• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هكذا سألني الكاهن: فأجبت.. .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

هكذا سألني الكاهن: فأجبت..

في أحدى الزيارات التي قمت بها إلى أحد الأديرة ألتقيت بها رئيس الرهبان في هذا الدير، تبادلنا فيها أطراف الحديث، ومن المواضيع التي خضنا فيها، تقديس المسلمون لشخص نبي الله عيسى بن مريم (عليهما السلام). وعن مدى احترامنا وتقديرنا لهذا النبي الذي وصف في كتاب الله عز وجل بأروع الصفات، وكم هي الرعاية الخاصة التي أحاطه الله بها من أول اصطفاء أمه السيد مريم بنت عمران (عليها السلام) إلى أن رفعه الله عز وجل..
فما كان من هذا الكاهن إلا أن استوقفني قائلاً:"إن صلب المسيح هو نقطة خلاف بين المسيحيين والمسلمين ولكن على أقل تقدير يمكن أن أثبت لكم ومن القرآن أن المسيح قد مات!!".
فسألته عن السبب الذي أوصله إلى هذه النتيجة، فقال لي:" هناك آية في القرآن تتكلم عن وفاة المسيح ورفعه إلى الرب، حيث قال:{ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}. وهذا يدل على الأقل أن المسيح قد مات ورفع إلى الرب، وهذا ما يؤيد عقيدة المسيحيين ويدل على تناقض كتاب المسلمين.
فابتسمت وقلت له:"أرجو أن يتسع صدرك للجواب الذي سأسرده عليك، وبالتالي أن توافقني على بعض ما قد استدل به". فما كان منه إلا أن أومأ برأسه إشارة للقبول..
فأجبته...
أولاً: إن التناقض الذي تدعيه بين آيات القرآن الكريم هو غير صحيح، فإنه قد يكون صادراً عن عدم إلمام باللغة العربية أو جهل بأحكامها وقواعدها الأساسية..
وإنك قد استدليت بالآية الأولى التي تتحدث عن عدم قتل السيد المسيح (عليه السلام) أو صلبه إنما قد شبه له، والآية الكريمة هي الآية 157 من سورة عمران المباركة حيث قال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}. وجاء في الآية 55 من سورة عمران قوله تعالى:{ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}.
فالآية الثانية قد جاء فيها كلمة:{مُتَوَفِّيكَ}، والتي استدليت بها أنها تعني موت السيد المسيح (عليه السلام)، فإن اللغة العربية وكما قلت حمالة أوجه، ولكن الله عز وجل بهذه الطريقة قد صرف ذهن القارئ عن احتمال أن تكون كلمة {مُتَوَفِّيكَ} أنها تعني الوفاة أو الموت..
وبما أن هذه الكلمة تحتمل معنى آخر وهو الاستيفاء بمعنى: "أنه قد أخذه إليه بكله"، فهذا يكون المعنى المراد بكلمة {مُتَوَفِّيكَ} لأن الله عز وجل قد أخبرنا سابقاً أن السيد المسيح (عليه السلام) لم يقتل ولم يصلب بل قد نجاه الله تعالى وأخذه إليه بكله ونجاه من القوم الكافرين..
فتكون الآيتان في سياق واحد وليس هناك أي تناقض أو تنافي إنما جاءت الآية الثانية لتكمل ما حصل في الآية الأولى من اصطفاء الله سبحانه وتعالى والاستيفاء من نبيه (عليه السلام) ورفعه وأخذه إليه بكله..
وبهذه الطريقة نكون قد أجبت على دليلك الذي أوردته لتثبت موت المسيح (عليه السلام) من القرآن الكريم وقد أوضحت لك بطلان هذا الدليل كما أردت أن تحمله ما لا يحتمل..
