كثيرة هي الحكم التي قالها الإمام علي (ع) وخلدتها الأيام، ومنها قوله: "المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه".
والطيلسان في المعجم الرائد: كساء أخضر لا تفصيل له ولا خياطة. يلبسه خواص العلماء والمشايخ . جمعه: طيالس وطيالسة.
وهو في معجم اللغة العربية المعاصر: شالٌ، وشاح، كساء أخضر يضعه بعض العلماء والمشايخ على الكتف.
وهو لباس أعجمي أو يهودي لم تكن العرب تعرفه ولا قلوبهم ترف له ولا تألفه، بل كان بعضهم يعد لبسه منقصة وارتداءه تدان والخروج به نزول، ولذا تجد في المعجم الوسيط: ومن شتْم العَرَب(أي من شتائمهم): يا بْنَ الطيلَسَانِ: يريدون: يا عجميّ.
والذي اعتقده أن المعنى الذي أعطاه المعجم الرائد أكثرها قربا لقول الإمام علي (ع) فالقول يقصد المَخبر وليس المظهر والوشاح والشال لا يخفي من الجسد مثلما يخفي الكساء الذي يغطي الجسم كله ويدور من حوله.
وفي فتح الباري لابن حجر: والطَّيَالِسَة جَمْع طَيْلَسَان وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي لَهُ عَلَم وَقَدْ يَكُون كِسَاء ... وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر (رض) عِنْد مُسْلِم أَنَّهَا "أَخْرَجَتْ جُبَّة طَيَالِسَة كِسْرِوَانِيَّة فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّة رَسُول اللَّه (ص)".
ومع أن حديث أسماء في منتهى الوضوح والإفصاح ولاسيما وأنها ادعت أن ما أرتهم إياه هو جُبَّة طَيَالِسَة كِسْرِوَانِيَّة تعود إلى النبي (ص) إلا أن الإفتائيين اختلفوا في شرعية لبس الطيلسان، ونسب بعضهم ارتداءه إلى الكراهة أو البهتان.
ففي عمدة القاري شرح صحيح البخاري عن أبي عمران قال: "نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال: كأنهم الساعة يهود خيبر". وقال القاري: قوله :كأنهم أي: كأن هؤلاء الناس الذين رأى عليهم الطيالسة يهود خيبر. وهذا إنكار عليهم لأن التشبه باليهود ممنوع وأدنى الدرجات فيه الكراهة. وقال بعضهم: ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. وقال غيره: وقيل: إنما أنكر ألوانها.
تباين الآراء هذا يثبت أن الأمة العربية أمة حية متفاعلة متفائلة متشائمة متهاومة؛ تحسب للهنة حسابها وللهنيهة عقابها، فما حدا مما بدا لتتحول بين ليلة وضحاها من ذرى المجد والعلياء في كنف الثريا إلى أن يقودها أشقاها فتثور عليه جماهير غوغائها كغنم مستنفره فرت من مرعاها لينبعث أشقاها وهو عن الزندين مشمر ليقتل وينحر الأبرياء فيستخرج أكبادهم وقلوبهم طرية ندية حمراء قرمزية؛ يلوكها باسم الواحد الأكبر، ويداه من دم المنحر تقطر، وقد بدا هكذا في الصور غير خائف من تلك التي تنتظره لواحة للبشر.
يا أمة تستعدي الأيام على نفسها، ولم تعد تملك مجرد خيط طيلسان ولا بنت لسان ولا قلب أو جنان هل ليوم السعد من عود؛ بعد أن ولى وأدبر وعافنا نتعثر ونتبعثر ونتقشمر؟! أم هي النهاية ومنتهى النكاية وفرقة إلى النهاية بلا علم ولا دراية، وحسبي الله والله أكبر
16/6/2013 |