• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تطبع العرب على الاستبداد وربيع الحرية العربي .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

تطبع العرب على الاستبداد وربيع الحرية العربي

    العرب مستبدون، حقيقة ثابتة، تتعدى الزمان والمكان، ومنطبقة على الأمس واليوم، ممارسة في كل بلدانهم ومجتمعاتهم، وموثقة في كتبهم التاريخية، ومفروضة في بعض كتبهم الدينية، ومبرهنة في بحوثهم الإجتماعية والنفسية، ولا غرابة تفاخر شاعرهم بقومه البغاة الظالمين*.
    كل قادة العرب مستبدون، سواءً المعترفون بذلك أو المنكرون، الملكيون والجمهوريون، القوميون والقطريون، العلمانيون والمتدينون، الثوريون والمحافظون، الديمقراطيون بالاسم فقط والدكتاتوريون، الرأسماليون والاشتراكيون، الشعبيون والنخبويون، القبليون والحضريون، والاستثناء على هذه القاعدة في الماضي والحاضر قلة، يعدون على أصابع اليد الواحدة، وأتحداكم أن تسموا أكثر من ذلك، والاستثناء هنا دليل على صحة التعميم، فكلما سقط مستبد حل محله آخر. 
    وكثير من القادة الدينيين مستبدون أيضاً، وغالبيتهم وعاظ سلاطين، يحللون لهم التسلط والاستبداد، ويحرمون على الرعية حتى الاعتراض على الحاكم المستبد، أو الدعاء عليه ولو بكسر اليد ، هم حرموا الوثوب على السلطان بالسيف، وحللوا سلطة الواثب على السلطة والحاكم بالسيف، هم أيضاً متعالون ومتكبرون، ولو استطاعوا لصنعوا لأنفسهم منابراً تناطح السحاب. 
    كذلك أصحاب العمل والمديرون، لسلطاتهم حارسون، ونادراً ما يفوضون، ولو عارضتهم أو حتى ناقشتهم في أمر لكان مصيرك الطرد من الوظيفة أو العقوبة المعجلة أو الحرمان من الترقية.
   في المدرسة يطبق المعلم العربي المثل: من علمته حرفاً صار لي عبداً، وكأنه وحي منزل، هكذا يعامل طلابه، وبالحرف الواحد، ولا فرق بين معلم أو بروفسور، أو إبتدائية وأكاديمية، ولو أخطأ المعلم أو سهى فالويل لمن يصححه، ولو اختلفت معه فسينتقم منك عند وضع الدرجات، أو يهينك من دون سبب، ولو كان علمهم غزيزاً لهانت المعاناة، لكنه لا يزيد وغالباً ينقص عما تعلموه في صفوف الدراسة.
    قبل تعويد الطالب على الاستبداد في المدرسة  يتطبع عليه في البيت، هنالك أصل الداء، فالزوج مستبد في معاملة زوجته، والأب مع أبناءه، والإبن الأكبر مع أخوانه واخواته الصغار، والأبناء مع البنات، ولو أي منهم لم يستبد لانتهز الفرصة الاخرون ليستبدوا به.
    حتى نساء العرب مستبدات، إن استطعن ذلك، وسمح لهن الرجال، والمثال الأم مع بناتها، وأم الزوج وكنائنها أو العكس، وربة البيت والخادمة، ولو أتيحت لها الفرصة وواتاها الحظ فستطمح للتسلط على أهلها والغير، فهي نتاج مجتمع التسلط، الذي أما أن تكون فيه متسلطاً أو خاضع للسلطة.
    كل العرب مستبدون، وإن كانوا أحياناً هدفاً للإستبداد، ولو أعطيت أحدهم سلطة أو قوة وخيرته بين الاستبداد بها أو إشراك الأخرين فيها لاختار الاستبداد من دون تردد، حتى أن أقصى أمنيات أحد مصلحيهم حاكم مستبد عادل**، والعدل والاستبداد نقيضان، وبقدر عبادتهم للسلطة والقوة لا يفرطون بها، ولا يتنازلون عنها إلا إذا أحسوا بالهلاك، لذا كان ومازال السيف الوسيلة الوحيدة لنزع السلطة عن الحاكم العربي، ولون الحرية لديهم أحمر، ولا يدق إلا بالأيدي المضرجة بالدماء.
    ثم يجرأ هؤلاء المستبدون بالتطبع على المطالبة بالحرية، هو التناقض التام، وتمام السخف، بل المحال، لأن عقل المستبد مغلق، لا يسمح للحرية بالنفاذ، فالاستبداد العربي مستوطن، داخل العقول والنفوس، ومهيمن على الفكر والسلوك، ولا يزول بمجرد سقوط طاغية مستبد، أو نتيجة مظاهرة أو اعتصام، وحتى لو أحرق الألاف انفسهم، وسقط أكثر منهم في مواجهات مع قوات النظام، أو انضم الجميع إلى جيش حر..
    الفرق ين العقل المستبد والحر هو أن الاول مغلق والثاني منفتح، الأول شبه مشلول أو مقعد والثاني يركض ويقفز فوق الحواجز، حرية الإنسان نابعة من حرية العقل، وما دامت عقول العرب مقيدة بفكر الاستبداد فستبقى الحرية مجرد شعارات، تقليد أو تقليعة يجارون بها ديمقراطية الغرب الشكلية، كما الملابس وتصفيفات الشعر والاطعمة الجاهزة، وليبرهنوا بأنهم في ركب الحضارة سائرون.
   كيف استبد العرب والله خالقهم يخاطبهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر! وهذه أقصى درجات الحرية، ولا حرية أعظم منها، وكل استبداد مخالف لها وهو محرم.
   الربيع العربي أشبه بتغيير الحية لجلدها، هي الحية نفسها أو الاستبداد بجلد جديد.
   أول خطوات الحرية أن يهتف العربي: لتسقط ذاتي المستبدة! ثم يروغ على كل رموز الاستبداد في عقله وفكره ضرباً باليمين، فلا يبقي صغيراً منهم ولا كبيراً، وبعد أن يخلو عقله من كل نزعات الاستبداد، ويفتح أبواب ومنافذ عقله، آنذاك فقط سيعرف الحرية الحقة.
  واخيراً لكي تستحق الحرية يجب أولاً أن تعترف باستحقاق الآخرين لها.
12 نيسان 2013
* بغاة ظالمون فما  ُظلمنا # ولكنا سنبقى ظالمينا
** هو الشيخ محمد عبدة الذي كتب مقالاً في 1899م بعنوان: إنما ينهض بالشرق مستبد عادل      



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29808
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28