ثانياً: إن قضية صلب المسيح (عليه السلام) هي قضية تاريخية لعلها وقعت، ولعلها لم تقع، والنقل الصادق والصحيح هو الذي يحدد وقوع هذه الحادثة من عدمه..
وإن من يعتقد بالديانة المسيحية قد لا يستطيعون إثبات صلب السيد المسيح (عليه السلام) ولا حتى يملكون دليلاً ظاهراً، جلياً، وقاطعاً على صحة ما يعتقدون به إلا ما تم نقله عنهم أنفسهم من مصادر تعود إليهم وحدهم.
 ولكن يحق للجميع مطالبتهم بأدلة القاطعة، الظاهرة، والجلية  التي لا تحتمل فيها أي تزوير أو تصحيف أو انتحال أو تصرف.. وهذا يعود إلى أنهم لا يملكون كتب أو مصادر تاريخية تعود إلى تلك الحقبة من الزمن، ولو ادَّعوا شيئاً من ذلك من أن الأناجيل تذكر حكاية صلب المسيح (عليه السلام)، فلا شيء يشير إلى عدم التصرف، والتلاعب فيه، والتناقض فيما بين الروايات عن ما حدث قبيل الصلب أو ما قد حدث فعلاً فإن القارئ الواعي يمكن له وبسهولة تامة أن يخرج بتلك التناقضات وغيرها من اختلافات، بل ليس هناك من دليل على أن هذه الأناجيل  تعود إلى تلك الحقبة الزمنية فعلاً..
 ولا بد أن نضع بالحسبان أن عملية التأكد من صحة نسبة هذه الكتب لهذا الزمان، وهو أمر غير ميسور لهم ولا حتى لغيرهم..
وقد يزعم البعض أن هناك بعض المنحوتات، وآثار تدل على ما يسردونه، فإن الشك هو حليف هذه الآثار وتلك المنحوتات ويسري إلى صحتها، أما عن كيفية إثبات أن هذه الآثار أو المنحوتات قد تعود إلى تلك الحقبة من الزمن، أو عن إثبات أن كاتب هذه الأناجيل والكتب هو شخص معين  بذاته أو ما إلى ذلك من أمور يحتاجها أي باحث أو عالم يريد الحق والحقيقة ما حصل فليس هناك أي طريق يقيني إليها.
 فيكون إثبات هذا الأمر ما هو بالأمر الميسور، وخاصة إذا كان الكلام عن أحداث تاريخية قد مضى عليها أكثر من ألفين سنة.. وإن مثل هذه الأمور الكثيرة والتاريخية التي قد تعتبر حساسة للبعض هي في وضع ضبابي وغير منقشعة الرؤية، وليس هناك من سبيل إلى إظهار الحق والحقيقة في هذه المواضيع إلا من خلال الحدس، والتخمين وإعمال الظن في كثير منها، وبما أن هناك الكثير من الملاحظات وانتقادات الحقة والأمور التي لا تحتمل وجه واحد والتي  يزاحمها العديد من الاحتمالات التي قد تنفي بها هذه المعتقدات..
أنتهيت من جوابي، ونظرت إلى وجه الكاهن، كان واضعاً يده على جبينه وكأنه يدور في ذهنه شيء ما، ولكنه... لم يجيب ولم ينبت ببنت شفة..
فسلمت عليه واستأذنت منه مغادراً على وعد بلقاء آخر لم يحصل إلى الآن...

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : السيد يوسف البيومي ، في 2013/05/16 .

الأخت الكريمة (إيزابيل بنيامين ماما آشوري) دمتم موفقين
أما بعد..
هذا صحيح فإن هذه الجلسة قد مر عليها إلى الآن أكثر من 5 أشهر ولم يتعين غيرها.. ولكن نحن لا نريد إلا حقيقة..
مع الشكر لكم لأنك تتفضلين علي بقرأة ما أكتب..
العبد الفقير إلى الله..
السيد يوسف البيومي..

• (2) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري ، في 2013/05/16 .

ولن يحصل لقاء آخر . هذا دأبهم .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=31151
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2