• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سلسلة المعرفة الحلقة السادسة والثلاثون النظام الاقتصادي في الإسلام الجزء الثالث .
                          • الكاتب : د . محمد سعيد التركي .

سلسلة المعرفة الحلقة السادسة والثلاثون النظام الاقتصادي في الإسلام الجزء الثالث

صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) مطلب المسلمين الأعظم
 
 
كما ذكرنا فإن أنواع الملكية تتحدد في ثلاثة : ملكية الدولة، والملكية العامة، والملكية الفردية .
 
أما الملكية العامة في النظام الاقتصادي الإسلامي فهي إذن الشارع (الله جل جلاله) للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين، أي أن هناك أشياء يشترك فيها كافة رعايا الدولة الإسلامية للانتفاع بها، دون ملكية شيء منها لأحدهم.
 
تتحقق هذه الملكية في ثلاثة أشياء رئيسية 1) كافة ثروات الأرض من المعادن التي لا تنقطع، كالبترول والذهب والفضة والحديد والنحاس والنيكل والبلاتين والملح وغيرهم، وكذلك كافة المصانع التي تقوم على استخراج هذه الثروات أو تكريرها أو تخزينها والاستفادة منها، فهذه كلها تقع في دائرة الملكية العامة التي ينتفع بها كافة المسلمين، ولا يجوز لأحد الاستئثار بحيازتها أو التصرف بها بيعاً أو شراءً، أو بيع الانتفاع بها، أو بيع أحقية استخراجها، أو إعطاء امتيازات استخراجها لأحدهم أو لأحد الدول، أو تأذن الدولة لأحد رعايا الأمة الإسلامية حيازتها.
 
بل تقوم الدولة )دولة الخلافة( والمسلمون على ثروات الأرض، وعلى مصانع استخراجها وتكريرها أو غيره، وعلى حمايتها، ويقومون على استخراجها بأنفسهم، والتصرف بكمياتها حسب حاجتهم، وحسب ما تقتضيه السياسة الداخلية والخارجية، وتقوم على استخراج وبيع كميات منها تغطي الحاجة فقط دون زيادة، وتقوم على منع أعداء المسلمين حيازة أو تحصّل شيء منها قد يستخدم ضد المسلمين، أو قد يُوظف لقتالهم أو التأثير على صناعاتهم، أو ابتزاز أموالهم، أو استخدامه كسلاح تجاري ضدهم (كما تفعل أمريكا وغيرها بالشراء المشروط لكميات هائلة من البترول من أراضي المسلمين لتخزنها فتلعب بأسعار السوق العالمي عندما تقتضي الحاجة ذلك .
 
2) كل ما هو من المرافق العامة كالماء، والكلأ (أراضي الرعي)، والنار(كل ما يوقد به كالمازوت أو الكهرباء قياساً أو البنزين أو غيره، ومما يستخدم للمواصلات أو الخدمات العامة كالإنارة)، وكالشوارع والطرقات والميادين في المدن، والأراضي البوار، والأراضي الزراعية، والجبال والوديان، كل ذلك يعتبر من الملكية العامة التي لا يجوز للدولة الإسلامية أن تكون ملكاً لها، أو ملكاً لأحد أفراد رعيتها، أو تقوم ببيعها أو جزء منها على أحدهم، أو تفرض ضرائب على بعضها (إلا بما هي في حاجة إليه للقيام بتكاليفها في رعاية شؤون رعاياها من المسلمين وغيرهم، وبالكيفية التي ذكرنا عاليه.
 
إلا أن الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) تقوم كما ذكرنا على تنظيم هذه المرافق، وتقوم بالإشراف عليها، وتقوم بتنظيم عملية الانتفاع بها، أو إقطاعها، والمحافظة عليها وتنميتها، دون تفضيل أحد رعاياها على غيره، أو تقديم أحد منهم على الآخر، وإنما تنظيم الانتفاع بها بين المسلمين لا فرق بينهم، وكذلك لمنع المنازعات على هذه المرافق . 
 
3) كل ما من طبيعته يحُول دون امتلاك أو حيازة الأفراد له، يكون من الملكية العامة، وذلك كالبحار والأنهار، والسواحل، والخلجان، والبحيرات، والأفنية العامة، والمضايق، وكذلك المؤسسات القائمة على مصالح الناس العامة كالموانئ، والطرق، والمطارات، والمواصلات، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد، والملاعب، والحدائق العامة، والملاجئ، والقطارات ومحطاتها، والبواخر القائمة على شؤون الممتلكات العامة، والمؤسسات العسكرية والتعليمية والأمنية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، كل ذلك من الممتلكات العامة للأمة الإسلامية، التي لا يجوز لا للدولة، ولا لأحد رعاياها أن يمتلكها أو يستقطعها، أو تقوم الدولة بتأجيرها أو بيعها على أحدهم، أو تعطيه حقاً في التصرف بها دون المسلمين. 
 
