• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هكذا أشكل القس: فأجبته .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

هكذا أشكل القس: فأجبته

في أحد أيام الصيف الحارة، ذهبت أنا وبناتي الصغيرتين إلى حديقة عامة بالقرب من منزلنا، لكي نتظلل هناك بظل الأشجار ولكي يلعب الأطفال بألعاب مخصصة لهم في تلك الحديقة، وطبيعة هذه الحدائق هو الاختلاط فيما بين الأطفال، فإنهم يركضون ويلعبون معاً، دون أن يعرف أحدهم الآخر أو يكون على علاقة مسبقة به، وفي هذا الأجواء تعثرت طفلة أمامي فركضت لكي أنشلها عن الأرض، فجاء والدها وشكرني ولكن مستخدماً اللغة العربية الفصحة، وكان على هيأته أنه أجنبي..
وبالفعل صدق حدسي، وعرفني عن نفسه وقال:"أنه قس من الطائفة (البروتستانتية) وقد جاء إلى هنا بقصد التبشير أولاً، ولكي يعلم في أحدى جامعات الإرساليات في لبنان مادة التاريخ المسيحي".
وقد عرفته عن نفسي بأنني طالب علوم دينية، وفي نفس الوقت طالب في الدراسات العليا الجامعية، وقد أخبرني بأنه تعلم اللغة العربية لمدة سبع سنوات لكي يتمكن التكلم بطلاقة، وبدأ يخبرني عن أهداف الإرساليات التابعة لطائفته، وخلال حديثنا قال لي أن مبادئ وتعاليم طائفته تختلف عن باقي تعليم وعقائد الطوائف المسيحية الأخرى، مع أنهم يجتمعون على نفس الأناجيل، ومن أحدى الأشياء التي حاول التشبيه فيها بين المسلمين والمسيحيين هي مسألة "الشفاعة"..
فبالنسبة لهم لا شفاعة لأي إنسان إلا للسيد المسيح (عليه السلام) ولا شفاعة لغيره من القديسين والأولياء فإنهم أموات لا ينفعون لشيء، وهذا ما اعتبره من البدع وقد نسب هذا لعقائد المسلمين وخاصة الشيعة الذي قال عنهم بأنهم يتمسحون بالقبور كـ "الكاثوليك" و"الأرثوذكس"، بقصد التقرب من هؤلاء القديسين والشفعاء، وقد استشهد بآية من القرآن الكريم:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}. من سورة البقرة الآية 48.
ثم ذكر لي آية قال أنها من أنجيل يوحنا:( يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الأب يسوع المسيح البار).
ثم قال: "لا شفاعة لأحد عند الرب إلى من خلال الرب وحده وقد أتيتك بالأدلة من كتابكم ومن كتابنا؟!".
فأجبته:....
"قبل أن أجيب على ما استدليت به أنه من كتابنا، علينا أن نتفق على مسألة أنني ألتزم بما ألزمت به نفسي من الدليل، وعلى شرط أن تلتزم بما ألزمت به نفسك من الدليل، ونحن لسنا بصدد الجدل والمجادلة، ولكن بحثاً عن الحق والحقيقة، فهل توافقني على هذا؟!".
فأشار برأسه علامة للقبول..
حينها قلت:" لا بد لنا من مقدمة، ومن ثم نذهب إلى التفصيل"..
أولاً: علينا أن نعرف ما هو القصد بالشفاعة؟! من هنا علينا أن نرى ماذا تعني لغوياً كلمة الشفاعة؟!
الشفاعة في اللغة هي: الإنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى.
يعني القصد من الشفاعة أن هناك مراتب بين البشر بحسب قربها وبعدها من الله سبحانه وتعالى. وفي نظرك أنت أن السيد المسيح (عليه السلام) هو الوحيد المخول بالشفاعة دون غيره من القديسين والشفعاء الذي يعتقد بهم الآخرون، يعني أنك حصرت الشفاعة بشخص المسيح (عليه السلام)، أليس كذلك؟!.
فأجاب: "طبعاً"..
فقلت:" مع النظر إلى المعنى اللغوي من كلمة "الشفاعة" أتفقنا أنها ضم من هو أعلى مرتبة عند الله لمن هو أدنى منه مرتبة؟!".
