• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجميع لا يعترفون بأخطائهم... .
                          • الكاتب : سيد صباح بهباني .

الجميع لا يعترفون بأخطائهم...

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة/5.

الجميع لا يعترفون بأخطائهم ! و الجميع يصرون على البقاء في أماكنهم؛ الجميع لم يتعلموا شيئا من الدرس الذي ألقاه خير الثقلين رسول الله صلى الله عليه وآله بمقولته :(( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )) ولابد من أن نخلص النية ونجردها لله تعالى، فلا يتعب المسلم في التربية ليقال عنه إنه أحسن فيها، أو ليشار إليه بالبنان بأنه قد بذل الغاية في البحث عن سبل الهداية لأهل بيته، أو ليقال: يا له من مرب بارع! وتربوي ناجح!
قال تعالى  : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة 
لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (( إنما الأعمال بالنيات )).  وأن أكمل الطرق هي طريقته، وأبلغ المسالك سنته ,,ولكن للأسف أن أكثر المسؤولون عن الرعية بعيدين كل البعد عن أصل المطلب إلا وهي أفضل الجهد هو ما عملت مع ثمرات القلب لمنفعة الناس ... بل وأن نظم الدكتاتورية العسكرية. ومع أن أسلوب
((النظم التقدمية))  الحكم الدكتاتوري أسلوب سيئ ، من حيث هو، فان أسوأه ما كان منه دكتاتوريا مسيطرا عليه الجيش.. ذلك بان تربية الجيش بطبيعتها لا تؤهل رجاله ليكونوا حكاما مدنيين، يتجاوبون مع طبيعة المدنيين، في الاسترسال والحرية، وإنما هم ينشئون على الضبط والربط والطاعة العمياء .
ثم أن الجيش في الأوضاع الصحيحة، يجب إلا يكون له تدخل في السياسة، لان السياسة تفسده، وتصرفه عن تجويد فنه العسكري، وتجعله، بما يظن لنفسه من حق في التطلع إلى السلطة السياسية، يرى نفسه حاكما على الشعب، وانه، من ثم، من حقه الاستمتاع بامتياز الحاكم وهو عندهم الترف والدعة .
ثم أن الدكتاتور العسكري، وهو قد وصل إلى السلطة بفضل أخواته الضباط، وأبنائه الجنود، لا بد أن يرى حقهم عليه مما يوجب تمييزهم عن بقية الشعب.. وهناك أمر هام وهو أن هذا الدكتاتور العسكري، زيادة على ما تقدم، لا بد أن يرى انه مما يؤمنه ضد الانقلابات العسكرية أن يرضى أخواته الضباط بإعطائهم من الامتيازات ما يلهيهم عن التطلع إلى منافسته، وما يجعلهم أعوانا له ضد كل محاولة تستهدف إنهاء حكمه، سواء كانت هذه المحاولة من الشعب عامة، أو من أفراد مغامرين.. هذا، على أيسر التقدير، ما يكون في بداية أي حكم عسكري.. فإذا أتفق للدكتاتور العسكري، وقليلا ما يتفق، أن يكسب حب شعبه، وان يصبح، من ثم اعتماده على حماية الجيش إياه أقل، في أخريات الأيام، مما كان عليه في أولياتها، فانه يصعب عليه أن يسحب امتيازات الجيش التي تكون قد أصبحت يومئذٍ حقاً مكتسبا ومسلما به.. والامتيازات تفسد الجيش، كما يفسد الترف أخلاق الرجال في جميع الأماكن وجميع الأزمان.. وأسوأ من هذا! فان الشعب لا بد أن يدرك أن هذه الامتيازات، من الدكتاتور العسكري لبقية رجال الجيش، إنما هي بمثابة رشوة، ولمثل هذا الشعور سود العواقب على أخلاق الشعب وقيمه ..
