• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءات في قصيدة (( معلقة أنا )) للفنانة والأديبة ( رملة الجاسم ) .
                          • الكاتب : د . جواد المنتفجي .

قراءات في قصيدة (( معلقة أنا )) للفنانة والأديبة ( رملة الجاسم )

           
           -1-
معلقة  أنا            
ملصوقة بلعاب الزمن الصائم          
حتى في عيده                          
على جدران ورق المخزن                 
لست خفيفة لأبقى وقتاً أطول   
أخشى السقوط... ثقيلة                  
وأرض الغرفة حين تركتها               
كانت تراباً                            
 الآن معبدة حديثاً بالقير                 
والزفت الحار                          
تلمع ولكني حافية القدمين                 
 رفعت عينيّ.. السقف مخروم 
تمطر الغيمات كحلها علي               
تركتها تبكيك نيابة عني                
وأومأت للريح لتفتح الباب بهدوء        
  ليدخل أصدقائي الشعراء              
وأخوتي الرسامين                  
أما أن يصبغوا الجدار                 
لأختفي.. ويكتبون شعراً             
أو يرشون الزفت بألوانهم      
       لتكون وروداً.. وأنزل 
                                        رملة الجاسم                6/10/2009                                                               -2-       
ما بين الحلم واليقظة.. 
باغتني صوت غربتك اللئيمة.. 
آتيا من آمادك البعيدة ، 
ففتحت بوابات قلبي   
وجلست عند غدران لقائنا الأول 
مناشدا إياه بلطف وحنان: 
- للأحبة الساكنين بأحضانك 
شلال حنين،وفيض مده الاشتياق ! 
- لأفواج سيل دمع الفراق، 
والتي انفلتت تتقاطر 
بلا هوادة على الوجنتين 
فكأنها جمر من لهب واحتراق،            
                         -2-
قبيل ذلك وبينما كنت اخلد إلى النوم ، اضطربت بغتة عندما داهمني أوار أنين غربتك على غفلة من الزمن ، وبت أحسه كجيثومه هفت متقاطرة على خافقي عند أعالي بيادر الروح ، حتى انه غطى كل بوصة من فكري وعقلي ، اقصد حيثما نمت غرز أول بذرة لصداقتنا التي شتلناها سوية في إحدى أركان رياض معهد الفنون الجميلة ببغداد قبل أن تغادرني  ( رملة الجاسم ) لتستكين في غربتها وبلا رجعة ، والتي توددت حينها لتخبرني قائلة :          
-  مهما حصل .. أو طال بيننا البعاد سنكون صديقين ابد العمر، لذا فعلينا ومنذ اللحظة أن نتقاسم الألم وبروية.      
   هذا بالإضافة إلى ما تركته من بقايا تلك الأكداس الكبيرة المتكونة من ألواح الذكريات التي أضحت متزنرة بالآهات .. نعم آهاتنا التي غدت مشروخة إلى نصفين والتي أثأرت حفيظة مواجعها تلك القصيدة التي أرسلتها لي من بلاد الغربة .. نعم كتبتها وهي في حالة كان يرثى لها من تبدد في الشوق لتخبرني عما فعله بها الأحبة والخلان اقتطفت ريع مقدمتها :     -
(( معلقة أنا                     ملصوقة بلعاب الزمن الصائم               حتى في عيده                               على جدران ورق المخزن                    لست خفيفة لأبقى وقتا أطول            أخشى السقوط .. ثقيلة ((              ذاك أيقنت جيدا، بل ولمت نفسي سائلا إياها:                                  
- وهل يعقل أن كل هذا يحصل.. وأنا الذي لم يتبق لدي من ذكراها سوى شوقي الملتاع أليها ؟ وبعض من وهج لوميض حلم يقظ اجتثته مخيلتي في ذات الصدفة ، والذي كان عبارة عن أحاسيس مروعة.. حلم كان قد جرى وقعه في زمن أسموه العرافة وقارئ الفنجان بالغفوة ما بين أحلام الصبا واليقظة، قصص وأحاجي حلت ضيفا عزيزا فجأة وردتني من الماضي المنسي  لتحجم مجرياتها وتحسم أمرا كانت ترانيمه تبشرني بعودة ( رمله الجاسم ) لي سالمة بعد أن آل كل شيء للسقوط .. ولكن واسفاه من ظني الذي خاب هو الأخر وبلا أمل مرجوا كان ضبابه كالدخان لاح لي في لحظات  الحسم الأخيرة .. أمل مر ببالي هنيئة لينعش تفاصيل الق كل ما عشناه سوية في الطفولة والصبا ، إذ ذاك راودتني فكرة عنيدة :                                - بان أعدو متواريا في نفس هذا الوقت بالذات بين طوابير المنازل ، بينما كان ظلي يسلك اتجاهي الأخر.. كنت مخترقا وبلا تردد من صدى هسهسة أزيز رصاصات بعض من ما تبقى من الشرذمة الحاقدة التي قطعت الطريق منذ أوار الليلة الفائتة ، ألا أنني قررت بيني ونفسي أن أواجه عفونتهم بشجاعة مرتديا كل ما خلفته الشمس من ضوء النهار الذي أشرق مؤخرا على وطني المفدى ، لذا فلا تتعجبي وأنت تقرئين ما كتبته لك الآن من أنني كنت جدا مسرور .. بل ومرتديا ثياب بهجة لقائي بك ، منصتا لضجيج زحام كل من هب ودب في خنادق الشوارع الغير مأهولة ، متورعا بمطاردة سرى صوتك الوهم ، وعند قفر باب دارك القابعة في ( حي الأمين )، وفي نفس المكان الذي كان شاخصا فيه بضع ما تبقى من أطلال تذكارك ، توقفت هنيئة .. وأضحيت اضغط بجوارحي على تراح نفسي ، مادا يدي وبخشوع نحو نافذتك التي تركتيها بغيابك مفتوحة منذ أولى ساعات ترحالك ، لعلني أجس شيئا من ما تبقى من ملامحك المتاخمة بعمق خيالي ، وبدون أن ادري .. وبلا شعور مني أيضا .. عرجت أطراف أناملي على ملمس زجاجها البارد ، فبانت من فوقها ظل هيئتي البليدة !            