فأجاب:"نعم"
فقلت:" إذاً نستنتج من هذا أن البشر هم أدنى مرتبة من السيد المسيح (عليه السلام) وهو الواسطة التي توصلهم إلى الله عز وجل أو إلى الرب، أليس كذلك؟!"
فقال: "صحيح".
فقلت مستدلاً عليه:" من هنا فإننا أيضاً نستنتج بأن السيد المسيح (عليه السلام) هو أدنى مرتبة من الله، وهو شيء مغاير عن الله عز وجل، وإلا لوجب علينا وحسب ما تدعي أن لا نتشفع بالمسيح (عليه السلام) حتى، بل وفقط نسأل الرب وحده، وليس غيره..
وهذه المسألة يتفرع عنها إشكالين، الأول: في المعنى اللغوي الذي قبلت به، والثاني: بالآية التي استدليت بها من الإنجيل:
أ ـ يترتب عبر المعنى اللغوي: أن المسيح (عليه السلام) هو أدنى مرتبة من الأب، وهذا يضرب عقيدة الثالوث عند المسيحيين إذ أنهم يعتقدون أن الذات الآلهية مكونة من: الأب والأبن وروح القدس..
فإذا كان الأبن وهو مكون من مكونات الذات الآلهية فهو أدنى بالمرتبة عن الأب، ولا يكون الأبن إله بل هو شيء آخر دون الإله، وإلا لماذا يتشفع للبشر عند الأب، فلو كان هو الآله ومكون للذات الآلهية لكان تقبل من البشر السؤال وغفر الخطيئة مباشرة، ومن هنا فإن التشفع بالمسيح (عليه السلام) لدى الأب ينافي "عقيدة الثالوث" ويبين أن الأبن دون الأب في الترتيب، وهذا يحتاج منك لتفكر أكثر، فمن خلال حصرك للشفاعة بالسيد المسيح (عليه السلام) لا يمكن لنا أن نقبل بأنه الأبن ومتفرع عن الذات الآلهية، بل هو شيء آخر يجب أن نبحث عن ماهيته، ولا يمكن أن نقبل بأن الله ثالث ثلاثة، إذ كيف لجزء من الله (الأبن) أن يتشفع للبشر عند جزء آخر وهو (الأب)؟!"
فتلعثم:"وقال أحتاج لأن أفكر فيها"..
فأكملت.. 
ب ـ  من خلال ما استدليت به من الإنجيل وهو ما حرفيته:( فلنا شفيع عند الأب يسوع المسيح البار).  فإننا نقول: "أن الأب هو شيء غير المسيح (عليه السلام) وهو في المرتبة الدنية عن الذات الآلهية ولا يمكن أن يكون جزءاً من هذه الذات، وقد أكد على ذلك كلمة (عند) فإن استعمالها في اللغة يدل أن "العندية وهي هنا غفران الذنوب" ليست للمسيح (عليه السلام) بل عند (الأب).
 فيتضح بأنه الواسطة بين البشر الخطاة وبين (الأب) الذي يغفر الذنوب عبر المسيح (عليه السلام) وعلى ما يبدو أنه ـ أي السيد المسيح (عليه السلام) ـ دون الله في المرتبة وإلا لكان غفر للبشر مباشرة وليس بحاجة ليذهب عند (الأب).
 إذ أن الآية جعلت منه "الشفيع عند الأب"، فإن كان جزءاً من الله لكان غفر لهم وهذا ما أكدته الآية موضوع البحث، ولكنه في الحقيقة: إن السيد المسيح (عليه السلام) أعلى من سائر البشر لذلك تأملوا منه أن يكون واسطة بينهم وبين من هو أعلى منه مرتبة ـ أي الذات الآلهية ـ وهذا يؤكد أن الناس تشعر أن المسيح (عليه السلام) هو دون الله عز وجل وأعلى منهم، وهذا أيضاً ما يضرب عقيدة الثالوث وأن الله مكون من ثلاثة أجزاء...
فأردت أن أكمل الموضوع، ولكن القس أعتذر مني وقال:" أنه يجب أن يأخذ الأولاد إلى البيت بسبب أن الوقت قد تأخر"..
فتركني على أمل اللقاء في فرصة ثانية لكي أشرح له عقيدة المسلمين وخاصة الشيعة منهم ورأيهم بـ "الشفاعة"، وعلى هذا الأمل باللقاء بهذا "القس الذي أشكل"...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=31521
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19