• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأمثال القرآنية ودورها في أصلاح الإنسان .
                          • الكاتب : كاظم الاسدي .

الأمثال القرآنية ودورها في أصلاح الإنسان

 

 
تمهيد
أشرف دليل وأوضع وأيسر دليل للفطرة هو التعامل مع علم المثال والتمثيل وإنْ كان ديدن الناس إنَّهم لا يناقشون في المثال. لكن الذي نقصده هنا ليس المثال العلمي المعروف إنَّما هو المثل الصحيح المأخوذ من علم المثال وهو علم إيحائي يصل إليه الإنسان بالإيحاء أو بالكشف أو بالإلقاء الإلهي, فالمقصود به هو علم المثل المأخوذ من ذلك العلم الحقيقي. فالإنسان إذا تمكن من الحصول على الأمثلة الحقيقية الواضحة فهو دليل الفطرة.
ولكن علم المثال أو المثل علم عزيز فلذلك لا يُطرق مثل هذا العلم إذ أنَّه صعب المنال حاله كحال العلوم العزيزة كعلم المنام أو علم القصص فنحن لا نُريد الأمثلة أو القصص أو التعبير المعروف الذي يمكن لأي إنسان أنْ يأتي به, بل نريد ما هو مأخوذ من حقيقته . لذا تجد أنَّ القصص ذُكرت وأكدّ عليها في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك} .
المثل لغة
 ورد إن كلمة (مثل) تعني (تسوية), يُقال هذا مثِلهِ ومَثلَهُ. كما يُقال (شبِهة وشَبهَةُ) والمِثل: النظير . ويأتي بمعنى الصفة وبمعنى العِبرة. والمَثَل: الحِجة. ومثِل الشيء ومُثلُهُ. قام منتصباً ويعني (الآية) {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ}([1]). وقيل المثِل والمثَل يدلان على معنى واحد: كون الشيء نظير الشيء.
قال بن فارس: (يدل على مناظرة الشيء للشيء) أي هذا مثل هذا أي نظيره
المِثل: المُشارك في تمام الحقيقة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
 والمِثال: المُشارك في بعض الأغراض كالصورة المنقوشة على الجدار التي تُماثل الموجود الخارجي.
كما إن المثل يفترق عن النِد: فالنِد: نِد الشيء: ما يُشاركه في جوهره أما المِثل: يُقال في أي مُشاركة كانت.
كما إن الفرق بين المساواة وبين المماثلة أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمماثلة بين المتفقين في ذلك . لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص. أما المماثلة: لا تكون إلا في المتفقين تقول(لونه كلونه. وطعمه كطعمه).
المماثلة: تستعمل في المتفقين في الماهية الواحدة بينما المشابهة تستعمل غالباً في مختلفي الحقيقة والمتفقين في خصوصية من الخصوصيات. وقيل سُميت الحِكم القائم صدقها في العقول أمثالاً؛ لانتصاب صورها في العقول. مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب ومنه في الحديث: >من أحب أن يتمثل في قيامه الناس فليتبؤ مقعدة من النار<([2]) الله ضرب الأمثال ويكفي شاهد على ذلك  {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر:21) فالله ضرب لنا الأمثال لكي نعي ونتفكر. فالأمثال عبارة عن وحي يلقيه الله في قلب العابد السالك. ففي هذه الأمثال كذلك تخشع القلوب وتتصدع لان فيها العبرة والإشارة واللطيفة فيتكامل الإنسان بها؛ لأنه يدرك الخلاصة والسر في هذه الأمثلة. قال الإمام علي × >نزل القرآن أرباعاً. ربعٌ فينا وربعٌ في عدونا وربعُ سنن وأمثال وربعٌ فرائض وأحكام) . وروي عن الإمام الصادق: عن جدي الإمام علي × قال لقاضي: هل تعرف الناسخ والمنسوخ قال لا . قال فهل أشرفت على مراد الله في أمثال القرآن قال لا. قال إذن هلكت وأهلكت< طبعاً هذه الرواية تؤكد تأكيداً شديد بأن على الإنسان أن يعتبر بالأمثلة ويطلع على مراد الله فيها. ولا يكفي فقط الشرح الظاهري للمثال. بل ما أراد الله من المثال. مع العلم إن هذا قاضي (أي يعني إنه عارف ومفسر ويدرك كتاب الله) ولكن الإمام قال له هذه المقالة (هلكت وأهلكت) ما نُقل عن العلماء كالماوردي حيث قال: من أعظم علم القرآن علم أمثاله وقال والناس في غفلة عنه لانشغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات.
والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام وكالناقة بلا زمام.
كذلك الأمثال الواردة على لسان النبي وأهل بيته والحكماء. وعندما يذكروا الأمثلة لابد أن تكون فيها نكات. ولكن الإنسان العادي لا يعرفها ولا يلتفت إليها.
ومن الأمثال النبوية, قال الرسول ’ >مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيه مثل الحي والميت< >مثلُ العالم الذي يُعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يُضيء للناس ويحرق نفسه< >مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يُحدث به كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا يُنفقه<
لابد من مناسبة بين (العلم والكنز) (العلم والنور أو السراج) فهل هذه الأمثلة لأجل إيضاح فكرة ما أم هي تمثيل حقيقي وواقعي!
>مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ومثل الذي يتعلم العلم في كُبره كالذي يكتب على الماء< >مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يعطيك من عُطره أصابك بريحه< >مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منه من شيء نفعك< >مثل أهل بيتي كسفينة نوح مَن ركبها نجى ومَن تخلف عنها غرق وهوى<.
وكذلك الأمثلة المذكورة في القرآن فيمكن الاستفادة منها ولكن لا فقط ما أتى بلفظ (مثل) كما في >مثل الذين.. او ضرب الله مثلاً...< بل من الآيات المباركة لها تطابق مع الأمثلة..
كذلك إذا تفحصنا أمثلة (اللسان العربي الواضح) نجد أمثله تُطابق آيات الله وكذلك أقوال الحكماء تُطابق آيات الله.