وعلى حين غرة ..                    
 يدكني تعب عناء الانتظار،          
       انتظارك الذي دام طويلا،            
   ورغم أن أنفاسي كانت جدا موهنة ألا أنني صررت على أن أجثو منهمكا.. منكبا على ناصية عتبة الدار، متوخيا الحذر كي أصغي لخفق آهاتي الوئيدة !          
      كانت ظنوني وخصوصا تلك التي تحولت إلى شكوك لا حدود لها..                          
  كانت تزخر بوهج تلكم الأنواء !      
    كدت أعلو زغب لهثي الذي خلفه الزبد المتراكم فوق يباس شفتي، وغدوت مثل القشة.. 
طافح فوق ما جف من ماء!              وهكذا بقيت انتظرك بفارغ من الصبر وأنا ملتصقا بحميمة وبفكرة ما يسمونها بعودة ترنيمة الحياة مجددا، رغم أني كنت وقتها لا املك أية خيار سوى تلك الرغبة المدفونة التي بدت وكأنها مجنونة ، 
ولكنها كانت فكرتي الوحيدة !           وبغتة.. وخلال توالي ثواني معدودة، تلوح لي من بعيد صورتك الوهم: 
- أنا: كنت مولعا بان أجدد معك كل أحلامي المشنوقة  ، مشددا على ذلك العناق والذي لطالما افتقدته كثيرا، أرمق بشغف كيف هي حالك وأنت تركضين مقبلة نحوي بشوق ؟
- الغربة: كانت تتمايل بخطواتها غنجا، مترنحة من ثمالة كاس هوى عشقها المغبون والذي لطالما هب من تباريح أواسط منتصف نيسان! 
- أنا: صار على التمعن بشدو لتلك الرغبة المجنونة التي اكتنزتها عيوني طيلة سني غربتك .. الفرح الذي اختفى منذ اليوم الذي اعتلت بك رغبة هجرة الوطن لتركبين وعلى عجل من أمرك دفة إحدى سفن المهاجرة هربا ممن كانوا ينتمون لفصيلة الثعالب من الأنس والجان!
- الغربة: كانت فرحة وهي تستقبلك بترحاب لا نظير له بينما كانت صواريك مشرعة بما تبقى من رايات الإحزان الممزقة ، والمرقعة من منتصفها بجماجم الرعاع القرصان!
- أنا: كنت آسف لما كان يطربك من صرخاتها المدوية وهي تستبيح حرمة موانئ الوافرة بسفني المركونة على الأرصفة والمحملة بعقيق الذهب الأسود الخالص، والممتلئة بأفول ألآس وحقول المحار والمرجان! 
-الغربة: كانت تتشمت مزهوة.. يخال لها الفخر بما راحت تعبث به من ما تبقى من الروح التي غادرت الأجساد والأبدان!
- الغربة أيضا:كانت تتأبط حقائب القرامطة الحفاة ممن استروا عريهم بجلد الوحشة، وأفواههم الشرهة كانت تقضم ما أسقطته الفصول المتعاقبة من فاكهة حدائقي التي كانت يانعة بالخوخ والرمان !
- وكذلك الغربة أيضا: كانت لا تتأسف ندما عندما رأت بأم عينيها كيف أمسى دغل الشوق يتوغل قدما بين فنارات مزارع جزري ، وهو يقتل على أراضيّ التي احتلتها عنوة أجنة الفراشات وتلوح بقنص زغاليل الحمام! 