والحكم الدكتاتوري، سواء كان من ملك وارث للعرش عن آبائه، ويجمع في يديه السلطات، أو من متسلط، مستبد مطلق، إنما يفسد الشعب بما يفرض عليه من وصاية تحول بينه وبين ممارسة حقه في حكم نفسه كما يفعل الرجال الراشدون.. وأسوأ من ذلك!! قد يكون المتسلط – وهذا هو الغالب الأعم – جاهلا بأساليب الحكم الصالح، وخائفا من انتقاض الشعب عليه، فهو لذلك يعتمد على الإرهاب، والبطش، والتجسس الذي يحصى على الشعب كل كبيرة وصغيرة، وينشر عدم الثقة بين أبنائه.. فمثل هذا الحكم إنما يربى المواطنين تربية العبيد لا تربية الأحرار.. وأنت لن تجد العبد يدفع عن حوزة ما يدفع الحر.. وجميع العرب بين تربية تشرف عليها الدكتاتورية العسكرية، وهى التي تسمى نفسها ((بالتقدمية)) و((بالثورية)) وبين تربية تشرف عليها الدكتاتورية المدنية، وهى التي تسميها الدكتاتورية العسكرية ((بالرجعية العربية)).. والشعوب العربية، بين هؤلاء وأولئك، مفروضة عليها الوصاية، من قادة قصّر، هم، في أنفسهم، بحاجة إلى أوصياء ..
ونحن لن نتحدث هنا عن قصور القيادات المدنية بين العرب، لان هذه القيادات ليس لها كبير أثر في الحوادث العنيفة التي تعرضت لها البلاد العربية في الآونة الأخيرة، وإنما سنتحدث عن القيادات العسكرية، وبوجه خاص عن القيادة المصرية – قيادة جمال عبد الناصر – لأنها فرضت زعامتها على العرب كلهم – بالترغيب وبالترهيب – حتى اصبحوا تبعا لها، فقادتهم من هزيمة إلى هزيمة، وجرت عليهم من العار ما أن خزيه ليبقى على صفحات التاريخ، إلى نهاية التاريخ .
الشيوعيون يورطون جمال عبد الناصر في الأخطاء
يحدثنا السيد جمال عبد الناصر من خطابه الذي ألقاه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري بالملك فاروق فيقول ((من المؤكد لنا جميعا أن إسرائيل في هذه المحاولة مكنتش بتعمل لحسابها وإنما كانت تعمل أيضا لحساب القوى التي ضاقت ذرعا بحركة الثورة العربية))، ويحدثنا المستشار الصحفي للسيد جمال عبد الناصر، السيد محمد حسنين هيكل في مقالة له بعنوان ((ماذا تريد أمريكا منا؟)) نشرت بالأهرام يوم 4/ 8 / 1967، فيقول ((الهدف الأول: تريد به الولايات المتحدة أن تحطم النظم الثورية في العالم العربي اليوم وفى مقدمتها النظام الثوري المصري – وباعتبار أن هذه الأنظمة هي الخطر على مصالح الاستعمار القديم الذي ورثته الولايات المتحدة الأمريكية، والاستعمار الجديد الذي تمثله هي اليوم)).
وتحدثنا الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعي السوداني في كتيب لها أصدرته في يونيو عام 1967 باسم ((العدوان ألا نجلو أمريكي الإسرائيلي)) فتقول، ((أن تواطؤ أمريكا وبريطانيا في العدوان الأخير يجب النظر إليه من زاويتين لتظهر أبعاده الحقيقية: -
أولا – هدف التواطؤ وهو كما أسلفنا القضاء على النظم التقدمية في العالم العربي وبصفة خاصة في مصر)).
هذه النظرة الخاطئة مصدرها الشيوعيون في روسيا وخارجها، وقد تورط في الأخذ بها السيد جمال عبد الناصر فأنطلق في الطريق الخطأ، وأصبح يصدر في تصرفه مع الدول الغربية عن عقدة من يشعر انه مضطهد، وانه مقصود بالعداوة، ولقد ظهرت هذه العقدة في خطاب الاستقالة المشهور، الذي ألقاه السيد جمال عبد الناصر في مساء يوم 8/6/1967 وذلك حيث يقول ((لقد قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أي منصب رسمي، وأي دور سياسي، وان أعود إلى صفوف الجماهير أودى واجبي معها كأي مواطن آخر)). لماذا؟ أسمعوا! ((أن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها وأراد أن يكون واضحا أمامهم إنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر.
