• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ .
                          • الكاتب : د . سليم الجصاني .

أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ

قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } (القمر13)، إذ الألواح هي الخشب وقد وردت المفردة في الذكر الكريم في مواضع منها {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (الأعراف145)(1) وقوله تعالى  {فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (البروج22)، إذ الكتابة كانت وقتها على ألواح من خشب والى وقتنا هذا نلحظ استعمال الألواح في بعض البلدان الإسلامية التي تعلم أبناءها حفظ القران.
وأما (دُسُرٍ) فقد وردت في القران الكريم في الآية أعلاه ومعناها مسامير و مفردها (دسار) ككتب وكتاب، لتربط هذه المسامير خشب السفينة مع بعضها، وفي رأي آخر ان معنى (دسر) هو الحبال(2) التي تشد بها الألواح، وذهب آخرون إلى ان الدستور هو جؤجؤ السفينة بمعنى مقدمتها الذي تدسر  به الماء أي تدفعه(3)، ولكن أشهر الآراء هو معنى المسامير(4) لانه يدسر به أو يدفع(5).
والسؤال يكمن في استعمال النص القرآني (للألواح والدسر) التي يراد بها السفينة ولم يستعمل السفينة والفلك، على الرغم من ورودهما في الذكر الحكيم في قوله تعالى {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }(الكهف71)(6) وفي قصة نوح ورد قوله تعالى {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }العنكبوت15، وإذا كانت مفردة (سفينة ) وردت ثلاث مرات(7)، فمفردة (فلك) التي تعني المعنى نفسه وردت ثلاث وعشرون مرة منها ما ورد في قصة نوح (عليه السلام) كما في قوله تعالى{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}(هود38)(8).
والإجابة عن استعمال ( ألواح ودسر ) دون استعمال السفينة أو الفلك أو غيرهما؛ يدل عليها السياق والقرائن اللفظية في الآية وآيات أخر تتناول قصة نوح (ع) ومن معه من المؤمنين الذين حملوا في سفينة {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}(هود42)بعد ان غطى الماء كل شيء {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ }(الحاقة11) نتيجة لدعوة مظلوم غلب على أمره وعصي ما دعا إليه من خير وأمر بالمعروف يبينه الذكر الحكيم في قوله تعالى{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ }(القمر10)، ليحل غضب القاهر سبحانه في مشهد عظيم وصورة مرعبة يرسمها الانهمار الشديد للماء من السماء والتقائه بماء تقذفه الأرض من عيون ملأتها في صورة قال فيها تعالى {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} (القمر: 11،12). وهي صورة لا ينجو منها شيء، ومن وهم غير ذلك هلك كما هو شان ابن نوح الذي ورد ذكره في قوله تعالى {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }(هود43)فسفينة نوح كقشة تتقاذفها أمواج قوامها جبال متلاطمة ومثلها جبال من ماء تقذفها السماء نحو الأرض فتطبق على سكانها، قدرة لا تضاهيها قدرة وعظمة لا تضاهيها عظمة وغضب هاجت له السماوات والأرض، حتى راح كل من عليها يحسب ان الأرض لن تستقر ثانية وان الأمور خرجت عن السيطرة حتى قال صانعها سبحانه {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }(هود44)، وهي آية دارت في كتب البلاغة واللغة على نحو اظهر اهتمام العلماء بها في بث دهشتهم لما ضمته الآية من مسائل لغوية أظهرت قدرة الباري سبحانه، منها نداء الأرض التي لم يسجل لها استجابة لغيره تعالى فالشعراء والفلاسفة والمتأملون نادوها فلم تجبهم وإنما امتثلت صاغرة في نداء الآية – وكذلك نداء السماء وكذلك البناء للمفعول في (ميل وغيض وقضى)، والأمر في (ابلعي واقلعي) وغيرها من مسائل تظهر غرابة المشهد في تأزمه وقدرة عالية في إنهائه والسيطرة عليها.
وهنا تكمن ثمرة الاستعمال القرآني ( لألواح ودسر) دون الاستعمال الصريح للفظ (سفينة) لكونها سفينة لم تنجُ بقدرتها أو قدرة أناسها، وإنما نجت بقدرة الخالق سبحانه وان جميع الحسابات تشير إلى انها سفينة لا طاقة لها على الصمود أمام المشهد بصورته المتلاطمة وقرينة قوله تعالى{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(القمر14)، أي بحفظه ورعايته تعالى. 
والرعاية السماوية تحتاج إلى شكر ليس بالقول وحده، بل بالقول والفعل، وليس من الصحيح ان ينسى الإنسان درس القرون المؤلمة في أيام أو شهور أو حتى سنين، فمحنة السنين وآلامها ينبغي ان لا تمحوها الأيام.
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1) ظ: سورة الأعراف : 150 ، 154 فضلا عن الآيتين المذكورتين الأعراف:145، القمر: 13 ، ووردت المفردة في البروج :22، وكل ورودها جاءت فيه بمعنى ألواح الكتابة وحفظ المعلومة إلا الآية الشاهد، إذ وردت بمعنى الخشب المكون للسفينة.
2) ظ: الخليل، العين: 6\234
3) ظ: الشنقيطي، أضواء البيان: 7/478، ظ: لسان العرب (دسر): 4/285
4) ظ:الغرناطي الكلبي، التسهيل العلوم التنزيل: 4/80، ظ: الرازي، التفسير الكبير :29/35 ، ظ : المفردات في غريب القران : 1/161،التفسير
5) ظ: الزمخشري، الكشاف:4/433
6) ظ: كذلك وردت في سورة الكهف:79
7) المصحف الرقمي مادة(سفينة). 
8) البقرة: 164، الأعراف: 64 يونس:22 ، 73، هود :37، إبراهيم:32، النحل 14، الإسراء:66، الحج:65 ، المؤمنون: 22، 27 ، 28الشعراء:119، العنكبوت: 65، الروم : 46 ، لقمان 31 ، فاطر : 12، يس:41، الصافات: 140، غافر: 80 ، الزخرف:12 ، الجاثية:12



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30418
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18