- أما أنا: فقد كانت جزري وقبل قدوم فراقك الغالي علينا ليغزوا حياتي التي كانت عبارة عن غابات حناء، حيثما كان يتجول في ليالي أنسها العشاق..  والقوالين.. والفوالين.. وقارئي الأبراج والفنجان! 
- أما الغربة مرة أخرى : فقد عادت ليّ أخيرا رافعة راياتها البيضاء، وبود أشاحت عنها ألوانها القافعة لتقول للقلوب التي كنا نألفها سالفا: 
- ها أندا جئتكم مندلقة ، 
  مستسلمة بصبر وإناء: 
ابحث عن حضن يدفئني !
          -3-
وتتمادى في غيها غربتك اللعينة وهي تناشدني بإسهاب :
 -افتح لها ذراعيك يا من كنت صديقها لترتاح بين حنوك قليلا، فهي ومنذ أن عادت بأدراجها أمست خائبة ولهذا تراها الآن جدا متعبة.. مرهقة من سفر أمده العناء الطويل بعد أن عم المدن التي يسكنها أحبابها الجوع والقحط والبارود والدخان. 
وفي أخر الليل وبينما كانت الغربة تخفق بلهث أنوثتها ، راحت تنعتني بالفشل بسبب الوهن الذي أصاب رجولتي ، ساعتها كانت تقعي على فراشي جالسة حد الصباح ،  
تندب حظها العاثر ، 
تارة كانت تتمادى بتقليم أظافرها بما تبقى لديها من أنياب وأسنان .. 
وفي أخرى فتئت تمسي مرتلة على أنشودة كلمات قصيدتها العجفاء حينما غدر بها شيوخ الجان.. 
أغنية عجز ابخس الملحنين من تحويلها إلى نشيد كان خاتمة مقاطعه: \"هي ذي معاناة عراة العالم ممن غادروا أوطانهم مضطرين وهم من محبي الله الفقراء\" 
فبأس لذلك العالم الذي كان يبدو باعتقادها :انه ربما في غدا، 
أو بعده،  
أو في أية لحظة فجأة سينهار ! 
ورغم ذلك لم تذهلني ألا بتلك المصيبة عندما أخذت مني ( رملة الجاسم ) على حين غرة، وها هي اليوم جاءت بكل صلافة لتعزيني بصورة مباغتة مفاجئة ، 
وهكذا اكتشفت نفسها بأم عينها صدفة : 
بأنها أصبحت في هذا العالم الدوار مثلي وحيدة 
تائهة بين صخب ودبكات صبية الشمال ! 
وعلى الحلبة، ومن بين المتفرجات اللواتي كنا يتقاتلن من اجل الفوز بالذكر الفالح الذي يشفي لهن جروحهن وآهات غرائزهن.. راحت تمشي بين المرائين مرفوعة الرأس هائمة .. 
متلفته بخجل من الشيب الذي خط فوديها : 
علّ ذكرا منهم ينتشي بزهو لمراقصتها ؟ 
عسى وان تلثم من رائحته أنوثتها ؟ 
تتجسس علي ّبغلو المغامرة لتتأكد جيدا من أنها أفقدتني تماما الكثير من صنج رجولتي ، متباهية بإرث ما تيبس فيها من زخارف الجمال، ولكنها أيقنت أخيرا بأنها صارت مثلي ألان منفية خارج حدود العمر والزمان! لتبقى مثلي وحيد                        -4-
وتحلو لنا جميعا تلك ساعات المصادفة عندما اكتشفنا معا، بأننا صرنا مثلما ذلك الخفاش الهرم الذي اصطدم من قنوط يأسه بما تبقى من الجداران! 
فراحت تتشبث بأسمال مناديل العشاق من المساكين واليتامى:
مرة : كانت تبحث عن شرارة حضن يدفئها ! 
وتارة: تناشد أي حنو لذراعين تلفيها !
أو ربما: فم يحسوا مخلفات ما تبقى من زبد الفتنه المتلألئة بأفقها ما بين مس شفتيها ! 
وعند أخر فاصلة: 
أدركت جيدا بأنها أصبحت مثلي تضحك من أعماقها على نفسها وبملء شدقيها كلما بانت هيئة شيخوختها في إحدى الزاوية الميتة من قعر المرآة،  
فتمر ببالها، 
مثلما اختمرت يوما في بالي تلك الفكرة العنيدة ! 
وما بين الواقع، 
أو بالأحرى ما بين الحلم واليقظة:
ستشاطرونني جميعكم خلاصة أحزانها، 
لتبدو لقتلة العالم أجمع:   
أن الغربة حقا صارت وحيدة 
 فآه .. 
ثم واه :   من تلك الفكرة العنيدة 
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : سهيله هادي يوسف المانيا ، في 2012/09/14 .

من غربت لليوم غربت روحي حتا الحمام وياي ناح اعلى نوحي من غربت لليوم غربت دنياي لافرح بيهه الوح لاخلي وياي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2897
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28