إذن فإطلاع الإنسان على عالم المثال والأمثلة يتمكن من تفسير القُرآن. قال الماوردي لشخص: إنك تُخرج أمثال العرب والعجم من القرآن فهل تجد في كتاب الله (خير الأمور أوسطها) قال في أربع مواضع >لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك< >ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت وابتغي بين ذلك سبيلاً< >ولا تجعل يدك مغلولة إلى عُنقك ولا تُبسطها كل البسط<
>والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً<
فقال: قلت له فهل تجد في كتاب الله (مَن جهل شيء عاداه) قال نعم في موضعين >بل كذبوا بما لم يحطوا بعمله< >وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك مبين< . قال : فهل تجد >احذر مَن أحسنت إليه< قال نعم >وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله< . قال أتجد (ليس الخبر كالعيان) قال >أو لم تؤمن قال بلا ولكن ليطمئن القلب<
قال : فهل تجد (في الحركات البركات) قال > ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً<.
قال فهل تجد (كما تدين تدان) >ومَن يعمل سوءً يجزى به<
قال فهل تجد (حين تغل تدري) قال >وسوف يعلمون حين يرون العذاب مَن اظلُ سبيلاً< قال فهل تجد (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) قال >هل أمنكم عليه كما آمنتكم على أخيه من قبل<
قال فهل تجد (من أعان ظالماً سُلط عليه) قال>كُتب عليه إنه من تولاه فإنه يظله ويهديه إلى عذاب السعير<.
قال فهل تجد >ولا تلد الحية إلا الحية< قال>ولا يلد إلا فاجراً كفاراً< قال فهل تجد >للحيطان أذان< قال> وفيكم سماعون لهم< قال فهل تجد >الجاهل مرزوق والعالم محروم< قال> مَن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا< خاص الخواص للثعالبي / كشاف اصطلاحات الفنون.
ولا يمكن التعرف على مثل هذه العلوم إلا بالمعرفة الكسبية أما المعرفة الإلقائية فهي تعتمد على التطهير والتهذيب للنفس. وبالتالي تُلقى الحكمة في القلب وبالتالي تُعرف مثل هذه العلوم. وخير شاهد من القرآن على ذلك لقمان الحكيم. الذي كان له حال متميزة وبالتالي اُلقيت إليه الحكمة > آية <.
قال الإمام الصادق >والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسبٍ ومالٍ ولا بسطٍ في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجُلٌ قويً في أمر الله متورعاً في الله، ساكناً، سكيناً، عميق النظر، طويل التفكر، حديد البصر، لم ينام نهاراً قط، ولم يتكأ في مجلس قوماً قط، ولم يتفل في مجلس قوماً قط، ولم يعبث بشي قط، ولم يره احد من الناس على بول ولا غائط قط، ولا على اغتسال لشدّة تستره وتحفظه في أمره، ولم يضحك من شيء قط، ولم يغضب مخافة الإثم في دينه قط، ولم يمازح إنسان قط ، ولم يفرح بما أوتيَ من الدنيا، ولا حزن منها على شيء قط، ولم يمر بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلا أصلح بينهما، ولم يمضي عنهما حتى يتحاجزا . ولم يسمع قولاً استحسنه من أحد قط إلا سأله عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء. وكان يخشى القضاة والملوك والسلاطين ، فكان للفقهاء بما ابتلوا به. الملوك والسلاط لعزتهم بالله وطميئنيتهم بذلك. ويتعلم ما يغلب به نفسه ويُجاهد به هواه، وكان يداوي نفسه بالتفكر والصبر وكان لا يغضب إلا بما ينفعه ولا ينظر إلا بما يعنيه . فبذلك أوتي الحكمة ومُنح القضية. فإذا سار الإنسان على هذا المنوال يحصل على الحكمة او علم القصص أو المثال او المنام.
ولكن الإنسان إذا لم يتعرف على لمحة عن هذه العلوم لا يستطيع أن يُفسر او يطلع على أحكام القرآن وأسراره. وهذه الأمثال التي ليست بحجة كما قال العلماء ولكن من جهة أخرى نقول أنها حجة. فالمنام ليس حجة كما هو في الفقه. وهكذا الأمثال وعدم الحجية من حيث أن الإنسان لا يستطيع التعرف على قواعد وقوانين هذه العلوم . ولكن أصل وحيداً هذه العلوم ثابت وموجود ولكن لعدم حصول الإنسان على مفاتيح هذه العلوم قالوا بعدم حجيتها.
والذي يستند إلى حجيتها (تكون فقط له ولا تباعه) أي الذين يعتقدون إنه ولي (ولاية خاصة ومحصورة) أو قد حوى هذا العلم . فيكون علم الأمثال وعلم المنام حجة عليه وعلى أتباعه. أما النبي أو الإمام حجيته للكل (لان ولايته عامة) . أما المؤمن ولكون ولايته خاصة ومحصورة فتكون حجة له ولا تباعه ومريديه.
نحن نعلم إنه قد جاءت شواهد كثيرة على الأمثال في القرآن. وجاءت بنفس الكلمة كـ (مثلُ الذين ...) ولكن قد تأتي الأمثال مرموزة في كتاب الله.
والذي ذكر في القرآن والآية الصريحة. كما جاء في سورة الحشر 21 {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ}
فهذه الآية تشير إلى الأمثال والتمثيل . ولكن هل ترى التمثيل فيها بمجرد توضيح فكرة وبيان أمر. ام إنه أمر حقيقي وتمثيل حقيقي لبيان واقعة فيه. فلابد من استنتاج الزبدة والعبرة لكي ترتقي النفس لمرتبة الكمال عن طريق إدراك تلك العبر.
إن القرآن له أسماء وصفات كثيرة . ويكفي القول أن القرآن هو أسماء وصفات الله. لذا تجد أن للقرآن أسماء كثيرة من أوضحها (القرآن ـ الفرقان ـ الذكر ـ الكتاب ـ التنزيل..).
فمن يريد تناول كلمة (القرآن) حيث وردت في أية البحث .
1) القرآن من كلمة (قرى) كما قال بعض العلماء . و(قرئ) يعني الجمع (قرأت الماء في الحوض) وسُمي القُرآن به لأنه يجمع ثمرات الكتب السماوية فهو شامل وجامع وحاوي للكتب السماوية . بل ما من شيء إلا وهو في القرآن . فالقرآن يعني الجامع والجمع.
2) او سُمي من (قرن) ضم الشيء إلى الشيء الآخر. أو قرب بينهما.
وسُمي بذلك لاقتران آياته وحروفه وسوره بعضها مع بعض فتعني الجمع
3) وقيل سُمي من القرائن وهو جمع قرينة . لأن كل آية قريبة على الآية التي تسبقها أو مؤيده للآيات الأخرى.
