• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أيام النفحات .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

أيام النفحات

ورد في الحديث عن قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):" إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً".
عزيزي القارئ إن رحمة الله بالعباد ومحبته لهم فتحت فرصاً ومناسبات في أيام الدهر والزمان لكي تكون سبيل الوصول فيها إلى الدخول في الرحمة الآلهية وثوابها عند الله جزيل وجزيل جداً فليس هناك أكرم من الله في فضله وإنعامه على بني البشر..
ومن هذه الأيام التي خصها الله عز وجل لخصوصية كبيرة وفضل كبير هي أشهر النور، ومنها شهر رجب الأصب الذي نحن اليوم في صدد أن نكون في أول أيامه المباركة، نفعنا الله وأياكم أن نكون من المشمولين بتلك الرحمات الآلهية..
التعريف بهذه النفحات:
جاء في اللغة: ونفحت رائحة الطيب: انتشرت واندفعت.
وفي التحقيق: أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الليّن اللطيف من الهبوب سواء كان في مادي كالريح والطيب، أو في معنوي كالنفحات الروحانيّة الواردة على القلب.
وفي المصطلح: هي النسمات  والهبات التي خصها الله عز وجل من عالم غيبه، وهي تعْرِض على قلب البشر ووجدانه وتجدد فيه الروح الإيمانية، فيحس الإنسان بشكل مفاجئ بهذه الحالة من الإقبال على الله عز وجل، بطريقة قد تكون غير معهودة من قبل.
من هنا فإن لله عزوجل نفحات، وهناك أماكن  وأوقات وأزمنة وأيام وأشهر جعلها الله سبحانه وتعالى من الأزمنة التي تضاعف فيها تلك النفحات، وعلى سبيل المثال لا حصر: من هذه الأيام والأشهر: أشهر النور: شهر رجب، شهر شعبان، وشهر رمضان.
وإن خير تطبيق على هذه الأمثلة، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها...". فينبغي على المؤمن أن يستغل هذه الفرصة لهذه النفحات ـ إن كانت في الأزمنة أو في الأمكنة ـ والتي عينها الله عز وجل في مكان ما أو زمان ما، وجاء في رواية آخرة: "ألا فترصدوا لها..".
وهذا يعني أن على المؤمن أن يجاهد نفسه لكي يستغل تلك النفحات وأن لا يتركها، ونفحة شهر رجب نفحة عامة للجميع، وكما هي النفحات في الأمكنة كالحج بيت الله الحرام، وزيارة المسجد النبوي الشريف، ومراقد الأئمة المعصومين والأنبياء (عليهم السلام) والحطيم، وهذه الأماكن المباركة هي نفحاتٌ عامة.
شهر رجب وأسمائه:
يُعرف شهر رجب بالأصب أو الأصمّ، أما عن سبب تسميته بالأصب فذلك لأن الرحمة تصب فيه على أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) صباً ويسمّى بالأصمّ أيضاً لأنه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله و لعدم سماع صوت القتال وقعقعة السلاح فيه. وهذا فهو من أشهر الله الحرام الذي جاء منفصلاً عن أشهر الله الحرام الثلاثة الباقية..
فقال الله عز وجل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
وقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في التعريف عن شهر رجب، فقال:
"رجبُ نهرٌ في الجنّةِ أشدُّ بياضاً مِنَ اللّبنِ، وأحلى منَ العسلِ مَنْ صامَ يوماً من رجب سقاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ منْ ذلكَ النّهر".
وقد سمي بـ "شهر الإمام علي" (عليه السلام) لأنه ولد في الثالث عشر منه، وقد قال الشعر السيد محمد الحسيني الجلالي في ذلك:
وفي الثالث عشر من شهر رجب *** إنه شهر الإمام المنتجب.
من أعمال شهر رجب:
أولاً: الاستغفارُ:
 عن الإمام الصّادق (عليه السلام) قالَ: عن رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله):
 "رجبُ شهرُ الاستغفارِ لأمتي، فأكثروا فيهِ الاستغفارَ فإنّهُ غفورٌ رحيمٌ، ويسمّى الرجبَ الأصبَّ لأنَّ الرّحمةَ على أمّتي تصبُّ صبّاً فيه، فاستكثروا منْ قولِ: "اَسْتَغْفِر اللهَ وَاَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ".
وأن يستغفر في هذا الشهر ألف مرّة قائلاً: "أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَا الْجَلالِ والإكرام مِنْ جَميعِ الذُّنُوبِ والآثام".
 
