• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حديث حول محادثة المعلم يوسف .
                          • الكاتب : معمر حبار .

حديث حول محادثة المعلم يوسف

في سنوات 1974 – 1975، من القرن الماضي، كان تلميذا في السنة الثالثة ابتدائي، يقف بأدب واحترام، أمام معلم مادة اللّغة العربية، الشيخ يوسف، أمدّ الله في عمره.
وبعد أن تجاوز التلميذ، عقده الرابع، بسبع سنوات، يقف من جديد، وكلّه حنين لأيام الله،  ليُحيي في نفسه، التلميذ الصغير، الذي لاينسى  لشيخه الكبير، أنه كان من وراء، طلاقة اللسان، وحسن الإِذن، والآذان.
خميس الشيخ يوسف: كانت الدروس، تقسّم إلى قسمين، في ابتدائية حي بن سونة، كل يوم الخميس. يَدرس تلامذة القسم الأول: من الساعة 8 صباحا إلى 12 زوالا، وتلامذة الابتدائي يومها، يحبّون كثيرا هذا التوقيت، لما فيه من راحة، تُستغلّ فيما بعد للهو واللعب. وتلامذة القسم الثاني: يدرسون من الساعة 13 إلى الساعة 17 مساءً، والتلاميذ يومها، يكرهون كثيرا هذا التوقيت، باستثناء تلامذة الشيخ يوسف، فقد استطاع أن يجعل من مساء يوم الخميس، أفضل أيام الأسبوع، ويتمناه التلميذ ويفضله على غيره من الأيام. ولعلّ هذه الأسطر، وبعد هذه العقود، تعتبر شهادة شكر وعرفان، تشبّثت بالذاكرة، وفضّلت الرسوخ والانتشار، ليتعلّم منها الآتي والقادم.
نظافة الشيخ يوسف: في كل يوم من أيام الخميس، يطلب الشيخ يوسف من تلامذته، إحضار بعض أدوات التنظيف، كالجافيل، والصابون، والمنشفة، والأومو، لتنظيف طاولات القسم، ثم تنظيف القسم كلّه، مما علق من جرّاء عملية، تنظيف الطاولات.
وعملية التنظيف، تتم ضمن العمل الجماعي، وفي جوّ كلّه محبة وإخاء، وصدق وإخلاص، وبإشراف الشيخ يوسف وبمعيته، فنمت هذه الصورة الطاهرة مع الطفل، وزادت رسوخا، كلّما امتد بها الزمن.
والملاحظة التي يجب أن تُذكر بعد هذه العقود، أن الحالة المادية للتلاميذ وأوليائهم يومها، كانت عسيرة صعبة، لكن طاعة الشيخ، وحرصا على النظافة والآداب، كان الأولياء، يحرمون بيوتهم من بعض أدوات التنظيف، ليقدموها لأبنائهم، مساهمة منهم في عملية التنظيف.
ومع مرور الزمن، بقيت صورة الإيثار، ونكران الذات، ومساهمة الأولياء، في تدعيم مؤسسات التعليم، بما رُزقوا من قليل، تُراود الطفل والتلميذ، الذي يفضل أن يبقى تلميذا لشيخه، ووالديه.
التدريب على المحادثة والإلقاء: بعد الانتهاء من عملية تنظيف الطاولات والقسم، يشرع الشيخ يوسف، في تقسيم التلاميذ إلى أفواج، وكل فوج يختار موضوعا معينا، يتحدث فيه عن الأمانة، والصدق، والوفاء، والإخلاص، وطاعة الوالدين، وحب الشيخ، والامتثال لأمره ونهيه. ثم يقوم التلميذ، ليلقي على أسماع زملاءه، الموضوع الذي قام بتحضيره، معتمدا في ذلك، على الإلقاء والارتجال، دون الكتابة، ليتدخل الشيخ يوسف من حين لآخر، مصححا مايجب تصحيحه، من طريقة الإلقاء، واختيار الكلمات، والصوت المناسب لها، والشخصية التي تتلاءم، والدور المقدم، وكذا الإشارات المستخدمة، والانفعالات التي تتماشى، وطبيعة الموضع.
يتم الإلقاء في جوّ، كلّه تسامح وإخاء، ومنافسة شريفة بين التلاميذ، وأيّهم يفوز بأحسن إلقاء، وأفضل أداء. وتتخللها ملاحظات الشيخ يوسف، في ثوب كلّ بهجة وسرور، يقبلها التلميذ برضى بالغ، وصدر واسع، لأنّ التدرّب على الإلقاء، يُمكّنه من طلاقة اللسان، والتحكم في أدوات الخطابة، منذ الصغر.
محادثة الصغر في تقويم اللسان: الغرض من سرد أيام الصبا، هو توضيح أهمية المحادثة والإلقاء، في تقويم اللسان وتصحيحه. فاللّغة تعتمد في الصغر على السّماع والإلقاء، فإذا تربى الطفل على الاستماع، لأحسن الأقوال، وأعذب الكلمات، وأحكم العبارات، سَهُل عليه فيما بعد، مخاطبة غيره، بسهولة ويسر، وإلقاء مُحكم سلس، وأتقن فيما بعد أدوات القراءة والكتابة معا. ومن نشأ على الاستماع للحسن، ألقى على المسامع، ماهو أحسن وأفضل، ومن تدرّب على مخاطبة الكبار، وهو في العاشرة من عمره، سهُل عليه فيما بعد، مخاطبتهم بالأسطر واللسان.    



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30346
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29