والخلاصة في أقوال المفسرين في وجهة التسمية فيه: القرآن بمعنى الجمع كيفما كان أوخذ فيه >إنا علينا جمعه وقرآنه< وإن كانت (قرآنه) تعني القراءة.
وأما بالنسبة للفرقان : أي الذي يُفرق بين الحق وبين الباطل أو المؤدي للمخرج والنجاة ـ >يا أيها الذين امنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً< النجاة والتفرقة بين الحق والباطل. في هذه الآية المتقدمة ذُكر اسم القرآن ثم ذُكر اسم الجبل والجيل معروف ولكن مع ذلك له خصوصيات . فالجبل اسم لكل وتد من أوتاد الأرض طال وعظُم . ومنه هذه الآية (والأرض انبتاها وألقينا فيها رواسي وانبتنا فيها في كل شيء...< والرواسي الجبال الثابتة. حيث أن الجبل هو الوتد الثابت العظيم والعالي. >وجعلنا فيها رواسي شامخات< ومن خصوصيات الجبل: الصلابة والشدة والقوة >ثم قست قلوبهم من بعد ذلك< وخصوصاً إذا كان جبل. فهذه الخصوصيات أيضاً نجدها في القرآن فيمكن تحصيل المناسبة بينهما. فالقرآن له العظمة (القرآن العظيم) وله العلو (فهو أعلى الكتب السماوية وارفعها) وله الثقل (إنا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً) لذا ضرب الجبال مثلاً للمناسبة ليُري عظمة وثقل وعلو القرآن لأنه ما من موجود أثقل من القرآن {إنا سنقلي عليك قولاً ثقيلاً} والجبل أثقل الموجودات المادية. فتحصل المناسبة من العلو والثقل.
والجبال كأي موجود من الموجودات لها حظ من العبادة والتسبيح لأن لها علم وشعور وإدراك وإحساس بل كلٌ يسبح لله ما في السماوات والأرض. والله ذكر أن الموجودات تُسبح لله. وخص الحجارة أيضاً بالتسبيح {وإن لمن الحجارة ما يشتقق منها الأنهار..
{وانزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرايته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} فذلك الجبل على العموم {فهو خاشع متصدع من خشية الله} وذكر الحجارة على الخصوص لأنها تهبط من خشية الله فلما نزل القرآن الذي هو أثقل الوجود  والجبال التي هي اثقل واصلب الموجودات وأكثر تماسك فلابد من حصول الأثر. لأن القرآن يعني الجمع (التماسك) والثقل وعندما ينزل ثقيل على ثقيل (متماسك على متماسك) لابد أن يكون له اثر فهو (تصدع من خشية الله فلما نزل القرآن تصدع الجبل. متصدعاً يعني (متفرق) والتفرق يحصل بين نزول أمر مادي على أمر مادي (عند ضرب الحجر بالحجر) أو نزول أمر معنوي على مادي (عند سماعك كلمة بشرى تزداد انشراحا وعند سماعك كلمة جارحة تحزن وتنقبض والانقباض هو نوع من التفرقة) والمادي يؤثر في المعنوي وبالعكس {البدن يؤثر في الروح الكلمة الطيبة والجارحة تؤثر في النفوس (معنوي على معنوي) فالأثر هو التفرقة والتصدع.
 (القرآن) أمر معنوي على (الجبل) مادي. فالمناسبة حاصلة هنا بين القرآن والجبل بين (أعظم الكتب السماوية وأعظم الأسماء للرسالة الإلهية وهو القرآن) وبين (أعلى الموجودات شموخاً) وهو الجبل (الجمع على الجمع) فلابد من حصول المناسبة وهي التفرقة والتصدع. وكذلك القرآن نزل على صدر وقلب الرسول (نزل به الروح الأمين على قلبك) وهو أيضاً للمناسبة. (لأن الرسول حقيقة وعين الجمع لأنه خاتم الأنبياء والرسل ، مختصر العالم والحقيقة المحمدية، وزبدة وخلاصة العالم وهو حقيقة جامعة، جامع لسيرة وسلوك الأنبياء والمرسلين / هو البرزخ الجامع بين الخلق والحق، فخلق الرسول جامع وخُلقه جامع لأن خُلقُه القرآن) والقرآن جامع . لذا ناسب المقام أن يتنزل عليه القرآن الجامع والرسالة الجامعة (نزل به الروحي الأمين فالأمين أيضا حقيقة جامعة (الحافظ) لا يحفظ الشيء إلا أن يجمعه ويضمه نزل على القلب أيضاً جامع للحقيقة الإنسانية لما نزل   القرآن على قلب الرسول (كل منهما له حقيقة جامعة متماسكة، ولابد من حصول الأثر فهو التفرقة والتصدع فنراه يتصبب عرقاً وتقبض روحه (فما من مره يوحى إليّ حتى ظننت أن نفسي تقبض< والقبض هنا عبارة عن تصدع وتفرقة لأن القبض عبارة عن تفرقة الروح عن البدن. إذن نجد إن هذه الآية لا تريد أن توضع أو تبين أمرا. إنما أشارت الآية إلى حقيقة (لا مجرد تمثيل) وهذه الحقيقة تتبين من أن الموجودات كلها تُسبح لله. وخصوصاً الجبال المذكورة في الآية والجبال التي هي حجارة في الآية الأخرى. لذا صار على قارئ القرآن (كأنه بمنزله الذي سيلقى عليه قولاً ثقيلاً) لابد من حصول أثار (الخشية، الخشوع، التصدع، طلب السؤال، الدعاء، الاستجارة بالله عند وقوفه على آية فيها قهر وعذاب والاستعاذة عند وقوفه على كل آية ) فلابد من حصول أثر يتناسب مع الآية . أو استعاذة من الشيطان ، أو طلب علو) المهم أن تتأثر النفس في كل أية من الآيات وهذه هي علائم قارئ القرآن . ليس فقط تلفظ الكلمات بل لابد من حصول الآثار في قلب الإنسان مثلما أن الإنسان عند سماع الكلمة (بشرى) وجارحة كيف ينقلب كيانه. كذلك الإنسان عند مروره بأي آية لابد أن يكون له على الأقل مثل هذا الشعور والإحساس.
 فما ذكر في الآية ليس مجرد تمثيل او بيان كيفية نزول القرآن بل هو بيان للحقيقة. فما ذُكر من أمثال في القرآن وما عند العُرفاء ليس هو لتوضيح فكرة فقط بل حقيقة . (لأن جميع الموجودات كلها تطلب الحق وتخشى لما هي عليه من الادراك والشعور والاحساس).
