• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العنف وعلاقته بالوضع الجغرافي للعراق..التاريخ واللحظة المعاصرة .
                          • الكاتب : د . آمال كاشف الغطاء .

العنف وعلاقته بالوضع الجغرافي للعراق..التاريخ واللحظة المعاصرة

لم يخضع العراق لتغيير جغرافي يؤثر على الخريطة، و يغير من طرق المواصلات العالمية كما حدث في مصر، بعد حفر قناة السويس لأنها ربطت بين أوربا من جهة، و أسيا وإفريقيا من جهة أخرى، فلم تعد هناك من حاجة للدوران حول رأس الرجاء الصالح، وكذلك تفكيك الاتحاد السوفيتي الذي أدى إلى تغيير خريطته السياسية و ما تبعها من تأثيرات على ميزان القوى العالمية، بظهور دول جديدة، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، واقتسامها من قبل الحلفاء فتغيرت خريطة العالم جغرافيا و سياسياً.
إن ثبوت الخارطة الجغرافية للعراق لم يحمل عامل الاستقرار السياسي والاجتماعي للعراق فقط، وإنما للمنطقة بأسرها وذلك بسبب السياسة التي دأبت عليها الحكومات المتعاقبة بعد سنة 1958م في التعامل مع معطيات الواقع الجغرافي، وعدم عقلانية العلاقات القائمة بين الحقائق المكانية و العمليات السياسية واعتماد الأسلوب الدوغمائي في الخطاب السياسي وتجاهل مبدأ السببية في العلاقات الدولية . 
إن التغير في الجغرافية السياسية للعراق حصل نتيجة التغير في سرعة تغير الأفكار التي سادت بعد 1958 ولم تأخذ بنظر الاعتبار موقع العراق الجغرافي وطبيعة الأرض وسنبحث كل منهما:-
الموقع الجغرافي 
يتميز موقع العراق الجغرافي بثلاث خصائص مهمة جدا هي:- 
1. طبيعة الدول الحدودية 
2. حلقة الوصل البرية بين أسيا و أوربا من جهة أسيا وإفريقيا من جهه أخرى 
3. عدم وجود منفذ بحري واسع المدى . 
4. التوزيع والنمو السكاني. 
أولاً :- طبيعة الدول الحدودية 
إن الدول التي تحد العراق من الشرق و الشمال تقطنها أقوام آرية تختلف في جذورها وثقافتها وأعراقها عن الأقوام التي تقطن الدول الحدودية للعراق من الغرب والجنوب فحدود العراق الشرقية والشمالية تقطنها أقوام ذات أصول سامية . 
وتختلف الأقوام الآرية عن الأقوام السامية في جذورها التاريخية وثقافتها؛ بان الأولى تمتلك نظام دولة وحكم وعلاقات مع الدول المجاورة ولكنها لا تدين بعقيدة التوحيد وهذا انعكس على طبيعة الحكم من حيث التسلط والقوة.كما إن الأقوام الآرية تحكمها فكرة القومية التي تعني وجود امة على ارض معينة ولغة مشتركة وتاريخ مشترك وفكرة القومية لدى ألآريين نتاج الدين السائد بينها، إذ يتمثل في هيمنة إله أكبر تدين له بقية الآلهة ومن هنا نشأت مركزية الحكم، وكانت شرعية الحاكم مستمدة من الإله الأكبر،أما الأقوام السامية فهي أقوام تغلب عليها نزعة التوحيد ولكنها لا تمتلك نظام دول ذات أفق إمبراطوري 
في حين إن الأقوام السامية تحمل فكرة الوحدة العالمية والإنسان أينما كان ومهما كان انتماؤه فهو يدين باله واحد يتساوى أمامه الجميع دون تمييز. 
 كان الفتح الإسلامي ضروريا للعراق، فهو يمثل المجال الحيوي لدولة الخلفاء الراشدين، فهو المنفذ الوحيد إلى أسيا؛ حيث الصين والهند، كما إنها (دولة الخلفاء) لا تستطيع أن تستوعب التكتل البشري مع ضعف الموارد المادية خاصة بعد توقف الحروب القبلية إلا بالتوسع وضم ارضي جديدة لها، ولم يكن العراق فارغا أو دولة تابعة، بل كان تحت سلطة دولة إمبراطورية ذات نظام وطيد الأركان، تحكم شعبا له تاريخ ثقافي يمثله كتاب (الفستا). 
