجيء المأمون إلى العراق (204 هـ) ، وبعد أنْ تيقـّن من سم الإمام ، ولتبرير الظن الأغلب  ، ننقل رواية عن أحد رجالات مذهبه ، وهم الأدرى بمساربه إذ : " روى الشيخ الصدوق في أماليه بإسناده عن دعبل الخزاعي أنه قال : جاءني خبر موت الرضا وأنا مقيم بـ (قم) ، فقلت القصيدة الرائية التي طلب المأمون الاستماع إليها ..." (146) ،  ويروي الشاعر نفسه : إنـّه بعد أنْ  أنشدها أمام الخليفة " ضرب المأمون عمامته الأرض، وقال صدقت والله يا دعبل " (147) ،  وسنأتي على إعجاب الخليفة (المأمون)  بقصائد الشاعر المأمون ..!!  
 المهم دُفن الإمام  إلى جنب الرشيد في طوس ،  وقد جاء ذكره بشكل قاس ٍنكاية بالمأمون ، كما أسلفنا من قبل ، وأوسم خريدة سخطه (يا أمّة السوء) " التي لا يمكن تصنيفها في غرض واحد من أغراض الشعر المتداولة رثاء ، مدح ، هجاء ، لأنها شعر مختلف يمثل تجربة مختلفة قوامها الولاء لآل البيت بوصفهم مثالة المرء المؤمن إلى الطمأنينه في هذه الحياة ..." (148) . وإليك المطلع بنسيبه العجائزي (البسيط) ! :
تـأسفتْ جارتي لما رات زوري **** وعـدَّتِ الـحلمَ ذنـباً غير مغتفر ِ!
تـرجو الصبا بعدما شابتْ ذوائبها ***وقـد جـرت طلقا في حلبة الكبر ِ
أجـارتي ! أنَّ شيبَ الرأس نفـّلني***ذكـرَ الغواني وارضاني من القدر ِ
لـو كـنتُ اركـنُ للدنيا وزينتها  *** إذن بكيت على الماضين من نفري
أخنى الزمانُ على أهلي فصدّعهمْ***تصدعَ الشعبِ لاقى صدمة َ الحجر ِ
بـعضٌ اقـامَ وبعضٌ قد أهابَ بهِ **** داعـي المنيةِ  والباقي علــى الأثر ِ
أمّـا الـمقيمُ فـأخشى أنْ يـفارقني **** ولـستُ أوبـة مـــــــن ولـّى بمنتظر ِ
أصبحتُ أخبرُعنْ أهلي وعنْ ولدي **** كـحالم ٍ قـصَّ رؤيـا بــــعدَ مـدّكر ِ
دعبل قد مهّد لقصيدته بنسيبٍ عجائزي ،ثم تنصل منه ليتذكر ويذكـّر بالنفر الماضين من أهله الذين أخنى الزمان عليهم ، وصدّعهم ، ويدور شاعرنا الكبير بمقوده من بعد تململه  من أهله الأقربين لآل بيته العقائديين كربان ماهر عليم بالشعر العربي وأسراره ، ومن العجيب يعذر الدعبل  بني أمية من أفعالهم وجرائمهم في واقعة الطف ، لا حبّاً بهم وتقرّباً إليهم في زمن لا قريب لهم ، ولا ذكر  ، وإنّما كراهية وبغضاً لما فعل بنو العباس ، وأخيراً يفجّر شاعرنا مفارقة ذكية بارعة ، ربما أجبرته المقاربة عليها ، وألهمه الشعر بها للمقارنة بين لحدين لخير الناس كلـّهم ، ولحد شرّهم هذا من العبر ِ !! وهذه وجهة نظره العقائدية ، وما علينا إلاّ احترامها :                                                 
لـولا تـشاغل نفسي بالأ ُلى سلفوا **** مـن اهـل بـيت رسول الله لم أقر ِ
وفـي مـواليك لـلمحزون مـشغلة ٌ*****  مـن أنْ تـبيتَ لـمفقودٍ عـلــى أثر ِ
يـا أمة السوءِ ما جازيتِ أحمد عنْ *** حـسن ِالـبلاءعلى التنزيل والسور ِ
خـلفتموهُ عـلى الأبناء حينَ مضى ***** خـلافــة الـذئب فـي ابقار ذي بقر
ولـيس حـيّ ٌ مـن الأحـياءِ نعلمــهُ ***** مـن ذي يمان ٍومن بكر ٍومن مضر ِ
إلاّ وهــمْ شـركاءٌ فــــــي دمـائهمُ ****** كـما تـشـــــاركَ ايســــارٌ على جزر ِ
أرى امـيـة َمـعذورين إنْ قـتـــلوا ****** ولا ارى لـبني الـعبـاس مـــــنْ عذر ِ
قـبرانَ في طوس : خيرُ الخلق ِكلهمُ ****** وقـبرُ شـرّهمُ هــــــــذا مـن الـعبر ِ
ما ينفعُ الرجسَ من قرب الزكيِّ ولا***** على الزكيِّ بقرب الرجس ِمن ضرر ِ
هـيهاتُ كلّ ُ امرىءٍ رهنٌ بما كسبتْ ****** لـــهُ يـداهُ فـخذ مــــــا شئتْ او فذر ِ(149)
المأمون ودعبل وإعجاب الأول بشعر الثاني :
المأمون أخذ يردّد شعر دعبل في خلواته ومجالسه معجباً به ، مشيداً بقائله ، تنقل لنا كتب (الأغاني) و (تاريخ دمشق ) و (معاهد التنصيص) ... روايات متقاربة قائلة : دخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أيّ شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ؟! فقال : أحفظ أبياتا له في أهل بيت أمير المؤمنين ، قال : هاتها ويحك ، فأنشده عبد الله قول دعبل (البسيط) :
سـقياً ورعيـاً لأيّام الصباباتِ *** أيـّــــامَ أرفـلُ فـي أثـوابُ لذاتي
ايام غصـني رطيبٌ من لدونتهِ*** أصبو إلى خـير جاراتِ وكنـّات