حيث لا ادراك ولا شعور بلا علم. تقول إن الإنسان إذا عاد لفطرته (فطرة الدين والتوحيد ومعرفة الله) فيدرك بفطرته مثل هذه الأمور التي ذكرناها ومع ذلك أن للإنسان فطرات (كما هو منقول عن الإمام علي × (وجبار القلوب على فطراتها) ويمكن القول أنها فطرة واحدة بلحاظ وفطرات بلحاظ اخر >قال الرسول >كل مولود يولد على الفطرة< قال الإمام علي (وجبار القلوب على فطراتها) تقول لا يوجد تعارض وتضارب بين هذين الروايتين. فإن إعتبرنا الالف واللام هنا للعهد  (يعني فطرة الله التي فطر الناس عليها) هنا للعهد (أي تلك الخلقة وتلك الهيئة الخاصة التي اقتضت في جبلتها العبادة والتوحيد.. وقد تكون لحين الفطرة وهذا ما يتناسب مع كلام الإمام وذلك لأن الإنسان مجموع العالم.
فتكون فطرته وخلقته وهيئته الخاصة جامعة لفطرة العالم. ففطرة أدم × له جميع فطرة العالم لأن له الاحاطة والشمولية فهو بفطرته جامع لفطر العالم. وهذه الفطرة فيها حقائق كل شيء. فالإنسان يعلم او ادم خصوصاً يعلم ربه. (فطر الإنسان على معرفة الله) (وعلم ادم الأسماء كلها) فهو عارف بالله من حيث كونه عالم وأيضاً فطرة أدم جامعة لكل الموجودات ففيه (فِطر العالم) فهو يعبد الله على كل لسان وعلى كل حال (وهذا هو مقتضى الموجودات) وهذا بخلاف الملائكة فمنها يعبد الله راكع. او قائم او ساجد..) وكل الموجودات تعبد الله بحسب مقتضى وجودها (كل مسخر لما خُلق له) . اصلاً تقول الفاسق الذي يقوم ينفع نفسه فهو نوع عبادة بقاء تكويني (وقضى ربُك ان لا تعبد إلا اياه) إنما يعبد ولكن اخطأ في المصداق وايضاً على النهج الاخلاقي حتى اتى بفضيلة فيحصل على فضيلة وبالعكس فهذا نوع من الاظهار فوجود الإنسان كله يحكي العبادة) . اما الاختيار الموجود في الإنسان فمعلوم بإنسانيته وحيوانيته الناطقة وما اودع فيه من عقل فهو ايضاً مختار فهذا الإنسان يعبد الله على كل حال على هذا الأمر الكلي من حيث الاختيار والاظهار ويعبد الله على اساس الامر الجزئي من (ركوع وسجود...) تجده في الإنسان وهو مشهود ومعلوم في اقوال الصلاة لان ليس هي إلا ركوع و..
فهذه الافعال والعبادات كلها موجودة في الإنسان وهو بلطائفه واسراره وعظمته وجمعيته وشموليته واحاطته يعبد الله على كل لسان . ففي فطرة الإنسان (فطر العالم جميعاً) ولكن هذه الفطرة لا تحصل إلاّ  للإنسان (الحيوان الناطق) أي الإنسان الكامل لا الإنسان الحيوان . فالإنسان إذا وصل لمرتبة الكمال استطاع ان يستخلص العلوم والمعارف وما اودع الله في فطرته . وقال الرسول (كُمل من الرجال كثيرون ولم يُكمل من النساء إلا مريم واسيا) الإنسان يكون كامل إذا عرف نفسه وفي عين هذه المعرفة معرفة الرب (مَن عرف نفسه فقد عرفه ربه).
فطرة أدم × هو (علمه بنفسه حيث أن الإنسان مفطور على معرفة الله وهو لا يعرف الله إلا بمعرفاه لنفسه ففطرة ادم معرفته وعلمه بنفسه وهوفي عيمن معرفته لربه (كما اشهدهم الله الست بربكم وعلمه بفطرة  العالم)  ففي فطرة آدم (علمه بنفسه وبربه وبفطر العالم) فهو عنده الاحاطة والعمومية والشمولية.
 وجاءت من الأسماء (وعلم أدم الأسماء كلها) إلا ما استأثر به الله في علم غيبه لأنه ليس له تعلق بالاكوان فلا يعلمها إلا الله. إذن علمنّا الآن ما أودع في هذه الفطرة (العلم ومعرفة الله ومعرفة النفس وفطر العالم) ولما كانت الفطرة من الفطر بمعنى (الشق) والممكنات قبل الايجاد في الا شيء أو كما يقولون في ظلمة العدم. فلا بد لهذا العدم ان يُشق وتخرج منه الموجودات  والممكنات وظلمة العدم لا تُشق إلا بالكنوز. وهو يقع به الفصل بين الصور . ففصلت وشقت تلك الموجودات بنور الوجود.
>الله نور السماوات والأرض< فعندما تفصل يقول (هذا ليس هذا وذاك ليس ذاك) والحق ما فطرهم إلا عليه لأنه فطر الإنسان واخرجه من العدم الا بنور الوجود والله هو نور الوجود وهذا الكلام يؤيد ان الإنسان فطر على معرفة الله ومعرفة نفسه وفُطر على معرفة جميع الفطر فالله ما فطرهم إلا عليه وبه (على معرفته) وفطرهم به (الله نور السماوات والأرض) لذا أضاف الله الفطرة إليه تشريفاً فقال (فطرة الله كما قال بيت وكعبة الله. تتميزت هذه الأعيان بالفطرة
وهذه الفطرة فصلت بين العين ووجودها. فهذا المخلوق عندما يُخلق يطلب الخالق والخالق يطلب الفاطر. لأن الخلق كما في المعنى الأغلب إنه يُخلق من شيء (وقد خلق من الماء ومن الطين ومن النار) والخالق يطلب الفاطر والفاطر يطلب النور والنور يطلب الله (الله نور السماوات والأرض) فالإنسان يُحصّل ما اُودع بالفطرة بإزالة غشاوة الفطرة. ولا يمكن الإزالة إلا بالتخلية والتحلية والتجلية. وبذلك يمكن له الاستفادة من الشريعة واتخاذه ميزان للعلم والعمل ويتخذها للتخلص من الشيطان وهوى النفس الإمارة ويلبس لباس الفضائل وعليه سوف يتكامل. فالتخلية والتحلية والتجلية ليس هي إلا العودة إلى الفطرة >كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه.. فالإنسان بفطرته يعرف الله ونفسه وفطر العالم<
معالم الإسلام
على رواية (إنه مبني أي (الإسلام)) على خمسة >أتاء الزكاة وإقامة الصلاة والصيام والحج والشهادة.