((والقوى المعادية لحركة القومية العربية تصورها دائما بأنها إمبراطورية لعبد الناصر وليس ذلك صحيحا لأن أمل الوحدة بدأ قبل جمال عبد الناصر وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر))
هذا هو السبب الذي من أجله استقال السيد جمال عبد الناصر من منصبه في زعامة الأمة العربية!! فهل سمع الناس بزعيم يستقيل من أجل اعتبار أعدائه، وأعداء أمته، إياه؟؟ اللهم لا!! إلا أن يكون زعيما يعيش في عقول أعدائه، قبل أن يعيش في عقله هو، أو، بالأقل في عقل أمته.. وذلك شأن الزعماء الذين يتصرفون عن عقد نفسية، لا عن فكر سليم.. هذا إذا لم نقل شيئا عن توقيت الاستقالة نفسها.. ذلك بأنها قد أذيعت، و شغلت بها الأمة العربية، ولا تزال النيران تطلق، والعدو يتقدم في جبهة سوريا..
وامتدادا لتلك النظرة الخاطئة التي يروج لها الشيوعيون، وانطلاقا منها يرى الشيوعيون أن التحول في علاقات السيد جمال عبد الناصر مع الدول الغربية يرجع إلى قرارات يوليو عام 1661، وشيوعيو السودان، في كتاب هيئتهم البرلمانية الذي سبقت الإشارة إليه، يحدثوننا تحت عنوان ((الخلفية التاريخية للتآمر الاستعماري)) فيقولون، ((كانت قرارات يوليو 1961 التاريخية إيذانا بدخول الثورة العربية مرحلة جديدة في تطورها، هي مرحلة التحول الاجتماعي، فقد وضعت تلك القرارات الثورة العربية وجها لوجه مع الإقطاع ورأس المال، وفتحت الطريق أمام الصراع الحاسم بين شقي الرحى في المجتمع المصري: الطبقات الطفيلية المستغِلة من جهة، والجماهير العاملة من جهة أخرى)) والشيوعيون يعتبرون أن عملا نحو الاشتراكية لا يمكن أن يتم، في عالم اليوم إلا إذا ((وضعت الشعوب العربية وجها لوجه أمام الاستعمار الحديث باعتباره المعوق الأساسي لعملية التقدم الاجتماعي)) ولعمر الحق أن الاستعمار ليعوق التقدم الاجتماعي ولكن يجب أن نكون دقيقين في فهم مقاصد الشيوعية من هذه العبارة.. فالشيوعيون يعتقدون أن الاشتراكية هي الماركسية، وانك لن تستطيع أن تكون اشتراكيا إلا إذا صرت ماركسيا.. والحق أن الماركسية اللينينية إنما هي مدرسة من مدارس الاشتراكية، وجدت فرصة التطبيق في روسيا، وهى مدرسة لها من الانحرافات، عن سواء الاشتراكية، ما يوجب على الناس أن يأخذوها بحذر شديد، حتى يتقوا تلك الانحرافات الخطيرة، وسنترك تفصيل تلك الانحرافات لكتابنا الذي يجري الآن أعداده باسم ((الإسلام ديمقراطي اشتراكي))ونكتفي هنا بأن نقرر أن الدول الصغيرة، في يومنا الحاضر، يمكن أن تكون اشتراكية بدون أن تكسب عداوة الغرب، بل أنها قد تجد معاونة الغرب في سبيل اشتراكيتها، إذا كانت تدرك الخطر الذي تتعرض له من تضليل الاتحاد السوفيتي إياها، فتبذل مجهودا ذكيا في ي تصبح اشتر كية غير تابعة للاتحاد السوفيتي.. بمعنى آخر، إذا كان زعماؤها من الذكاء، وسعة الإدراك للصراع العالمي، بحيث لا يورطون بلادهم في ميدان الحرب الباردة الناشبة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية.. فلقد كانت يوغسلافيا، وهى دولة شيوعية، تتلقى معونة أمريكية عند ما كانت تناصب أستالين العداء، وترفض أن تخضع للاتحاد السوفيتي، أو تسير في ركابه.. واليوم عندما أعلنت رومانيا، وهى دولة شيوعية، استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، أخذ الغرب يتسامح معها، ويشجعها، ولأول مرة، منذ نشأة هيئة الأمم، أمكن أن يكون للجمعية رئيس شيوعي، هو وزير خارجية رومانيا.
ولو قد كان للسيد جمال عبد الناصر من الوعي السياسي وسلامة التفكير، والمقدرة القيادية بالمستوى المطلوب لامكن أن يصبح اشتراكيا من غير أن يكسب عدوات الغرب بالصورة التي جرها على البلاد العربية اليوم.. بل لامكن، في الظرف العالمي الحاضر، أن يصبح اشتراكيا بمعاونة، وبصداقة، من الشرق والغرب في آن معاً.
