• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رجل من ذاكرة الحرب .
                          • الكاتب : كريم السيد .

رجل من ذاكرة الحرب

1
عاملا بتلقائيته و بغيرته وشهامته العراقية ونخوته من اجل خدمة تلك المدينة الآمنه, فهو لم يكن يملك فيها غير بيته الصغير رغم كونه من العوائل الثرية في المدينة, لم يكن يرغب ان يصبح يوما ما القائد او السياسي الذي يدير شؤون البلاد والعباد; انما كان جل همه ان يحمي اموال الناس من السرقة والخراب, ربما كان دافعه شرعيا; لان الرجل ميالا لهذا المزاج كبقية ابناء جلدته في تلك المدينة.
لم يكن هناك واسطه بين ما اسرد والواقع فانا كنت شاهدا عيان على ذلك الرجل الذي خط اسمه بتاريخ المدينة, انه المواطن حاليا, والبعيد عن السياسه بعد المشرق عن المغرب واليكم قصته بإيجاز,
في 2003 وعند دخول القوات الأمريكية من جهة البصرة حيث وصل الجيش الى مدينة الناصرية الجنوبية كان صاحبنا كاسبا يعمل بكد اليد شانه شان كل ابناء المدينة التي كانت تبدو كالقبور المتربة كما قال لي احد البغداديين عند زيارتها ايام التسعينات, قلعة سكر تلك هي المدينة, عج البعض لسرقة الدوائر الحكومية والعامة في مختلف محافظات العراق والتي عرفت بما يسمى (الحواسم) عند تعرض العراق للنهب والخراب بعدما ترك الامريكان الشعب الجائع طليقا بوجود عصابات السرقة التي اطلقها قبلهم النظام السابق متجاهلين نداءات المرجعيات والخيرين, هنا بدأت قصة (علي دشر) الذي حمل سلاحه  ضد السراق والمخربين قام بواجبه الرسمي من دون مرسوم او توجيه من احد ليحرس الاموال والممتلكات كالمصرف الوحيد في المدينة ودائرة النفوس والبريد وغيرها من الدوائر المهمه, وحرص على ان تصل المؤن التي شحت آنذاك بين الناس بالتساوي وكانت عائلته اخر العوائل ان بقي لها حصه, شرع بأعمال المدينة بوصفه حاكما مدنيا لا مخول من حكومة ولا من الامريكان ولا غيره, كان مخولا من الضمير ولا شيء غيره.
قدم الرجل ما لدية يوم كان الجميع يعتقد ان هذا ارث البعث, فهو رغم اميته بالقراءه والكتابه ادرك ان المال للعراق وما البعث الا مستحوذا عليه وانتهى, فبدأ العراق ينعم بديمقراطية الانتخاب في اولى الممارسات بانتخاب المجالس المحلية اذ فاز الرجل بالمركز الاول متفوقا على الكثير من حملة الشهادات والوجهاء وغيرهم رغم انه كان (اميا), ليصبح اول حاكم مدني لتلك المدينة بعد سقوط النظام, استقال (ابو مالك) من المجلس المحلي لكون الضوابط تشترط الشهادة التي لا يملكها, ولا اعتقد ان الرجل كان غاضبا او متشائما بل اعتقده عكس ذلك كونه حصل على مكافئة الجماهير بعد ان منحته الثقة ورأت ذلك جليا بابناءة الذين لم يعينوا بدوائر الدولة ولم يتقدم الرجل خطوه واحده بل بقي بلباسه الشعبي وبكارزمته المعتادة, لم يحصل على منافع او امتيازات رغم احترام الامريكان لشخصيته الشعبية وصداقتهم له على انه معين في حفظ الامن ومنع الفوضى.
2
ابو مالك لم يكن ابن حزب سياسي ولا صاحب افكار مدروسه قبل سقوط النظام وحينه انما كان صاحب فطرة سليمة وحكمة ودرايه, دافعه لم يكن مثل دافع الاخرين بالوصول الى الحكم عن طريق ركوب الموجه او الانتماء لشخص او لحزب لاجل منفعه انما الرجل كان من اهل الله ويعمل بدور الخير الذي لابد وان يتدخل في مثل هكذا مواقف.
 اكتب هذه السطور وانا مدرك ان جل الذين يتنعمون بمنافع الدوله هذا اليوم لم يقدموا ولو جزء يسير مما قدمة ذلك الرجل, فهم ارادوا ان يعيشوا بين الخدم والحشم بعيدا عن الناس وهو اراد ان يعيش بين الناس في المقاهي الشعبية والنوادي والمناسبات الاجتماعية وهو يمثل الفقير الذي افلت زمام السلطة من يده وجرى وراء خدمة الناس مرة اخرى, كم من علي دشر ضاع بين انقاض حروبنا ولم نسمع او نعرف عنه شيئا, وحين يجلس اهل المدينه ويعصرون ذاكرتهم عن احداث نيسان عام 2003 فهم لا يخرجون منها الا بأجلال لهذا الرجل ومواقف البعث الذي فر من ارض الميدان بشعاراته وسقوطه الفضيع الذي قلب العراق رأسا على عقب.
نعم, انها للتاريخ ولا شيء غير التاريخ, علما ان الرجل حي يرزق واكاد اجزم انه لا يدري ان هناك من يكتب عنه بعض السطور, ولا استبعد ان الامريكان دونوا اسمه بسجلاتهم ووثائقهم عن حرب العراق, خصوصا واني رأيت صوره له نقلها بعض الاخوه من ارشيف الحرب في احد المواقع الامريكيه لان الامريكان يقدرون قيمة التاريخ للعبرة والالهام ونحن نضعه دائما موضع الاستفهام, وهذه سنة دهرنا!.
تحيه لابي مالك ذلك الرجل الغيور وللأزمات رجال ومواقف وعبر وسلام على العراق الذي لا يخلو من امثال ابو مالك لانه منجم الرجال.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29648
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19