بل يجب على الدولة (الخليفة) أن يأمر بتوفيرها وتسخيرها لرعايا الدولة، وتقوم بعملية تنظيم عملية الانتفاع بها، وإدارة شؤونها لمنفعة الناس أجمعين، وعدم بيع ما تقدمه من خدمات، ومنع التحايل على استغلال أحدهم لبعضها دون غيره، أو إعطاء بعضهم أي امتيازات للانتفاع ببعضها أو بيعها، فكل هذه الأشياء والخدمات ملكية للناس أجمعين .  
 
عندما سقطت دولة الخلافة العثمانية )في عام 1342هـ ،1924 م( كانت كل هذه المرافق والخدمات في البلدان الإسلامية ما زالت من الملكية العامة التي لم يستطع الغزاة وأعوانهم من الحكام أن يحوّلوها سريعاً إلى ملكيات بالكيفية الرأسمالية، لأن ذلك كان هلاك عاجل لحكمهم، حتى أخذ حكام هذه الدول تدريجياً في اغتصاب هذه الأملاك العامة بدءاً من الأراضي والوديان والجبال، وثروات الأرض والبحار والأنهار وبيعها لأبناء المسلمين أو لغير أبناء المسلمين ودولهم، لا لأن تصب هذه الأموال في بيت مال المسلمين، ولا لأن تسخرها في المصارف المكلفة بها الدول عادة، بل لتصب في بنوك الحكام وأتباعهم وأعوانهم ولحساباتهم الشخصية، والاستمتاع بها كأنها مال مكتسب بعرق الجبين .
 
أما ثروات الأرض، فكانت حصة الأسد منها من نصيب الدول التي احتلت البلدان الإسلامية كأمريكا وبريطانيا وأحلافهم من الأوروبيين، فقد أخذت هذه الدول الامتيازات لشركاتها في استخراج هذه الثروات وعلى رأسها البترول، وأخذت امتيازات تكريره وتصنيعه وبيعه ونقله، والتصرف بالسياسات العالمية والمحلية من خلاله، والسيطرة على البحار والأنهار والخلجان في العالم الإسلامي من أجله، ودفع جزء من ثمنه مشروطاً لحكام هذه البلدان ليتصرفوا به، كأنه مال خاص لهم. 
 
أما ما تبقى من الممتلكات العامة والخدمات فقد قامت دول العالم العربي والإسلامي الكرتونية ببيعه على الشركات العالمية والمحلية الخاصة، كبيع وإنشاء المصانع ذات المنتج العام، وبيع أحقية فتح الأسواق التجارية للمنتجات والصناعات الأجنبية، وبيع أحقية فتح المستشفيات والمدارس والجامعات الخاصة، وبيع خدمات الاتصالات، والماء، والكهرباء، والصرف الصحي، وبناء المدن، وبيع الموانئ أو تأجير الانتفاع بها، والطائرات والمطارات، والمواصلات، حتى بيع خدمات الحجيج في إطار ما يسمى بالخصخصة، وبالتالي جعلت كل هذه الممتلكات والخدمات مدفوعة الثمن للناس، وهي في الأصل ملك عام لهم، وبالتالي انحاز المال إلى أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والبنوك، وخرجت الأموال من البلاد، وفقد الناس ما بأيديهم من الأموال وأصبحت في أيدي شرذمة قليلين من التجار وأصحاب السلطة وأعوانهم .
 
هذه هي الملكية العامة، التي فرضها الله وشرعها للناس أجمعين، وهي التي عبث بها الطواغيت وعرفوا كيف يأتون أموال الناس وينتزعونها منهم، بل وعرفوا كيف يجعلون كافة أموال الناس السائلة مرهونة عندهم في البنوك، وهي التي من خلالها تعززت هيمنة الرأسماليين وعصابات الرأسمالية والإجرام، ليس على بلدانهم وشعوبهم فحسب، بل حتى على الشعوب في العالم أجمع، وليس على شكل اتفاقات أو معاهدات فردية فحسب، بل حتى من خلال مؤسسات عالمية، تبدأ من البنك الدولي وتنتهي بمؤسسات كمنظمة التجارة العالمية وغيرها . 
 
قال الله تعالى في سورة آل عمران 77 
وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
 
وقال الله تعالى في سورة آل عمران :
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  
  
http://dralturki.blogspot.com/2009/04/blog-post_251.html



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32318
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19