فالشهادة تهتف بها الفطرة . ولذا قال الرسول >أفضل ما قلته وما قاله النبيون قبلي هو لا إله إلا الله.
وعند العودة يذكر الشهادة ويقر بالتوحيد وهي (الشهادة) لازمة له في كل العوالم. فمسيرة الإنسان في كل مقطع من مقاطع حياته يشهد بأن لا إله إلا الله. وكذا الإنسان مأمور بإقامة الصلاة. ما من موجود إلا ويصلي. فالحق والملائكة والإنس والجن والموجودات كلها تصلي.
الحق > هو الذي يُصلي عليكم< >إن الله وملائكته يصلون على النبي ...<
ولكن صلاة الحق: هي الرحمة، وصلاة الملائكة هي الاستغفار والدُعاء للمؤمنين >ويستغفرون للذين امنوا<.
الحيوان، النبات، الجماد: كلهم يُصلون >كلٌ عرفه صلاته وتسبيحه<.
وكذلك صلاة الإنسان تكون شاملة وجامعة بمعنى الرحمة، الدعاء، الاستغفار . نحن نصلي لله >إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً.
والحق يصلي (هو الذي يُصلي عليكم) كذا النبي يصلي علبنا ونحن نُصلي عليه.
>يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً< >وصلي عليهم إن صلاتك نُسك لهم<
أتاء الزكاة >وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة...< وهو من الفروض وكذا الصيام فرض > يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم<.
الحج >وعلى الناس حج البيت مَن استطاع إليه سبيلاً..
فالفطرة هي الدين وهو الإسلام وهو بنُي على شهادة (أن لا إله إلا الله والزكاة والصلاة والصيام والحج) فالفطرة تهتف بهذه الأمور. وفطرة الإنسان كما قال >فطر الناس عليها< وأضيفت لله (فطرة الله) . إذن لابد أن تكون مناسبة بين الفطرة المضافة للناس وبين ما أضيف لله...
إذن لابد من حصول المناسبة وهو يحصل إذا قلنا ان الفطرة هي الدين، الإسلام الشهادة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، فلابد للحق أن يكون له حج، صلاة، صيام، شهادة..
آل عمران 18 {شهد الله أن لا إله إلاهو..
الصلاة : كما أنه يصلي لله . وكذا بينه وبين الرسول صلاة... الأحزاب 42.
الزكاة: >ويلٌ للمشركين الذين لا يقيمون الصلاة ولا يأتون الزكاة.
زكاة الإنسان بما هو مذكور في الشريعة ويتعدى ذلك زكاة عمله وعلمه.
الله يزكي النفوس ونحن نزكي له بحسب ما مرّ علينا.
اما بالنسبة للصيام >كتب عليكم الصيام..
الصيام عبارة عن الامساك والرفعة. يقول صام النهار إذا ارتفع
فلما صار الاسم بمعنى الرفعة فلابد أن يرفعه
إذن ارتفع الصيام عن سائر العبادات بنفي المثلية.
لذا قال الحق على لسان الرسول (كل عمل ابن ادم له إلا الصيام فهو لي) باعتبار أن الصيام ارتفع عن سائر العبادات ومن هنا جاء الحديث (كل عمل بني ادم له إلا الصيام فهو لي و أنا إجزي به).
ومن هنا تحصل المناسبة بين فطرة الناس وفطرة الله التي فطر الناس عليها.
كذا الميول والنزعات عند الإنسان وفي فطرته وعند الله
وطلب الحقيقة : من اسم الله هو الحق وكذا هو موجود (هنا مناسبة بين طلب الحق وبين الحقيقة).
مقولة 2 الجمال: الجمال حاصل وهو اسم من اسماء الله وهو جميل يحب الجمال والله هو المبدع والخلاق والخالق.
ومقولة الحب: عندما ذكرنا حديث الكنز واما العلم قال الرسول أو المنقول عن الإمام علي (مَن عرف نفسه فقد عرف ربه).
الحق يعرف الرب ويعرف الناس. واما الاخلاق التي هي الفطرة في الإنسان كـ (فيض / تجلي) وهي التي أمر الله بها عندما أمر بالتخلق لله بها.
هذه الأمور توضح وجهة إضافة الله للفطرة ... هذه الأمور التي طُرحت كلها ثابته عند الإنسان بحسب شأن الإنسان وثابتة عند الحق بحسب شأنه ولما كان الحق (ليس كمثله شيء) وهذه الأمور عند الإنسان (هذه المذكورات لا هي من اخلاق الله لأنه نفى المثلية عنه وهو ما يُناسب وجوده . فالحق نفى المثلية وثبت له (قال وله المثل الأعلى) فنفي المثلية عنه (ليس كمثله شيء) واثبت المثل (وله المثل الأعلى) . لأن ما فُطر عليه الإنسان هي ثابتة عند الحق. وليس ثبوتها له تعالى كما هي ثابتة للإنسان.
فالحق نفى المثلية وأثبت المثل (ولله المثل الأعلى) ولذا يمكن القول (فطرتنا منه وعلينا وبه) >الله نور السماوات والأرض...
وفطرتنا إليه تعود (إنا لله وإنا إليه راجعون)
درس 9
بين لنا الحق (أن الله ليس له مثل في ذاته وصفاته وافعاله ، فقال (ليس كمثله شيء) ولما كانت هذه الأمور هي من تجليات اسماءه وفيضه . قال الحق (ولله المثل الاعلى).
الفرق بين فعل العبد وفعل الحق (فعل الخالق وفعل المخلوق).
* الله نفى المثلية واثبت المثل (ولله المثل الأعلى ) (ليس كمثله شيء).
1 ـ الإنسان لا يفعل إلا في محل مخصوص ومادة مخصوصة. الحداد لابد له من حديد (مادة) والحائل (غزل) ـ (مادة) / النجار يحتاج لخشب وهكذا. ولكن الحق غني عن المادة وعن المحل.
وذلك لأن المادة قابلة للأحوال والحوادث المتعاقبة ، فالمادة حادثة ولابد لها من محدث فلو افتقر احداث الله على ما سبق مادة لزم افتقار المادة إلى مادة اخرى وهكذا يتسلسل ولهذا تقول (الله غني عن المادة والمحل).