جاءت الهجرات العربية لتستوطن البصرة والكوفة التي قسمت إلى أرباع و في، زمن الحكم الأموي كان العراق يقع تحت ضغط الثقافة الآرية من الشرق والكماشة السامية من الغرب، والأخيرة متأثرة بنظم الإمبراطورية الرومانية، 
وفي أواخر الحكم الأموي ظهر واضحا أن العراق يمثل خط مرور ثقافات وأفكار كلا الطرفين إلى بقية الدول الإسلامية..مما جعل العراق في حالة قلق واضطراب أثرت على أمنه واستقراره سلبا، وخضع لموجات متعاقبة من العنف في زمن الدولة العباسية التي رأت نفسها وجها لوجه أمام الجذور السامية التي ترتبط بها، والمد الآري الذي يسعى إلى بناء دولة ذات أسس إمبراطورية، وظهر هذا واضحا في محنة الأمين و المأمون، وظل العراق أسير هذا الواقع حتى قيام الحكم الملكي حيث أدرك ساسته أهمية المجال الحيوي للدولة الفتية.
بذل ساسة الحكم الملكي جهودا كبيرة لتغيير المجال الحيوي مع الدول المجاورة من سلبي، يتصف بالتناقض السياسي، والمذهبي، والعقائدي، وما يتبعه من عدم تعاون مشترك، واختفاء القيادة الحكيمة الشجاعة، وقصوره في إدارة شؤونه، لكونه تابعا للإمبراطورية العثمانية إلى مجال حيوي، ايجابي، مؤثر، يتصف بانتهاج سياسة جغرافية لا وجود فيها لمشاكل حدودية أو تدخل في شؤون الدول الأخرى، ورفض تبني وجهات نظر عقائدية متطرفة تسعى (الحكومة) إلى فرضها قسرا أو ترغيبا، وعقد اتفاقيات و تحالفات وارتباطات مع الدول المجاورة كميثاق (سعد اباد) بما يضمن التعاون المشترك لمصلحة البلدين وإتباع منهج ثقافي يحترم خصوصيات الدول المجاورة، وكان هناك سبب آخر ضروري لدخول العراق في تحالفات وارتباطات مع الدول المجاورة حتى لايقع ضحية نظرية (ماكندر) التي وضعت المقدمات الآتية . 
1. من يحكم أوربا يحكم قلب العالم 
2. من يتحكم في قلب العالم يتحكم في جزيرة العالم 
3. ومن يتحكم في جزيرة العالم يحكم العالم . 
وعدت روسيا وألمانيا قلب العالم، وبذلك يكون العراق على حافة هذا القلب، فيما يكتسب موقعه أهمية بالغة، إذ عدّ التحكم فيه ضروريا لحماية حقول البترول، ومنع التغلغل الروسي في المنطقة. ولكن الحكومات العراقية بعد سنة 1958 انتهجت سياسة تتصف بالسلبية مع الدول المجاورة؛ بإلغائها لكل التحالفات والاتفاقات والارتباطات معها واتخاذ موقف مناوئ لها، وبدلا من أن يكون العراق مركزا لحوار الثقافة الآرية والسامية، أصبح موطنا للصراع بينهما، ودخل في دائرة الحياد الايجابي، من دون أن يكون حياديا أو ايجابيا، فهو يخطب ودّ أميركا ويشتري السلاح من روسيا، ولم يستطع أن يقدر بان دول الحياد الايجابي وحركة عدم الانحياز تفتقد في حينها لقوة نووية تدعمها في عالم الصراع فيه يعتمد على القوة النووية، ونتج عن دخوله في صراع مع الأقوام السامية والآرية المحيطة به على السواء خسارته لأجزاء من حدوده الغربية وحدوده الشرقية وفقدان لسيطرته على الجزء الشمالي، وفي معاهدة الجزائر سنة (1975 م) تخلى عن الاتفاقية الموقعة مع إيران عام 1937، عندما كان تحت الهيمنة البريطانية وأصبحت نقطة القعر في شط العرب هي الحدود البحرية بين العراق وإيران ، واعتبرت نقطة ترسيما للحدود .
إن الدول التي ترسم حدودها مع دول متباينة في أعراقها وثقافتها تعاني من العنف الداخلي إذا تجاهلت حكوماتها سياسة المجال الحيوي الايجابي وهذه ما مرت به دول أوربا الغربية قبل الحرب العالمة الثانية، وبعض الدول الأسيوية التي لها حدود مع دول ذات أعراق هندواوربية وأعراق سامية، في حين نرى أن مصر والجزيرة العربية و الهند أكثر استقرارا وأمنا لان حدودها بحرية، برغم أن بعضها دول ذات أعراق متجانسة . 