دعْ عنكَ ذكرَ زمان ٍفاتَ مطلبهُ**واقذفْ برجلكَ عن متن ِالجهالاتِ
واقصدْ بـكلِّ مـديح ٍانتَ قائلهُ *** نحو الهداة ِبني بـيــتِ الـكراماتِ
وهي قصيدة أورد منها ابن عساكر في (تاريخ دمشق) هذه الأبيات الأربعة وترك الباقي ثم قال : " ولما تليت هذه القصيدة عند المأمون قال : لله دره ما أغوصه وأنصفه وأوصفه " ، وفي ( الأغاني) " فقال المأمون : انه قد وجد والله مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم ، ثم قال المأمون : لقد احسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :
وقائلةٍ لمّا استمرتْ بها النوى ****  ومحجرُها فيهِ دمٌ ودموعُ
  ُُُُألمْ يأنْ للسفر ِالذين تحمّلوا *****إلى وطن ٍقبلَ المماتِ رجوعُ 
 ُفقلتُ - ولمْ إملكْ سوابقً عبرةٍ** نطقنَ بما ضمتْ عليهِ ضلوعُ 
 تبيَّنْ فكمْ دار ٍتفـرَقَ شملـُها **** وشمل ٍشتيتٍ عادَ وهو جميعُ   
كذاكَ الليالي صرفهنَّ كما ترى**** لكـــــلِّ أناس ٍ جدبة ٌوربيعُ (150)
 وفي (معاهد التنصيص) : " ثم قال المأمون : ما سافرت قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني وهجيرى ومسليتي حتى أعود " (151)
وكان المأمون ينشد التائية ، ويروي الرائية ، ويسأل عن دعبل ، وشعره الرائع ...لذلك رفض طلب أبي سعد المخزومي أن يأتيه برأس دعبل ، مما يدلّ على أنّ المأمون كان يتسع حلمه للرأي الآخر ، بل المعادي الساخر ، وتأبى حنكته السياسية أنْ تثير اليمانيين والعلويين والمعارضين ، إقرأ ما يروي صاحب (الأغاني)  بسند عن خصم دعبل اللدود أبي سعد المخزومي :" حدثني أبو سعد المخزومي واسمه عيسى بن خالد بن الوليد قال : أنشدت المأمون قصيدتي الدالية التي رددت فيها على دعبل قوله :
 ِويسومني المأمون خطةَ عاجز ***  أوَ ما رأى بالأمس رأس محمد 
وأول قصيدتي :
 أخذ المشيبُ من الشباب الأغيد *** والنائبات من الأنام بمرصَد 
ثم قلت له : يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أجيئك برأسه قال لا هذا رجل فخر علينا فافخر عليه كما فخر علينا فأما قتله بلا حجة فلا " (152)
تكلمنا عن مقابلة دعبل للمأمون سابقاً ، إذ أنشده القصيدة الرائية ، وها قد انهينا من رأي الخليفة بشعره وبشخصيته ، ولا نكتفي والموضوع متسلسل، والآن قبل أن ننتقل الى فترة أخرى من حياته ، من الجدير أن ننوه أنَّ دعبلاً أخذ يتماهى كثيراً بالتائية ، ويفتخر بها حتى كاد أن ينسب نفسه إليها ، بل وإلى رموزها ، يرويابن العديم في ( بغية طلبه...) ، و الخطيب في (تاريخ بغداد)  بسند عن  " إسحاق بن محمد بن ابان قال : كنت قاعدا مع دعبل بن علي بالبصرة ، وعلى رأسه غلام يقال له نفنف ، فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز ، فقال لغلامه : ادع هذا الأعرابي إلينا ، فأومأ الغلام إليه فجاء ، فقال له دعبل : ممن الرجل؟ قال : رجل من بني كلاب ،  قال : من أي بني كلاب؟ قال : من ولد أبي بكر، قال : أتعرف الذي يقول :
ونبئت كلباً من كلابٍ تسبني *** ومحض كلابٍ يقطع الصلواتِ
فإن أنا لم أعلم كلاباً بأنـّـها ***  كلابٌ وأنـّي باسلُ النقمــــــاتِ
فكان إذا من قيس عيلان والدي** وكانت إذا أمي من الحبطاتِ
يعني بني تميم هم أعدى الناس لليمن، قال أبو يعقوب : وهذا الشعر لدعبل في بني عمرو بن عاصم الكلابي , فقال له الأعرابي : ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوه ، فقال : أنا   أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر ::
أناس عليّ الخير منهم وجعفر *** وحمزة والسجاد ذو الثفنات
إذا افتخروا يوماً أتــوا بمحمدٍ *** وجبريل والقرآن والسـوراتِ 
وهذا الشعر أيضا له قال: فوثب الأعرابي وهو يقول : محمد وجبريل والقرآن والسورات ما إلى هؤلاء مرتقى، ما الى هؤلاء مرتقى " (153)
هذا هو دعبل بين مديحه الراقي للأولياء ، وهجائه القاسي للخلفاء ، ونحن لا نريد أن نمسّ بعظمة هؤلاء الخلفاء تاريخياً  ، ولكن يجب احترام الوجه الآخر للأراء ، ومواقف الشعراء ...وللفكر الخلود والبقاء ، فلو تعوّدنا سابقاً ، لِما ضعنا لاحقاً .  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=28806
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19