 
ثانياً: الصوم:
 عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"إنّ هذا شهرٌ قد فضّلَهُ اللهُ وعظّمَ حرمتَهُ وأوجبَ للصّائمين فيه كرامته".
ثالثاً: التسبيح:
 روي أنّ من لم يقدرْ على الصيامِ في أيامِ هذا الشهر يسبّح في كلّ يوم مائة مرّة بهذا التّسبيح لينال أجر الصّيام فيه:
"سُبْحانَ الإله الْجَليلِ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغي التَّسْبيحُ إِلاّ لَهُ، سُبْحانَ الأعزِّ الأكرمِّ، سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَهُوَ لَهُ أهل".
رابعاً: قراءة {قل هو الله أحد} مائة مرة في ركعتين في ليلة من ليالي شهر رجب: روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله): "إنّ من قرأَ في ليلةٍ من ليالي رجب مائةَ مرّة {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ} في ركعتينِ فكأنّما قد صامَ مائةَ سنةٍ في سبيلِ اللهِ، ورزقَهُ اللهُ في الجنّةِ مائةَ قصرٍ كلّ قصرٍ في جوارِ نبيٍّ مِنَ الأنبياء (عليهم السلام)".
خامساً: العمرة:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "وأفضل العمرة عمرة رجب".
سادساً: زيارةُ الإمامِ الرضا (عليه السلام):
سَألْتُ أبَا جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنْ رَجُلٍ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلَامِ، فَدَخَلَ مُتَمَتِّعاً بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فَأعَانَهُ اللهُ على عُمْرَتِهِ وحَجِّهِ، ثُمَّ أتَى المَدِينَةَ فَسَلَّمَ على النَّبِيّ (صلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ) ثُمَّ أتَاكَ عَارِفاً بِحَقِّكَ؛ يَعْلَمُ‏‮ أنَّكَ حُجَّةُ اللهِ على خَلْقِهِ وبَابُهُ الذي يُؤْتَى مِنْهُ، فَسَلَّمَ عَلَيك، ثُمَّ أتَى أبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ، ثُمَّ أتَى بَغْدَادَ وسَلَّمَ على أبي الحَسَنِ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بِلَادِهِ، فَلَمَّا كَانَ في وَقْتِ الحَجِّ رَزَقَهُ اللهُ الحَجَّ؛ فَأيُّهُمَا أفْضَلُ: هَذَا الذي قَدْ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلَامِ يَرْجِعُ أيْضاً فَيَحُجُّ، أوْ يَخْرُجُ إلى خُرَاسَانَ إلى أبِيكَ عَلِيّ بْنِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَيُسَلِّمَ عَلَيهِ؟!.
قَالَ: "[لَا] بَلْ يَأتِي خُرَاسَانَ فَيُسَلِّمُ على أبي الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفْضَلُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ في رَجَبٍ، وَلَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوا [في‏] هَذَا اليَوْمِ؛ فَإنَّ عَلَينَا وعَلَيكمْ مِنَ السُّلْطَانِ شُنْعَةً".
وأخيراً، أخوتي الكرام يجب أن نشتكي لله سبحانه وتعالى من قسوة القلب، يجب أن تكون هذه الشكوى عادة يعتاد عليها كل مؤمن، وإن القلوب المعرضة عن الله هي من أسوأ صور العذاب، ونلاحظ أن الله عزوجل يعذب مجموعة من البشر بعدم النظر إليهم في يوم المحشر، فو لا ينظر إليهم برحمته، ولا يكلمهم.
 لماذا لأنهم أعراضوا عن هذه النفحات وما فيها من ثواب، وإعراض الله عز وجل عنهم يوم القيامة لهو من صور العقوبة لهم عن إعراض قلوبهم في الحياة الدنيا، وكل إنسان يعيش هذه الحالة من الإدبار ولم يتأثر بتلك النفحات فليكن معلوم لديه أنه إنسان عليل القلب والروح..
نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لتلك النفحات وعدم الإعراض عنها، إنه سميع مجيب.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30937
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2