ثانيا :- العراق حلقة وصل بين أوربا واسيا 
شهد العراق في تاريخه القديم صراعات دامية، ليس فقط لكونه حلقة وصل بين أوربا وأسيا، بل بين الجزيرة العربية واسيا، وبين أسيا وأفريقيا. ونستطيع أن نقول انه خط مرور الغزاة فالاسكندرالمقدوني واجه الملك دارا الثالث ملك الفرس الاخمينيين في معركة اربل شمال العراق، وقتل الملك دارا في العراق، والاجتياح الوحيد الذي طال العرق كان من الشمال فى حين ان القوات الغازية، في الغالب تخترق العراق من الوسط أو الجنوب أي ما يسمى (بالبطن الرخو ) وذلك لوفرة المياه وصغر المساحة وانبساط الأرض، وقمبيز ملك الفرس الساسانيين عندما أراد غزو مصر مرت جيوشه عبر وسط العراق، ودفع العراق ثمنا غاليا عندما اتخذه هولاكو خط مرور إلى سوريا .أما الاحتلال البريطاني والأمريكي فتم من الجنوب من لواء البصرة، وتقدمت جيوشهما نحو الوسط وهذا يعني أن وسط وجنوب العراق منطقة غير محصنة ضد الغزاة تسعى الدول المجاورة لفرض هيمنتها على هذه المنطقة لتامين الخطوط الدفاعية الأمامية لها . وربما يعود هذا إلى موقع العراق الجغرافي حسب نظرية ماكندر، فالعراق قلب الشرق الأوسط، وموقعه يصلح لتصفية الحسابات بين الإمبراطوريات الكبرى، فأحلام الاسكندر المقدوني في توحيد الشرق والغرب ودمج الحضارتين من المتعذر تحقيقها إلا بالمرور عبر العراق للوصول إلى بلاد فارس .
وفي التاريخ الحديث قامت الحرب الصدامية الإيرانية بمباركة ودعم الدول الكبرى لاستنزاف الثروات النفطية للعرب وإجهاض جهود منظمة أوبك وتوجيه الصراع بعيدا عن إسرائيل وتحجيم الثورة الإسلامية في إيران، وكان العراق كبش الفداء لهذه الحرب التعسة التي باركتها بعض الأقوام السامية من الغرب والجنوب بقصد التخلص من أطماع صدام حسين ومنع تغلغل الثورة الإسلامية في دول الجوار .
ثالثا: افتقار العراق إلى منفذ بحري 
العراق بحاجة إلى منفذ بحري واسع المدى ليتسنى له استقبال السفن العملاقة لغرض تصدير البترول، ففي الخمسينات كان العراق يملك خطين لنقل البترول إلى شواطئ البحر المتوسط؛ 
احدهما عبر فلسطين ويذهب إلى ميناء حيفا، وتوقف هذا الخط بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، والثاني يمر عبر سوريا إلى شواطئ البحر المتوسط، الذي توقف، أيضا، أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك أثناء الحرب الصدامية الإيرانية، واضطر العراق إلى فتح خط عبر تركيا وآخر عبر المملكة العربية السعودية، وكل هذه الخطوط تخضع للعلاقات السياسية بين هذه الدول والعراق، وبهذا شكلّ تصدير النفط عامل ضغط على العراق . اخذ ساسة العهد الملكي هذه الثغرة في جغرافية العراق بنظر الاعتبار، فطرح مشروع الهلال الخصيب الذي يضم العراق وسوريا والأردن ولبنان لكي تستفد هذه الدول من خيرات العراق، وبنفس الوقت يؤمن للعراق الإطلال على البحر المتوسط، وفشل هذا المشروع، وأجهض بمؤامرة الدول الكبرى، وقصور النظر في السياسة العربية، وأطماع بعض قادة الدول الأشقاء في اخذ موقع الزعامة وتوالي الانقلابات في سوريا ليتحول هذا المشروع في أذهان الجميع إلى ما يشبه المشروع الاستعماري .وبعد فشل مشروع الهلال الخصيب كان هناك مشروع أخر يؤمن للعراق مجالا حيويا في الجهة الغربية بتصدير البترول عن طريق خليج العقبة   الاتحاد الهاشمي، ووأد هذا الأخير بعد ثورة عام 1958 حيث تولى الحكم رؤساء ادخلوا العراق في عزلة دولية وإقليمية رغم تضحياته المعنوية في تلك الحقبة من الزمن، وتحول العراق إلى ساحة صراع بين الأقوام الآرية و السامية بدلا من أن يكون مركزا للحوار. 