والإنسان إذا تصرف في المادة فلا يتصرف في ذاتها. فالنجار يتصرف في الخشب ويجعله شيء أخر ولكن المادة الخشبية باقية. أما الحق فيتصرف في المواد فيقلب الغذاء نطفة، والنطفة علقة فمضغة ثم عظاماً. وكذا الحق خُلق البشر من تراب >إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب< فركتب من التراب لحم ودم وصورة الترابية وتغيرت وتحولت...
وخلق الحيوان من الماء >والله خلق كل دابة من ماء< والصورة المائية غير باقية، بل تصرف الحق في ذواتها فخلق الجان من مارد من نار. و الصورة النارية لم تبقى . ناقة صالح كانت من الحجارة والصورة الحجارية غير باقية، الثعبان من عصى موسى >ولم تبقى الصورة الخشبية< وخلق عيسى×..
وحواء من ضلع ادم والصورة العظمية غير باقية.
والله له المثل الأعلى : لا يصف فعله وذاته ولا يمكن أن يتعالى ويصعد عليه أي مخلوق (نفى المثلية وثبت المثل).
2) الإنسان يفتقر في فاعليته إلى توسيط الالات. النجار يحتاج لمنشار ومطرقة ولكن الحق غني عن الآلات فلو افتقرت فاعليته إلى الاله للزم التسلسل وايضاً ان الإنسان لابد له من مماسة ومقاربة بينه وبين فعله لكي يصدر عنه الفعل لكن الحق (متصرف ومدبر) فهو يتصرف في الوجود من اللوح والعرش والكرسي فهو يتصرف (من العرش إلى تخوم الأرض) لا مماسة ولا مقارنة ولا يحتاج لآله ولا وسيط
4) الإنسان يفعل الفعل بمُهله وتدرج وزمان بعد زمان ولكن (إن الله >إنما امرنا إذا اردنا شيئاً أن نقول له كن فيكون< لا يحتاج لمهلة ولا تدرج ولا يعيقه الزمان >وما امرو الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب<.
وان الإنسان في خصوصياته يتعب ويشق عليه الفعل (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما أصابنا في لغوب) (ما عيينا في الخلق الأول) . فعل الله ليس فيه لغوب او إعياء وتعب . أما الإنسان يتعب في مقام البدن      وكذا الفكر والقلب ـ حيث له إدبار وإقبال . بينما الحق من اسماءه (يامرتاح).
5) أن الإنسان في فعله يتغير اولاً في نفسه ثم بسبب التغير يحصل الفعل (فالكاتب يحرك اصابعه . حركة المهندس عندما يبني يتغير في فكره.
والحق منزه عن التغيير بدليل أنه لو تغيرت فاعليته.
فالحق مُنزه عن التغيير والحركة والانتقال ولا يعلم هو إلا هو . هذا حجاب و من الحق حجب العباد (من الرسول إلى الكل) والجن والموجودات حجبهم عن المعرفة الحقيقة لا يعرف هو إلا هو والإنسان إنما يعرف بسعة وجودة.
6) الإنسان لا يمكن أن يجمع بين الافعال الكثيرة.
الكاتب يحتاج لتعاقب الحروف والحق (مدبر يدير العرش والكرسي واللوح والملائكة والقلب والمثال والطبيعة ويخلق الذوات ويدبر الصفات ويسمع الذوات.
ولا يشغله شأن عن شأن
7) والحق منزه عن جر النفع ودفع المضره اما الإنسان فلا يفعل الفعل إلا لجلب منفعة او لدفع مضرة
8) الإنسان يفعل الفعل وقد تحصل بعض هذه الأفعال على وفق مراده والبعض الأخر لا يكون كذلك (يخرج الإنسان قدرياً ويعود جبرياً فما يكون التقدير مطابقاً للتجبير).
اما الحق >ولو انزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ما كانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله<.
فالحق يدبر الأمور بمشيئته وارادته
9) الإنسان الفاعل قد لا يبقى بعد فعله (تبقى الدار ويموت البنّاء) والحق هو الباقي في هذا العالم وفي كل عالم >لمن الملك اليوم لله الواحد القهار<.
10) فعل الإنسان لا ينفعك عن الخلل والنقص. (فإن شكرك يحتاج لشكر) ومهما صار الإنسان من وجود شريف له فإن الفعل يبقى (منّه وكرم وعطاء من الله) . وأما الحق فقال >الذي خلق سبع سماواتٍ طباقا ما ترى من خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير<.
فالحق غني عن هذه الأمور كلها ومن هنا ان لله المثل الأعلى . فالحق وصف نفسه بالعالي والمتعالي وله المثل الأعلى
نحن قاصرون عن بيان هذا الأمر؟ إذ ليس للإنسان مطابقة في الكمال والتمام مع الله كيف وجوده مستقل وذاته وفعله وصفاته لاعلى نحو الربط والتعلق.
فلا تحصل الرابطة بل الفرق جوهري إذ إن الحق وجوده مستقل (غني عن العالمين) لكن المناسبة حاصلة (صحيح إن المطابقة العينية بالتمام والكمال غير حاصلة).
ومن هنا قال الحق >فطرة الله التي فطر الناس عليها< ولما كان الإسم >الله< اسم جامع فهذه الفطرة (جامعة) قال الإمام علي× (وجبار القلوب على فطراتها) وهو يختلف عن تلك النظرية المستندة للآية >والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً<. بل الإنسان في داخله كنوز العلم والمعرفة والعبادة والميول الفطرية ولكن كلها كالكنز المدفون في بيت صاحبه ولكنه لا يعلم به فيعيش الفقر والحاجة وهو واقعاً وحقيقته اغنى الناس. لكن الله جعل له رسول باطني ورسول ظاهري بهما يستطيع ان يشتق الكنز من تخوم الأرض فيصبح غني. فعقل الإنسان هو النبي الباطني المبعوث إليه. فطرة الإنسان فطرة حمالة وحاوية وشاملة. كيف لا تكون كذلك والإنسان جامع شتات العالم إذ إنه بفطرته (مفطور على الإنسانية).
هذا لما كانت الفطرة لها الجامعية اظيفت إلى الإسم الجامع (الله) وهي لا تبديل فيها (لا تبديل لخلق الله)).
 
 
أن نضرب مثال قريب.
