• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة قصيرة :نداء الزيتون .
                          • الكاتب : محجوبة صغير .

قصة قصيرة :نداء الزيتون

في قرية ألفت استنشاق الموت بعبق الشهادة وسماع غطرسة الجرّافات كلّ يوم ؛كان هناك بيت بُني من آهات ودموع امرأة هلكها الزمن وأرغمها على تجرع آهاته ؛بعدما فقدت كل عزيز كان يواسيها ويمسح عبرات القهر والذل التي نشرها مع الهواء أصحاب الظفائر الخبيثة والنظرات الحاقدة...كانت العجوز تنهض كل صباح لتُلقي التحية على وحدتها وتسكب من دمعها على شجرة الزيتون الباسقة؛ أما ما تبقى من بسمتها فتوزعها على الشمس التي تشرق دوما لتضيء الأرجاء من حولها؛ فيتجلى لها الموت قريبا منها تمازحه كلّ صباح وتَعدُه بالذهاب اليه دون أن يفعل هو ذلك .أمّا الحياة فانزوت جانبا خجلة أنّها لم تمنحها أيّ شيء عدا الهواء ..وقد عافته العجوز لأنه نعمة أخرى استنزفها جارها الحاقد مع أسرته..فتراها تتنفسه بصعوبة ؛فهو يحوي قذارة من نوع آخر لا يستطيع استنشاقها من ألفوا الطهارة
تباشر الثائرة العجوز يومياتها كل صباح على حليب عنزاتها وحبات الزيتون السوداء ...هي كلّ زادها لتقوى وتستعد لزيارة المنية كما وعدتها وبين انتظار الموت والمضيّ قدما للحياة البائسة...وفي لحظة مسروقة من الزمن القاسي ؛كانت تسقي ذات صباح فلسطيني ثائر شجرة الزيتون العريقة ؛ وتهديها ما تبقى من حنان بيديها الذابلتين ...تستنطقها بحكمة رهيبة ونظرات حالمة ..لكن الشجرة تهتز بلا ريح أمامها كانت مليئة بحبات الزيتون الخضراء والسوداء الذي يتحول بمجرد وقوف العجوز أمامها إلى أمل يستفز الخاسئين . يقترب من بيتها قطيع من البشر الممسوخين ينطّــون يأياد مشلولة لا يعرفون معنى الشرف ولم يذوقوا حلاوته ؛فالأخلاق عندهم تشابهت عليهم...كانوا فرحين مغتبطين وبصحبتهم جرّافة الموت لتسلب العجوز ما تبقى لها من الحياة...وبصدر مليئ بالعروبة و الشجاعة تستسمح شجرتها لتقطع منها غصنا تخيف به علوج الافك..يأمرونها بالابتعاد...فالوقت صار من نصيبهم والأرض الحرة لابدّ أن تتلوث بهم؛ ترفض وتبادرهم قائلة :"هذه أرضنا والزيتون ملكنا ..وليس لكم أي حق ّ هنا.." يأمر أحد الخاسئين جنوده بتكبيلها فورا فالكلام معها مضيعة للوقت..لا أحد أعان العجوز على التصدّي لهم غير حنجرتها وشجرتها التي دعتها لأن تتشبث بها ففخر لها أن تستشهد معها...وبينما تعانق جذعها ترتعد الأرض من تحتها وتزلزل لتجتث الحياة منها.
أمّا شجرة الزيتون فصبرت وتظاهرت بالموت أمامهم .فإن قطع الجذع فالجذور حيّة لا تموت.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29103
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12