• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجدلية المادية وتوحيد المسلمين .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

الجدلية المادية وتوحيد المسلمين

 

عوضا عن الفرجة على مشايخ الاستلاب والاغتراب والفتنة، وآخرهم المدعو محمد حسان، وهم يتداولون على بلدنا في محاولة يائسة وجاهلة ليعلمونا ما نعلم، بل ربما عكس ما نعلم من صحيح المعارف، يجدر بنخبنا الحداثوية والفلسفوية في بلد العلم، تونس، أن تسعى إلى تجريب قراءة الإسلام كمعطى مادي متوفر في البنى المجتمعية. هكذا يكونوا قد اختاروا الدرع المعرفي الضروري في المرحلة الراهنة لمقارعة أيقونات الشذوذ بالحجة الدامغة.

ما من شك في أنّ الفئتين، الفئة الإسلامية بجميع أصنافها التقليدية، والفئة الدهرية بجميع أصنافها المغالية بالتقدمية وبالحداثة، تستبعدان الإسلام من الحراك التقدمي في المجتمع العربي الإسلامي. وسواء فعلتا ذلك عن وعي أو عن غير وعي فذلك مردّه الفقر المعرفي والمتمثل بالأساس في ما يلي: كلا الفئتين لا تكتسب الوسائل المعرفية التي من شأنها أن ترسخ لديها ما سيكون وجها من أوجه الحقيقة، ألا وهو أنّ الإسلام صار معطى ماديا، لذا بالإمكان تناوله بصفته الجديدة تلك من دون المساس بجوهره.

ثم إنّ أسوء أثر خلّفه هذا الصنف من التخلف هو أنّ المسلمين يفهمون عقيدة التوحيد على نحوٍ لا يسمح لهم أبدا بتجسيد آثارها الطيبة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي. فبقيت هي شيئا و الفعل شيئا ثانٍ، ربما متباينا تماما معها.

وتتواصل الحلقة المفرغة بأن يكون الشعور بالإحباط الناجم عن عدم التوافق بين العقيدة وآثارها مولدا للتعصب، دينيا كان (من باب أولى وأوضح) أم دهريا (من باب رجع الصدى).

أما أفضل السبل المنجية فهي البحث عن المعول الضروري لتسهيل إنزال فكر المسلمين من البوتقة العقدية النظرية والرمزية إلى الأرضية العقدية المادية. و بفضل هذا المعول سيكون بالإمكان تجسيد التوحيد في كل البنى المادية. و بناءً على الجدلية القائمة بين المادي من جهة والرمزي/النظري من جهة ثانية سيكون بالإمكان إعادة تدوير العقيدة في هذا المستوى الأخير. وهذا مما يضمن أن يكون الإسلام والمسلمين في مأمن من كل تحريف للعقيدة. بل قل إنّ المقاربة المادية كفيلة بتوطيد العقيدة، طالما أنّ المنجزات التي سيثمرها تصحيح التوظيف العقدي سيسمح بتزويد المسلمين بالرصيد الكافي من الثقة بالنفس التي هي بدورها معززة للعقيدة.

والمعول الذي اكتشفناه ثم عملنا به (بما تيسر من النجاح والحمد لله) في مجال الحفر عن الواجهات المادية للعقيدة ثم إماطة اللثام عنها فيتمثل في الفعل الكلامي كمؤشر سلوكي فطري متناظر ومتطابق مع الفعل العقائدي. أي أنّ المؤمن الحقيقي هو ما يقوله، وأنّ اللغة عقيدة، وأنّ الكلام إسلام. وهذا مما يساعد بصفة مذهلة لا فقط على استقراء المساحات المادية كآثار للعقيدة وإنما أيضا على ترجمة العقيدة إلى كلام متسق مع السلوك، أي إلى فعلٍ متحد.

من هنا نفهم لماذا يستعصي إلى الآن على حكومات "الربيع العربي" الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي وما يتطلبه من إصلاحات سياسية وخاصة تربوية. فلا يمكن للمجتمع الفاقد للسند التوحيدي أن يفرز حكومة لها تصور توحيدي. إذن لا يمكن أن تكون مثل هذه الحكومة حمالة لتصورات أو لمشاريع ترضي هذا المجتمع. ولمّا نعلم أنّ كل مجتمع، ناهيك المجتمع العربي الإسلامي، إنما هو فطريا تواق إلى التوحيد، فنتخلص إلى القول إنّ الإصلاح بحاجة أولا بالذات لرؤية توحيدية قبل حاجته للحكومة التي ستنفذ برنامجا ما لا ينبثق عن أية رؤية متسقة.

بكلام آخر لا يمكن إصلاح القضاء من دون إصلاح الأمن و لا إصلاح الأمن من دون إصلاح الاقتصاد ولا إصلاح هذا الأخير من دون إصلاح الجباية ولا إصلاح أي قطاع كان من دون إصلاح التربية والتعليم. 

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فلا يمكن أن تكون للمجتمع رؤية توحيدية والحال أنه منقسم من حيث العقيدة السياسية إلى أجزاء تقع على طرفي نقيض من بعضها البعض. وإلا هل يعقل أن نرى جانبا هاما من المجتمع العربي المسلم الواحد يساند "الثورة" في سورية ويراها مَنفذا إلى التحرر واسترداد الكرامة والأرض السليبتين، وجانبا آخر يساند النظام السوري ويرى فيه نفس الخلاص للأمة الذي عند خصمه الإيديولوجي بينما حكومته تغلق سفارة سورية في بلده، وأنّ كلا الجانبين يبرر موقفه بواسطة عقيدة التوحيد كأسّ لقناعته السياسية؟ ثم أية سياسة إصلاحية ستنجز بنجاح في ظل فكر مجتمعي منقسم إلى شق مؤمن منذ الأزل بمشروعية القضية الفلسطينية وآخرَ أضحت مشروعيتها بالنسبة له مسألة وجهة نظر إن لم نقل بات مقتنعا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني كخيار أمني ومستقبلي؟

أخيرا وليس آخرا، نعرب عن أملنا في أن تتحرر العقول في مجتمعنا العربي الإسلامي حتى تقبل بتغيير الطرائق المعرفية من دون أن يكون ذلك رهنا بتغيير المنهاج الديني، ومنه يتسنى للنخب أن تعمل من الأسفل إلى الأعلى حتى تتشكل الحكومة الممثلة لفطرية المجتمع وفي الآن ذاته تضمحل الحكومة الممارسة للإنزال الإيديولوجي اللاعلمي.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30649
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28