نحن مرة نقول مثال ومرة أخرى تقول مثل, والمثل: يحكي خصوصيات الأول في كل شيء. أما المثال ففي بعض الشيء ومن هنا يكون (المثل) هو أشرف دليل وهو دليل (الفطرة) . فنحن عندما نريد أن نقيم الدليل. مرة نحتاج إلى إقامة (صغرى وكبرى ونتيجة) كما هو الحال في الأدلة العقلية. ومرة أخرى: نرى أن لغة القرآن هي لغة المثال وكذلك الروايات عندما تريد أن توضح فكرة تضرب مثال. فالمثال عبارة عن (دليل الفطرة) كما إنه علم (ضرب الأمثال) وليس بمقدور كل إنسان أن يأتي (بمثل) فالمثل ليس أن يقرب من جهة ويبعد من ألف جهة بل هو عبارة عن (مظهر للحقيقة).
فالمثل: عبارة عن مظهر. وهو يدخل في علم المثال. الذي يرجع بدوره إلى علم التناسب. بمعنى أن الإنسان إذا لم يكن عنده أي معرفة بعلم وقانون التناسب لا يستطيع أن يأتي بأي مثال. لأن المثل عبارة عن المظهر والتناسب والمشابهة بين الظاهر والمظهر فلابد من الرجوع للنسبة وللتناسب. يرجع إلى هذه العلاقة والرابطة بين الحقيقة وبين المثل. وهذا لا يمكن لا بتهذيب وتربية وتطهير النفس الإنسانية. إذ إن قانون وعلم التناسب وكذلك علم المثال يبدأ وينطلق من معرفة الإنسان لنفسه. بما أن الإنسان يحوي هذه الآيات التفصيلية ويجمع شتات العالم. فإذا كشف هذه الأسرار واستطاع تطبيق الآيات الآفاقية على الآيات إلا نفسية حيث أن ما موجود في عالم الخارج هو موجود في عالم الإنسان. وأن هذه الآية العقلية تحكي عالم العقول. وآية المثل تحكي عالم المثال والعظام تحكي عالم الجبال
وكلما ازداد علماً استطاع أن يطبق تفصيل ودقائق الآيات الأنفسية على الآيات الخارجية. وهذا الطريق كما قلنا يبدأ من تهذيب النفس والاستعانة بالأذكار ومن الأذكار التي تكشف هذه الحقيقة الاسم (الخالق) لأنه يطلع الإنسان على أسرار الخلق (البرية, البحرية في عالم العقول المثال، والطبيعة, وأسرار الانتقال إلى عالم ما بعد الحياة وكذلك أسرار جميع مخلوقات الوجود. إذن هذه السلسلة لابد أن يواصلها الإنسان حتى يمكن له الوصول لعالم ضرب الأمثال وبالتالي عندما يطلع على الأمثال الواردة في القرآن أو في الروايات أو أقوال الحكماء والعرفاء يستطيع أن يفهم ويعتبر بها. إذ انك عندما تطلع على المثال تقول أراد الله يُقرب  المعنى بالأمر المحسوس فيأتي بالمثال على المثال  وعلم ضرب الأمثال عندما جاء به الله ما جاء  بمثل غيره لأنه حقيقة توافق الحال. فضرب الأمثال علم يتعرف عليه عن طريق الإخلاص والتهذيب وإلا فبدون الأخلاق والتهذيب والتطهير للنفس فأن المثال يُقرب من جهة ويبعد من ألف جهة كما قد قيل. ولكن الأمثلة الواردة في القرآن والروايات لا تنطبق على هذا القول في المثل. فهذا المثل الوارد في القرآن والروايات إنما هو بلسان الفطرة وهو عبارة عن دليل الفطرة. فإذا جاء المثال نرى السامع لا يُناقش فيه (والمقصود هو المثل الذي بمعنى المظهر)
الإمام الصادق/ يسأله السائل؟ كيف يكون الإنسان في دار الآخرة يأكل ولا يخرج. قال له الإمام / انظر الطفل في بطن أمه فهي تعكس الحقيقة. ولا يستطيع أي إنسان الإتيان بهكذا أمثال إلا إذا كان (حاوي على علم المثال) والمثل بلسان تطهير النفس عبارة عن دليل الفطرة . فأنت بعد ضرب المثل تستغني عن الأدلة العقلية (من صغرى وكبرى ونتيجة).
لابد من دراسة العلم دراسة جيدة والاستفادة من ضرب الأمثال. وما هي رابطة المثل بالسؤال والحقيقة وينتهي إلى علم التناسب وأخيراً لمعرفة النفس... إذا أردنا التعرف على المعرفة (ما هو دليل المعرفة) نقول هي الفطرة...
اشرف دليل لدى الفطرة هو (ضرب الأمثال) فهو لا يحتاج إلى مشقة وتعب يتعامل معه الإنسان العادي والإنسان الحكيم الخبير والغاية من الأمر هو أن يعتبر به. والاعتبار بمعنى والاعتبار بمعنى (اقتناص الأسرار والدقائق واللطائف من ذلك المثل. لا بمعنى أنني فهمت المطلب بل أن يحدث في النفس تغيير باطني ويتأثر . فإذا كانت (الكلمة جارحة) نراه يستغفر ويستعيذ بالله فيرتقي أو كانت الكلمة (كلمة شكر) نرى الإنسان يترقى في داخله حيث إنه قد اقتنص السر واللطيفة منه وجعلها سلم للوصول للكمال. فالقرآن عندما ذكر الأمثلة يريد منهم الاعتبار بها حتى يتطوروا و يتحولوا ويرقوا .. إذن اشرف وأفضل دليل يسعى إليه الإنسان هو دليل الفطرة.. وهو لا يحصل إلا إذا وفقه الله إليه. وهو يكون في كل لعوالم. حيث يطلعك الله به على عالم العقل والمثال والطبيعة ويضرب لك الأمثال وعلى عالم القلب وأسراره ويضرب لك الأمثال على عالم القلب . فهو يشمل وجود الإنسان ولا يكون في هذا الدليل تعب ومشقة. وعليه يعتبر دليل الفطرة وضرب الأمثال دليل شريف وعالي يعتبر به الإنسان. وفيه تأييد وتسديد وتحصيل علمي وعملي. وليس المثل يصدر من أي إنسان بل من الإنسان العالم العارف بالله ومن هنا إذا جاء بالمثل إنسان عادي يمكن أن يكون مثله عبارة عن (مثال) ـ إذن لا يستطيع كل إنسان الإتيان به إلا إذا كان عالم عارف بعلم الأمثال أو كان من لطف الله عليه بأن يلقي في قلبه شيء ولكن  وفق السنن والقوانين لابد أن يعلم ويطلع على علم المثل وعلم التناسب حتى يستطيع ضرب المثل.