ومن أجل هذه الاعتبارات فان التحول لم يحصل بقرارات يوليو 1961، وإنما حصل بقرارات 26 يوليو عام 1956، وذلك بالهيئة غير المسئولة التي بها باشر السيد جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، وعن ذلك أسلفنا التفصيل..
أن الشيوعيين ليَضلون عن الحق، وُيضلون: هم يضلون عن الحق لقصورهم عن التفكير الدقيق، ولتورطهم في الغرض دائما، والغرض مرض كما يقولون.. وهو مرض فكري ومرض خلقي.. وهم يُضلون كل من يتعرض لهم، أو يتعرضون له، ولقد أضلوا السيد جمال عبد الناصر ولا يزالون يباشرون إضلاله، وعن طريقه يضلون العرب جميعا، ومع ذلك، أو لعله من اجل ذلك، يحدثنا السيد هيكل في جريدة الأهرام الصادرة يوم 25/8/1967 فيقول ((الحقيقة الأولى – أن الصداقة العربية – السوفيتية، وإزالة العوائق المصنوعة التي كانت تعترض سبيلها تعتبر من أهم المنجزات التي حققتها حركة الثورة العربية المعاصرة)).
فالعرب يعتبرونها صداقة مع الاتحاد السوفيتي! ليس هذا فحسب، بل ليعتبرونها، كما يخبرنا السيد هيكل، ((من أهم المنجزات التي حققتها حركة الثورة العربية المعاصرة)) وفى الحق أن حركة الثورة العربية المعاصرة لم تنجز شيئا وإنما نصب الروس لها شركاً فمشت إليه مغمضة العينين، وورطت معها العرب جميعا، فهم اليوم يستغلهم الاتحاد السوفيتي أشنع الاستغلال، ويظنون أن لهم إرادة ((أننا نحتفل اليوم بانتصار القومية العربية، وفى نفس الوقت نشعر أن القومية العربية أصبحت لها إرادة نافذة تقاتل في سبيل وجودها وفى سبيل كيانها، فقد مرت القومية العربية بمراحل متعددة، إذ بدأت تجابه الضغط والسيطرة الأجنبية وكانت تحاول دائما أن تتحرر من السيطرة الأجنبية لتكون لها مشيئتها الخاصة وأرادتها الحرة، ولكن السيطرة والاستعمار كانا دائما يعملان ما في وسعهما بكل الطرق وبكل الوسائل للقضاء على يقظة القومية العربية. ثم تطورت هذه القومية من مرحلة الجمود إلى مرحلة كفاح الاستعمار كافحت وقاتلت واستطاعت أن تنهى سيطرة الاستعمار)) هذا ما قاله السيد جمال عبد الناصر في يوم 26 /2/1958 في احتفالات إعلان الوحدة بين مصر وسوريا. وقد فشلت هذه الوحدة وانتقضت بعد تجربة أربعة أعوام، ولكن فشلها لم ينبه السيد جمال عبد الناصر إلى أن أفكاره أوهام، وأعماله القائمة عليها سلسلة أخطاء، وان غفلته عن حقيقة نوايا الاتحاد السوفيتي، وتوهمه إياه صديقاً للعرب، قد جرت على العرب من المآسي ما سيقترن باسم جمال عبد الناصر لبقية تاريخ العرب.. أما عن وهم جمال الذي يسميه ((إرادة القومية العربية)) فيكفى أن العرب اليوم لا يخاطبون في مصيرهم، وإنما يخاطبون في ذلك زعماء الاتحاد السوفيتي، فكأنهم هم الأوصياء على العرب، وقد اصبح العالم يعرف اليوم أن السلام لا يستقر في الشرق الأوسط إذا لم ترض عنه روسيا.ويا ترى أين اليوم روسيا؟ بل الحقيقة يجب أن نعتمد على عقولنا وسواعدنا وتآخينا وتعاوننا ليتسنى لنا أن نصنع النصر والشموخ ، إذن يداً بيد للتعاون والتآخي لنصرة شعوبنا وأنفسنا ونصرة المظلومين  في عالمنا والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
مع تحيات المحب للحرية
سيد صباح بهبهاني
behbahani@t-online.de




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3086
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5