رابعا: التوزيع والنمو السكاني 
اعتبر (جبيون) أن سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية أمام البرابرة هو تناقص عدد الرومان بفعل ألأوبئة و الترف والحروب . والعراق عانى بعد 1958 استهدافا لسكانه تم على محورين التشتيت العشوائي للبنية التحتية السكانية والتصفية الجسدية بخطة منظمه بدأت بتهميش مدن العراق، فقد كان وضع ألوية العراق يتناسب إلى حد ما مع توزيع التجارة والدفاع والحكم، فالموصل مركز دفاعي يتمركز فيه لواء كامل في سنة 1937 وهي أيضا مركز تجاري مهم حيث منطقة الجزيرة تزود العراق بالحنطة لكنه ضعف (مركز الموصل) بعد حركة الشواف .
أما البصرة فميناء العراق فضلا عن أنها مركز لزراعة التمور، ففيها عشرة ملايين نخلة، وكركوك مركز لشركة النفط الوطنية، 
وألوية الشمال السليمانية واربيل مراكز سياحية مهمة، وتمثل النجف و كربلاء مراكز دينية، وتشكل الناصرية والعمارة والديوانية مراكز لإنتاج الحنطة والرز والثروة الحيوانية، والرمادي مركزا لتبادل البضائع . 
بعد سنة 1958 تغيرت الصورة، فقد تدهورت الزراعة بشكل حاد بإلغاء الإقطاع وتوالت الانقلابات العسكرية، وانكمش المجال الحيوي للعراق وازداد الجذب نحو بغداد ليتشكل حزام من أحياء الهوامش حولها، ولم تكن هذه الهجرة بسبب عامل النمو السكاني وإنماء التغيير الديموغرافي والاجتماعي، ففي دراسة للهجرة الداخلية أوضحت أنه في تعداد عام 1977 بلغ عدد المهاجرين ما يقارب 1,721،363 مهاجرا وفي عام 1978 بلغ تعداد المهاجرين 1،946،191 مهاجرا، وتشكل محافظة ميسان 29،4% من إجمالي صافي المهاجرين، تليها ذي قار ثم ديالى فنينوى، وفي الفترة التي تلت العام 1958 وبسبب العلاقات السياسية المتردية مع سوريا استغلت الأخيرة مياه نهر الفرات فحرم الجنوب من المياه وتعرض للتصحر، وقامت تركيا بمشروع يتضمن إنشاء 22 سدا على النهرين و 19 محطة توليد طاقة كهربائية، وانخفضت مياه الفرات بمقدار 15 مليار متر مكعب بالسنة وأصبحت المياه التي تعبر الحدود التركية السورية 13 مليار متر مكعب في السنة، بعد أن كانت 28 مليار متر مكعب . أما الفرات الذي يمر عبر سوريا فقد استعمل كورقة ضغط على العراق في الحرب الصدامية الإيرانية لقد سبب هذا كله تغييرا ديموغرافيا، فقد عانت المحافظات الواقعة على الفرات من شحة في المياه أثرت عليها اقتصاديا و تضاءل المنتج الزراعي إلى حد بعيد، وتدهورت الثروة الحيوانية مما اضطر العشائر الساكنة هناك إلى الهجرة تاركة أراضيها تأكلها الأملاح . 
شكلت الطبقة المهاجرة ثقافة خاصة بها، وكونت حزاما حول بغداد يتصف بالفقر والجوع والمرض، وتحولت بغداد إلى خزان بشري هائل، وأصبح واضحا التباين الاجتماعي والاقتصادي بين المهاجرين وسكنة بغداد مما اثر سلبا على العلاقات بين أفراد المجتمع، وذهب أبناء الطبقة المهاجرة وقودا للحروب، و بالتالي للصراعات المذهبية و العقائدية 
لقد استهدفت ثقافة الشعب العراقي عبر العنف الطائفي غير المبرر و استهدف نموه السكاني منذ 1958 حتى يومنا هذا عبر العنف السياسي و التهجير القسري والطوعي ، والعراق الذي نال استقلاله قبل الدول العربية جميعها، كان من المفروض أن يكون خزانا بشريا لشعب يتمتع بقدرات عقلية معروفة، فضلا عن قدرته الإبداعية، ولكن ما يجري هو استهداف ثقافة الفرد العراقي وتمزيقها بالطائفية وإفنائه بالإبادة الجماعية التي تستهدف الجميع دون استثناء لتحويل شعبه إلى أقلية تتحكم بها أجناس لا تمت له بصلة و إلغاء ثقافته الأصيلة وإظهاره كشعب يتصف بالعنف والقسوة . ان على الشرفاء من أبناء شعبنا أن يمدوا يد العون للشعب كي لا يكون ضحية لتجارة الإرهاب ووسيلة لنيل المكاسب غير الشريفة ولتحقيق طموحات لا إنسانية.
شاركها !
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=30982
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20