وإن في هذا الدليل معارف يحصل عليها الإنسان.
ــــ  ذكرنا أن لله المثل الأعلى. ونفى المثلية عنه واثبت المثل. ويبقى المثل الأعلى لله. فهو أعلى من كل عالي . وإنه ضرب الأمثال كما في سورة النور الآية 35 . >ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم<. فالله هو الذي يضرب الامثال. أو أن الامثال المضروبة لله من شأن الله. أي ليس للإنسان أن يضرب الامثال لله. لأن الله عليم عالم فهو يضرب الامثال للناس. اما بالنسبة لنا / سورة النحل 74 >فلا تضربوا لله الامثال إن الله يعلم وانتم لا تعلمون< إذن صارت خصوصية المثل المضروب لله من حيثية العلم. لأن الله يعلم ونحن لا نعلم. إذ أن الإسم (الله) اسم جامع وهو مطلق والمثل خاص فلو ضربنا المثل للاسم الجامع. ما انطبق المثل على الممثل. وأما بالنسبة للحق فعلمه الذي يستوجب ضرب المثل هو اعلم واعرف يضرب الامثال الآية ( ) فلا يحق لنا ضرب المثل للاسم الجامع لعدم مطابقة المثل الخاص للاسم المطلق. كما فعل الحق وعلمنا ذلك في سورة النور. فالله ما ضرب المثل للإسم الله. وإنما يعين اسم أخر خاص (الله نور السماوات..
وكأن هذا النور (نور مقيد للنور المطلق) >مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة..
فالحق ما ضرب المثل للاسم الله بل عين اسم خاص أخر . فضرب المثل للمصباح للاسم النور الخاص للسماوات والأرض في هذه الآية والتي تليها.
فعلمنا حال دون ضرب المثل إذ ليس للإنسان ضرب المثل للاسم الجامع وقال تعالى (ولله المثل الأعلى) اعلى من كل علي فهو (الاعلى) اسم له بأعتباره فوق أن يمكن وصفه.
فالله لا يتشبه بخلقه في ذاته وصفاته وافعاله ولا في دخوله وخروجه (داخل في الاشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمزايلة) شأنه غير شأن الموجودات. وإن كانت هي من فيضه ولكنها محدودة ومحتاجة وفقيرة ومقيدة ولكن يطلق اللفظ عليه كما فيما تقول (يخلق الله ويخلق الإنسان) لكن لا توجد أي مطابقة . وأن كان التجلي يُعبر عن تلك الحقيقة ولكن ليس عين الحقيقة إلا ظهوراً لا ذاتاً. فالمثل الاعلى يثبت لله بلا مطابقة ولا مشابهة (لا في الذات ولا في الصفات ولا في الافعال ولا في الدخول والخروج) وهو فوق ان يمكن وصفه قلبي له افعال مسانحة ومطابقة لافعال العباد ان الله له الاسم العلي والاعلى والمتعالي والعالي وكلها بمعنى العالي.
إذا ارجعنا للغة نجد اشارات وفوارق ولكن على العموم يطلق على الله هذه الأسماء وكلها تعني العالي.
على: على كل شيء / ارفعه / وتأتي بمعنى / قهره . كما يُقال فلاناً على فلان إذا قهره
العلو: التكبر والتجبر والعظمة >تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً< وتأتي بمعنى الطغيان والاستكبار (ان فرعون طغى في الأرض).
المتعالي: قال المفسرون : أي إن الله جلّ عن إفك المفتربن وتنزه عن وساوس المتحيرين. والمتعالي يأتي بمعنى العالي.
فالحق بأعتبار أن افعاله ليس من سنخ افعالهم فهو متعال العلي: الشريف / من على يعلوا. الذي ليس فوقه شيء على الخلق.
فقهرهم بقدرته ويأتي بمعنى العالي.
والعلي اسم له باعتبار أن صفاته خارجة عن تمام عوالم الوجود الامكاني.
والاعلى: اعلى من كل عالٍ . اسم له باعتبار إنه فوق ان يمكن وصفه.
القصص القرآنية
القصة عبارة عن وحي. والقصة فيها العبرة والاعتبار وتكون بالوحي أو بالإلقاء لذا نجد أن الله قد ربط بين الوحي وبين القصة فهو علم ومعرفة يحصل عليه الإنسان عن طريق الأدب الإلهي وتهذيب وتطهير النفي. مثله علم المنام {وكذلك يجتبك ربك ويُعلمك من تأويل الأحاديث} فهو علم تأويل الأحاديث. ولا يكون مقصور على الحديث الرمزي بل حتى هذا الحديث الظاهر. فمثلاً عندما تقرأ (بسم الله ..) فالتفسير للبسملة والتي هي الابتداء واضح ولكن له تأويل وباطن. أو (قام زيد) واضح ولكنه له تأويل وباطن وله ارتباط ومناسبة بالإنسان. فعند معرفة التأويل للأحاديث فهو نعمة وفيض إلهي والإنسان إذا أراد تفسير القرآن وشرح الأحاديث والحِكَم لابد أن يطرق هذا الباب . نحن نعرف إنّ القصص فيها الكثير من العِبر ولكن ليس العبرة الظاهرية المعروفة بل توجد فيها لطائف وحقائق وأسراره يمكن الاستفادة منها, وبها يكون التفسير الواقعي للقرآن. كما أن علم المثال ليس أن يأتي بالمثل المعروف والذي إما أن يكون خلاصة لواقعة أو تمثيل لأمرٍ ما, بل المعروف من الروايات أن ربع القرآن هو أمثال. فالذي لا يطلع على علم الأمثال ومبادئه وكيفية إجراء الأمثال لا يستطيع التعامل وفهم لقرآن ولكن لكون هذه العلوم الواقعية الحقيقية عزيزة وصعبة ابتعد عنها واعتبرها أمور ليس حجة.
نقول صحيح أنها ليس حجة من هذه الجهة إذ ليس لديه مفتاح لهذه العلوم لذا أقفل باب هذه العلوم.
ولكن القول إنها ليس حجة ليس معناه أن نترك هذه العلم حيث أنها قد وردت في الكتاب العزيز بل لابد على الأقل الاطلاع على مبادئ هذه العلوم لكي نستفيد منها.
 
كاظم الأسدي
 
 
([1]) يوسف:3.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30439
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28